حوارات عامة

في حوار مع الكاتب والشاعر والسيناريست السعودي سلطان رده:

كاتب وشاعر وسيناريست سعودي، من مواليد مدينة الطائف ومقيم في جدة، يكتب بأسلوب رائق عذب، كما انه يعد ويخرج البرامج التلفزيونية، في هذا الحوار سنحاول سبر أغوار سلطان رده لنستطلع من دواخله صور لحاضر نريده إبداعيا بامتياز، متطلعين معه نحو غد نريده ويريده أن يكون مشرقا ومعبأ بصور إنسانية خلاقة.

ـ بدأت قاصا، ثم اتجهت إلى الشعر، وحاليا تمارس أيضا العمل الصحفي وتكتب السيناريو، وكتابة أي جنس أدبي استلهام وعقيدة، همة وتجربة.. من هنا سأبدأ معك. هل ستهجر القصة والشعر، وفي أي جنس أدبي تجد نفسك اكثر؟

* القصة والشعر أساس كل حياة فمنها يتم التوجه لممارسة الجنس الأدبي بكل حرية، أحتاج كثيراً للسرد من القصة لكي أكتب السيناريو بطلاقة وبطريقة تجعل السرد ممتعاً للمتلقي أضف إلى ذلك أن الشعر يصبغ كل كلمة تكتبها وكل مشهد تقوم بتصويره بالشاعرية، أعتقد أن المزج ما بين مجموعة من الإبداعات الأدبية يعطي الحس الراقي والمرهف وخصوصاً في الأعمال المرئية،ما يميز الأعمال التلفزيونية أنها تحتوي على جميع الفنون في قالب واحد لذلك لابد من الحرص على تكثيف الثقافة في جميع المجالات وأنا لم أفكر إطلاقاً في ترك أيّ من هذه المجالات لأني أتلذذ في ممارستها صباحاً ومساءً وبأشكال وطرق مختلفة وأكثر جنس يتلبسني هي القصة المصورة .

 

ـ لديك مجموعة قصصية بعنوان (لحظات مبللة) وأخرى بعنوان (هجرة الفراشة) ولكنك حتى الآن لم تقم بطباعتها، لماذا، هل من معوقات؟

* أبرز المعوقات التي تواجهني في حياتي أنني كسول جداً في الجوانب التي تتعلق بسلطان رده ومهتم جداً بإنجاح أعمال الآخرين وقد كانت هناك أكثر من جلسة انفرادية مع نفسي وللأسف نصل في نهاية الحوار لمعارك شرسة فهي تتهمني بالتقصير وأنا كذلك ولم يتم حلّ هذا الخلاف حتى الآن .

ـ (لحظات مبللة) هي مجموعة قصص مفسوحة من الإعلام السعودي، هل من رسالة تود أن تقولها من خلال هذه المجموعة؟

* حياتنا مجرد لحظة، واللحظات لدى اجتماعها تُكّون لحظات وعادة ما تكون لحظاتنا في الحياة مبللة بالدمع والمطر وكانت جميع رسائلي في هذه المجموعة مجرد لحظة.. أجزاء من الدقيقة رصدتها بعيني وشاهدتها بخيالي، تلك اللحظات التي يعتبرها البعض مجرد موقف ومر كعابر سبيل ما هي إلا وضع حجر أساس للمستقبل وما يهم في كل ذلك هو طريقة تفاعلنا مع كل ما يحدث لنا في الحياة فقراراتنا هي مستقبلنا .

 

ـ أسست مجلة خفايا، لكنها لم ترى النور بكل أسف، لماذا؟

* خفايا ذنب قديم ارتكبته لحظة ألم ...وكانت سبباً في تغيير مجالي من العلاج الطبيعي الذي درسته إلى الكتابة، أشعلت العالم شغباً بها فقد كانت تحمل الكثير من الأفكار التي لازالت تناقش في أروقة المجلات الأخرى إلا أن التمويل كان سبباً رئيسياً في توقفها بعد أن توقف الداعم المالي عن الوثوق بها . عموماً خفايا بحد ذاتها رواية لأن تفاصيلها معقده هل تصدق أن هذه المجلة كانت كبساط الريح فقد نقلتني إلى قناة MBC دون علمي وعادت لتأخذني في رحلة لازلت أمارسها وهي رحلة الإنتاج الخاص ولا أدري أين ستضعني خفايا في المستقبل .

 

 ـ الآن تدير شركتك الخاصة للإنتاج خفايا، حدثنا عن هذه الشركة وماذا تقدم؟

* شركة خفايا هي امتداد للأفكار التي حملتها المجلة فنحن نفتح ذراعينا لكل موهوب أو موهوبة لدي أكثر من موهبة أراهن على بروزها في المستقبل ولازلنا نستقبل حتى الآن المبدعين ونعاملهم بشكل مختلف، فالمبدع كائن غريب له طريقة خاصة في التعامل ويختلف كل مبدع عن الآخر وهذه الخلطة الخفية لخفايا فقد استطاعت أن تكسب حب ورضا الجميع وصدقني لست مديراً بقدر ما أكون قلباً نابضاً للجميع فأنا فرد بها وما نقدمه حالياً هو البحث عن الأفكار المختفية وكتابتها كسيناريو ومن ثم تنفيذها كعمل تلفزيوني سواءً من إعداد للبرامج وإخراجها أو الإعلانات التوعوية لخدمة المجتمع أو الأفلام الوثائقية .

 

ـ أمة اقرأ أصبحت لا تقرأ، ما رأيك؟

أمة اقرأ أصبحت تشاهد وتسمع حسب اعتقادي ! يبحثون عن المعلومة على طبق من ذهب .

 

ـ هل تعاني الصحافة السعودية من أزمة حرية شأنها شان الصحافة في أنحاء كثيرة من عالمنا العربي؟

* أزمة الحرية المطلقة متعارف بها في كل مكان فهناك حدود توضع بأشكال وأحجام مختلفة في كل مكان في العالم وكل دولة تضع قوانينها الخاصة . وأعتقد أن الصحافة السعودية أكثر انفتاحا من ذي قبل ولكن هناك سؤال أهم يدور في رأسي، لماذا يمارس بعض أصحاب المواقع الإلكترونية هذه السياسة في العالم الرقمي الذي يفترض أن يلغي الحدود تماماً؟

 

ـ ما مدى مساهمة الرواية السعودية في إغناء الحركة الروائية العربية، وهل الرواية في الوقت الراهن قادرة على الاحتفاظ بالقارئ المثابر على القراءة التي قد تمتد لأيام؟

* ثقافة الراوي الأجنبي لا زالت تسيطر على القارئ فهو يثق بالخبرات الأجنبية أكثر من الخبرات العربية أو السعودية، والسوق السعودي الآن ولدى زيارتي الأخيرة وجدت به تضخم في الروايات المتواجدة على الأرفف وهذا مؤشر جيد لتحول وتطور الرواية السعودية وإثبات الوجود ولكن صدقني لن تأخذ رواية وتجازف دون أن تسمع عنها مسبقاً، وما أقصده هنا اهتمام وسائل الإعلام بالرواية وكلام النقاد يعتبر أكبر مسوق للرواية لأن هناك أكثر من كاتب مبدع تواجد على الرف بصمت شديد ولم تغادر كتبه المكان، المشكلة ليست هنا المشكلة في عدد القراء المتناقص والصمود أصبح صعباً للكتاب في ظل التقدم التكنولوجي .

 

ـ كتابة القصة فن ليس بالسهل، وتحتاج إلى مهارات فنية عالية وموهبة استثنائية، ومع ذلك يقول البعض إن القصة ما هي إلا مجرد تدريب يسبق الرواية، ما رأيك بمثل هذا الكلام؟

* الرواية تحتاج دائماً إلى قدرة سردية هائلة وأحداث كثيرة ونفس طويل في الكتابة والتعلق التام في مجموعة من الشخصيات الموجودة في الرواية والقصة ليست مجرد تدريب أعتقد أنها أكثر من ذلك، ويكفيك المفردات والتكثيف اللغوي في مجموعة قليلة الأسطر.

 

ـ غالبا ما نرى إقبال الناس في عالمنا العربي على الكوميديا والتراجيديا أكثر من الإقبال على الثقافة الحقيقية،بماذا تفسر ذلك؟

* راقب جيداً وجوه وتفاصيل الناس في الشارع أو في السوبر ماركت أو في أي مكان ... راقب تصرفاتهم .. حركاتهم سكناهم ..وجوه باردة ووجوه تناقش مشاكلها على طاولات المقاهي، هم في بحث مستمر عن حياة مستقرة لا يمارسونها إلا لدى اندماجهم في مشهد تراجيدي أو كوميدي يشاهدونه .. يبحثون عن الحلول السريعة والجاهزة التي تُسكّن ألمهم للحظات مع أن ممارسة الثقافة الحقيقية يومياً يجعلنا نصل لما نريد ويجعلنا نحن أبطال أفلامنا السينمائية والتي تحتم علينا في المقابل أن نكون أقرب للكمال في تصرفاتنا.

 

 ـ اللغة هي أهم أداة من أدوات التعبير للمبدع مهما كان نوع إبداعه، كيف تفعل هذه الأداة فعلها في إبداعاتك؟

* أستمتع في جمع المتناقضات في اللغة وتشكيلها كيفما أشاء، أبحث دائما ً عن مفردات تدخل لقلب القارئ دون استئذان، في اللغة يمكنك ممارسة إجبار المفردات والأحرف على الرضوخ لقوانينك الكتابية الخاصة فقط أنت بحاجة إلى الاسترخاء والابتسامة والاستعداد التام للاندماج مع كل حرف وكلمة وجملة .

 

ـ قمت بكتابة سيناريو خاص بمنظمة الغذاء العالمي وقام بتنفيذه المخرج الأمريكي جاناثن ماذا قدم لك هذا العمل؟

* في هذا العمل اكتشفت أننا كعرب نملك لغة قوية وعاطفة وشاعرية تدخل إلى القلوب دون استئذان وهذا العمل أفتخر جداً بكتابته فالمخرج أبدى إعجابه الشديد بالنص المكتوب وقال : هذا ما كنت أحتاجه وهذه اللغة التي كنت أحتاجها .وبقدر ما كنت سعيداً بكلماته بقدر تأثري لعدم توفر كتاب سيناريو في السعودية وقلة فقط هم من يمارسون هذا الفن .

 

 ـ كنت مراسلاً في نشرة أخبار قناة mbc كيف تصف لنا هذه التجربة وخصوصاً وأنها بعيدة عن الشعر والقصة ؟ وما السبب في تركك لهذه المهنة ؟

* حتى هذه اللحظة لا أعلم ما حدث وجدت نفسي هناك ممسكاً بالميكرفون وأمارس هذه المهنة وكأني أعرفها منذ زمن هناك من لازال يعتقد أن مهنة المراسل عادية جداً وأنا أكاد أجزم أنها مهنة صعبة فكل ما يتعلق بالتقرير أنت المسؤول الأول عنه ومطلوب منك إدارة جميع الأمور والبحث عن الأخبار الجديدة ومن ثم تصويرها وكتابتها وإلقائها ومع كل ذلك كان لها لذة من نوع مختلف

أما فيما يتعلق بتركي لهذه المهنة فأعتقد أن 9 أشهر بهذه المهنة كانت كافية تماماً لممارسة شغب من نوع مختلف فلم أخلق لأكون مراسلاً .

 

ـ قمت بتحويل موضوع الصحة النفسية لرسالة كوميدية صامته في فيلم توعوي وقد أشاد فنان العرب محمد عبده بهذه التجربة برأيك ألا يحتاج السيناريست والمخرج لثقافة التوعية لتنفيذ هذه الأعمال ؟

* الفيلم التوعوي لمستشفى الصحة النفسية بجده كان مجازفة من نوع مختلف فالممثلين كان ظهورهم لأول مره والفترة كانت قصيرة جداً للتنفيذ وكنت مجازفاً جدا لكي أوصل رسالتي بشكل صامت وبصدق شديد لم أتوقع كل هذا الضجيج الذي أحدثه الفيلم وقد أسعدتني حقاً إشادة فنان العرب بهذا العمل

أما عن ثقافة التوعية فهي مطلب رئيسي للمخرج والسينارست أن يطور مهاراته في جميع المجالات وليست التوعوية فحسب وهذا يتطلب القراءة والمتابعة والأهم من هذا التركيز على التفاصيل الحياتية الصغيرة .

 

ـ ما مدى تأثير بيئة السعودية بشكل عام وبيئة مدينتك جدة بشكل خاص عليك ككاتب وأديب؟

* ولدت في مدينة الطائف وهي معروفة بجوها الساحر وأيامها الممطرة والباردة وقد تكونت لدي الأسس الإبداعية فيها وخصوصاً قربي من أخي الكاتب المسرحي فهد رده الحارثي وكانت هذه الفترة الأولى أما الفترة الثانية فهي مدينة جده والتي سكنتني 10 أعوام وجده كان لها تأثير مختلف في انطلاقتي وخصوصاً وأن جده تعتبر من المدن المنفتحة ثقافياً لتواجد أكثر من جنسية عربية وعالمية بها

صدقني الإنسان قادر على صنع عالمه الخاص به في أي بيئة كانت

 

ـ كمبدع أي عالم تريد أن تضعه في أوراقك؟

* أتمنى أن يتم اختراع جهاز يتم ربطه مباشرة بعقل الإنسان ليخرج لنا المشاهد التي نراها في خيالنا كما هي .. صدقني شاهدت أكثر من حلم كانت القدرة الإخراجية فيه مذهلة تمنيت لو أمتلك جهازاً يخرج أفكاري ومحتوياتي كما هي . يكفيني من هذه الحياة أن يكون لي عالم بسيط اسمه سلطان رده يتذكرني به الجميع .

 حاوره: بسام الطعان

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1096  الخميس 02/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم