حوارات عامة

حوار مع القاص والروائي العراقي المغترب كاظم الصبر

فهي بشكل ما جزء أساس ومكون فعلي في العمل السينمائي، الفكرة ومعالجتها والاشتغال ... يتحدث المخرج السينمائي عن واقع السينما العراقية، وما تعانيه من معوقات، وكيف يمكن النهوض

 

* كتبت القصة القصيرة ونشرتها في سبعينات القرن الماضي؟ لماذا لم تستمر في كتابة هذا الجنس الأدبي؟

ـ كنت ابحث عن واجهة أخرى للتعبير، السينما استهوتني بما تمتلكه من وسائل تعبير هائلة ومعقدة في آن واحد. ذلك ما دفعني، في فورة الشباب، لمعرفة أسرار هذا الفن، ودراسته في معهد "ايون لوكا كاراجياله" للسينما والمسرح ببخارست. اهتمامي بالسينما لم يكن يعني التخلي التام عن فن القصة، فهي بشكل ما جزء أساس ومكون فعلي في العمل السينمائي، الفكرة ومعالجتها والاشتغال على السيناريو، كل ذلك له صلة بفن القصة ولكن بهدف انجاز الصورة المتحركة على الشريط السينمائي .

 

* لماذا اخترت المغرب للاستقرار بها؟

ـ ليس اختيارا مخططا له، محض صدفة، مكان ناء لكي تأخذ نفسا ثم تحاول الشروع في العيش الكريم، لقد استغرقني المغرب، كنت اشعر بعار كبير عندما تنتابني هواجس الغربة، كانت غربة من نمط مختلف، الكل يحتفي بك وينزلك منزلة المحب، فتكتم صراخك وتختنق به. اشعر بامتنان لهذا البلد.

 

* ما رأيك بالسينما المغربية؟ وكيف يمكن أن تصل إلى المشاهد العربي؟

ـ تمثل السينما المغربية مفارقة، إنتاج يتصاعد بوتيرة تلفت الانتباه وعلى الجهة المقابلة تراجع في منافذ التوزيع فلم يتبق من القاعات التي تصلح للعرض إلا العدد القليل، القاعات السينمائية تغلق الواحدة تلو الأخرى، فقد بلغ عدد الأفلام المنتجة سنويا 16 فلما روائيا وأكثر من 50 فلما قصيرا، السينما المغربية تمتلك جرأة في طرح موضوعاتها، مناخ الحريات أتاح لها ذلك، إنها تحاول طرح الأسئلة المجتمعية الشائكة، المرأة، الجنس، السياسة، الهجرة، موضوعات تتكرر وتثير في الكثير من الأحيان ردود فعل متشنجة لكنها لاتصل إلى حد التجريم. شخصيا، اعتقد أن اشتغال السينما المغربية على مثل هذه الموضوعات يرجع بعض منه إلى المعادلة غير المتوازنة التي يطرحها الممولون الأجانب، الفرنسيون منهم خاصة، فهم لديهم رؤيتهم وأجنداتهم التي تجسدها المراكز الثقافية وعلى ضوئها يتم الدعم. القطاع الخاص في المغرب هو صاحب المبادرة في الإنتاج، الدولة ومن خلال "المركز السينمائي المغربي" تقدم المنح المالية والعتاد اللازم للعمل بعد أن يجتاز المشروع دهاليز لجنة الدعم المختصة للموافقة عليه. كان هذا الشكل من الدعم مقبولا في ظل السيطرة الاستعمارية الفرنسية لأنه يوفر السيطرة الكاملة على ما ينتج من أعمال، لكنه الآن لم يعد مقبولا وقد بينت التجارب أن المنح تعطى بشكل انتقائي. السينما المغربية ليست حالة خاصة معزولة عن محيطها العربي والإفريقي، ليست هناك بنية سينمائية متكاملة، {قاعات للعرض، معاهد تدريس متخصصة، تخصصات واضحة، بدءا من كتابة السيناريو، الإخراج، هندسة الصوت، الإنارة، المونتاج الديكور، انتهاء بآليات التوزيع والتسويق والمواكبة}. لاشيء محدد في هذا المجال، فهي كمثيلاتها من سينمات العالم الثالث، لازالت تخضع للمبادرات التي تقدم من حين إلى حين أعمالا تشد الانتباه. ثمة عمل كثير يلزم النهوض به .. المسألة تنسحب على راهن السينما العراقية أيضا، لان الحديث عن أي سينما، هو بالدرجة الأولى، حديث عن إنتاج ثقافي ينبغي أن يكون مستندا إلى خلفية ثقافية واضحة. وبصدد سؤالك عن الكيفية التي يمكن بها أن تصل السينما المغربية إلى المشاهد العربي، توجد عقبات لا يمكن القفز عليها بالسهولة المفترضة. اللهجة المغربية، ورغم كونها الأقرب من غيرها إلى العربية لكنها غير مستأنسة عند الجمهور العربي بسبب ضعف التواصل والتسويق، ما يلزم هو الانفتاح الذي لا يخلو من تضحيات مؤلمة يدفعها المبدع المغربي ليصل إلى مبتغاه.

 

* كتبت روايات للفتيان، هل حققت تلك الروايات ما كنت تتمنى؟

ـ ليس كل ما يكتب للكبار سيحوز الاحترام والتقدير، والأمر نفسه مع الكتابة للأطفال أو الفتيان. المبدع لا يتعمد أن يفرغ إبداعه في قالب محدد سلفا، وليست في الأمر عقدة أو إحساس بالمهانة، عندما تجد قلمك يخط شيئا يأخذ عنوانا بارزا "روا ية للفتيان، أو للأطفال". أرجو ألا يفهم من كلامي أنني بصدد الدفاع عن توجه محدد، لا يعنيني ذلك كثيرا. إن ما اكتبه يستقبل برضا وليست هناك مآخذ فادحة تجعل المتلقي يقف طويلا للبحث فيها. يسرني أن الفئة التي تقرأ انتاجاتي تتوصل بكل اطمئنان إلى تلك الأهداف النبيلة التي أحاول أن أسربها في ثنايا العمل.

 

* كيف استقبل النقاد رواياتك؟

ـ أولا، لم أكن عازما على نشر أي كتابة، حدث أن زار المغرب الأستاذ "قاسم حول" وطلب مني أن أطلعه على نماذج من السيناريوهات التي احتفظ بها في المنزل قدمت له نموذجا، وبعد أن أكمل قراءته فاجئني بالقول: يمكنك أن تعمل على نشره، بعد القليل من التنقيح طبعا " هذا ما حدث بالضبط، قمت بإجراء بعض التعديلات وأرسلته إلى منشورات مكتبة ماجد، في الإمارات العربية. ولم يستغرق الرد طويلا ونشر العمل بصورة طيبة. حدث الأمر نفسه مع رواية {الأسيرة} فقد أخذها الأديب المغربي د.عبد الرحيم المودن وقدمها إلى الناشر عبد الفتاح ديبون، الذي نشرها دون اعتراضات تذكر.

 

* بدأ الإنتاج السينمائي العراقي في الأربعينات، لماذا تمّ اعتبار فيلم {فتنة وحسن} الذي أنتج عام 1955 البداية الحقيقية لصناعة السينما العراقية؟

   ـ قبل هذا الفلم لم يكن الإنتاج السينمائي في العراق إنتاجا عراقيا خالصا، فلم عليا وعصام عرض سنة 1949اخرجه الفرنسي اندريه شوتان، فلم ابن الشرق، لإبراهيم حلمي، 1946.فلم ليلى في العراق لأحمد كامل مرسي 1949.الفلم الذي اعتبرتيه بداية حقيقية للإنتاج السينمائي العراقي، فتنة وحسن، يمكن أن نعتبره كذلك بسبب خصوصيته العراقية على مستوى الموضوع والطاقم الذي أنجزه، وهو فلم بسيط لكنه نجح تماما في لفت النظر إلى ما يزخر به واقع مجتمعنا من إمكانيات على صعيد البنيات الحكائية.

 

* تفتقر صناعة السينما في العراق إلى الدعم الحكومي، هل تحظى بإقبال الجماهير؟ ولماذا؟

   ـ الصناعة السينمائية تقتضي آليات تحوز على الأقل الشروط الدنيا للإنتاج، كما هو الحال عند إنتاج سلعة يصبح التفكير في آليات توزيعها أمرا ملزما للنجاح. الإنتاج يستدعي التوزيع والتوزيع يبحث عن المستهلك، هناك من يعتقد أن السينما، والفنون عموما، ماهي إلا ترف زائد وهو محض ادعاء زائف الهدف منه خلق شروط مناسبة لتعميم التخلف والنكوص الحضاري. حاليا لا يلوح في الأفق الاهتمام الذي نطمح إليه للرقي بالفنون. التوجه الذي طغى على الساحة الثقافية هو التدين السياسي الذي يسعى أقطابه إلى جعله الملهم الرئيسي لتكريس القيم المتهالكة، وللأسف فقد وجد هذا التدين السياسي اصواتا تروج لقيمه، مثلما وجد النظام الشمولي الذي آذى الشعب العراقي كثيرا، أصواتا تسبح بحمده ليل نهار. أخشى أن يعيد التاريخ نفسه مرة ثانية، ينبغي على الدولة أن تدعم الثقافة والدعم يجب أن ينأى عن الاشتراطات الفكرية والأدلجة فهو سيسئ إلى حرية الفنان ويكبلها، فإذا تكلمنا عن الدعم فلنتكلم عنه بنواياه الحسنة وليس مرتهنا بالمجاملات والارتياحات الشخصية التي ستعيدنا إلى الصفر من حيث بدأنا. على السينمائيين خوض معركة لاستقطاب الجمهور وأعادته إلى المقاعد التي هجرت لأسباب اعتبرها منطقية. ينبغي خلق نوادي السينما، خلق المهرجانات السينمائية والفعاليات المرتبطة بها، وكذلك الاسابيع الثقافية، داخل وخارج العراق، هذه الفعاليات وغيرها ستعيد حتما هذا المتلقي إلى كرسيه المهجور.

 

* يقول بعض النقاد (انه لا وجود لسينما عراقية منذ أن بدأت ولحد الآن ) ما رأيك؟

ـ لا يطرح الأمر بهذه الكيفية ففيها تحامل على الكثير من الرجال الذين عملوا في هذا الميدان وعلى الكثير من الأفكار الرائعة التي حاولوا أن يجسدوها في أعمالهم، وكما قلت فهناك فتنة وحسن وسعيد أفندي والحارس والظامئون وغير ذلك من الأعمال الجيدة . قد يطرح مفهوم الهوية وهو موضع نقاش كبير ولكنه ليس ملحا الآن لان التراكم الكمي والكيفي وأسلوب الممارسة والبحث من قبل الفاعلين السينمائيين سيحدد مسار الجدل بشأن هذه المسألة .

 

* مع موجة الطائفية وتحكم الإسلام السياسي، هل يمكن أن نتفاءل بإمكانية النهوض بالسينما العراقية؟

ـ إنها موجة كما قلت والمدى الأخير للموجة هو التلاشي على الساحل . أشياء كثيرة لا ينبغي تأجيلها بانتظار انزياح هذه الموجة.

 

اجرت الحوار : صبيحة شبر

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1598 الاثنين 06 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم