حوارات عامة

حوار مع الباحثة التونسية أستاذة علم الأديان المقارن: د. زهرة الثابت

* المؤسسة الدينية الفقهية ترى في نفسها مؤسسة مصدرة للحقيقة.

* العالم العربي يعيش على وقع مأزق خانق وعلى وقع هزيمة شعواء

باحثة وأكاديمية تونسية متخصصة في اللغة والحضارة العربية (أديان مقارنة)، مهتمة بالنصوص المقدسة. تشغل منصب أستاذة التعليم الثانوي المميز. لها مجموعة من المنشورات، من بينها: "داود في الثقافة العربية: الثوابت والتحولات" سنة 2008 و"العشق في النصوص المقدسة" سنة 2018 و "اللذة في النص الديني المقدس".

نناقش معها علاقتها بتخصصها "علم الاديان المقارن" ومستقبل البحث العلمي في تونس وتأثير الايدولوجيا على عمل الباحث..

* لنبدأ من تخصصك في علم الاديان المقارن واختيارك لهذا الموضوع دون غيره؟

- تخيرت علم الأديان المقارن لثلاثة أسباب أجملها في النقاط التالية

أولها..ندرة هذا التخصص خصوصا في جامعاتنا التونسية إذ تكاد تكون كلية الآداب بالقيروان المؤسسة الجامعية الفريدة التي احتضنت هذا الاختصاص بعد كلية الآداب والإنسانيات بمنوبة.

ثانيها..الرغبة الملحة في كنه جوهر معتقد الآخر المغاير دينيا لتبين معاقد النسب ومواطن الاختلاف بين الديانات والمعتقدات.

ثالثها..أنه علم الإنسان، إذ هو العلم الذي يعرف المرء على قيمة الدين في حياته ومرتكزاته. وما أحوج المرء إلى معرفة ذلك في عالم متناحر، خصوصا وقد فاته أن يؤمن أن الدين يوحد أبناء الأمة ولا يفرقها.  4522 زهرة الثابت

* قراءة النص الديني هل مازالت قاصرة عن ايصال المفهوم الحقيقي للمعنى الكامن في النص؟

- لا.. قراءة النص وخصوصا من وجهة نظر مقارنة إنما تجاوزت هذا الإطار إلى أفق أرحب فجعلت النص الديني نصا يحتمل التأويل ونصا ينفتح على القراءات المتعددة للنص الديني، إيمانا بأن الحقيقة مفهوم صلف لا يمكن محاصرته خصوصا في نصنا القرآن الكريم لسر إعجازي في النص ذاته. لقد باتت قراءة النص الديني وسيلة لكنه فكر الآخر المغاير دينيا.

* علي أي أساس تتم قراءة النص وتفسيره؟

- قديما كان الفقهاء لا يفسرون النص إلا بتنزيله في سياقه التاريخي والتفسير إما أن يكون بظاهر النص أو بباطنه، حتى بتنا نميز بين تفسير نقلي وآخر عقلي وقد أتاح التفسير النقلي للمفسر الفرصة للاستنارة بالإسرائيليات والأساطير والأخبار والأحاديث بصحيحها وربما موضوعها لأن النص التأسيسي كان نصا ملغزا صامتا في العديد من المواضع فكان لا بد من سد هذا الفراغ في نص القرآن الكريم بالاستعانة بمثل هذه النصوص الروافد حتى باتت هذه التفاسير بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر. بل بات من الضروري توسل مناهج علمية حديثة في مقاربة النص الديني كالمنهج التحليلي والمنهج التفكيكي والمنهج السيميائي والمنهج المقارني وغيرها من المناهج الحديثة.

* هل يستوجب على المثقفين في هذه المرحلة تغيير أدواتهم أو استعادتها من جديد وإعادة بنائها نقديا؟

 - نعم صار من الأهمية بمكان أن يغير المثقفون أدوات التعامل مع النص الديني خصوصا في هذا الزمن الذي نخر الإرهاب فيه جسم الأمة العربية باسم الدين لسوء فهم للنص ثبتت معالمه المؤسسة الدينية الفقهية التي ترى في نفسها مؤسسة مصدرة للحقيقة.

* كل بيئة تخلق فكرًا يناسبها أم انها تتبنى فكرا من خارجها ما هو الممكن وغير الممكن في هذا الموضوع؟

- الفكر بنظرنا هو وليد البيئة الحاضنة له ولكن لا نرى ضيرا في الانفتاح على الفكر المغاير لأن الآخر قدرنا ولا مهرب لنا منه ولا ضير أيضا أن نستفيد من هذا الفكر المغاير بما يتماشى وهويتنا العربية الإسلامية. وبما يخدم مصالح الأمة.

* ما مستقبل البحث العلمي في تونس سواء كان عن طريق ما تقدمه المؤسسات والمراكز او البحاثة كأفراد؟

- يبدو لي أن البحاثة التونسيين يخطون خطوات جادة في مجال البحث ودليلي على ذلك بعض العناوين المنجزة واللافتة سواء في مجال الأدب أو الحضارة أو حتى العلوم والجوائز التي أحرز عليها بعض التونسيين المبدعين (جائزة كاتار للرواية الأزهر الزناد مثلا..). مما يشي بأن مستقبل البحث العلمي واعد رغم عديد العقبات التي تواجه الباحث من نحو ندرة بعض المراجع وخصوصا باللسان الأجنبي أو قلة الموارد المرصودة لنشر الأبحاث أو تجهيز بعض مراكز البحث خصوصا بالمؤسسات الجامعية.

* ماهو مصدر التابوهات وهل للمجتمع التونسي تابوهات خاصة به؟

- التابو أوالمحرم إنما يتخلق داخل النص الديني المؤسس أي داخل نص القرآن فأنت لو تقفيت أثر الآيات القرآنية لوجدت أن المحرم ظل ملازم للحلال، وأن عبارة "حرمت عليكم" قد تواتر حضورها في النص بصورة كثيفة لأن الحلال لا يستقيم إلا بإزاحة الحرام. ثم صارت المؤسسة الدينية الفقهية هي المسؤولة عن التحريم ليصبح بعد ذلك القانون هو مصدر التحريم. والمجتمع التونسي له تابوهاته التي أقرها القرآن أولا وعززها التشريع القانوني ثانيا.4521 زهرة الثابت

* التحرر من الايدولوجيا لدى الباحث إلى اي حد يكون مهما وأساسيا؟

- الإيديولوجيا هي الأفق الذهني الذي "يجد الفرد فيه كل العناصر التي يركب منها أفكاره في صور متنوعة .. هي مرتعه الذهني والمنظار الذي يرى به ذاته ومجتمعه والكون كله" كما يقول عبد الله العروي، والإيديولوجيا اخترقت كل مجالات الحياة حتى صرنا نتحدث عن إيديولوجيا سياسية وإيديولوجيا ثقافية وإيديولوجيا دينية وإيديولوجيا اقتصادية وغيرها. وعليه إذن فهي الظل الملازم للمرء وقدر المفكر. ولكن التحرر من الإيديولوجيا ضروري في البحث العلمي حتى نأمن دراسة علمية موضوعية، ولن يكون ذلك يسيرا ما لم يتخلص الباحث من انطباعاته الذاتية وما لم يختبر معارفه بتوسل منهج من المناهج العلمية الحديثة.

* الثقافة العربية دائما ما تصنع أصنامها ليتحول باقي من يعملون في الحقل الثقافي إلى عبيد لهذه الأصنام هل تحررت الساحة التونسية من هذه الأصنام أم أنها مازلت تدور في فلكها؟

- الإنسان هو الذي يصنع الصنم إما لانبهار بكاريزما شخص ما أو لإحساس بضعف يخفيه بين جوانحه فيرغب رغبة ملحة في طلب الأمان الذي لا يجده بنظره إلا في هذا الصنم الذي يخلقه، وصناعة الصنم هو مأزق كل الشعوب العربية وهو ليس صنم ثقافي بالأساس فلكل مجال صنمه الخاص به غير أننا نزعم أن حرية التعبير التي أقرها الدستور في تونس بعد ثورة الربيع العربي قد أسهمت إلى حد ما في التحرر من سلطة هذا الصنم.

"فلا يوجد برأينا "صراطات مُستقيمة"، ولكن توجد تأويلات مُتنوعة لفهم النص الديني المُقدس تفرضها معطيات الواقع السياسي والبيئي والاقتصادي والثقافي " علي المرهج

* علي أي أساس تتم قراءة النص وتفسيره؟

- نصنا القرآني نص صالح لكل زمان ومكان، وديننا الحنيف دين يسر وليس دين عسر، وأعتقد أن قراءة النص وتفسيره وفهمه ينبغي أن تراعى فيه مصالح الأمة، فيكون التفسير يسيرا واضحا خادما للإنسان في حياته الدنيا لا سيفا مسلولا على الرقاب.   

* راهن الهزيمة العربي الذي نعيشه في كل مجالات النهضة ومنذ سنوات الا من حل لتجاوزه؟

- العالم العربي بأسره يعيش على وقع مأزق خانق وعلى وقع هزيمة شعواء تفاقمت وطأتها خاصة بعد ثورة الربيع العربي المزعوم وراحت ضحيتها الأوطان والشعوب التي تراجعت القهقرى جراء تكلس في العقل العربي وعجز في القدرة على التفكير فضاعت قيمة الإنسان وبتنا نعيش التناحر والفتن والتكفير والتقتيل جراء سوء فهم للنص والحل لتجاوز وضع الهزيمة هذا بنظري إنما رهين مصالحة للإنسان مع ذاته ورهين إعادة الاعتبار إلى إنسانية الإنسان ولن يتسنى لنا ذلك إلا بالتعامل المرن مع النص وتوظيفه لخدمة الإنسان. لا بد من فتح عقلي جديد يؤمن بالإنسان أولا وأخيرا ويؤمن بقيم التسامح والتحابب وقبول الآخر المغاير دينيا حتى نأمن غائلة العدوانية. إضافة إلى أن الحاجة إلى بناء فكر منفتح على تجارب الآخر والإفادة من سر تقدمه تغدو حاجة أكيدة لا شك للأخذ بأسباب الحضارة.

***

حاورها: محمد القذافي مسعود / كاتب وصحفي مستقل من ليبيا

في المثقف اليوم