حوارات عامة

حوارات الفن والحب والحرية: مع الباحث في التراث والشاعر والصحفي عادل العرداوي

-"حكومة الشعراء ربما ستذهب الى العربدة وتنحدر الى الجحيم"

-الارث العراقي مليء بما يذكر ولكنه (املأ) لو صح التعبير بما لا يذكر، لذا كان حواري اليوم مع الباحث في التراث الشعبي العراقي الشاعر والصحفي الاستاذ عادل العرداوي سطحياً في تناوله لتراث العراق ومواطنه الخفية التي أُجهضت دون حس ارتقاءً نحو الشمس لبلد لم يتسنى لابنائه العيش الرغيد وهم اغنياء والعيش بسلام وهم مسالمون والدليل على سلميتهم كثرة التحايا واختلاف الفاظها.

-الشعر في مكنون ضيفي خلجات تنبثق من عمق روحه حتى تتوصل بعد طول طريق الى الورقة وان وصلت فطالما اسدل الستارة امامها وابقاها محجوبة عن الجمهور، وان سُئل عن سبب التغييب قال انها لي فحسب.

 

حوار الفن والحب والحرية مع الاستاذ العرداوي جاء هادئً كليل بغداد الذي سيعود شاءوا ام ابوا، وثائراً كشلالاتنا في الشمال الحبيب،  وناعماً كفتاة بصرية جبهتها السمراء مرآة الشمس... ارجو ان تتمتعوا بما سيجيء :

 

الفن

** ما الذي شكل الصورة الشعرية الاولى لدى عادل العرداوي؟ هل للمكان اثر ام الزمان ام ان الحالة الاجتماعية في التكوين البنيوي الحياتي هي السبب؟

* * نعم، بالتاكيد ان للمكان اثر عميق في وجداني الداخلي وفي ذاكرتي وايضاً فأن الزمان هو الاخر له اثر كبير على اي انسان عادي فكيف بالانسان المنتسب الى خانة الثقافة والمثقفين وعلى هذا الاساس فقد بقيت صور مدينتي  الصغيرة الغافية على ضفاف الفرات الاوسط (المناذرة) وريثة مملكة الحيرة وايام النعمان بن المنذر وقربها الحميم من النجف الاشرف التي تتبع لها ادارياً وتلك الاجواء الجميلة التي تجمع ما بين اجواء الريف والمدينة والجو الاجتماعي والديني المحافظ لهذه المدينة التي ولدت فيها وقضيت فيها سنوات طفولتي المبكرة، كل هذه العوامل التي اشرت اليها بشكل خاطف وسريع ربما تكون سبباً لتشكل الصورة الشعرية الاولى لدى الشاعر.

 

** هل يعتقد عادل العرداوي بوجود علاقة جدلية بين نشوء الشعر الشعبي والشعر الفصيح، ام ان الشعر الشعبي حالة مختلفة لا يمكن ربطها بأي رابط كان مع الشعر الفصيح؟

* اكيد وبالطبع فأن هناك علاقة جدلية وقوية ما بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح فهما من منبع واحد واعني منبع المشاعر الانسانية الصافية الجياشة ولابد من التأكيد هنا على ان الشعر الفصيح هي نخلة (البرحية) لذيذة التمر والشعر الشعبي هو (الفسيل) الصغير الذي يحتمي بظل جذع امه فارعة الطول، سامتة الشكل يحتمي بظلها الظليل من حر الشمس وهجير الصيف وقرصات البرد وعاديات الزمان ولابد من التأكيد على هذه النقطة الاساسية فالشعر الشعبي هو الابن الشرعي والبار للشعر الفصيح ولتذهب كل الاراء الفجة والافكار السمجة التي تجد الامر خلاف ذلك لتذهب الى الجحيم (قل وقضي الامر).

 

** من خلال مشاهدتي العامة اجد ان هناك ازمة في الاغنية الشبابية العراقية، كونكم ذوو اختصاص في الشعر الشعبي وهو احد المكونات الرئيسية للاغنية هل تجدون ان هذه الازمة موجودة فعلاً وما هو برأيكم الحل المرشح لازالتها ان وجدت؟

* ربما انا لا اجد ان هناك (ازمة) بل ان الامر طبيعي جداً باعتبار ان (لكل مقام مقال) فهؤلاء الشباب مثلاً لا تعجبهم اغاني حضيري ابو عزيز وناصر حكيم وزهور حسين ووحيدة خليل لانها ولدت لغير زمانهم وكما هو معروف فإن الدنيا (تبدلت) كثيراً،فإذاً لابد من الاقرار ان لهم الحق في اختيار او ابتكار الاغاني التي تعبر عن خلجاتهم ورغباتهم الانسانية ونوازعهم الداخلية شرط ان تكون تلك الاغاني (مفهومة ومقبولة) بعيدة عن الابتذال والاسفاف الذي نراه ونسمعه في بعض النصوص الغنائية التي يطلق عليها تسمية (شبابية) مع الاسف، نأمل من ذوي الشأن من الشعراء والملحنين والمطربين ملاحظة هذه النقطة التي نجدها جديرة بالانتباه من دون ان يكون (وعاظ) عليهم.... حاشا لله.

 

** التراث في حياتك ماذا يشكل؟ ومن اين جاء المنبع الاول لتمسكك بالبحث فيه؟

* التراث يشكل في حياتي الركن الاساس فيها، بل ان التراث اصبح الغذاء الروحي اليوم وهو في تنافس شديد مع الشعر في داخلي، ولعل المنبع الاول في ذلك هو المرحوم والدي (السيد حسوني العرداوي) الذي انتبهت اليه وانا طفل صغير انه كان مغرماً وعاشقاً وقارئاً للتاريخ والبحث في شؤون التراث العربي الاسلامي، ولعل (الولد على سر ابيه) كما يقال فقد ورثت من والدي حب التاريخ والتراث، فقد نصحني يوماً وانا ما زلت ادرج في سن السادسة عشرة يوم شاهدني اطالع احدث الصحف العراقية الصادرة انذاك في بداية ستينيات القرن المنصرم، ان اترك قراءة الصحف جانباً واتجه لقراءة كتاب يبحث في التاريخ لان فيه من الفوائد والعبر الشيء الكثير وقد صدق هذا الرجل في قوله بعد ان كبرت وتدرجت في مدارج الصحافة والثقافة لاكثر من 40 سنة مضت وسأظل كذلك ما حييت.

 

** التراث العراقي الحديث ولو صنفناه منذ بداية القرن التاسع عشر، هل تجد ان ما وصلنا لحد الان قد شابه بعض التفاصيل غير الصحيحة والمضللة وان وجدت فهل تعتقد ان المال كان له دور في هذا التضليل؟

* ربما نجد فيه شائبة ولكنها غير مؤثرة بشكل كبير في مسار التراث والاهم من ذلك ان تلك الشائبة التي الصقت بالتراث ظلماً ستكشف وتزول كما زالت وكشفت الكثير من الشوائب التي علقت به عبر الحقب الماضية ولعل الغايات الشخصية الضيقة تقف وراء ذلك والمال يستخدم كوسيلة للوصول الى الغاية وليس غريباً ان يكون مسخراً لخدمة هذا الغرض السيء.

 

** هل اقتحم عادل العرداوي المسرح بنصوص شعرية شعبية؟

* لا ... لم ادخل هذه المعمعة والحمد لله.

 

** يقول محمد عبدالوهاب "انه لا يعتبر الاقتباس في الموسيقى جريمة " فهل تعتقد ان الاقتباس في مختلف انواع الفنون جريمة؟

* نعم .. وانا وانت وغيرنا يعتقد ذلك فالاقتباس معناه الاستفادة من تجارب من سبقوك في مجالات العلم والمعرفة والفكر، شرط ان تذكر اسم صاحب النص الذي اقتبست منه، لا ان تتركه سائباً وكأن ذلك النص هو لك، وهذه سرقة بينة لا يمكن القبول بها في ضياع حقوق الاخرين سواء من الاحياء او الاموات او الذين تفصلنا عنهم المسافات الشاسعة والقارات والمحيطات، لا فرق، فصاحب الحق يجب ان نقر بحقه كما نأمل من الاخرين الاقرار والاعتراف بحقوقنا وهذا ما تنص عليه شرائع السماء ونواميس الارض منذ بدء البشرية حتى يوم الدين.

 

**  في التراث ما هي الوثيقة التي يمكن ان يكشفها عادل العرداوي لاول مرة؟

* نعم.. كان الامر كذلك ونزولاً عند رغبتك اقول: انني امتلك نسخة من فيلم سينمائي قديم بـ(الاسود والابيض) صور في بداية ثلاثينيات القرن المنصرم، يوثق احدى جولات ملك العراق المرحوم غازي وهو يقود سيارته المكشوفة لوحده في شوارع بغداد التي تم افتتاحها لاول مرة عام 1934 وتحديداً في شارع الملك فيصل الاول الذي يسمى الان شارع جمال عبد الناصر وحول الساحة الحالية التي يوجد فيها تمثال الملك فيصل وهو يمتطي جواداً عربياً ويرتدي ملابسه العربية التقليدية (العباءة والعقال) واعتقد ان هذه النسخة تعد وثيقة سينمائية عراقية مصورة لحقبة ماضية تعد ذات شأن.

 

الحب

**  ما قصة الحب الاكثر تأثيراً في التراث العراقي؟ ومن هم شخوصها وابطالها؟

* القصص كثيرة جداً لا تعد ولا تحصى ولعل قصة (قيس وليلى) لها تًأثير عميق في وجدان العاشقين المدنفين والادباء وارباب الشعر واهل المسرح، وابطالها معروفون فالبطل (قيس بن الملوح) والمعشوقة (ليلى العامرية) واكرم بهما من عاشقين صارا اسطورة عالمية في الفكر الانساني بل ان هذين العاشقين وقصتهما المشوقة نجدها موجودة في معظم تراث شعوب الارض منذ اقدم العصور حتى يومنا الحاضر وستظل حية ابداً.

 

**  ما الذي احببت ان تكونه يوماً؟

* حلمت ان اكون شاعراً او كاتباً او صحفياً وحمداً لله فقد تحقق لي ما حلمت به وما اردت.

 

** هل وجدت اختلافاً في مستويات الحب في الارث العراقي المنقول منذ قرنين مضت؟ وما هو مستوى الحب الان؟

* الحب هذه السمة الانسانية تجدها في كل زمان ومكان، فالحب لا تحده حدود ولا تمنعه قيود فهو مارد شعوري متفجر يكسر الاغلال والسلاسل التي تريد ان تقيده، ويضرب بقدميه جدار القيم ليهشمه ويطلع منه ليمارس دوره الانساني العميق.

ومن الصعب ان اصف لك حالة او صفة الحب او اقارن ما بين مرحلتين فهذا شاعر من الجبايش رد على بيت من شعر الدارمي كنت قد طرحته للمناظرة بين شعراء العراق عام 1967 قلت فيه:

 ليش اليحب ما ينام للصبح يسهر   يتربه نجم اسهيل والفجر لو طر

 

فكان جواب شاعر الجبايش موجعاً وحقيقياً من مئات الردود التي وصلتني انذاك قال:

تنشدني عالسهران اهوايه كلفه  الهوى الموجر بيه هو اليعرفه

 

** هل لك ان تسمي حب الفردانية والاستحواذ والاستئثار حباً ملائكياً؟

* لا ... والف لا.

 

**ما هو أعظم عمل فني رأيته او سمعته يجسد فكرة الحب او (الهوى)؟

* من الصعب الاجابة عن هذا السؤال (الفضفاض) يا سيدي، كيف تريد مني ان اجمع شتات ذاكرتي في لحظة معينة ورغم هذا احيلك الى اغاني ام كلثوم وفيروز وفريد الاطرش وياس خضر وحسين نعمة وقبلهم داخل حسن وزهور حسين لعل تجد بعضاً من جواب ليس الا.

 

** هل مررت في فترة ما بحب امرأتين معاً؟

* نعم... مررت بذلك وهنا الطامة الكبرى.

 

** هل تجد ان شعب العراق متحاب فيما بينه على مر التراث؟

* يفترض ان يكون الشعب العراقي متحاباً فيما بينه ولكنه في بعض الاحيان مع الاسف والاسى يكون متقاتل الى حد العظم وتلك طامة كبرى حقيقية، نأًمل من الله سبحانه وتعالى ان يمن علينا بالرحمة والاطمئنان والتوادد والتحابب لاننا خلقنا لان نعيش لا لنقتل وتزهق ارواحنا من دون اذن من الخالق العظيم جلا في علاه.

 

** ما الحلم الذي احببت ان تراه ولم يزرك في منام او صحو؟

* حلم من تهوى وتحب لا يأتيك وكأن من يهجرك ويفارقك يكون بخيلاً وشحيحاً عليك في حلم منام عابر (اويلي)..

 

الحرية

** هل أنت مع فكرة انضمام الفنان الى حزب سياسي معين؟

* لا.. والف لا، لان هذا الفن لو انتمى الى حزب معين لاصبحت مسيرته مائلة غير متوازنة، في حين ان الفنان المبدع هو ملك كل المجتمع بما فيه حزبه الذي لا يجب ان يكون محتكراً له وفي ذلك خسارة كبيرة.

 

**  كيف وجدت السلطات التي مرت على العراق خلال بحثك في التراث العراقي؟

* وجدت حالتها بين المد والجزر ليس الا .

 

* * هل وجدت ان العراق تشبث يوماً ما بحلم انتزعته فئة معينة؟

* احياناً!!.

 

** ما رأيك بدولة يحكمها شعراء؟

* ربما ستذهب الى العربدة وتنحدر الى الجحيم لانهم سيتقاتلون بقناني العرق والبيرة وهذا ما حدث عند معظمهم اليوم.

 

** لو قلت لك انك تتمتع بكامل الحرية للاجابة على السؤال التالي " ما هي النقاط السوداء في الموروث العراقي الحديث " هل ستجيب وبماذا؟

* كل عمل او موقف سيء من الناحية الانسانية اي بصحيح العبارة كل عمل غير مقبول ومرفوض من قبل المجتمع اجده نقطة سوداء يجب ان نتغاضى عنه وننساه ولا نذكره مطلقاً وهذا افضل حل اجده لمعالجة هذا الامر.

 

** قيل يوماً على لسان احد الملوك خاطباً في رهطه " ايها الناس من كان منكم على مقربة من متاع فلينتفع به او شأن فليطلق يده فيه او فرصة فليغتنمها، فأنه لا امان للزمان اذا عادى ولا عودة للسلطان اذا ولى ولا طاقة على الهوان اذا عاد " هل تجد ان هذا الخطاب بكل صراحة خطاباً متوازناً لزمن يفتقد فيه للتوازن؟

* لا.. هذا مخالف لشرائع وقيم الارض والسماء، وهذا يعني آلت الامور الى (ولاية فرهود) ويرجعنا الى سنوات الكر والفر والنهب والسلب والغزوات والاستيلاء والاستحواذ والقتل غير المبرر، لذلك لا اجد ما دعا اليه ذلك الملك متوازناً بل متطرفاً في اشاعة قيم الشر وخرق القانون، اعوذ بالله من ذلك في ان يشيع بيننا ويكون (سنة) سيئة يصعب الخلاص منها الا بشق الانفس!!.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم