حوارات عامة

في حوار مع الأديبة العراقية وفاء عبد الرزاق / حاورتها: هيام الفرشيشي

 

ورثت الأديبة العراقية الشعر من أسرة شغوفة بكتابة الشعر، واستلهمت فن القص من خلال ما كان يؤنسها به والدها من قصص ألف ليلة وليلة وغيرها . فنشأت على قول الشعر وكتابة القصة، إلى أن انتقلت إلى فن الرواية . وفي تنقلها من العراق إلى الإمارات إلى لندن رحلت وفاء عبد الرزاق إلى تخوم الحرية، فمنحها التغيير في الفضاء حرية أوسع للخوض في عدة مواضيع وخاصة عند إقامتها في لندن . فنالت كتبها اهتماما نقديا جديا واكب تجربتها الأدبية ...

التقيت الأديبة وفاء عبد الرزاق وتطرقت إلى رحلتها مع الكتابة واهم محطاتها، وموقفها من الثورة التونسية، ورؤيتها لدور المرأة الأديبة في العالم العربي .

 

كيف كانت رحلة وفاء عبد الرزاق مع الكتابة ؟ وما هي أهم المحطات التي

مررت بها؟

ج - بدأت في كتابة الشعر منذ الصغر وفي الصف الخامس الابتدائي تحديدا حيث كنت أصغي إلى المطارحات الشعرية التي كانت تدور في أماسي الأسرة من الأصدقاء والأقارب، فوالدي شاعر شعبي ووالدتي أيضا.. كما كنت أتابع ما يدور بين أخي الكبير وأصدقائه من أجواء ثقافية فهو شاعر يكتب باللغة الفصيحة، وربما ورثت الشعر من هذه الأسرة الشغوفة فيه، كذلك ألهمني والدي فن القص فقد كان يؤنسنا في أماسيه حول قصص ألف ليلة وليلة وغيرها ..هذه كانت البداية ثم واصلت كتابة الشعر الشعبي لأنني بدأت به وكتبت كثيرا حتى أصدرت ديواني الأول " مزامير الجنوب" في الشعر الشعبي طبعا، واستمرت رحلتي مع الكتابة خاصة في النشر حيث كنت انشر الشعر الشعبي والقصص أيضا،أما الشعر الفصيح فكانت مرحلته بعد ذلك.

في التسعينيات نشرت ديوانين في الشعر الفصيح" حين يكون المفتاح أعمى، وديوان هذا المساء لا يعرفني" .

تواصلت في النشر بين القص والشعر بشقيه الفصيح والشعبي كما نشرت روايتي الشعرية" تفاصيل لا تسعف الذاكرة" ولاقت استحسان الكثير ممن اطلع عليها وقتها ورواية " بيت في مدينة الانتظار". كل هذه المراحل في النشر كانت في الإمارات العربية المتحدة لأنني خرجت من العراق وأنا في السادسة عشرة .

ولو حددت إصداراتي في الإمارات فستكون كالآتي: " في الشعر... مزامير الجنوب، أنا وشوية مطر، وقوَّسَت ظهر البحر.. هذا في الشعر الشعبي... أما في الشعر الفصيح..هذا المساء لا يعرفني،، حين يكون المفتاح أعمى،، للمرايا شمسٌ مبلولة الأهداب... مجموعة قصصية" إذن الليل بخير، رواية شعرية.. تفاصيل لا تعرف الذاكرة.. بيت في مدينة الانتظار رواية.

أما في إقامتي في لندن فقد امتازت كتاباتي بالحرية والخوض في مواضيع لم استطع الخوض فيها لو كنت في العراق أو في أي بلد عربي، وأصدرت الكتب التالية: في الشعر الشعبي.. تبللت كلي بضواك.. عبد الله نبتة لم تُقرأ في حقل الله..حزن الجوري..بالقلب غصة...مركب تايه..

في الشعر الفصيح:" البيتُ يمشي حافيا،، أمنحُني نفسي والخارطة، علما أني كتبته حين كنت في الإمارات في سنة 2000 تحديدا،، من مذكرات طفل الحرب،،حكاية منغولية..

فى القص: " امرأة بزي جسد،، نقط،، و بعضٌ من لياليها،، ثلاث مجاميع قصصية.

وفي الرواية: السماء تعود إلى أهلها،، أقصى الجنون الفراغ يهذي.

وقد تمت ترجمة بعض الكتب فى الشعر والقص إلى اللغة الفرنسية والاسبانية وانتظر الانتهاء من ترجمة رواية السماء تعود إلى أهلها إلى اللغتين الفرنسية والإنكليزية إضافة إلى ترجمات متفرقة لأشعاري إلى اللغة التركية والكردية والفارسية والإنكليزية، والفرنسية.

 

من يتابع الحركة النقدية التي واكبت إصداراتك سيكتشف أنها مهمة وقد تناولت نصوصك بعمق وكثافة ؟ فماذا يعني لك ككاتبة أن يحتفى بكتاباتك نقديا ؟

ج – بصراحة أسعدني ذلك جدا وكانت مبادرة صحيفة المثقف بمثابة أقيم وأهم هدية قدمتها لي المؤسسة خاصة وقد طرحت سابقا مع صديق عزيز علي وهو الناقد والكاتب وجدان عبد العزيز بجمع كل ما كتب عني في كتاب.. كنت أفكر في ذلك، لكن مبادرة مؤسسة المثقف اختصرت علي مسافة الجهد، وحين قرأت كل من كتب عني وما كُتب حمدت ربي بأن كتبي نالت اهتمام نقاد لهم ثقلهم في الساحة الثقافية والنقدية العربية.. وأرجو من ربي أن يوفقني لأكمل حلمي الذي أصر على تحقيقه، وحين يتم ذلك أكون قد أديت رسالتي الأدبية فعلا.

 

ماهو سبب انتقالك للعيش في لندن؟

ج – لقد بينت سابقا باني خرجت من العراق وعمري 16 سنة أي تزوجت في هذا العمر وذهبت إلى أبي ظبي حيث يقيم زوجي.. لكن رحلتي إلى لندن وإقامتي فيها لها أسباب كثيرة منها ما يحتاجه المبدع من حرية التعبير وحرية الحركة ومنها استقرار للأسرة خاصة وأن العراقيين ملاحقين أمنيا في كل مكان. فالعراقي إن كان مع حكومته فهو مراقب وإن كان ضدها مراقب من قبل البلدان التي يقيم على أراضيها ومحاصر أيضا.

 

ما الذي تعنيه لك الثورة في تونس؟ وكيف ترين إرهاصات ثورة ثقافية في تونس والعالم العربي بصفة عامة؟

ج- الثورة التونسية تعني لي الحرية وصوت الشعب الثائر ضد الظلم والحرية هي التي تعطي مساحة واسعة للإبداع والحركة الإبداعية عامة وتحرك المبدع المسؤول تجاه قضايا أمته ووطنه وشعبه.

وبالنتيجة الحرية يقابلها إبداع حر وفكر حر،، وهذا بدوره ينعكس على العالم العربي خاصة ونحن نرى صوت الشعوب الثائرة ضد أي استبداد ومن أي نوع سواء ثقافي فني سياسي.

 

 انت شاعرة وقاصة وروائية، فما هي أجواء وطقوس كل صنف من أصناف هذه الكتابة الأدبية من خلال تعاملك معها إبداعيا؟

ج – بالنسبة للشعر لم أفكر يوما بأية صيغة سأكتب القصيدة سواء شعبية أم فصيحة، هي تأتي بشكلها ولونها وصيغتها، فمثلا لي مشاريع شعرية في الشعر الفصيح وهي صورة وقصيدة أكملت المشروع الآن كديوان وهو قيد الطباعة، وكذلك مشروع شعري في العشق الصوفي.. ويقابله في الشعر الشعبي مشروع ديوان تبللت كلي بضواك.. لا أدري كيف تأتي الحالة الشعرية بدفقها الشعري والإبداعي هكذا أجدني مشحونة بشيء اعرفه مسبقا أنه الشعر لكن لا أعرف هويته،، وحين أجلس للكتابة تأتي القصيدة بثوبها الذي اختارته هي كي أضعها بعد ذلك في المشروع الخاص برفيقاتها..

أما بالنسبة للقصة فالأمر مختلف، ابني العمل القصصي بناء ولا أكتب قصصا متفرقة ثم أجمعها في كتاب هذا لا يروق لي أبدا.. بل أجعل لكل عمل لازمة أكررها في كل القصص لها ارتباطا خاصا مع كل قصة ومع العنوان ومع الرسالة التي أريد إيصالها إلى القارئ .

كل مجموعة قصصية تختلف اختلافا كليا عن سابقتها وربما تلتقي في الهم الإنساني الذي يؤرقني دائما. فمجموعة امرأة بزي جسد اعتمدت على الفنتازيا التهكمية والناقدة حيث عالجت الواقع بهذا الأسلوب .

المجموعة الأخرى نقط،مختلفة لأنني اعتمدت فيها على فلسفة النقطة ومدى تأثيرها في حياتنا وسلوكنا وتناولت إنسان الشارع،، لماذا يلجأ الإنسان إلى الشارع من الأطفال إلى الخبل والمجانين إلى الغانيات.. لماذا الشاعر رغم التيه فيه أرحم من الإنسان، مثلهما المجموعة القصصية بعضٌ من لياليها ..

الرواية تختلف عن النوعين خاصة حين تتحدث عن فترة زمنية تؤرخ لمرحلة ما في بعض تفاصيلها لذا لابد من عمل أرشيف الجأ إليه في حال احتياجي لمرجع .. وتأخذ مني زمنا أطول من أي عمل طبعا، فرواية السماء تعود إلى أهلها أخذت ثلاث سنوات في كتابتها الأولى ثم سنة أخرى حتى وصلت إلى شكلها النهائي..وهي نص مفتوح تجد فيه كل أصناف الإبداع وخاصة الشعر فقد تعودت أن أكتب بأسلوب الشاعرة وفكرة القاصة والروائية وقد لاحظ ذلك كثيرون.. شرط ألا تسحب الشاعرة البساط من الروائية.. يتعادلان كي يكون العمل فنا أدبيا أو رواية أدبية.

 

المرأة الكاتبة في العالم العربي، هل لها دور في رأيك ؟ وما الذي تستطيع أن تقدمه لمجتمعها العربي الذي يعرف حركة من الداخل ليتغير ويتقدم نحو الأمام؟

ج – لم تتخلف المرأة عن دورها في المشاركة في الثورات الهادفة إلى التغيير فقد شاركت في المظاهرات وشاهدنا صوتها يعلو طالبا الحرية والتغيير فكيف إذا كانت مبدعة ..كاتبات كثيرات جسدن تلك الثورات وتناولن بطش الحكام وقهر الشعوب ودور المرأة السياسي والإنساني في أعمال من أجل تعزيز الحرية والديمقراطية وبعضهن كن جريئات في الخوض في أدق التفاصيل.ولا ننسى أن بعضهن استشهدن وذقن مرارة السجن.

دور الكاتبة كشف ما كان مستورا دون خوف وتعرية واقع عشناه ومازلنا نعاني من مخلفاته السياسية وأن تضع يدها على النقطة الأساسية في اكتشاف الجمال في كل نواحي الحياة لان المبدع لا يكتفي بالتغيير الشكلي بل التغيير الشامل التغيير الذي يبحث عن الطمأنينة والسلام.

في روايتي، أقصى الجنون الفراغ يهذي والسماء تعود إلى أهلها كنت تلك الكاتبة الجريئة التي فضحت ما كان يحدث في سجون النساء وكذلك ما يحاك ضد الإنسانية من قبل أصحاب النفوذ السياسي والمادي وكتبت عن السهرات الحمراء التي تتم من خلالها الاتفاقيات السياسية وقاربت بين العري الجسدي والعري السياسي وارتباطهما غير الأخلاقي مع بعضهما.

على المرأة الآن المساهمة في صناعة الحياة الفاعلة والمؤثرة والمنتجة ولا تقف موقف المتفرج عما يجري في عالمنا العربي خاصة ونحن نسمع أصواتنا تعلو دون خوف...لنقف جميعا كاتبات وإعلاميات وفنانات، مبدعات وغير مبدعات ونتفاعل كل من موضعها في تضميد جراحاتنا السابقة التي نزفت زمنا ولنرتق ما تركته مخلفات الاضطهاد والظلم.وبث الحماس في نفوس الجميع وخاصة الجيل الجديد من الشباب لأنهم صناع الحياة الجديدة.

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2055السبت 10 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم