حوارات عامة

المثقف في حوار مفتوح مع الكاتب والسياسي موسى فرج (1)

 

س1: المثقف: كيف يقدّم الاستاذ موسى فرج نفسه لقرّاء صحيفة المثقف؟

ج1: موسى فرج:..كاتب ومثقف عراقي ورئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقا).

 

س2: سالم صالح، مدرس / العراق: باعتبارك قريب من دوائر القرار، كيف تقيم سياسة الحاكم الامريكي بريمر؟

ج2: موسى فرج: ثلاث حماقات خرقاء ارتكبها بريمر والأمريكان في الأيام الأولى لتسلم بريمر سلطة إدارة العراق وكل الدلائل تشير إلى أن تلك الحماقات لم تكن عفوية وفي نفس الوقت تؤكد ما ذكرته أنفاً من أن الأمريكان لم يكن لديهم ستراتيجة لإدارة العراق بقدر ما كانت لديهم ستراتيجية لإسقاط نظام صدام وتدمير العراق من حيث القدرات العسكرية وإنهم كانوا يعتمدون القضايا الظرفية وليس الرؤية الستراتيجية .. ومن أخطر تلك الحماقات هي الآتي:.

 الحماقة الأولى: هي حل الجيش والقوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية: والحمق ليس في هذا.. ولكن في الطريقة التي اعتمدوها في ذلك فقد سرحوا منتسبيها وحرموهم من رواتبهم باستثناء منحة مقدارها 20 دولار تصل لواحد ولا تصل إلى 100، تلك الرواتب التي تشكل مصدر المعيشة الوحيد لعوائل منتسبي المؤسسة العسكرية العراقية التي يتجاوز تعدادها المليون شخص ..وفي هذه الحالة نقلوا تلك الأعداد الهائلة من منطقة الحياد والترقب إلى ساحة المعركة .. وساحة المعركة هذه المرة لم تكن في الخفجي أو سربيل زهاب إنما شوارع بغداد وساحاتها ... في حين أن الأمر لا يحتاج إلى عبقرية وكان بالإمكان منحهم إجازة مفتوحه مع استمرار صرف رواتبهم لحين إيجاد البديل .. .

 الحماقة الثانية: غداة احتلال الأمريكان للعراق كان يوجد مليون طن من الاعتدة الحربية ..تم تدمير حوالي400 ألف طن منها أثناء المواجهات ومن خلال القصف الجوي وبقي منها حوالي 600 ألف طن في الشوارع والطرق والساحات دون جمع ودون حراسات ودون إتلاف أما الأسلحة فتتدرج من الكلاشنكوف إلى الطائرات السمتية والعمودية التي كانت مخفية في البساتين.. كانت الأسلحة في كل مكان والطرق والمخازن دون جمع أو إتلاف أو حراسات .. حتى أن محافظ ديالى في زمن حكومة علاوي (عبد الله الجبوري ـ حاليا عضو مجلس النواب ..ضمن قائمة علاوي) قام ببيع مخلفات ..! جيش صدام إلى تاجر خرده تركي (حيدر وزير أوغلو) ولحساب السيد المحافظ الشخصي فقمت بإحالته إلى المحكمة أثناء اشتغالي مفتشا عاما في وزارة البلديات والأشغال وصدر أمر قبض بحقه ففر إلى لندن .. وفي ليلة الانتخابات الأولى دخل الانتخابات بكيان سياسي لا أتذكر أسمه .. ونزل من الطائرة دون أن يتم تنفيذ أمر القبض بحقه وبعد العشاء كنت أتابع التلفاز فرايته يستعرض بدلته الفاخرة في احتفال عشاء رسمي ضمن آخرين على غرار احتفالات الاليزيه، وقد افتتحت الدوام في اليوم التالي بتوجيه كتاب إلى مفوضية الانتخابات المستقلة مرفقا بنسخه من أمر القبض فتم شطب كيانه الانتخابي ولم يدخل الانتخابات .. وقام عبد الله الشهواني رئيس جهاز المخابرات لاحقا بإهداء طائرات عسكريه عموديه إلى شركة بلاك ووتر ..! وقد أحلت الملف إلى المحكمة المركزية أثناء اشتغالي في هيئة النزاهة .. في هذه الحالة .. اترك لكم أنتم .. أن تتخيلوا الحال الذي يتمخض عنه وجود ما يقارب مليون عسكري مهان في المعركة غير المتكافئة ومطرود دون ذنب شخصي ومقطوع عنه وعن عائلته شريان الحياة.. وهو في نفس الوقت يمتلك تجربة قتالية في حرب ألثمان سنوات وفي أم المعارك وفي مواجهات مستمرة مع الطيران الأمريكي والآلة الحربية الأمريكية طيلة 12 سنه هي السنوات الممتدة بين عامي 1991 و2003 .. أما من حيث الخبرة المهنية فهو يصنع الاعتدة والأسلحة وقام بتحوير الصواريخ البلاستية الروسية والسوفيتية إلى صواريخ الحسين والعباس وحور طائرات نقل روسيه من نوع هوكرهنتر و(ما اعرف شنو أسماءها ..) إلى طائرات عدنان 1 وعدنان 2 الأواكس .. وطيّر من صحراء الرمادي صاروخ العابد الفضائي الذي لا ادري (وين صفى بيه الوكت ..؟) .. مثل هذه الإنسان بهذا العدد وبالمهارة المشار إليها وبالوضع النفسي المشار إليه .. وتوجد في متناوله 600 ألف طن من الاعتدة وكل ما يلزمه من أسلحه موجود في العراء وفي متناول اليد .. وقطعوا شريان معيشته ومعيشة عائلته وأمامه صيحات منادية بالثأر من المحتلين والعملاء والصفويين الذين يحتلون عاصمة الرشيد .. وخلفه مقولة أبي ذر القائلة: أني لأعجب من امرئ يبيت جائع .. ولا يشهر سيفه ..!. ماذا تنتظر منه أن يفعل ..؟ وهو يرى المنعمون الجدد مشغولون بتقاسم الحكم بينهم بواقع شهر لكل رأس ..؟ ويرى بأم عينه حالة الفرهود الرهيبة للمناصب والوظائف وأبنية الحكومة وموجودات البنوك ..؟ النتيجة معروفه: احترقت بغداد واشتد أوارها .. .

 الحماقة الثالثة: قبل استلامي وظيفتي وأثناء عملي في اللجنة المشكلة من أعضاء من مجلس الحكم وأمريكان برئاسة السيد موفق الربيعي والمكلفة بإعداد قانوني "المفتشون العموميون وهيئة النزاهة" كنت جالسا مع د . موفق الربيعي في مكتبه نتداول بشان المهمة المكلفين بها .. في هذه الأثناء دخل شاب في عشرينيات عمره وقال للربيعي كلاما بصوت خفيض لم اسمعه وسلمه ملف أصفر ..وخرج الشاب، التفت إلي موفق الربيعي وهو يكاد يجهش بالبكاء .. هاه دكتور عسى ما شر ..؟. قال بتأسي: هل يرضيك هذا..؟ قلت ما الأمر ..؟ قال: الأمريكان شكلوا لجنة للمباشرة بإعادة تشكيل الجيش والشرطة بديلا عن الذي تم إلغاءه.. واللجنة مهمتها مقابلة المتقدمين كضباط في الجيش والداخلية وتزكيتهم ورفع أسماء من توافق عليه إلى اللجنة الثانية التي تقوم بتعيينه .. اللجنة الأولى من عراقيين وقد أعطيت رئاستها لأياد علاوي ومجموعته في حين أن اللجنة الثانية فمكونة من الأمريكان .. قلت: نعم .. أكمل الربيعي قائلا: هذا الشاب الذي رايته قبل لحظات من معارفي وهو طالب في كلية الشرطة لم يتبقى على تخرجه منها سوى ثلاثة أسابيع وحصل الاجتياح الأمريكي فتوقفت الدراسة في الكلية وفي غيرها ..زودته برسالة توصيه إلى لجنة علاوي ليرشحونه إلى اللجنة الأمريكية التي تصدر الأمر بتعيينه .. هل تصدق أنهم لم يقدرونني وأنا زميلهم عضو مجلس حكم ولم يأبهوا برسالتي وطردو الشاب..! كيف أواجه الناس بعد هذا ..؟ ..قلت له: أهذا هو ما زعّلك حقا ..؟ قال: وهل يوجد ما هو أصعب وأقسى ..؟ قلت: شوف دكتور .. القوميين ومذ عرفناهم وطبعا البعثيين شاخه منهم وهي بمثابة المبزل والذي يمتلأ بالماء الآسن من بين الشاخات .. لو كنت مع 3 ضباط منهم برتبة نقيب وليس برتبة فريق تجلسون في نادي أو حانة أو مطعم، واستأذنت دقيقتين لقضاء حاجتك وعدت إليهم فانك لن تجد حديثهم يدور عن الفن أو الشعر أو العشق أو الفضاء...إنهم (يبسبسون) بشئ آخر .. وهو..كيف يدبرون انقلابا عسكريا..! ودعاتك هذا ديدنهم .. وديمقراطيكم ومجلس حكمكم وداعتك بمجرد خروج الأمريكان وربما قبل ذلك وبالاتفاق معهم تصحوا يوما لأداء صلاة الفجر فتسمع البيان الأول .. والركعتين يفوتنك ..! إن لم تكن قبل ليلة في حواشي الهايد بارك ... وانتم تضعون علاوي ليبني لكم الجيش والشرطه..!. . .

 

س3: سالم صالح: هل تعتقد ان اياد علاوي كان يمهد لعودة البعثيين للسلطة؟

ج3: موسى فرج:  في فترة رئاسة أياد علاوي للحكومة تحول الموقف لصالح البعثيين بشكل كامل حتى أن كتابا قد وصلني من محافظ صلاح الدين وقد اصدر قرارا يقول: استنادا إلى أمر رئيس مجلس الوزراء فقد تقرر إعادة كافة أعضاء الشعب في حزب البعث إلى وظائفه قبل 9/4/2003 .. تفحصت القرار الذي استند إليه ..تبين أنه لا يحمل لا رقم ولا تاريخ ..ماذا يعني هذا ..؟ يعني أن السيد علاوي تقدم بمقترح لإصدار هذا القرار ولم يحصل القرار على قبول من مجلس الوزراء في حينه فاستغل معيته مشروع القرار وعمموا ذلك إلى المحافظات ..! أما السيد علاوي فهو لا ينفي ماضيه البعثي بل ومنذ انقلاب شباط عام 1963 وانخراطه في تلك المليشيا السوداء ـ الحرس القومي ـ وفي مرحلة العودة الثانية للبعث إلى السلطة في الانقلاب العسكري الذي قاموا به في 17 تموز 1968، والذي وصفه احد قادتهم لاحقا (علي صالح السعدي) بان وصولهم إلى الحكم كان بقطار أمريكي ..ومن خلال التأمر مع ضباط حرس القصر الجمهوري المكلفين بحماية رئيس الجمهورية آنذاك عبد الرحمن عارف، وبعد 13 يوم انقلبوا على شركائهم في انقلاب 30 تموز 1968.. في أعقاب انقلابهم لعب علاوي دور مهم في ما يعرف بجهاز حنين وهو نواة منظومة المخابرات التي تفرغ لانشاءها صدام .. ومن ثم زعل عليه صدام ففر إلى لندن، بعدها تعرض لمحاولة اغتيال من قبل عناصر المخابرات ألصداميه بالهجوم عليه في منزله ليلا في لندن والذي أسفر عن مقتل زوجته وإصابته إصابات خطيره مكث بسببها في المستشفى لمدة تقارب ألسنه .. هذا الماضي بات واضحا لدى الشارع العراقي ولكن ليس قبل 9/4/2003 وهو يراهن على بعث بدون صدام في حين أن البعث هو من أنجب صدام ولم يكن العكس ..

 

س4: سالم  صالح: لكن ما هي الاسباب وراء حصول قائمة اياد علاوي على هذا العدد الكبير من الاصوات؟

ج4: موسى فرج: العوامل التي جعلت من قائمة علاوي تحصد العدد الهائل من أصوات الناخبين هي: .

  1- فشل الأداء الحكومي بشكل مريع بسبب المحاصصة وبسبب انشغال الحكوميين بالسياسة التي لا تعدو عن صراع مستدام على السلطة وبسبب هيمنة البعثيين على أجهزة الدولة وقد انقسموا فصيلين فصيل نزع رداء البعث وستبدله بالمحابس واللحى ..وفريق التحق بالضفة الأخرى بوصفه يمثل المكون الثاني .. لكنهما متفقين على الأمر ذاته .. حلب المال العام بقسوه وإفشال أجهزة الدولة كي يتمنى الشارع العراقي عودة البعث ..وكلا الطرفين مارس هذه المهمة بجداره .. .

 2. استشراء الفساد بالشكل الذي يعرفه العراقيون وغير العراقيين في أجهزة الدولة عموديا وأفقيا .. ولأن الجميع بات من منتسبي الحكومة ويقبض منها بشكل مباشر أو غير مباشر المعمم والذي يلبس العقال والي يلبس ربطة العنق إلا فقراء العراق ومثقفيه ذوو القيم .. فجعلوا منهم الاحتياطي المضمون لقائمة علاوي فهم اتجهوا إليها ليس حبا بمعاويه ولكن كرها بـ ( ليس علي ) فعلي أجل وأكرم من أن يكون أحد أطراف المحاصصة .. .

 3 . العامل الإقليمي باتجاهيه المنشاريين: الحمية الطائفية من جهه من لدن السعودية وأخواتها .. والارتماء في أحضان إيران من قبل ساسة الضفة الأخرى والذي يجعل من تلك الحمية مبرره وفاعله ومشروعيه .. وفي هذه الحالة فان العامل الإقليمي مثل المنشار ..صاعد ماخذ، نازل ماخذ .. .

 4 . الإعلام البعثي الرهيب الذي يحاصر العراقيين حتى في أسرّة نومهم فهو في الوقت الذي يزيد الكراهية للحكوميين والساسة الجدد من ضفة محددة فهو يلمع سحنة البعث حتى كأنه المنتظر والمخلص ..في حين نحن نعرف أن هؤلاء الساسة إن كانوا حمى فان البعث هو الطاعون بعينه ..هذا لا يعني ترويجا لهم أو قبولا بهم ولكن الحل لا في هؤلاء ولا في البعث .. الحل بساسة يتصرفون بمسؤولية ونزاهة واستقامة وشفافية وخضوع لمسائلة الشعب .. لكنها في النهاية مهمة الشعب وليسوا مجبرين مادام الوعي الجمعي لم يرتقي لدى الشعب ليضع الأمور في نصابها ومن خلال الصناديق ..وليس من خلال انقلاب عسكري أو ربيع يقطف أزهاره جند الدوحه والرياض ....

 

يمكن توجيه الاسئلة عبر الاميل الاتي

[email protected]

 

 

خاص بالمثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2057الأثنين 12 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم