حوارات عامة

حوار ساخن مع المهندس جواد بدر كاطع مدير عام إنتاج الطاقة الكهربائية في الناصرية / حاوره: زيدان حمود

والدول التي تحرص أن تكون الطاقة الكهربائية المنتجة فيها تفوق الحجم الاستهلاكي لها هي من الدول المتقدمة التي تصر دائما بالاحتفال على مرو خمسين أو ستين عاما فيها لم تنقطع عنها الكهرباء ساعة واحدة، فما بالك والعراقيون ينتظرون قدوم التيار الكهربائي إليهم ساعة بعد ساعة على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن والبلد من حرب إلى حرب ومن دمار إلى دمار ومن تدهور في الكهرباء إلى تدهور أعنف فيها. هل أزمة الكهرباء في العراق هي أزمة سياسية أم أزمة تكنولوجية أم أزمة أمن وأمان علما أن هذه الأزمة مستمرة ونحن في العام التاسع مابعد التحرير؟

 رحلت القوات الأمريكية التي أنقذتنا من الدكتاتورية وخلفت لنا التخلف والوحشية والاندثار.. والدليل الذي نسوقه للعالم أجمع هو الكهرباء، هذه المفردة التي أصبحت في دول العالم المتقدم ضرورة من ضرورياتها، يعملون على ترقية تقنياتها ساعة بعد ساعة فهي ديمومة الحياة التي ستصاب بالشلل في حالة انقطاع قد يدوم لدقائق معدودات أو أكثر، هذه هي أحوال البلدان المتقدمة وأمريكا أرادت للعراق في احتلالها له أن يكون واحدا منها حسب تصريحات مسؤوليها السابقة واللاحقة .

إذن ما الذي قدمته أمريكا للعراق بعد تسعة أعوام حافلة بالقتل والدمار والتشريد؟ أهي الكهرباء المستمرة التي لا ينقطع تيارها لساعات قليلة؟ أم إنها الديمقراطية والحرية التي تحولت إلى فوضى عارمة في عراق أصبح حلم شعبه أن ينعم بتيار كهربائي مستمر في كل شتاء قارص وصيف تلتهب فيه النفوس قبل الأجساد .

 موضوع الكهرباء الساخن ومواضيع أخرى تتعلق بالطاقة ومشاكل إنتاجها، إضافة إلى حلم العراقيين الدائم الذين يطمحون فيه أن تتحقق أمنياتهم في سنة من سنوات الغفلة أو الترقب في تيار كهربائي لم ينقطع في بيوتهم أو أماكن أعمالهم على مدار الساعة في اليوم الواحد .

 هذا ما سنتحاور به مع الأستاذ المهندس جواد بدر كاطع مدير عام إنتاج الطاقة الكهربائية في الناصرية .

 

بداية أرحب بك أستاذ جواد أجمل ترحيب وأرجو أن تضعنا في موضع العمل الذي تعمل به محطة إنتاج الطاقة الكهربائية ومدى قدرتها على الإنتاج المستمر الكامل؟

-     أهلا بك أستاذ زيدان .. بدأت هذه المحطة بإنتاجها للطاقة الكهربائية في العام 1979 أي أن خدمتها أصبحت ثلاث وثلاثون عاما وهذا زمن طويل في عمر محطات الطاقة لكهربائية .

 

ما الذي جعل عمرها طويلا وما مدى صلاحيتها للمستقبل؟

- الذي أعطاها هذا العمر الطويل هو الصيانة المستمرة واستبدال الآلات المستهلكة بآلات مصنعة حديثا ضمن المواصفات الدقيقة ومن مناشيء عالمية، حيث تتكون المحطة من أربع وحدات تشغيلية الطاقة التصميمية لكل وحدة منها هي 210 ميكا واط المجموع التصميمي الكلي لإنتاج أربع وحدات هو 840 ميكا واط لكننا نسعى دائما للوصول بالوحدة التشغيلية الواحدة إلى 180 ميكا واط بالصيانة المستمرة وهذا هو أعلى حد يمكن إنتاجه بالفعل وليس بالتصميم، والصيانة عندنا سنوية موسمية تبدأ قبل فصل الصيف، يقوم بها فريقان أحداهما تمثله الشركة الروسية sec استنادا إلى العقد المبرم معها في العام 2009والآخر كادر عراقي متخصص.. الفريقان الآن أكملا صيانة الوحدتين الثالثة و الرابعة وتم ربطهما بالشبكة بإنتاج تدريجي يبدأ ب80 ميكا واط للوصول إلى درجة الإنتاج القصوى 180 ميكا واط أما الوحدة الأولى فقد توقفت لصيانتها من قبل كادر عراقي تخصصي وشركة رومانية اسمها البحر الأسود تم التعاقد معها في العام 2011 . وعند وصول الوحدتين الثالثة والرابعة إلى درجة الإنتاج القصوى 180 ميكا واط لكل منهما يصبح الإنتاج 360 ميكا واط عندها سنطفئ الوحدة الثانية لإكمال صيانتها وعندها سيكون مجمل إنتاجنا لهذا الصيف القادم بحدود550 ميكا واط وهي نسبة جيدة بالنسبة إلى إنتاج السنوات السابقة

 

هل المحطة مخصصة للناصرية فقط أم إنها تعمل لتزويد مناطق أخرى وهل تزويدها للناصرية بشكل مباشر؟

- المحطة لا تنتج للناصرية فقط وإنما إنتاجها لمجمل مدن العراق وحصة الناصرية منها تحسب بناءا على المعادلة السكانية .. أسوق لك مثلا الناصرية تحتاج وفق جدول التخصيص الكهربائي لها إلى 250 ميكا واط والطاقة في الناصرية خلال هذه الأيام لا تنتج سوى 80 ميكا واط بسبب ظروف الصيانة لها ومع ذلك تستلم الناصرية حصتها من الكهرباء كاملة أي 250 ميكا واط والفرق بين ما تستلمه الناصرية وتنتجه الطاقة فيها هو 170 ميكا واط من أين تأتي هذه الطاقة الإضافية للناصرية تأتي من مصدر التوزيع أي من الشبكة الوطنية وهذا معناه إن محطة الطاقة في الناصرية منتجة لها لاغير ولا علاقة لها بالتوزيع حيث إن مقرات المحطة الإدارية نفسها يشملها الانقطاع دائما ونعتمد في ساعات الانقطاع على المولدات الأرضية لإكمال أعمالنا .

 

هذه معلومات لا يمكن للقارئ أن يستوعبها ببساطة ولكنني لمستها حقيقة حين انقطع التيار الكهربائي في مبنى المديرية العامة لإنتاج الطاقة في الناصرية لمدة ساعة كاملة شغلت على أثرها المولدات الأرضية .

- هذه حقيقة فعلا لأننا ننتج الطاقة ولا نوزعها .

 

من المسؤول عن توزيعها؟

- دائرة السيطرة والتحكم هي التي تستقبل مجمل إنتاج الطاقة في العراق وتوزعها حسب احتياج المحافظات إليها .

 

هل أزمة الكهرباء في العراق صناعية تكنولوجية بحتة أم أن للسياسة طرف فيها؟

- اعتقد إنها بين هذا وذاك

 

ماذا تعني؟

- اعني أن الظروف والمشاكل التي تعرقل عمل الكهرباء في العراق كثيرة منها ماله علاقة بالتكنولوجيا ومنه ماله علاقة بالدولة ومسؤوليها

 

كيف؟

- سأوضح لك ذلك .. الظروف التي تتعلق بالتكنولوجيا واضحة ومعلومة ويمكنني أن أوجزوها لك بنقاط عدة:

1-   جميع محطات الطاقة في العراق قديمة لم تتغير واستمراها بالعمل مرهون بالصيانة وهذا لا يتوازى مع حجم التطور الهائل في البنية الاقتصادية والتكنولوجية للبلد وحاجته إلى الطاقة الكهربائية الكبيرة .

2-   تم التعاقد مع الشركات العالمية لإنشاء محطات توليد جديدة عديدة ولكن معظمها لازالت قيد التنصيب أو التشغيل التجريبي وبعضها كاملة التنصيب ولكنها متوقفة بسبب عدم قيام وزارة النفط بتوفير الوقود اللازم لها .

3-   عدم وجود الوعي اللازم لدى المواطن العراقي لترشيد استهلاك الكهرباء وعدم وجود آلية للترشيد سواء على صعيد المعدات أو الجباية .

4-   شبكات وخطوط التوزيع المحلية قديمة وغير نظامية ولا تتحمل مجهود الطاقة العابرة خلالها لذا نشاهد كثرة الانقطاع بسب العطلات الكثيرة .

5-   كثرة التجاوزات على خطوط الشبكة يولد حملا إضافيا غير متوقع مما يسبب كثرة الانقطاع بالتيار الكهربائي وتقليل ساعات الحصص المقررة من الكهرباء .

6-   الاستيراد غير المنظم للمواد المستهلكة للطاقة كمكيفات الهواء والهيترات والسخانات سبب مباشر في استهلاك الطاقة الكهربائية وعدم توفيرها بشكل صحيح .

 

هل يمكن لك أن توضح لنا هذه النقطة؟

- احهزة التبريد والتدفئة المصنعة بجودة عالية ومن مناشيء موثوقا بها تعطي ضعف القدرة على التبريد أو التدفئة بربع الطاقة الكهربائية التي تعطيها الأجهزة رديئة التصنيع ومن مناشيء تجارية ولكنها في نفس الوقت تستهلك ثلاث أضعاف الطاقة التي تستهلكها الأجهزة الجيدة .

 

ما الذي تقترحه في هذا الاتجاه؟

- منع استيراد الأجهزة الرديئة وفحص النوعيات المستوردة قبل دخولها إلى العراق .

 

ولكن الأجهزة الجيدة والمصنوعة في مناشيء موثوق بها كاليابان مثلا باهظة الثمن - هذه ليست مشكلتنا في وقت يكون فيه إنتاج الطاقة بقدرة غير كافية على تأمين التيار الكهربائي في جميع أنحاء العراق بشكل ممتاز . نحن نشخص السبب وهذا الموضوع جزء مهم في هذا السبب والأمر متروك للدولة في الأخذ به أو لا .

هذه هي بعض الأمور التي تتعلق بالتكنولوجيا وإنتاج الطاقة وهي نصف المشكلة في عدم توفير التيار الكهربائي بطاقة كاملة خلال تلك السنوات الطوال من عمر أزمة الكهرباء في العراق أما نصف المشكلة الآخر فأنه يتعلق بالدولة وسياستها ومسؤوليتها أولا وبالمحيط الإقليمي ثانيا .

 

كيف؟

-            سأدرج لك جملة من الأسباب وبالتسلسل

1-   كثرة الحروب التي خاضها العراق خلال السنوات الطويلة الماضية هي سبب من أسباب عدم التخطيط الاستراتيجي للكهرباء .

2-   أزمة الإدارة في وزارة الكهرباء في الفترة مابعد التغير وحتى الوقت الحالي بسبب سرعة تعاقب الوزراء وعدم قدرتهم على إرساء قواعد علمية منهجية في إدارة ملف الكهرباء لقصر الفترة الزمنية التي يتولى فيها كل منهم منصب الوزير ليأتي من يعقبه في الوزارة بسياسة جديدة وملف جديد يختلف تماما عن ملف وسياسة الوزير الذي سبقه وهذا سبب من أسباب أزمة الكهرباء حتما .

3-       مغادرة الكثير من الكوادر العلمية المتخصصة إلى خارج القطر بسبب الأوضاع السياسية والأمنية .

4-    الهجوم في إقحام كوادر غير متعلمة في محطات الكهرباء ومن الأميين في مجال الاختصاص العلمي وبأعداد هائلة تسبب في الإرباك بعمل الطاقة بفعل البطالة المقنعة وهذا ناجم عن المحاصصة المقيتة في السياسة .

5-   تحول المديرية العامة لإنتاج الطاقة في الناصرية إلى وزارة عمل وشؤون اجتماعية فالمحطة كانت تعمل بالكامل وبدون نقص بكادر علمي اختصاصي لا يتجاوز الستمائة شخص والآن أصبح عدد العاملين في المحطة أكثر من ألفي شخص مفروضين بفعل الظروف مابعد سقوط النظام البائد .

6-   أغلب هؤلاء العمال هم من جهات سياسية متنفذة أصبحوا يلاحقون المهندسين والمختصين وذوي الكفاءة ويتدخلون في أعمالهم ويرفعون التقارير الكيدية ضدهم إلى النزاهة والمحاكم التي استدعت لحد الآن عدد كبير من المهندسين والأختصاصيين بفعل المخبر السري المتنفذ والزائد عن حاجة العمل أصلا وقد برأت المحاكم أغلب المكاد بهم في حين لم يعاقب أو يعلن عن اسم الواشي مما أدى إلى خوف المهندسين والاختصاصين وذوي الكفاءات من عدم استلام مسؤوليات مهمة أو رئاسة لجان أو ماشابه ذلك وهذه مشكلة حقيقية نعاني منها .

7-   تدخل الجانب السياسي بالجانب العلمي كارثة وأقولها جازما إذا دخل السياسي من باب المؤسسة العلمية الاختصاصية خرج العالم والمختص من الشباك، لذا أقترح غلق أبواب المؤسسات العلمية الاختصاصية بوجه السياسة على اختلاف أنواعها، نحن هنا أمام مسؤولية وطنية كبيرة اسمها تأمين الطاقة الكهربائية للناس وهذه لا توفرها السياسة وإنما يوفرها العلم والاختصاص .

8-   للجانب الإقليمي أثر واضح في تعطيل الطاقة الكهربائية في العراق فبعض الدول المجاورة التي تدعم الإرهاب هي نفسها التي تسعى لتحطيم البنية التحتية للبلد، فمثلا هنالك عشرات الشركات العالمية التي تعاقدت مع العراق لبناء محطات طاقة كهربائية عملاقة على أراضيه.. أغرتها بعض الدول المجاورة والمتخمة بواردات البترول بمبالغ كبيرة كي لا تعمل في العراق رغبة منها في عدم استقرار البلد وتقدمه .

هذه هي أهم المشاكل التي تعيق تقدم العراق كهربائيا ونتمنى على الدولة والمواطنين مراعاتها لتوفير الأمن الكهربائي للبلد وبالشكل الذي يريح الناس ويريحنا كمسؤولين عن تأمين الطاقة الكهربائية لهم .

 

صرح نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني لوسائل الأعلام بأن نهاية العام المقبل ستشهد انتهاء أزمة الكهرباء في العراق نهائيا ما مدى صحة هذا التصريح وعلى أية أسس استند في تصريحه هذا .

- نعم هنالك أمل كبير في أن تكون نهاية العام المقبل نهاية لأزمة الكهرباء في العراق نهائيا فيما لو أكملت الشركات التي تعاقد العراق معها لبناء عدد من المحطات العراقية في عموم العراق .

 

هل للناصرية حصة من هذه المحطات على أراضيها؟

- حصة الناصرية ستكون من نصيب مؤسسة (جايكا) الوطنية اليابانية والمكلفة من قبل حكومة اليابان بتنفيذ منحة الشعب الياباني إلى الشعب العراقي وهو إنشاء محطة كهرباء عملاقة بسعة 1800 ميكا واط وقد اختارت هذه المؤسسة مدينة الناصرية مكانا لإنشاء المحطة فيه وتم اختيار المكان وهو مقابل المحطة الحالية وعلى الأرض الممتدة نحو الشارع الرئيس الذي يربط مدينة البطحاء بمدينة الناصرية وبمساحة 117 دونم وقد قدمنا طلبا إلى مجلس المحافظة حول هذا المشروع وقد تفاعل المجلس مع الأمر خيرا وتم تخصيص الأرض، كما تمت الموافقة على تحويل الشارع الرابط بين المدينتين المذكورتين إلى مكان آخر وتم تخصيص المبالغ الأزمة لذلك وحصلت موافقة المالية عليها، وقد أحالت الحكومة اليابانية ملف إنشاء المحطة المذكورة إلى البرلمان الياباني للموافقة عليه وصرف المبلغ اللازم لذلك ونحن الآن بانتظار سفر الأستاذ عادل حميد مستشار وزير الكهرباء إلى اليابان في 15/ من العام الجاري 4 ليزف لنا بشرى موافقة البرلمان الياباني على إنشاء المحطة الموعودة .. أتفاءل خيرا وأتوقع أن يكون صيف العراق لهذا العام أقل وطأة وضراوة من الأصياف الماضية على المواطن العراقي الذي أتعبته هذه المشكلة منذ زمن طويل .

 

أشكرك أستاذ جواد على صراحتك و رحابة صدرك واغنائنا بالمعلومات التي يفتقد اليها الشارع العراقي كثيرا والتي ربما ستساعده على تحمل واستيعاب هذه المعضلة ولو لحين من الزمن .

- أتمنى أن أكون قد أعطيت الحوار حقه وأنا صادق في كل ما قلته لك وأشكرك وأتمنى

 لك الموفقية في عملك أستاذ زيدان .

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2098 الأحد  22 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم