حوارات عامة

خالد حسيني: كيف اكتب / ميادة خليل

 

خالد حسيني يتحدث عن روايته " عداء الطائرة الورقية" وكيف بدأ بكتابتها.

 

كيف ولماذا بدات بمؤسسة خالد حسيني؟

استوحيت فكرة مؤسستنا العائلية من رحلة قمت بها الى أفغانستان كسفير للنوايا الحسنة للمفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. بينما كنت هناك، التقيت بعائلات اللاجئين العائدين الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، ويقضون الشتاء في المخيم او في حفر حفرت في الارض، وبشكل روتيني يفقدون اطفالهم كل شتاء. كأب، شعرت بالاختناق. قررت ذلك عندما عدت الى الولايات المتحدة، بذلت جهداً للدفاع عن هؤلاء الناس وأفعل ما أستطيع لمساعدتهم على تحسين أوضاعهم.

 

من هم الكتاب الافغان الكبار الذين يجب أن يعرفهم قراءك، لكنهم غير معروفين خارج حدود أفغانستان؟

فريبا ناوا مؤلف كتاب " وطن الافيون". عتيق رحيمي الفائز بجائزة GainCourt في فرنسا مؤلف " حجر الصبر". تميم أنصاري كاتب " غرب كابول وشرق نيويورك" قصة أفغانية امريكية.

 

كيف يختلف الادب بلغتك الام عن اللغة الانكليزية؟ هل احدى اللغتين أسهل من الاخرى بالنسبة لك؟ هل التعبير أسهل بلغة دون اخرى؟

انا اكتب باللغة الانكليزية حصراً، ربما استطيع ان أشق طريقاً لي في القصة القصيرة ــ القصة القصيرة جداً ــ باللغة الفارسية. لكن على العموم، أفتقد صوت السرد باللغة الفارسية، والاحساس بالايقاع والنغم في رأسي، مضت عقود على كتابتي الرواية باللغة الفارسية، لذلك أصبحت اللغة الانكليزية مريحة جداً بالنسبة لي.

 

حدثنا عن روتينك اليومي؟

أستيقظ ثم أمارس الرياضة. اوصل الاولاد الى المدرسة ( اتناوب انا وزوجتي على هذه المهمة)، أأكل، أقرأ الصحف، الصفحة الاولى أولاً، اقرأ كل الاخبار عن أفغانستان. أقفز الى صفحة الرياضة، وأقرأ اي خبر عن فريق سان فرانسيسكو 49. ثم اكتب، عادة من حوالي الساعة الثامنة والنصف وحتى الساعة الثانية ظهراً، حيث اجلب الاولاد من المدرسة.

 

ما هو السلوك المميز او الغريب لديك؟

لا أستطيع مشاهدة التلفزيون بدون ان أأكل الفول السوداني، لا يمكنني ذلك.

 

كيف تتخيل الكتاب قبل ان تكتبه؟

انا لا أخطط على الاطلاق، لا اجد ذلك مفيداً، ولا احب الطريقة التي تضعني في قالب. احب عنصر المفاجأة والعفوية، اترك القصة تجد طريقها الخاص. لهذا السبب، اجد ان كتابة المسودة الاولى صعب جداً وشاق. وغالباً ما تكون مخيبة للامال. التحول الى ما كنت اعتقد انه الشكل المناسب للقصة شيء مجهد دائماً، وعادة عندما أبدأ بالكتابة احتفظ بالفكرة لفترة قصيرة في رأسي. أحب اعادة الكتابة على أي حال. المسودة الاولى هي في الحقيقة مجرد رسم تخطيطي اضيف عليه طبقة وبُعد وظل ولون . الى حد كبير، الكتابة بالنسبة لي هي اعادة الكتابة. خلال هذه العملية اكتشف معانٍ خفية، العلاقات، الاحتمالات التي فاتتني في المرة الاولى هنا او هناك. في اعادة الكتابة، اتمنى ان أرى القصة تقترب من اهدافي ولذلك كتبتها.

 

هل لديك طقوس غريبة في الكتابة؟

انا اكتب عندما يكونون الاولاد في المدرسة والمنزل هادئ. اعزل نفسي في مكتبي مع كوب القهوة والكمبيوتر. لا أستطيع سماع الموسيقى عندما اكتب، على الرغم من محاولتي ذلك. أسرع في كثير من الاحيان، واواصل رسم الظلال. امنح نفسي أستراحة، من دقيقتين الى ثلاث دقائق، اعزف خلالها على الجيتار بشكل سيء. احاول كتابة صفحتين الى ثلاث صفحات يومياً. اكتب حتى الساعة الثانية ظهراً. وعندما أذهب الى الاولاد اتحول الى وضعية الاب.

 

هل هناك شيء مميز او غير عادي في مكان عملك؟

أضع ملصقات على الحائط خلف شاشة الكمبيوتر، رسومات قديمة رسمها اولادي لي، قوس قزح، سمك، اشجار، أشياء مفرحة جداً. لدي موديل 1965 موستانج (نموذج لسيارة). كتب على الرف، أغلبها روايات بكل تاكيد. الجيتار المذكور اعلاه بجوار المكتب. تقويم كبيراكتب فيه كل مواعيدي ــ لازلت أدون كل شيء على الورق، على الرغم من الحاح زوجتي على ضرورة استخدامي الهاتف الذكي لهذا الغرض. لدي لوحة ماوس هي عبارة عن سجادة أفغانية صغيرة.

 

ما هي العبارة التي أفرطت في استخدامها؟

" انه قادم عن قريب" ( بمعنى كتابه، عندما يساله الناس)

 

ما هي قصة نشر كتابك الاول؟

في احد الايام من اوائل 1999، كنت أقلب القنوات عندما مررت بقصة في الاخبار عن أفغانستان. القصة كانت بالطبع عن طالبان، والقيود التي فرضوها على الشعب الافغاني، وخاصة النساء. وذكروا بالخبر وبشكل عرضي ان من بين الاشياء التي منعوها كانت رياضة الطائرات الورقية، التي كبرت وانا ألعبها الى جانب أخي وابناء عمي في كابول.

ضربت هذه القصة على الوتر الحساس من عاطفتي. أغلقت التلفاز وفجاة وجدت نفسي أجلس الى الكمبيوتر واكتب قصة قصيرة. أعتقدت اني ساكتب قصة بسيطة عن الحنين، عن ولدين يعشقان لعبة الطائرة الورقية. لكن القصص تمتلك ارادة خاصة، وهذه القصة تحولت لتكون حكاية مأساوية عن الخيانة، الخسارة، الندم، الاباء والابناء، ضياع الوطن، والخ.

القصة القصيرة التي كانت من خمس وعشرين صفحة، جلست لكتابتها بضعة اعوام. كنت مولعاً بها. لكن الفكرة انها كانت معيبة للغاية. ومع ذلك، تمتلك قلب كبير لايمكن انكاره. تقدمت الى الامام وانا التفت متردداً لنشر القصة عن طريق ارسالها الى اي مكان اعرفه، وعندي شك ان القصة سترفض ـــ مجلة النيويوركرThe New Yorker ، المحترم Esquire ، المحيط الاطلسي الشهرية The Atlantic Monthlyــ ورفضت فعلاً.

بعد عامين، في مارس 2001، زوجتي وجدت القصة في الكراج. أعدت قرائتها، ووجدت نفس العيوب مرة اخرى. رايت لأول مرة امكانية تحويلها الى عمل طويل. شكل القصة القصيرة أساساً خنق القصة وقلص دائرتها. بدات بتوسيعها الى كتاب في اوائل مارس 2001. وبعد ستة اشهر، عندما كنت قد انتهيت من ثلثي الكتاب تقريباً، وقعت احداث الحادي عشر من سبتمبر. زوجتي أقترحت في ذلك الوقت ــ في الواقع، طلبت ــ ان أعرض المخطوطات على الناشرين. عارضت ذلك، لسبب واحد، لم اكن متاكداً انها كانت جيدة. والاهم من ذلك، والخطأ الاكبر هنا، اعتقدت ان لا احد في الولايات المتحدة يرغب في سماع اي شيء من أفغاني. عليك ان تفهم ان ذلك حدث في الايام والاسابيع التي تلت الهجمات، عندما كانت الجراح لازالت في بدايتها والمشاعر متاججة."  الافغانيون منبوذون الان، نحن الناس الذي يؤون في بلدهم الارهابيين الذين هاجموا نيويورك " قلت لزوجتي. بالاضافة الى ذلك، كنت قلقاً من ان أبدو انتهازياً، كما لو اني أرغب في  الاستفادة من المأساة.

زوجتي اختلفت معي، وكمحامية دافعت عن قضيتها لتقنعني. وكان هذا، وكما شعرت هي : هذا هو الوقت المناسب لنروي الى العالم قصة عن أفغانستان. الكثير من الذي كُتب عن أفغانستان في تلك الايام وللاسف، ولا يزال لحد الآن، يدور حول طالبان، بن لادن، والحرب على الارهاب. كثُرت المفاهيم الخاطئة والافكار المسبقة عن أفغانستان. قالت زوجتي: كتابك يستطيع ان يُظهر لهم وجهاً مختلفاً عن أفغانستان، وجه اكثر أنسانية. بحلول ديسمبر من ذلك العام، فهمت وجهة نظرها. رضخت وعدت للكتابة.

وعندما انتهيت منها، أرسلتها الى مجموعة كبيرة من الوكلاء، وبدات اجمع قصاصات الرفض. تلقيت اكثر من ثلاثين رفضاً قبل ان يوافق الوكيل الين كوستر ـــ الذي منذ ذلك الحين، للاسف ـــ أتصل بي وطلب ان يكون وكيل اعمالي. حتى بعد ان وجدت الين، وبعد نشر الرواية وعرضها بشكل مناسب، كانت لدي شكوك كثيرة، من يرغب بقراءة رواية مثل هذه؟. قصة ماساوية، كئيبة في بعض الاحيان، احداثها في بلد اجنبي، واغلب الطيبيون فيها ماتوا.

لذلك يمكنك ان تتخيل دهشتي من أستقبال الكتاب منذ صدوره في عام 2003. ولايزال الامر مذهلاً بالنسبة لي، فانا استلم رسائل من الهند، جنوب أفريقيا، سدني، لندن، اركنساس، من قراء يعبّرون لي عن اعجابهم. الكثير منهم يرغب في ارسال المال الى افغانستان . حتى ان بعضهم اخبرني انه يرغب في تبني يتيم افغاني. في تلك الرسائل، رأيت بان الرواية لديها قدرة فريدة على ربط الناس، ورايت ان التجارب الانسانية هي تجارب عالمية، هي : الخجل، الندم، العار، الشعور بالذنب، الحب، الصداقة، التسامح والتكفير.

اكثر تجربة سريالية مرت بي عندما كنت اطبع " عداء الطائرة الورقية" وكنت اجلس بجانب شخص على متن الطائرة وكان قد قرا الكتاب. كان متأثراً جدا وبشكل غريب، ووجد باني اجبت عن سؤال خطير، هكذا حسبها.

 

ماذا تحتاج لتنجز عملك ، او لتشعر بان يومك كان مثمراً؟

على الاقل ثلاث جمل مفيدة، وفكرة عما ساكتب في اليوم التالي. لا يمكن ان اذهب فارغاً لليوم التالي، البذور يجب ان تًزرع اليوم.

 

ما هي النصيحة التي تود ان تقدمها للمؤلف الطموح؟

لقد قابلت الكثير من الناس الذين يقولون بان فكرة الكتاب في رأسهم ولكنهم لم يكتبوا كلمة واحدة. لكي تكون كاتباً ـــ قد تبدو العبارة مبتذلة، أعلم ذلك ـــ في الواقع عليك ان تكتب. عليك ان تكتب كل يوم، وعليك ان تكتب حتى وان شعرت بانك لاتحب ذلك. والاهم، أكتب لجمهور واحد هو ... أنت !. اكتب القصة التي ترغب أن تحكيها وتقراها. من المستحيل ان تعرف ما يريده الآخرون. لذلك، وحتى لا تضيع الوقت في محاولة التخمين، أكتب فقط عن الاشياء التي تحدث تحت جلدك وتجعلك مستيقظاً في الليل. كذلك يجب ان تقرأ كثيراً ـــ وبأهتمام. اقرأ عن الاشياء التي تريد كتابتها، أقرأ عن الاشياء التي لاتريد كتابتها اطلاقاً. تعلم شيئاً من كل كاتب تقرأ له.

 

ماذا تحب ان يُكتب على قبرك؟

" من أَحب لن يَشك ".

 

ما هو مشروعك القادم؟

انا اعمل حالياً على رواية جديدة، جزءاً منها يروى في أفغانستان.

 

المصدر : The Daily Beast

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2288 الاربعاء 28 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم