حوارات عامة

حوار مع الشاعرة اللبنانية فيوليت أبو الجلد: حين أكتب، أشعر كأني أخرج مني

عن المعنى الذي يتوالد في كل لحظة. لا تستقرّ الا في اللحظة القلقة، لحظة الانبعاث والولادة، لحظة التناغم المتواصل، مع فرح الحياة وما بعد هذا الفرح.

انها الشاعرة فيوليت ابو جلد التي قالت، بأشعارها، الحب والعاطفة والمرأة. قالت عاطفتها وايمانها بوعي شعري لافت، وفي كل اعتراف من قصائدها، تولد صورة واسعة، مليئة بالشجن والغناء العالي.

تحدثت الشاعرة الى «الراي» عن رحلتها في المتاهة الجميلة، متاهة الحب والانسان والشعر، فماذا قالت:

 

• نبدأ بسؤال الشعر، ماذا تقولين في الشعر اليوم؟

- الشعر كما الحياة في تطور دائم وسريع، الشعر يعطي لحياتنا مذاقاً لذيذاً وغامضاً، هو ندى الصباح وألوان الفراشات، هو دمعة الفرح ونضارة الوجوه العاشقة، لهذا لا اتقبل الشعر بعيداً عن الألق والعذوبة والجمال والانسياب، والحداثة بالنسبة لي، لا تعني ان نجرد القصيدة من حسها الراقي عبر طلاسم لغوية ومفردات خادشة للحس الفني... القصيدة عروس الكلمات وجميلة الجميلات، هي عصارة المشاعر الدفينة وهي غواية للعقل، ليست مقالة نقدية في جريدة ولا قصة قصيرة لنحمّلها كل هذا العبء. الشعر ورد الكتابة وعطرها الاثير.

 

• ماذا تكتب فيوليت بعد كل الذي قالته؟

- امارس متعة الكتابة بشغف، في رحلة تفتيش مستمر عن الذات، اتوهج من خلال القصيدة التي تشكل وحدها الغاية من الكتابة، وأطلب المصالحة، مصالحة الجسد مع النفس. احب التعابير الناعسة حيناً واللاهبة احياناً على خلفية صور حميمية متهافتة تتراوح بين الهدوء والصخب... اتقن لعبة النبيذ ارويك من خمرة ما اكتب، اخذك على غفلة منك، استغل ذهولك، يغويني انك لا تهتدي....

 

• لك خصوصية في المعنى الشعري، اما زال هذا المعنى كما هو، ام تغير مع تغير الحياة؟

- حين اكتب اشعر كأني اخرج مني، كأني اتحول الى نسمة بعد كوني عاصفة، كأني اتلاشى لأتجدد، كأني نسيت كل شيء وتذكرت فقط ما يلزم.

ثمة طاقة كبيرة للحب في داخلي، لم يتنفس منها الشعر حتى الآن الا القليل، هذه الطاقة تحتاج لدهشة متواصلة تحرك ضجرها لتخرج وتتحدث عن نفسها.

اعيش وفق خارطتي الداخلية، لهذا لا اشبه الا نفسي، فأنا اكتب بكلي دون تجزئة بهدوء وانفعال شديدين يمتزجان في سيولة تشكّل احد مفاتيح نفسي ولغتي.

 

• اين انت الآن، اقصد اين تنمو وتعيش قصيدتك في زمن التحولات الكبيرة؟

- كأننا في سباق مع الوقت، نغرق في خطر مواجهة انفسنا، نتغرّب عنا، تسرقنا الآلة على تنوعها... أُبعد قصيدتي عن همجية الواقع، هي اميرتي، احافظ على تألقها وعلى نضارة وعذوبة لغتها، مهما انوجعت هي راقية، مهما رقصت هي ساحرة، مهما عشقت هي فاتنة، مهما تمردت هي انيقة وشامخة.

ليست القصيدة صورة عن الواقع، انها محاولة لبثّ الجمال في هذا الواقع، للتعويض عن كل الخسارات والبشاعات والاخطاء الكبيرة التي تشوهنا. ليست صورة عن الحب، هي طموح الحب وسموّه.

 

• أين أنت من الفرح بعد كل الذي حصل ويجرى في حياتك وحياة الآخر الذي يسكنك؟

- كل كتابة فيض فرح، كل قصيدة نشوة، كل ابداع ضحكة من القلب... حياتي تجارب ومغامرات وجنون وانكسارات، دموع وابتسامات وحب، الكثير الكثير من الحب. قلت لقصيدتي يوماً: «من أجلك لم انطو على سر، اعترفت... حتى اني غامرت اكثر، سامحت اكثر، وأكثر مما يُحب احببت...».

انا ببساطة عاشقة اذوب حناناً وحنيناً، انتمي الى الصمت وينتمي اليّ البوح.

 

• متى لا تكتب فيوليت؟

- الشعر لص لا وقت له، وولادة لا مهرب منها. لا اكتب حين لا اعشق، لا اعشق حين لا اكتب، يتحول الحبيب الى عبء عندما لا يعود قادراً على مراقصتي على ايقاع الغواية وعلى اوتار الكتابة. الملهم ليس عبثياً في حياتي، انا لا اصطنع حالة حب وهمية وأكتب لرجل لا وجود له، الحب ينسج الدفء في حنايا لغتي، يضرم القصيدة فيّ ليستعر الكلام عنه.

 

• الا يجعلك هذا تدورين في فلك الحب فقط، ماذا عن التنوع في موضوع القصيدة؟

- لكل فنان، على اختلاف انواع الفنون، بصمة خاصة يمتاز بها. فيما اكتب ألقي الضوء على ما يعتمل داخل الحالة الشخصية في ظروفها المتنوعة خاصة على الذات الانثوية والعلاقة بين الحبيبين، وهذا الموضوع يحمل على منكبيه تاريخاً طويلاً من التجارب والكتابات والنصوص والتراثات والحضارات التي امضت اجيال متلاحقة في التعبير عن حالاتها بما اوتي لها من ملكات لغوية، وهذا شأن يتضمن تحدياً كبيراً، هنا يأتي دور التفرد والابداع الذي لا يتغير مع تغير الحياة بقدر ما يتطور وينمو ليصير اكثر نضجاً. قصيدتي ليست بعيدة عن الطبيعة والله والحزن والفرح والولادة والموت والصداقة والوطن والغربة، هي تتضمن كل ما سبق، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، بأسلوب خاص، وبمقاربة تشبهني.

 

• كيف تقرئين في حياة الانسان اليوم، وما هو دور القصيدة في بناء هذا الشكل من العلاقة والترابط والتواصل مع الحياة وناسها؟

- قال اندريه جيد منذ خمسين عاماً في سينما روكسي ببيروت: ان الاقلية تخلص العالم من هذه الاقلية الشعراء. في زمن التكنولوجيا والعولمة، نشتاق الى كل حسّ مرهف وشعور انساني عميق. الخطيئة هي عدم الاحساس. في زمن الحقد، في زمن الكذب والنفاق والخبث، وحدهم الشعراء قادرون على مقاومة الآخرين بالحب وبالحب الكبير.

 

• هل قاربك الحزن؟

- بسبب عدم القدرة على التكيف مع الواقع بمحدوديته وقسوته، ولأني كما قلت لك سابقاً اعيش وفق خريطتي الداخلي، يقاربني الحزن كثيراً. احياناً يعبرني الفرح ولا تتوقف عند ابتسامة. اقول في احدى قصائدي: «امضيت عمري في ضيافة وجعي، منفية الى الانتظار، الى الشوق الذي يُدمي...».

هو الحزن الشفيف الذي تسببه الرومانسية العالية، ربما انا قصيدة متنكرة بزيّ امرأة.

 

• ماذا عن كتاباتك الجديدة؟

- احضر لديوان شعر جديد، سيصدر هذه السنة، ويهتم بترجمته الى الانكليزية والرومانية الشاعر والمترجم منير مزيد، بعنوان «بنفسج اخير».

 

• إلى أين وصلت المرأة الشاعرة اليوم، هل تفوقت على الرجل بالبوح؟

- في كل شعر شيء من الانوثة، حتى في اروع لمعات القصائد لكبار الشعراء شيء انثوي، نوع من البوح الرقيق المتغلغل في مسارب الابداع... غير ان المرأة اكثر تنوعاً في النسيج الشعري من الرجل وأشدّ رهافة. الشاعرات برأيي اثبتن وجودهن وقد ساهم الانترنت بالتعريف عن وجوه كثيرة لها دور فاعل في عالم القصيدة وحداثتها.

 

• من هي الشاعرة؟

- الشاعرة هي التي لا تقول لحبيبها: ارتديت ملابسي وانتظرك. بل تقول: مرصّعة باشتياقي اليك، لم اتعطر، لم اتزيّن، تفوح مني رائحة شغفي بك... ارتدي انتظاري، اجلس في ركن اللحظات الآتية... هي التي تمارس الغواية العقلية وترقص على ايقاع الدهشة... هي التي تقول احبك، بألف طريقة وطريقة مُبتكرة... هي امرأة تحالف فيها النبيذ والأنوثة، هي سر تحالفهما.

 

| بيروت - من إسماعيل فقيه |

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1211 الاربعاء 28/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم