حوارات عامة

حوار حول واقع الثقافة العراقية في المرحلة الراهنة مع الشاعر والقاص عامر رمزي

(المؤسسات المستقلة (النادرة) والحزبية والحكومية والهيئات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني) فهي قد تشكلت بعد 2003 بمشروع فكري يختلف تماما عن السائد في الفترة السابقة، وكأن الثقافة العراقية قد ولدت من جديد،  وراحت تحمل أعباء أخرى مضافة إلى أعبائها الموروثة، وصار سيرها  يشبه سير رافد يتحرك سيله ببطء ليشق طرقه الجديد، لكن بعضه يضيع في أخاديد تنتهي بحجارة ويكمل القسم الآخر المسير المتعثر في التربة القاسية، ولأن كمية الماء الواردة من السدود قليلة، ومبعثرة، والعوائق كثيرة، فإن منسوب المصب ضعيف. وقد تنفرد الصحافة وبعض الإذاعات والفضائيات بواقع أفضل نسبيا لكنها لا تزال غير مؤثرة بشكل ملحوظ.

أما الواقع الثقافي المتمثل بأفراد فهم قد فقدوا بعد 2003كل وسائل دوام تواصلهم مع المتلقي وهم الفنانون والمسرحيون والموسيقيون والأكاديميون والأدباء والسينمائيون وحتى الكتـّاب والصحفيون.

لكننا اليوم نراهم  يبدعون فهم الأمل الكبير من خلال بعض الملتقيات والمؤتمرات والمهرجانات والمعارض - بجهود فردية أو بدعم محدود - في تغيير الواقع الثقافي نحو الأفضل رغم كل الصعوبات المتمثلة بقيودهم التي تفرض عليهم الالتزام التام بنهج المؤسسة التي يعملون فيها أو الخوف من التصفية الجسدية والإرهاب الإعلامي.

ولا تزال طباعة الصحف والمجلات غزيرة لكنها فوضوية الهدف،  ولا يزال طبع الكتب الأدبية والفنية والعلمية نادرا وفاقدا لدعم الحكومة التي تنتظر الإشارة من البرلمان المشغول تماما عن الواقع الثقافي، ونفس الحديث ينطبق على المسرح والسينما والفنون التشكيلية وبقية الفنون.

ولا يزال الحصار الثقافي مفروضا على المثقف العراقي فلا وجود لدعوات خارجية لحضور الفعاليات المختلفة، ولا استيراد مميز للكتب والإصدارات العالمية، وأيضا ضعف دور الجامعات العراقية في ترسيخ قيم الثقافة المستقلة ونشرها على المستوى العلمي والأدبي،  وأخيرا تمكن الفساد الإداري –وبجدارة- من إجهاض كل المحاولات الثقافية الصادقة .

 

•ما هي طبيعة النضال من أجل الرقي بالثقافة العراقية بعيدا عن المحاصصة؟.

-بالتأكيد أن دور المثقف في الساحة العراقية في الوقت الحاضر هو دور ثانوي مشابه لذلك الرافد ذو المنسوب الضعيف، فمفتاح السد بيد السياسي لأنه صاحب السلطة والقرار والمسيطر على المال.

لكن الحل المميز والطريق الأنسب للنضال من أجل الابتعاد عن المحاصصة متمثلا في دعم المثقفين الكامل للمثقف السياسي من بين بقية رجالات السياسة لأن المثقف السياسي هو الوحيد القادر على فتح السد لتغمر مياهه ذلك الجدول المتهالك.

 

•هل تسمح الأوضاع السائدة لتلقي ثقافة الانفتاح ضد ثقافة الظلام؟.

لو كان هذا السؤال مطروحا قبل ثلاث سنوات لأجبت بالنفي، لكن الآن فإننا نلاحظ وبوضوح انفتاح كل كتلة سياسية على الآخر المختلف، حتى في تحالفاتهم الجديدة، لأن الانغلاق في الأساس كان نوعا من الستراتيجية السياسية أما الآن فتغيرت الأحوال وتغيرت معها الستراتيجيات وسيؤثر ذلك حتما على التمسك بثقافة الانفتاح التي تفرض نفسها بسبب تولي بعض الساسة المثقفين مناصب قديرة.

 

•هل  الأهم عند المتلقي اليوم الركض وراء لقمة العيش أو الانزواء لقراءة  كتاب أو مشاهدة مسرحية في  ظل الظروف التي يعيشها مجتمعنا؟.

-لقمة العيش هي الهم والشاغل الأول، ولكننا ندرك جيدا أن الفقر هو من أمراض العراق المزمنة، ومنذ أمد بعيد، ورغم ذلك كان المثقف العراقي معروفا بلهفته للقراءة وشراء الكتب،  ومن رحم شعبنا ولد آلاف المبدعين.

 أما المتلقي العادي فهناك سبل كثيرة لإيصال أفكارنا إليه كمثقفين ومنها التلفاز والإذاعة المتوفرة في كل البيوت.

 

•إشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي هل هناك سبيل لحلها؟.

غاية المنى هي في سيادة المثقف السياسي على الساحة السياسية فهو الحل الوحيد لهذه الإشكالية.

 

•ما هو سبب العلاقة المتخلخلة بين ثقافة النخبة وثقافة عموم المجتمع الواقعية والموروثة.

يكمن السبب في تقصير المثقف النخبوي في حضوره فعاليات ثقافة العموم، وعدم دعوته للعموم لحضور فعالياته، هذا الاختلاط مهم جدا سيؤدي حتما إلى نتائج مبهرة وسريعة لو درس بعناية وحذر مع التمسك بمبادئ المحبة والتسامح.

 

•أزمة الداخل والخارج هل هي مفتعلة أم أن هناك أزمة حقيقية بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج؟.

أنا شخصيا لم أشعر بوجود هذه الأزمة ولم اسمع عنها لا من أصدقائي في الخارج ولا ممن هم معي في الداخل، لكنني قرأت أن بعض مثقفي الخارج يتهمون مثقفي الداخل بالموالاة للنظام الجديد وبالعكس أي أن مثقفي الداخل يتهمون مثقفي الخارج بأنهم بعيدين عن نار الهم العراقي .

لكني أقول أن مثقفي الداخل يعملون بوطنية، وإن شذ عدد قليل منهم عبر وسائل منافقة فهذا لا يمكن أن نؤسس عليه قضية جَمعية، وينطبق القول بالنسبة لمثقفي الخارج، فإن ابتعد نفر منهم عن الهم العراقي فهذا لن يعني أبدا أن نتجاهل شمس مثقفي الخارج ودورهم المشرف مع أخوانهم في الداخل.

سأعطي مثالا ملموسا فأنا حاليا أمثل مؤسسة النور في العراق والتي أسسها الأستاذ احمد الصائغ في السويد ويعاونه من هناك مجموعة طيبة من مثقفي الخارج وأنا هنا يساعدني مجموعة طيبة من مثقفي الداخل.

لذلك أنا أطالب مثقفي الداخل والخارج بالتعاون فيما بينهم عوضا عن الانجراف خلف الخلافات الفردية المبنية على معركة وهمية ناتجة عن فشل العمل النقابي والسياسي، علينا أن نسهم في رفع منسوب ماء جدول الثقافة العراقية، ونرفع ما في طريقه من صخور وأحجار متراكمة كي يمكن أن نلمس تأثيرا مهما للمثقف في المجتمع والسياسة والدولة العراقية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم