حوارات عامة

حوار مع الأديبة والقاصة آسيا رحاحلية

asya rahahliaأسيا رحاحلية: أذكر قارئا قال لي يوما أخشى يا أستاذة أن نكون تحت القبر وروايتك لاتزال تحت الطبع، ذلك لأنه كُتب على الغلاف الخلفي لمجموعتي القصصية الأولى عبارة " لها رواية تنتظر الطبع

عرفتها من خلال كتاباتها المتميزة .. قصصها المحبوكة .. وأسلوبها المشوق .. رحت أتتبع نصوصها المنشورة على المواقع الالكترونية فاكتشفتُ روح الإبداع العالية التي تكتب بها .. واستمتعت بما أقرا لها من قصص جميلة تضمنها روحا خفيفة وآراء عاقلة

زهرة برية نبتت في حقول سوق أهراس تسقيها أمطار الحرية وتظللها غمامة الثورة التي التجأ إليها آباؤها الميامين .. ثورة أخرى تعيش في داخلها وكأنها من ذاك الزمن النوفمبري ومن جيل العنفوان ذاك

امرأة ذكية جدا تعرف كيف تلتقط بحسها الأنثوي موضوعات قصصها .. قاصة تعشق السرد وشهرزاد عصرية تجذبك إلى عالمها المليء بكل ما هو جميل .. تسجل ملاحظاتها في حينها .. ودون تردد .. تتحمل نتائج ما تكتب .. وكأنه مازال تمارس دورها كمربية .. وأي مربية؟؟ من جيل الأبكار الذي شرب من نبع الاستقلال الصافي فكانت روحها كالمرآة تعكس انتماءها ووفاءها وتميزها وسعيها الدؤوب لأجل أن تبدع أكثر

أستاذة بحس عال من المسئولية وسعة الصدر مع سعة الأفق والانفتاح على العوالم الأخرى بفضل تمكنها من اللغات

متقاعدة تملأ وقتها بكل ما هو جميل بدل الثرثرة والتحسر على ما فات وانتقاد ما هو آت

إنها الباسمة الحاسمة الأديبة آسيا رحاحلية التي أتمنى أن يستمتع القراء بمحاورتها التي استمتعت بها وأنا لازلت أجتهد في وضع الأسئلة .. وكان هذا الحوار

 

س1 في عالم منفتح على بعضه .. كثير المواهب .. كثير النجوم .. كيف تقدم لنا آسيا رحاحلية نفسها .. الأستاذة .. والكاتبة ..؟؟

- لقب أستاذة أدين به لمهنة التدريس النبيلة الشريفة .دخلت معتركها وعمري 24 سنة .. أخلصت لمهنتي ونجحت فيها والحمد لله .. درّست اللغة الإنجليزية لسنوات قبل أن أتّخذ قرار التقاعد المسبق لإحساسي بأنّي لم أعد قادرة على العطاء وأيضا لأن الحرف بدأ يشاغبني .

تفرّغت للكتابة وأصدرت سنة 2010 مجموعتي القصصية الأولى " ليلة تكلّم فيها البحر "، تلتها المجموعة الثانية " سكوت إني احترق " 2012، ثم الثالثة " اعتقني من جنتك " سنة 2014 .. و في انتظار الطبع مجموعة رابعة ومخطوط شعر ..

 

س2 متى اكتشفت موهبتك في الكتابة ومن الذي ساعدك على ذلك؟؟

- لا أدري متى بالضبط .. ثم أننا ونحن صغار لا ندرك فعلا بأنّنا موهوبون، لذلك يكون دور الكبار من العائلة أو المدرّسين مهما جدا في فترة الطفولة .. أعتقد عرفت بأنّني موهوبة في الكتابة حين كانت نصوصي في الانشاء في المدرسة مميّزة، تثير الإعجاب الكبير، وذلك منذ الصف الابتدائي ..

 

س3 هل تذكرين أول قصة قمت بتأليفها؟؟ .. ما هو موضوعها؟؟

- نعم أذكرها بالتفاصيل .. أول قصة، بمفهوم القصة، أقصد كل مقوّمات القص، كتبتها وأنا تلميذة في السنة الأولى ثانوي .. يعني سنة 1979 .. كانت بعنوان " من أجل صديقتي " .. تحكي قصة صديقتين تقعان في حب نفس الشاب .. وتقرّر إحداهما التضحية بمشاعرها من أجل الحفاظ على صديقتها .. أذكر أنني عرضت القصة على أستاذ الأدب العربي آنذاك، الأستاذ الفلسطيني غباين عبد المنعم، ذكره الله بالخير، ضمن مجموعة أخرى من النصوص النثرية التي كنت أعتبرها قصصا .. كانت كلها مدوّنة في دفتر ورجوته قراءتها وابداء رأيه .. وقد كتب لي على الدفتر بالحرف الواحد: (.. الجزائر بلد اشتراكي ثم هم الآن يشجّعون من يكتب بالعربية والجزائر اليوم هي البلد العربي الوحيد الذي يستطيع فيه الناشئ أن يبرز إلى الوجود .. من هذه الناحية فأنا أبشّرك بأنهم سيقرأون مقالاتك وقد ينشرونها وهي فرصة بالنسبة لك وتفيدك .. اكتبي قصتك " من أجل صديقتي" وارسليها إلى احدى المجلات الجزائرية ثم ارسليها إلى أية مجلة في المشرق،فأن نشرت لك أول قصة فاعلمي أن الطريق أمامك قد تيسّر .. إنّ الذين تقرئين كتبهم وقفوا طويلا أمام أبواب دور النشر حتى تعبت أقدامهم وسال العرق من جباههم ثم صفّق لهم المجتمع ودعوا إلى الاذاعة وأصبحت دور النشر تترجّاهم )

هذا ما كتبته لي أستاذي في 21 / 02/ 1980  

ولم أرسل القصة. وربما لو فعلت لكانت الأمور مختلفة اليوم .. ولكن الحمد لله على أية حال .

 

س4 ألاحظ في كتاباتك نقدا لاذعا وإن كان مهذّبا للأوضاع والمسئولين .. هل تعتقدين أن هذا من واجبك ككاتبة؟؟

- أكيد هذا واجبي. الكتابة في رأيي مهما كان نوعها هي رسالة .. حتى النكتة التي يُقصد بها التسلية والضحك تحمل رسالة .. الكاتب الحقيقي لا يعيش في برج عاجي ولا يحلّق في سماء الأحلام .. هو ابن الشعب، يمشي بين الناس ويحتك بهم، يعيش أوضاعهم وهمومهم ،يراقب معاناتهم اليومية لأنها معاناته أيضا . أنا أتأثّر بما يحدث حولي ولابد أن أحاول بقلمي تغيير الأوضاع أو على الأقل عرضها .أنا كاتبة مهمومة بأمور الناس .. وعلى رأي الشاعرة والإعلامية ابتسام ابراهيم الاسدي : الذي لا يكتب عن هموم الناس عليه أن يذهب الى كوكب آخر.

 

س5 باعتبارك من أسرة التعليم إلام يرجع سبب المشاكل التي يتخبط فيها هذا القطاع؟؟

- بصدق يحزنني ما آل إليه التعليم في بلادنا .. السبب الرئيس أعتقد هو النظرة إلى القطاع على أنّه كأي قطاع آخر .. بل هناك من يعتبره قطاعا مستهلكا لا منتجا . التعليم يمر بأزمة خطيرة .. هناك سوء التسيير والقرارات العشوائية الفردية، واللجوء إلى حلول ترقيعية بدل دراسة المشكلة وحلّها جذريا .. لن يتحسّن حال التعليم ما لم يكن هناك وعي بأهمية وأولوية المنظومة التربوية وعلى رأسها المعلم، وما لم تتوافر جهود الجميع : الجهة الوصية والمربّي والأولياء من أجل انقاد القطاع .

 

س6 لو طلب منك توجيه نصيحة للمعلمين ماذا تقولين لهم؟؟

- أقول لهم .. أحبّوا مهنتكم، اخلصوا لها واعتبروها مشروعكم الأسمى في الحياة والذي لابد أن ينجح مهما كانت الصعوبات .. أقول لهم لا تكونوا ملقنّين مدرّسين فقط، كونوا مربّيين وملهمين ومبدعين بالقدر الذي تستطيعون في مجالكم .

 

س7 أغلب المبدعين في بلادنا يشتكون من التهميش هل تعتقدين أن تهميشهم مقصود أم أن الأمر مجرد فوضى وإهمال؟؟

- التهميش والشللية وثقافة اقصاء الآخر والمركزية سوس ينخر جسد الثقافة .. كثير من المبدعين الشباب خاصة في الجزائر العميقة يعانون من الاهمال وعدم تكافئ الفرص وتمركز أهم النشاطات الثقافية في العاصمة والمدن الكبرى .. من المفروض أن يكوّن المبدعون أسرة واحدة ويكون لهم هدف واحد هو النهوض بالثقافة وخدمة الابداع .

 

س8 في غياب أي مشروع ثقافي في بلادنا هل يقوم المثقفون بدورهم؟؟ .. وما هو هذا الدور في اعتقادك؟؟

- لست من الذين ينظرون إلى الأمور من زاوية واحدة وبعين واحدة .نعم، هناك مثقّفون لا يقومون بدورهم .. لأسباب ما، ولكن هناك مثقّفون واعون بمهمّتهم، مجتهدون، يبذلون ما في وسعهم من أجل خدمة الثقافة وتحريك الركود الأدبي ، ربما هي مجهودات فردية هنا وهناك لكنها مثمرة ومباركة .

 

س9 هل يوجد في بلادنا ما يسمى ب(شعراء البلاط) وهل هم سبب تهميش المبدعين الحقيقيين؟؟

- أعتقد العبارة أو التعبير مبالغ فيه قليلا .. لأنّه اليوم لا البلاط بلاط ولا الشعراء شعراء ! الشعراء المتملّقون المنافقون الذين يتقرّبون بشعرهم من السلطة ويسعون إلى إرضائها، ويمدحون المسؤولين من أجل أغراض شخصية موجودون، في كل زمان وكل مكان .. لكن أن يكونوا السبب في تهميش الشعراء الحقيقين فلا أعتقد .

 

س10 أين أنت من النشر وما هي الصعوبات التي اعترضتك في هذا المجال؟؟

- عملية النشر والتوزيع في بلادنا اشكالية كبيرة .. وإذا رغبت في النشرعليك بإحدى الطرق الثلاث .. أن تنتظر تكرّم وزارة الثقافة من خلال مناسبة ما، وهذا أيضا ليس سهلا إذ عليك أن تكون لك علاقات قوية، أو أن تحفى قدماك جريًا إلى دور النشر والأمر شاق جدا خاصة لمن يقطنون مدن الهامش مثلي وسيطلبون منك الانتظار إلى أن تتم الموافقة على عملك من طرف لجنة قراءة، وقد يأخذ الأمر شهورا طويلة إلى أن تصاب بالملل والاحباط .. أذكر قارئا قال لي يوما أخشى يا أستاذة أن نكون تحت القبر وروايتك لاتزال تحت الطبع، ذلك لأنه كُتب على الغلاف الخلفي لمجموعتي القصصية الأولى عبارة " لها رواية تنتظر الطبع .. أو طريقة ثالثة .. أن تدفع من جيبك وتطبع كتابك، وطبعا ليس الأمر في مقدور الجميع .. و لكن هو ما كنت مجبرة على فعله .. كان السعر باهضا لكني لم أهتم، وطبعت مجموعاتي الثلاث .

 

س11 هل تعتقدين بوجود حركة نقدية في بلادنا خاصة وأن الكثيرين يجمعون على غياب النقد الموضوعي؟؟

- الحركة النقدية موجودة بشكل محتشم وفوضوي وغير كاف .. المشكلة أنّ النقاد يُعدّون على الأصابع بينما الانتاج الأدبي كثيف بغض النظر عن غثه من سمينه .. الناقد الكفء الذي يواكب الحركة الادبية وعلى تواصل مستمر مع الجديد غائب بصراحة ، لكن للأمانة هناك بعض الأقلام النقدية الجادة التي أشهد لها بالحيادية والمصداقية ..

" النقد وعي، وفعل مثقف " كما قال الناقد العراقي الدكتور "كريم المسعودي" ..

و لن يتطوّر إلا إذا اعتُبر موازيا للأدب وبنفس قيمته، ومارسه الناقد بنزاهة وحب وجدية وموضوعية دون محاباة أو مجاملة، وتقبّله الكاتب أيضا بكل روح أدبية دون اعتباره تهجّما .

 

س12 هل تعتبرين أن ما تكتبينه (أدبا نسويا) .. ولماذا؟؟

- أعتبر أنّ ما أكتبه .. أدبا .

 

س13 أعداء النجاح كثيرون (حتى لو كان هذا النجاح نسبيا) هل عانيت أو تعانين منهم؟؟

- بصراحة لا .ربما لأني بطبيعتي لا أشغل نفسي بأمر الأعداء أو العداوة، حتى أنّني لا أعتقد بأنّ لي أعداء أصلا .. الأدب بحر،واسع، عميق، والكل يستطيع أن يغوص فيه، كلّ حسب موهبته وقدرته ومهارته وجهده .. و البقاء للأجود والأجمل .. هذا هو إيماني .

 

س14 يعتقد الكثيرون أن النشر الالكتروني فسح المجال للكثير من المهمشين لكن البعض يرى أنه فتح المجال لمن هب ودب وأصبحت الكتابة مهنة من لا مهنة له فماذا تقولين؟؟

- كلا الاعتقادين صحيح .

كثير من الأقلام تدين للنشر الالكتروني بالظهور .. جميعنا يعرف بأنّه في ظل صعوبة النشر الورقي أصبح النشر الالكتروني هو البديل نظرا لمجانيته وسرعته وسهولة التفاعل بين الكاتب والمتلقي .. لكن أيضا أصبح من هبّ ودب يكتب وينشر .

أحيانا أشعر بالقلق وبخطورة الغثاء الذي أقرأه يوميا على النت وأرى من يصفّق له .. أشعر بالقلق لأنّ هذا قد يؤدي إلى تكريس الرداءة وتدنّي الذوق وانتشار وهم المبدع والابداع، لكن ما العمل؟ إننا لا نستطيع منع ذلك حتى لو أردنا، الأمر مفروض على الجميع . فقط لنكن متفائلين .. ربما في فوضى ما ينشر يعثر النقاد أو المهتمون على ما هو جيّد فعلا ويستحق الالتفات إليه .

 

س15 هل تؤمنين بالحظ؟؟ وهل كان له دور في حياتك؟؟

- لا أومن به فعلا . الايمان المطلق بالحظ والاعتماد عليه وحده يؤدي إلى التواكل والكسل، ويعمّق الاحساس بالخيبة والظلم حين لا تسير الأمور كما نحب .. بعض الحظ نصنعه نحن، بأنفسنا،لأنفسنا .. حين نشمّر على السواعد ونقرّر النجاح أو تحقيق الحلم .. لكن إذا كنت تقصدين الاحساس فأنا أحس بأنّي محظوظة والحمد له .

 

س16 لك شقيقة شاعرة هي سامية رحاحلية هل نستطيع أن نقول أنك من عائلة مولعة بالأدب؟؟ وكيف هي علاقتك بشقيقتك في هذا الميدان؟؟

- ورثنا حب اللغة العربية عن والدي رحمه الله فقد كان مدرّس قرآن ولغة وحتى حديثة معنا كان معظمه فصحى .. والدتي امرأة ذكية جدا، محدّثة لبقة وحاضرة البديهة،حثّتنا على النجاح في الدراسة وأثرت مخيّلتنا ونحن صغار بما كانت ترويه لنا من قصص في ذلك الزمن البعيد .. أخواتي حياة ومدينة وأخي ابراهيم كلهم يتذوّقون الأدب ويتقنون اللغات .. أما سامية فهي مبدعة حقيقية .. موهوبة ولغتها رائعة، تكتب باللغتين العربية والفرنسية .

سامية تطلعني على كتاباتها وأطلعها على نصوصي وكثيرا ما نتبادل الآراء والأفكار ..

 

س17 كيف تقضين أوقاتك وهل لك أوقات معينة للإبداع؟؟

- أهتم بأسرتي وبيتي، أقرأ وأكتب .. وليس لديّ أوقات معيّنة للكتابة .

 

س18 ماهي أمنيتك الجديدة للعام الجديد 2015

-أن تنتهي الحروب والأزمات .. أن يسود السلام ويعيش البشر في وئام ومحبة وتكافل .

 

س19 ماذا تقولين عن

زهور ونيسي .. أديبة جزائرية احترمها جدا

جميلة بوحيرد: فخر لنساء الجزائر .

أحلام مستغانمي: قرأت لها ذاكرة الجسد .. فقط .

هواري بومدين: رجل عظيم .

 

س20كلمة أخيرة نختم بها هذا الحوار الجميل

شكرا لك كثيرا لك على الحوار وعلى تقديمك الرائع لي والذي أرجو أن أستحقّه. .. تحياتي ومحبّتي لكل القرّاء .

في المثقف اليوم