حوارات عامة

طارق الكناني يحاور: الشاعر علي الامارة

ali alamaraفي امسيته التي كانت عبارة عن عرس بصري حضر حشد كبير من مبدعيها فهي المدينة التي تزخر بالعطاء الفني والادبي والشعري تألق علي الإمارة وحلق بنا عاليا مع مقطوعات قرأها لنا من ديوانه انا وشكسبير بصحبة انغام عازف الكمان الذي بدوره اضاف نغما بصريا جديدا، تحدثت عن هذا المنجز الادبي الكبير قائلا ان من حق البصرة ان تفخر بادبائها وشعرائها حين تنجب شعراء يشد اليهم الرحال من كل العراق فهي اليوم انجبت لنا علي الامارة شاعرا من طراز خاص وها انا شددت الرحال إليه من كربلاء عازما على لقائه، عندما حدثني فريد سبتي عن ان هناك امسية شعرية ستقام في مساء اليوم الاول من كانون الثاني للعام 2017، انهيت كل التزاماتي وعزمت على الحضور لأرى واستمع لهذا الشاعر الكبير في شعره وادبه وفنه، الكبير في خلقه وسماحته، الكبير في ضيافته وكرمه ...لقد كنت اول من استقبله عندما حضر إلى مكان اقامة الوفد راسما على وجهه الجميل تلك الابتسامة العفوية المليئة بالطيبة والحب، كان عناقا وفرحا فانا عرفته من خلال كتاباته ولم تتسنى لي رؤيته مباشرة، فاليوم حضر علي الامارة امامي ولابد لي من حواره: كان لنا هذا الحوار على هامش الحفل .ارحب بالشاعر الامارة في هذا الحوار الخاص

 

س: طارق الكناني: في البداية اريد ان اسأل السؤال التقليدي: من هو علي الامارة؟

ج: علي الامارة: علي الامارة هو شاعر عراقي كأي نخلة نمت على ضفاف شط العرب فاثمرت شعرا ورطبا، دراستي ماجستير علوم تربوية واجتماعية عندي عشرة دواوين مطبوعة واربعة كتب في النقد الادبي والسياسي أيضا مطبوعة ورئيس تحرير جريدة ملتقى النهرين انا مؤسسها وجريدة البصرة الاستثمارية ومسؤول الشؤون الثقافية في اتحاد ادباء البصرة، نائب رئيس منتدى شكسبير، مسؤول ممثلية الكلمة الرائدة بالبصرة، وممثل عن شعبة المبدعين العرب بالبصرة، عملت لدورتين رئيس اتحاد ادباء البصرة ولدورتين عضو المجلس المركزي لاتحاد ادباء العراق وكذلك طبعت لي خمس كتب عن طريقاتحاد الادباء العرب، وكذلك طبع ديواني في وزارة الثقافة بالشارقة عندما فاز كتابي اماكن فارغة بجائزة الشارقة للابداع عام 1999.

 

س: طارق الكناني: كيف بدأت شاعرا وبمن تأثرت؟

ج: علي الامارة: منذ البداية وانا في الابتدائية حفظني ابي وانا في الثالث الابتدائي معلقة عمرو بن كلثوم وهي من بحر الوافر وسلسه ولذلك حفظتها وقرأتها في الاصطفاف الصباحي ووقفت المعلمين حوالي نصف ساعة فوق زمن الاصطفاف وانا اقرأ لهم معلقة عمرو بن كلثوم هذا اول من تأثرت به، ومن هنا بدأت، بلاني ابي بالشعر ومن ثم بالمتوسطة حفظت الكثير الف بيت للمتنبي والف بيت للجواهري والسياب، وكانت اول قصيدة لي في رثاء ام كلثوم حيث كنت احب ام كلثوم وانا طفل.

 

س: طارق الكناني: اذن بمن تاثر الشاعر الامارة

ج: علي الامارة:  انا اسد مخلوق من مجموعة خراف اكلت خرافا كثيرة من التاريخ الشعري وكونت اسدي الشعري من هذه الخراف التي هضمتها تاثرت بالشعر القديم بدءا بطرفة بن العبد عندما وعيت الشعر ولكن بالطفولة تاثرت بعمرو بن كلثوم، ولم اجد مايبهرني في عصر الرسالة من الشعراء كانما تأخر الشعر في عصر الرسالة ولكن عاد من جديد لارى امامي جرير فهو شاعر مشاكس سلس جريء ومن ثم ذهبت إلى العصر العباسي فوجدت أبا نؤاس شاعرا مهما مولدا وبشار بن برد وصولا إلى ابي تمام فهو شاعر مغامر في الشعر والمعنى فهو الذي فتح الباب للمتنبي لانه غامر في الشعر غامر في المعنى حتى دفع ثمن مغامرته على عكس البحتري فالبحتري كان يحافظ على عمود الشعر وعلى تقليده ولكن أبو تمام غامر فاستفاد منه المتنبي، فالمتنبي صنيعة شاعرين مهمين هما أبو تمام والبحتري، فهؤلاء الثلاثي في العصر العباسي هم يعتبرون مثلث الشِعر العربي الذهبي فرأسه المتنبي وضلعاه أبو تمام والبحتري هؤلاء كانوا مهمين، وتأثرت بقصائد ايضا مثلا قصيدة أبي الحسن التهامي اثرت بي كثيرا وهي من اجمل قصائد الرثاء في الشعر العربي:

حكمُ المنيَّة في البريَّة جارِ ما هذه الدنيا بدار قرارِ

بينا يُرى الانسانُ فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الاخبار

طُبعت على كدرٍ وأنت تريدُها  صفواً من الأقذاء والأكدار

ومن هنا وصولا إلى الشعر في العصر الحديث السياب والماغوط في قصيدة النثر وامل دنقل في قصيدة التفعيلة، وكذلك هناك شعراء اثّروا بي قليلا مثلا البياتي وبولند الحيدري ونازك الملائكة ولكن لم يأثروا بي تأثير السياب، كان السياب اقرب الرواد لي كان السياب اقربهم إلى نفسي وطريقتي ولذلك اكثر الرواد تأثيرا بي، ولكن بعد جيل الرواد جاء جيل الستينات مثل سعدي يوسف وغيره ايضا اخذنا منه وصولا إلى جيل السبعينات الذين روّضوا القصيدة الستينية التي كانت تبحث بجد وجهد عن التجريب قصيدة الستينيين قصيدة تحاول التجريب لان الحداثة في الشعر طرحت الريادة ولكن كان هناك سؤال كبير ماذا بعد الريادة، هذا السؤال الكبير ابتلى به جيل الستينيات وارادوا شيئا جديدا مابعد الريادة لأن الريادة صارت نقطة فاصلة في تاريخ الشعر العربي، الستينيون لم يبقوا شيئا لم يجربوه وماتركوا شيء فهم جربوا القصيدة الكونكريتية والقصيدة الفراغية علهم يخرجون بشيء وكانت مهمتم التجريب وقد كانت ميزتهم الكبرى التجريب في الشعر اخذت عنهم هذه الميزة، ميزة البحث عن الجديد، عندما جاء السبعينيون روَّضوا القصيدة الستينية روضوا هذا الحس العالي بالتجريب وصلوا إلى قصيدة هادئة قصيدة تفعيلة جميلة مستقرة سلسة جئنا نحن بعدهم جيل الثمانينات فاصطدمنا بالحرب اول ماخرجنا فكان جدار الحرب جدارا هائلا اصطدمت به القصيدة السبعينية فتفتت، حيث لم يعد بهائها كان على محك الحرب فالحرب تريد شيئا والشاعر يريد شيئا، بدأ هناك هاجس جديد هو هاجس قصيدة النثر الذي خرج في اواخر الثمانينات وكان يوازي هذا الهاجس هو هاجس قصيدة العمود الحديثة الذي كتبناه نحن في بداية الثمانينات.

 

س: طارق الكناني: ما الا قرب اليك قصيدة العمود ام قصيدة النثر؟

علي الامارة: انا كتبت في كل الاشكال وفزت بجوائز عديدة عراقية وعربية بكل الاشكال بل انا كنت اول شاعر عراقي يفوز بجائزة الشارقة للابداع عام 1999 في قصيدة النثر ديواني كان قصائد نثر ولكن قبل هذا في العام 1984 فزت بجائزة عربية جائزة مرآة الأمة عن قصيدة العمود عنوانها ( الدخول إلى مأساة ابي فراس الحمداني ) حتى النقاد عندما قرأ احدهم قصيدتي قال انا لم اكن اريد لك ان تكتب قصيدة العمود ولكن عندما قرأت لك هذه القصيدة انا اطلب منك الان ان تبقى تكتب هذا الشعر العمودي لم نكتبه نحن هذا شعر جديد كان مطلعها:  

إلى إين تمضي حين يهجرك البحرُ

وهل تنفع الذكرى وهل ينفع الصبرُ؟

وهل تورقُ الرؤيا هديرا مدويا

تضجُّ به الدنيا فينصفك الدهرُ؟

هنا انتَ .. نهبُ الريح في كل لحظة

ولا عاصمٌ مما يحمّ وما يعرو

هنا . حيث ياتي الليلُ نهرا من الاسى

فتشربهُ عينان جفناهما الجمرُ

وحيث يذوب القلبُ فرطَ صبابة

واضغاث احلام يضيق بها الصدرُ

أأنت ضننتَ الشعرَ همسا ورقة

فكنْ جبلا حتى يزلزلك الشعرُ

وحاورْ جدار السجن حاورْ ظلامه

وجد ْ لغة في الشعر يفهمها الصخرُ

وخلّ حطامَ الروح يرويك عبرة ً

متى تـُرتجُ الابواب او تـُسدلُ السترُ

ولا تلتفتْ فالدهر خلفك موحشٌ

وكل مدى مرّتْ خطاك به قفرُ

******

الى اين تمضي أيّ سفح تؤمه

وكل الذي ترجوه مركبهُ وعرُ

وأنت أخو همٍّ تقاضيك عبأهُ

منافٍ على ابوابها صُلب العمرُ

وفي ساحة تعرى يداك مذلة

وفي ساحة تشتاقك البيض والسمرُ

تهمّ فتصلى بين امر وضده

أوصلٌ لسلمى ام هو البين والهجرُ؟

وكيف؟ وسلمى دونها الموت والنوى

وانت قتيل الشوق ازرى به الاسرُ

لشوط تقاضتك المنون .. للحظة

تصارع في اعماقك الخير والشرُ

اتكتم سر العشق والعشق فاضح

اجفّ معينُ القلب ام عثر النهرُ؟

وسلمى ربيعُ العمر سلمى خريفه

وسلمى هي العسر الذي بعده اليسرُ

تحمـّلْ بما اوتيت هما وغربة

وسافرْ بجرح ملؤه الزهو والكبرُ

وخلِّ هوى بين الجوانح مضمرا

يشب على هول الجراح ويخضرُّ

فانت ملاذٌ للمخاضات كلها

وانت مخاضٌ لا ملاذ له عسرُ

وكلّ اكفّ الناس اثقلتَ رفدها

وكفك ممّا قد علقت به صفرُ!

**********

الى اين تمضي والمسافات لوعة

وانت غريبٌ زادهُ الشوق والقهرُ

أأسوأ من ان تألفَ النزفَ صاحبا

وان يتساوى عندك النفع والضرُّ

وأرهبُ من انْ تركبَ الموت معبرا

وجرحك للغافين عن موتهم جسرُ

تحاولُ ان تخفي من الحب غمرة

فيفضحك المدُّ الذي ماله جزرُ

وتلك خصومٌ قد تمادتْ ببغيها

وتلك عمومٌ مالها من دم جزرُ

وتلك نجومٌ كل ليل تعدها

وتلك همومٌ مالها ابدا حصرُ

وذي صيحةٌ خرساء ضجَّ بها المدى

وذي صيحةٌ هوجاء ليس لها ذكرُ

وذي ليلةٌ ظلماء والبدر طالع ٌ

وذي ليلةٌ قمراء ليس بها بدرُ !

**********

ترقّبْ لعل الافقَ ينشقُّ عن رؤى

لعل عروسَ البحر يقذفها البحرُ

وجالدْ فما في الارض مأوى لشاعر

ولا حلب تاتي ولا يبزغ الفجرُ

(بني عمنا ما ينفع السيف في الوغى ..) 1

وتبقى وحيدا انه الزمن المر ُّ

وتنأى الاماني الواعداتُ كئيبة

وتمضي الليالي العشرُ والشفعُ والوترُ

الا يا عصا موسى اضربي البحر مرة

عسى تستفيق الارض او يسقط السحرُ

الا يا عصا موسى الينا تقصّدتْ

نبالُ اهالينا وناء بها الظهر ُ

وعربدَ وسطَ التيه اخوةُ يوسف

فانكرتِ الصحراءُ ما حوت البئرُ

الا فاسجري وجهَ الرمال مهولة

الا فاقطعي كفّ الرياح و ما تذرو

وسدّي على قابيل بالدم منفذا

ليقتصّهُ من كان مذبحَه الغدرُ

**********

هنا انت والايامُ تمضي عقيمة

تكابرُ.. لا نهي عليك و لا امرُ؟

وبينك والمنفى عجوزٌ بمنبجٍ2

فاقسى من الموت الزؤام هو الصبرُ

وحولك رومٌ لا يقرّ قرارُهم

يمنـّون لو شـلـّتْ اناملك العشرُ

يروّعهمْ انّ اصطبارك باسلٌ

وانك رغم القيد منفردٌ حرُّ

تحد ! و لا تحفل بعد وعدة

فكم حفروا قبرا فازرى بهم قبرُ

وكم حاولوا ان يصلبوا الفكر فوقه

فيـُصلبُ اهلُ الفكر لا يُصلبُ الفكرُ

تحدّ ! فانْ سدوا عن البحر منفذا

اليك فأنت الفيض والنائل الغمرُ

وان الهجوا كاسا من الخمر حلوة

فانك احلى ما تجودُ به الخمرُ

وان جرّعوا كأسا من اليم مرةً

فأنك مرٌّ ليس يجرعهُ المرُّ

وان اغلقوا عن صوتك الحر مسمعا

ففي كل اسماع البلاد له الذكرُ

وان جرّدوا عنك الثياب فانما

عليك ثيابٌ من دمائهمُ حمرُ

ترقـّبْ فأنّ الصبحَ مولدهُ قسرُ

ورغم عتوِّ الريح يرتفعُ النسرُ

ومــدَّ يدا للبحر تمددْ لها يدا

و لا تـُخفِ سر العشق انّ الهوى جهرُ

وثبْ واثقا فالارض توفي نذورها

واقربُ من يوم الطعان لك النصرُ ..!

وهي قصيدة طويلة عن ابي فراس، هذا الشيء الجديد الذي تمسكنا به هذه القصيدة العمودية الجديدة ولذلك عندما جاء التسعينيون الشباب نمّو هذه القصيدة اصروا عليها كتبوا قصيدة التفعيلة الجديدة التي بدأناها نحن في الثمانينات، وكان الرهان على ان القصيدة العمودية ستموت ولذلك راهنت على قصيدة مابعد الجواهري قلت ان الجواهري شاعر عصره فالجواهري لم يكتب القصيدة العمودية الحديثة فالجواهري كتب القصيدة الكلاسيكية الكبيرة وله نسيجه الخاص ولكن نحن جئنا بخطاب شعري كلاسيكي يختلف عما ذهب إليه الجواهري ولذلك عندما تقرأ لزوميات خمسة ميل ديواني الذي كتبته عام 1995 وصدر عام 2000 ومن ثم عام 2003 واعيد طبعه في اتحاد الادباء العرب لو قرأت كل هذه القصائد فكل قصيدة عشرة ابيات تجدها تختلف فكلها طروحات جديدة في الشعر العمودي وهذه الطروحات كانت هي الرهان على خلق قصيدة عمود جديدة فأنا وجدت نفسي في لزوميات خمسة ميل وفي اماكن فارغة وجدت نفسي في قصيدة النثر وكذلك وجدت نفسي في قصيدة التفعيلة بل العكس هذه القصيدة صارت اقرب شيء لي لأني كتبت مشروعي الجديد القصورة كان بقصيدة التفعيلة في ديواني (رسائل إلى الميدان) كان هو قصيدة تفعيلة او انا وشكسبير وكذلك قصورة البصرة كلها قصائد التفعيلة .

 

س: طارق الكناني: لك تجربة غنية واصدارات عديدة أي اصدار منها اقرب إلى قلبك ولماذا؟

ج: علي الامارة: اكثر كتاب كان فيه التحدي هو لزوميات خمسة ميل لاني جمعت فيه بين القصة والقصيدة بين الحكاية والقصيدة فوضعت حكاية بسيطة من حكايات خمسة ميل كون خمسة ميل تمثل قاع المدينة القاع المجهول القاع الذي يصنع الناس وهو مهمل اخذت منه درر من الحكايات والقصص فكانت كل حكاية صغيرة فوقها كالثريا القصيدة تحكي عن هذه الحكاية فاتعبني هذا الديوان حيث كتبت خمسة وسبعون قصيدة مع حكاياتها ولكن كانت أول تجربة حيث تجمع مابين السرد والشعر كل على انفراد أي بمعنى لم اترك الحكاية شعرية فقط ولا القصيدة سردية ولكن وضعت المتن والهامش المتن شعري والهامش سردي.

 

س: طارق الكناني: انت من اوجد القصورة فكيف تبادر إلى ذهنك نحت هذا الاسم؟

علي الامارة: القصورة بدأت في العام 2014 عندما ذهبنا إلى سبايكر مع شعراء العراق كان هناك مؤتمر اسمه (هنا العراق) ومن هناك ذهبنا إلى سبايكر وهناك فتحوا لنا مقبرة جماعية الحقيقة كانت صدمة لنا ان نرى شهداء شباب تمتد اياديهم لنا من خلال التراب رأينا اصابيعهم تمتد لنا من خلال التراب وعندما تجولنا عند السواتر في الجبهة هناك رأيت مقاتل عراقيا انا اسميه مقاتل عراقي سواء كان في الجيش او الشرطة او الحشد المهم هو كان واقفا على الساتر وبيده بندقية كبيرة (بي كي سي) وكانت احدى ساقيه عمود من الحديد فهو بساق واحدة واحدة فنظر الينا بابتسامه وسلمنا عليه فقلت حينها ان هذا لايكفي ان نكتب عليه قصيدة وحدها هذا يجب أن نأتي بصورته ونضعها مع القصيدة هو وخمسة شخصيات رأيتها بهذه الطريقة، من هنا بدأت فكرة القصورة أي وضع الصورة مع القصيدة وكانت قصيدة ساق واحدة ورأيت أحد المقاتلين وضع سريره على ساتر وهو ايضا بساق واحدة وهذا المقاتل قد استشهد بعد ايام وهذه الصورة ايضا اذهلتني فالتقطت صور وكبرتها وعندما انعقد مهرجان سوق الشيوخ لذكرى مصطفى جمال الدين أخذت الصور وحدها وكان هناك صبي يرفع الصورة للجمهور وانا اقرأ للجمهور قصيدة فقلت لهم هذه القصيدة لهذه الصورة من هنا بدأت فكرة أن تأتي الصورة وتدخل بقوة مع القصيدة ومن ثم قلت مع نفسي لارتب القصيدة مع الصورة ولماذا لا اضع القصيدة بجانب الصورة ومن ثم قلت نحن ركبنا القصيدة مع الصورة في تشكيل واحد لنضع اسم لهذا التشكيل الذي يمثل قصيدة مع صورة فصارت (قصورة) صار تشكيل جديد لاهو شعري بحت ولاهو تصويري بحت شيء من هذا وهذا لاتستطيع ان تقرأ القصيدة إلاّ مع الصورة ثم ذهبت إلى فكرة اخرى ان لانأتي بالصورة جامدة انما نستغل فن التصوير نحن نعرف ان التصوير فن يوجد فيه الفوتوشوب ويوجد تركيب صورة على صورة فهذا فن العصر فعصري ليس عصر المتنبي ليس فيه تصوير ولا عصر الجواهري يوجد فيه فقط صورة ولايوجد فوتوشوب فقلت دعني استغل هذه الامكانيات الموجودة في العصر الحديث اشتغلت في القصورات اللاحقة على تفعيل الصورة .

 

س: طارق الكناني: ماهي الوسيلة التي تجعل من الشاعر عالميا؟

ج: علي الامارة: رغم الصعوبات التي تقف امام المبدع العراقي للانتشار عالميا هناك صعوبات بالغة امامه في الواقع ولكن نحن يجب ان نمسك خيط للوصول عالميا الا وهي اللغة مثلا اللغة الانكليزية او الفرنسية حتى نصل إلى متلقي آخر غير العربي، فجاءت الفرصة لوحدها عندما قدمت معرضي الشعري الاول رسائل إلى الميدان اعجب الحضور فاحد الحضور كان نائب مدير المركز الثقافي البريطاني في العراق فقال لي هل يمكن ان تعمل مثل هذا المعرض عن شكسبير فقلت نعم قال ليتك تفعل ذلك فهناك مؤتمر سيقام بالذكرى السنوية لشكسبير فقمت بدراسة تسع مسرحيات لشكسبير، وكانت المسرحيات التي فيها دراما عالية مثل (تاجر البندقية، روميو وجوليت، عطيل، حلم منتصف الليل، وغيرها) واخذت من كل مسرحية خمسة مشاهد ولكل مشهد صورة التي تمثل خلاصة المشهد فكتبت عن كل صورة قصيدة فصار عندي خمس قصائد عن كل مسرحية حيث احتويت كل اعمال شكسبير ومن ثم طلبت من الدكتورة هناء البياتي ونؤاس باسم ترجمة هذه القصائد، الحقيقة انا اكملت العمل وبقي ينتظر دوره المناسب او الفرصة المناسبة لابرازه للجمهور ولكن الجامعة الامريكية في السليمانية اقامت المؤتمر وقبل المؤتمر بعشرة ايام علمت الجامعة الامريكية بأن عندي عمل بهذا الخصوص فطلبوا مني تقديم هذا العمل على أن يكون مترجم والحقيقة كان الوقت قصير فبذلت الدكتورة هناء والشاب نؤاس جهد كبير في ترجمة هذه الاعمال وعندها قدمناها في الجامعة الامريكية في السليمانية، وانا في الطريق للسليمانية قلت للدكتورة هناء نحن اطلقنا على هذا العمل اسم القصورة أي قصيدة زائد صورة لماذا نبقي على اسمها العربي والذي سيلفظ بالانكليزية (كسورة) لماذا لانجمع الكلمتين الانكليزتين للعمل ونختصرها لتصبح كلمة واحدة وبالفعل كانت كلمة (pomage) وعندما ذهبنا هناك طرحنا مصطلح جديد على الانكليز في اللغة الانكليزية .

 

س: طارق الكاني: pomage هو مايقابل القصورة في اللغة العربية كيف استقبل الانكليز هذا المصطلح وهل سيدخل قاموس اللغة الأدبية الانكليزية؟

ج: علي الامارة: نعم المستر ديفيد وهو المستشار الثقافي في القنصلية البريطانية بالسليمانية قال (pomage made in Basra) كمصطلح وكعمل تم تقديمه ولذلك سنرفعه إلى قاموس اكسفورد ليدخل ضمن اللغة الادبية الانكليزية ليصبح مصطلح جديد عن القصيدة المكتوبة عن صورة وهذا الشيء يحتاج إلى متابعة واصرار فمن اراد ان ينحت شيء على حجر الزمن يجب عليه ان يأتي بأزميل قوي فهذه الازاميل الضعيفة البسيطة لاتنقش شيء على حجر الزمن الصلد. فيجب ان نأتي بازميل قوي من الارادة والتعب ونذهب إلى لندن ونوصل صوتنا هناك فهم اناس يحبون ان يقوم الانسان باكتشاف جديد ولكن الاهم ان نكون متواجدين معهم ونقنعهم فأهم شيء في هذا العصر هو الاقناع وعليك ان تقدم نموذجك المقنع وعندها سيقتنع الاخر مهما يكن هذا الاخر حيث سيرى هذا النموذج يستطيع البقاء يستطيع التطور ولذلك هم استقبلوا نموذجنا.

 

س: طارق الكناني: ماهي الجوائز التي نالها الشاعر علي الامارة؟

ج: علي الامارة: اول جائزة سنة 1981 لاتحاد الوطني لطلبة العراق كنت الاول وكان الثاني رعد بندر والثالث رباح نوري مسابقة مجلة صوت الطلبة ولكن الجائزة الاهم عام 1984 جائزة مرآة الامة الكويتية والتي اشترك فيها شعراء من كل الوطن العربي وفزت يومها بالجائزة الاولى ومن ثم جوائز عراقية عديدة ففي العام 1991 كنت الثاني على شباب العراق وجائزة الشارقة للابداع عام 1999 كنت الشاعر العراقي الاول الذي يفوز بهذه الجائزة ومن ثم جوائز عراقية عديدة فمثلا في مركز النور فزت لمرتين او ثلاث واخرها جائزة المكتبة الادبية ومن ثم تجاوزت مرحلة الجوائز حيث اصبحت محكّم حيث يتم اختياري حكما في المسابقات .

 

س: طارق الكناني: هل يؤمن علي الامارة بالمجايلة؟ واين يضع نفسه ان كان يؤمن بها؟

ج: علي الامارة: المجايلة معاصرة انا لااحب ان يوضع انسان في خانة جيل ويحبس فيه الابداع اكبر من ان يحبس في عشر سنوات ربما يكن احدهم نشط ولم يطبع كتاب خلال هذه العشر سنوات فلم يحسب على جيل، نحن في العراق عندنا النقد حصر الادب بالاجيال وحتى النقد العربي فمثلا وضعوا جيل الخمسينيات والستينيات وهكذا فهم وضعوا هذا التسلسل ليسهلوا على انفسهم تقييمهم للاجيال، فمثلا عندنا الان من جيل السبعينات اصبحوا مثل النقابة او العشيرة ولايريدوا ان يدخل معهم اي شخص من اي جيل اخر هم حصروا انفسهم بالاشخاص الذين كان يحضرون إلى مقهى حسن عجمي امثال خزعل الماجدي وغيره من الشعراء ولكن هناك شعراء من البصرة لم يرتادوا مقهى حسن عجمي وهم من جيل السبعينات هل هذا يعني انهم خارج هذا الجيل ...انا ضد فكرة ان يكون جيل كنفابة او عشيرة او جمعية او مقهى انا اريد ان يحدد الجيل على اساس الانعطافة في الشعر هذه الانعطافة هي التي تحدد الجيل وانا مع هذه التحديدات التي تكون على اسس ابداعية.

 

س: طارق الكناني: ولكن جيل السبعينات كان جيل مبتكر مبدع وجيل نشط قدم الكثير ومن حقه ان يفخر بهذا الانجاز الادبي ..

ج: علي الامارة: نعم هو جيل ممتاز وكنت حينها اتابع هذا النشاط وانا صبي في السبعينات حيث كان هناك جو ابداعي نقي بالسبعينات بحيث حتى الذي كان قادرا على كتابة الشعر كان لايكتب فهو لايجرؤ على كتابة الشعر وكثيرين من المثقفين كان يعرفون الوزن ولكنهم لايكتبون حيث يقولون نحن غير موهبين حتى قيل للثعالبي الناقد العربي القديم لماذا لاتكتب الشعر وانت اعرف الناس به قال علامي به منعني من كتابته ان هذه القضية تخص الموهبة وليس المعرفة فانا غير موهوب كان الجو الثقافي في السبعينات جوا نقيا وصحيا بحيث حتى الذي يعرف هذه الاوزان ويعرف انه ليس شاعرا لايقترب من النظم او الشعر حتى بولند الحيدري عندما سئل هل رسمت اي هل جربت الرسم قال لم يسبق لي ان اعتديت على هذا الفن فهو يعتبره اعتداء فالانسان الذي لايملك موهبة في فن ما ويطرح نفسه على انه فنان فهو معتد ولذلك فالمجايلة اذا كانت تعني انعطافا فنيا فأنا معها واذا كانت تعني انها نقابة او قبيلة فانا ضدها؟

 

س: طارق الكناني: اين تضع نفسك من شعراء جيلك؟

ج: علي الامارة: انا من جيل الثمانينات وهذا الجيل عرف على بانه جيل قصيدة النثر وانا كنت اغرد خارج السرب فانا اكتب قصيدة عمود جديدة ولكني لست بعيدا عنهم ولكن عندما اقمنا مهرجان جيل الثمانينات في بغداد 1991 وجدت الجيل كله يكتب قصيدة نثر ولأول مرة ارى قصائد نثر مؤثرة فقلت يجب ان لا ابقى خارج السرب مهما كان تغريدي يجب ان انتمي لهذا الجيل فزحفت إلى هذا الجيل والى قصيدة النثر بديوان اماكن فارغة كتبته عام 1993 كتبت قصائد نثر حسبما ارى قصيدة النثر كيف تكون وفعلا كتب حوالي خمسين مقال نقدي عن هذا الديوان وفازت قصائدي بجائزة الشارقة وتوجت بهذا الفوز ولذلك انتبه لي الشعراء وجيلي بأني صاحب قصيدة نثر ايضا فمن هنا وانا من جيل الثمانينات واكتب كافة انواع القصيدة ولكن جيل الثمانينات زملائي حصروا انفسهم بقصيدة النثر .

 

س: طارق الكناني: هل سيقف المنجز الادبي لعلي الامارة عند القصورة ام سيتعداها إلى منجز ادبي آخر؟

ج: علي الامارة: القصورة احدى اهتماماتي فانا عندي عشرة دواوين اثنان منهن اثنان فقط قصورة والباقي ليست قصورة فأنا مثلا كتبت لزوميات خمسه ميل ومزجت بين لقصيدة والقصة وهواجس اصحاب الحسين ايضا مزجت بين السرد التاريخي الذي انتقيته بحيث يصبح مزيج من السرد الفني وهذا ايضا طبع عن طريق وزارة الثقافة وهذا هو الذي اوصلني إلى (انا وشكسبير) لأن صارت لدي خبرة في هواجس الابطال المكسورين والابطال المنتصرين والبطل المضاد مثلا عبيد الله بن زياد كان بطلا ولكنه مضاد لنا ولرؤيتنا نحن ولكن هو كان بطل الدراما فهواجس اصحاب الحسين كلها بنيت على هذه الشخصية هم اصحاب الحسين كانوا في صراع مع هذه الشخصية وهذه الشخصية التي قتلتهم جميعا وهو كما يطلق عليه في المسرح البطل المضاد، دائما عندي ولا اقف عند القصورة فالشعر عندي هو بؤرة فنية تشع على كل الاشكال الاخرى من الفن فشعت عندي على السرد وشعت عندي على الصورة وقد تشع على اشياء اخرى ايضا لأن الذي يمتلك اللغة المجازية والشعرية ويمتلك الانزياحية قادر على ان يزحف على الفنون الاخرى فانا معجب بماركيز لاني اجده يكتب باللغة الشعرية لأنهم لم تصبح لديهم هذه الاسماء الكبيرة الا عندما كتبوا بلغة شعرية حتى ماركيز نفسه يقول (حتى السطرين او الثلاثة اسطر احتاج إلى ثلاثة ايام واربعة لكتابتهن فانا انميهن) ولذلك الشعر اعطى للفنون الاخرى دفقا جديدا اعطاها مجازا اعطاها تحليقا من هنا تأتي اهمية الشعر ولذلك نحن حتى في السينما في بعض المرات عندما نرى لقطات فيها مشاهد درامية عالية نقول عنها قصيدة ونعجب بها .ومن هنا صار الشعر باستطاعته ان يعطي للفنون الاخرى، لماذا؟ لأن الشعر هو ارتفاع باللغة وهو البحث عن لغة اخرى البحث عن معاني جديدة هو الابتكار بالعمل الادبي فانا اجد نفسي شاعرا مطلا على الفنون الاخرى من خلال نافذة الشعر .

 

س: طارق الكناني: ماذا يقول علي الامارة للشعراء الجدد؟

ج: علي الامارة: في احدى المرات سئلت كيف ترى حال الشعر في العراق فقلت: الشعر في العراق بخير والدليل كثرة الطارئين عليه، اي بمعنى ان الشعر كأي مجال اخر يعاني من الطارئين، لأن الطارئون اشطر من الشعراء الحقيقيين وهم يجيدون تسويق انفسهم فالأصيل يعتمد على اصالته وموهبته فتجده غير شاطر او متمرس بتوصيل هذا الشعر وتسويق شعره عبر المنافذ الادبية حيث تجد الشاعر الطارئ قد قطع اشواط بعيدة في تسويق نفسه كشاعر بينما هذا الاصيل يقبع في المؤخرة لعدم امتلاكه هذه القدرات التسويقية، فالطارئ يراهن على التسويق فقط والاصيل يراهن على النص فالاصيل يحتاج إلى من يكتشفه يحتاج إلى من يبحث عنه ويقيمه سواء ناقد او وزارة او مؤسسات ثقافية مسؤولة هي التي تقيم هذا الشاعر الاصيل وتميز بين الاصيل والدخيل، ولذلك دائما انصح الشعراء ان الذي لديه موهبة يهتم بها ويصقلها ويبذل جهد كبير حتى يطور نفسه والذي لايمتلك الموهبة فالشعر كما قال نزار قباني جرثومة فمن لم يمتلك هذه الجرثومة لايلج عالم الشعر لأنه سيتعب ويتعبنا معه وبالنتيجة لايصح على الا الصحيح وهذه المقولة التي اتكأنا عليها تاريخيا ولكن هناك اخطاء لم تصحح بل بالعكس بقيت ونمت وعندما يأتي التاريخ باكاذيبه بتلفيقاته وتحيزه سيجعل من هذه الاخطاء قانون ويجعل من الشذوذ قياسا .

شكرا لك سعة صدرك وشكرا لك هذا السرد الجميل لتاريخ حركة الشعر العراقي والعربي فمن خلال هذه الابواب التي فتحتها وفرت لنا اطلالة كبيرة على هذا الفن الجميل

 

شهادات عن المنجز الادبي للشاعر علي الامارة

الاستاذ فريد سبتي: المدير المفوض لمنظمة الكلمة الرائدة ونائب مدير شعبة المبدعين العرب في جامعة الدول العربية يقول: الاستاذ علي الامارة شاعر متكامل بكل شيء هو صاحب دراما في الشعر دراما في الرؤية الشعرية انا في الحقيقة تعرفت عليه قبل ثلاث سنوات وجدت هذا الشاعر كلما تتحدث عنه تجد له ابواب جديدة اخرى انا اعتبره فنان قبل ان يكون شاعرا، لان الشاعر يكتب مافي داخله ولكن الامارة يرى ويتحدث عنه فهو يكون منتجه الشعري مباشرة فاستعداده وامكانياته الشعرية تتيح له هذه القدرات ففي اي حدث درامي يحدث امامه ممكن ان يكتب قصيدة عنه فهذه هي امكانياته .

الشاعر صادق الذهب: علي الامارة حقيقة هو مدرسة ويؤسس لمدرسة المستقبل وهو مستقبل الشعر وهو امل الشعر علي الامارة لايبدأ من اشعر علي الامارة يبدا كيف انتهى التاريخ علي الامارة يبحث بالرماد عن الجمرة تتقد بين يديه .

القاص حمودي الكناني: ياعزيزي ابا هارون دائما اقول ان المنجزات الكبيرة في سفر الانسانية لايقوم بها الا الناس الكبار لم اكن على اطلاع واسع لما كتبه الشاعر علي الامارة عدى لمحات قليلة لكني اصغيت له الان بانتباه كان ذكيا في اجاباته حيث انه عندما سئل عن المجايلة تعداها وتخطاها وانا اجسّر بين الاجيال وهذا منتهى الذكاء الطروحات التي استند لها في لزوميات خمسة ميل بالرغم من اني لم اقرأها ولكن بالتاكيد عن حكايات اهل حي خمسة ميل كانت حكايات غنية جدا لانها كانت تعبر عن عمق التراث والاصالة الانسانية التي يحملها الانسان البسيط لكنك حين تزاوج بين الحكاية والابداع الشعري في تاصيل معاناة الانسان هذه عظمة بحد ذاتها مع هذا انا كنت افكر دائما في نحت هذا المصطلح وانا من المعجبين في نحت العبارات انه ينحت مابين القصيدة والصورة ويسميها القصورة فهذه منتهى العبقرية ومع ذلك حين سألته كيف يعبر الشاعر إلى العالمية اقول لو لم تترجم اعمال نجيب محفوظ إلى اللغة العالمية لم عرف نجيب محفوظ ولما نال جائزة نوبل للاداب العالمية لايمكن ان يعبر لها اي كاتب او اي شاعر ان لم تكتب اعماله بصورة دقيقة تعبر عن مشاعره وخلجاته إلى لغة اخرى وهو قد نجح في عمله عن شكسبير وعن نحته في هذه الـ (pomage) مع انه ينقلها الناس المعنيون بامانة إلى القواميس الانكليزية لتاخذ حيزها ليكون العراقيون هم من سجلوا هذا كما سجل اسلافهم وشكرا لعلي الامارة .

 

في المثقف اليوم