حوارات عامة

كتابة الروايات مثل الصلاة أو الغناء: مع أرونداتي روي / زاك أويه

saleh alrazukفتحت أرونداتي روي باب بيتها وسمحت لي بالدخول- إلى المطبخ. وتساءلت هل طرقت الباب الخطأ، ربما باب تسليم الطلبات إلى المنزل؟. وسريعا قدمت لها الهدية المتواضعة التي أحضرتها معي، وهي حبات البن الطازج على افتراض أن كل الكتاب المحترفين يعشقون القهوة.

وما أن جلسنا حول طاولة المطبخ الخشبية المتينة التي تحاصرها كراس بسيطة، أدركت أن المطبخ هو القلب الدافئ في بيتها الذي صممته بنفسها ليحتل مكانه في وسط نيو دلهي. بغض النظر عن منصات طويلة هناك كنبة ورف للكتب وشرفة عليها مقعد قديم الطراز مخصص للجلوس- وبوجه الإجمال يبدو المكان صالحا لتنفق فيه كل حياتك.

ولكنها الآن معروفة في كل العالم وهي حاليا في فترة استراحة بعد عودتها من نيويورك. وقد عقدت عدة لقاءات في المدينة، ولكنها عما قريب سترحل في جولة دولية للتعريف بروايتها الجديدة. و(مؤسسة السعادة القصوى) هي أول رواية لها بعد عشرين عاما من سابقتها (إله الأشياء الصغيرة) التي كانت الأكثر مبيعا في العالم والحائزة على البوكر. وعلى ما يبدو، وحسب توقعات الناشر، ستكون روايتها الجديدة شاغلنا في العشرة الثانية من الألفية الثالثة. فهي تعيد ترتيب ما بوسع الرواية أن تفعله أو أن تكون عليه وقد بدأت بقراءتها وأستطيع القول إنها جريئة بلا تحفظات وتغطي طيفا واسعا من سرديات الهند المعاصرة. وهي مكتوبة ببلاغة خيالية تذكرني بعمل كلاسيكي لسلمان رشدي هو (أطفال منتصف الليل).  وبوجه العموم، لقد جعلت إجراء لقاء معها شيئا تحريضيا. وحينما انشغلت بإعداد القهوة جهزت أدواتي الإلكترونية وهي ثلاثة أشرطة مسجلة ( إثنان من أجل اللقاء) وكاميرا فيديو داعمة. نظرت لي بدهشة وكان يبدو أنها معتادة على مكبرات الصوت. وانهمكنا بلقاء دام ثلاث ساعات. وهذه مقتطفات منه.

س: ينظر لك أجيال الأدباء الجدد في الهند كملهمة لهم، كأن أحدا أخبرهم أن يحلموا أنه بمقدور أي إنسان أن يجلس في الهند ثم يكتب ثم يكون له قراء في كل العالم. كيف شعورك حيال ذلك؟ هل تفكرين به أصلا؟.

ج: ليس بالضبط. لأنني مقسمة بالتساوي بين الغضب والحماقة التي أندفع إليها. ومن وجهة نظري، أنا أعيش داخل عملي. ومع أنه يجب أن أقول إنني أحيانا أفكر ببعض الكتاب الذين يودون أن يبقوا مجهولين – ولكن لا أريد أن ينسدل عليّ ستار الصمت والإهمال. ففي هذا البلد، من المهم، ولا سيما لامرأة، أن تقول:"انظروا! ها أنا هنا. وسأغلبكم. وهذه هي قناعتي ولا ضرورة لأن أتستر عليها وأختبئ". ولو أنني شجعت أحدا.. على التجريب.. أن يتجاوز الخط... فهذا شيء ممتاز. وأظن أنه من المهم لنا أن نقول:" بإمكاننا ذلك! وسنفعل. ولا تعبثوا معنا ( وردت على لسان أرونداتي: لا تتنايكوا)". وأنتم تعلمون هذا، هيا لا تترددوا.

س: لاحظت أنك لا تشاركين في المهرجانات الأدبية كثيرا. وهناك أكثر من مائة في الهند حاليا، وقد شاركت بنفسي في عدد منها، ولم أقابلك أبدا. هل تتجنبين الكتاب الآخرين؟.

ج: لا علاقة للكتاب الآخرين. ولا أعلم إذا قرأت المقالة التي كتبتها بعنوان (الرأـسمالية- قصة أشباح) والمقالة الأخرى ( النزهة مع الرفاق؟). ولكن مهرجان جايبور الأدبي تموله شركة مناجم بغيضة تعمل على تكميم أفواه الأديفازيين (الشعوب الأصلية في البنجاب والبيهار). إنها تطردهم من بيوتهم، والآن يدعمها تلفزيون زي الذي يحرق دمي نصف الوقت. مبدئيا لا أريد أن أشارك. وهل يمكنني أن أشارك؟. فأنا أكتب ضدهم، وهذا لا يعني أنني إنسانة ملائكية، ومثل الجميع لدي تناقضات، ومشاكل. أنا لست مثل غاندي، أنت تفهم ما أقول، ولكن نظريا ألتزم بوجهات نظري. كيف يمكنك أن تكمم الأفواه وتخنق الآراء التي تعبر عن فقراء الناس في العالم، ثم تصبح منصة براقة للرأي الحر والكتابة المتألقة؟. لدي تحفظات على ذلك.

س: هل تقرأين الكثير من الروايات أو الكتابات الهندية الجديدة؟.

ج: حينما كنت أعمل على هذا الكتاب، لم أكن متابعة لما يجري من حولي. وانقطعت عن الفيس بوك وكل ما شابه ذلك. وهذه ليست مشكلة عندي، ولكن كما أخبرني إدوارد سنودين، إن السي آي إي احتفلت يوم ظهور الفيس بوك إلى الوجود، لأن المعلومات أصبحت بمتناول أيديهم دون بذل أي جهد للسعي إليها. أضف لذلك، حينما ينشغل المرء بالكتابة، عليه أن يبتعد قليلا عن القراءة: أحيانا لا أقرأ كل الكتاب، وأغوص في مسائل لاختبار قواي ومقدراتي العقلية (حركت يدها اليسرى بحركة أنيقة أمام وجهها كما تفعل الراقصة الهندية أو المؤمنة في المعبد وتابعت تقول) لأتأكد هل أنا لا أزال على نفس الكوكب الذي ولدت فيه.

س: هل يوجد كاتب هندي معين يحوز على إعجابك؟.

ج: أعتقد أن نيبول كاتب متميز، مع أننا على طرفي نقيض في وجهات نظرنا حول العالم. إنما لم أتأثر بأي كاتب، كما تعلم. وأرى أن كتاب الهند، أو معظمهم، أو على الأقل المشهورين منهم... دعنا لا نقول كتابا، ولكن طبقة من الأشياء المنزلقة التي تغزو قلب مجتمعنا، كأنه بقايا ورواسب. هناك شيء خطأ على شاكلة الناس في جنوب إفريقيا، فنحن نكتب دون أن نذكر أنه لدينا تفرقة عنصرية.

س: كتابتك تضرب بقوة وبصوت مرتفع – هل عانيت من إجراءات معاكسة؟.

ج: يا إلهي. أنت لطيف جدا. غير الدخول في السجون وسوى ذلك. وحتى الآن، بعد نشر كتابي الأخير في دلهي، وعنوانه (الجمهورية المضعضعة)، ظهرت عصابة من الفتوات، وحطموا المنصة. الجناح اليميني، والعصابات، والفتوات، موجودون في كل لقاء، ويهددون ويتوعدون، ويضمرون كل النوايا الفاسدة. وما زلت أشارك بإلقاء المحاضرات، في البنجاب وأوريسا، وفي أي مكان آخر. أنا لست كاتبة محلية وأعيش وحدي، ولكن ضمن الجموع والحشود.

س: لا بد أنها صدمة أن تجدي نفسك فجأة خلف القضبان في سجن تيهار بعد التعبير عن رأيك؟.

ج: تيهار ( تتنهد بعمق ثم تقول) نعم إنها صدمة، ولكن في نفس الوقت انظر كم من الألوف خلف القضبان، إنهم أشخاص لا يفهمون اللغة، وحتى أنهم لا يعرفون ما هي تهمتهم. ولذلك لا يسعني أن أكون دراماتيكية تماما لما حصل معي، هناك أناس في السجن من سنوات وبلا سبب واضح – بلا أي سبب. يا لها من حماقة. ومن فترة وجيزة حوكمت بتهمة احتقار المحكمة في مقالة كتبتها وهي (الأستاذ بي. أو. دبليو) ويمكنك قراءتها في مجلة آوت لوك (مجلة المشهد).

س: هل فكرت أنه يجب أن تغادري الهند وتعيشي في بلد لا يتوجب عليك فيه مواجهة المشاكل والاضطرابات؟.

ج: كل شيء أعرفه موجود هنا. كل شخص. ولم أعش فعلا في الخارج، خلف الحدود، ولذلك إن فكرة أن أعيش في بلد غريب وحدي فكرة ترعبني. وإنما الآن أعتقد أن الهند أصبحت وسط المخاطر، ولا أعلم ماذا سيحصل لأي شخص – لي أو لغيري. لدينا عصابات تقرر من ستقتل، ومن ستطلق عليه النار، ومن ستوقع به عقوبة القتل دون بيّنة، أنت تفهم ماذا أقصد؟. وأرى أن هذه أول مرة يواجه فيها الهنود، الكتاب والناس العاديون، صدمة مر بها غيرنا في تشيلي وأمريكا اللاتينية. الرعب يتراكم لدينا هنا ولا نعرف مقداره بالضبط. أنت تمر بفترات من القلق، ثم الغضب، ثم المواجهة. وأعتقد أن هذه الحكاية تتطور وبالتدريج.

س: هل تتوقعين إثارة المشاعر بكتابك الجديد؟ مع أن العصابات لم تقرأ شيئا له قيمة، هل أنت معي في ذلك؟.

ج: المسألة لا علاقة لها بالكتاب أو ماذا يقرأون أو لا يقرأون، إنها مشكلة في الأحكام العشوائية التي يتخذونها لتحديد ماذا يجب أن نقول، وماذا لا يجب أن نقول، ومن يمكنه أن يقول هذا، ومن يجب أن يقتل ذاك – كل هذه الإشكالات. نعم، أنا أعيش هنا، وأكتب هنا، ولكن هذا الكتاب حول هذا المكان. إن وضعنا هنا خارج السيطرة، ومن الأسفل!!. المشكلة ليست في القتل فقط، ولكنها عن: كيف تجلس في قطار أو حافلة لو أنك مسلم ولا تخاطر بحياتك؟. لا أعرف من ماذا عانيت. لقد كتبت رواية واستغرق إنجازها عشرة سنوات. وها هي ثلاثون دولة في العالم تنشرها في دور كبيرة. ولن أسمح لأحمق أن يشوهها ويسرق بها الأضواء. لماذا يجب على أحدهم أن يفعل ذلك؟. هذا ليس لأنه بعقل صغير، يجب حماية روايتي وبتكتيك متميز في هذا المناخ العصبي.

س: دعينا نتكلم عن الرواية. ماذا يدفعك لكتابة رواية جديدة بعد عشرين عاما من العمل النخبوي في الحياة العامة؟.

ج: حسنا، استغرقت كتابة الرواية عشرة سنوات، ولكن أعتقد أنه خلال العشرين عاما التي مرت بعد (إله الأشياء الصغيرة) مررت وتورطت بعدة أشياء تحدث ونكتب عنها بالتفصيل. كان هناك شعور عارم بحالة طارئة، عندما كتبت المقالات السياسية، في كل مرة كنت أرغب بفتح فضاء حول مشكلة من المشاكل. لكن الروايات تأخذ وقتها وتتراكم بطبقات. أمثل لك ذلك بلا معقولية ما يحصل في مكان على شاكلة كشمير: لو استثنيت الخيال كيف يمكنك أن تصف الرعب الذي يتفاقم هناك؟و كيف يمكنك وصف الذهان الذي يتفاعل؟.

س: هذا هو السبب وراء خياراتك؟..

ج: ليس هذا. لم أختر كتابة الرواية لأنني أردت أن اقول شيئا عن كشمير. الرواية هي التي اختارتني. ولا أعتقد أن المسألة بهذه البساطة. لدي معلومات لتأملها ولذلك قررت كتابة رواية. أبدا. إنها طريقة في الرؤية. طريقة في التفكير. إنها صلاة، بل هي أغنية..

س: اخترت في كتابك لغة شعرية للكلام عن موضوعات مادية.

ج: اللغة شيء طبيعي، كما تعلم، وليست شيئا تصنعه، هذا بالنسبة لي على الأقل.

س: باعتبار أنك درست الهندسة المعمارية، لا بد أنه في لحظة ما فكرت أنها مجالك، ولكن اليوم أنت واحدة من أشهر الروائيين في العالم. من أين جاء اهتمامك باللغة؟.

ج: في الواقع فكرة اللغة سبقت العمارة، لأن العمارة بطريقة من الطرق جاءت كحل عملي. لقد غادرت المنزل في السابعة عشرة وكنت بحاجة لهذا الإجراء..

(في هذه الحظة قفز علي واحد من كلبيها. وأنا معتاد على عواء الكلاب حين يرونني، ولكن ولسبب محير، هذا الكلب كان يود أن يلحس وجهي. وهكذا ضحكت أرونداتي ثم تابعت).

إنها تغازلك. لدي كلبا شوارع. وهذه الكلبة مولودة قرب مجرى للمياه. ثم صدمت أمها سيارة. ورأيت الآخر مربوطا بعمود إنارة في الشارع. يا للفظاعة.

س: هل لكلبيك أسماء؟.

ج: نعم. اسم الكلبة بيغوم فيلثي جام، والكلب ماتي كي لال. ومعناه "محبوب الأرض". لال وجام لهما معنى واحد: محبوب.

س: وهما جزء من العائلة؟.

ج: نعم.       

س: سلوكهما حسن بالنظر لمصدرهما وهو الشارع.

ج: كلاب الشوارع متحضرة أكثر من غيرها. وهي الأفضل. أنا أيضا كلبة شوارع تقريبا.

س: مفهوم. كنا نتكلم عن علاقاتك مع اللغة وكيف غادرت البيت في السابعة عشرة.

ج: العلاقة مع اللغة موجودة منذ نعومة أظفاري. المشكلة الوحيدة أنه لم يكن من الواضح أنه بمقدوري أن أكون كاتبة.

س: لماذا؟.

ج:لا توجد نقود.. كيف سأكسب قوت يومي؟. في سنوات عمري المبكرة كان طموحي الوحيد أن أعيش، وأن أدفع الإيجار. ولم يكن يبدو أنه لدي وقت لأجلس حقا وأكتب شيئا ما، فهذا يشغلك عن كسب النقود. كانت المشكلة في الطريقة التي نبحث بها عن البقاء.

س: وكيف تمكنت من البقاء؟.

ج: كنت أعمل في المعهد الوطني للقضايا الحضرية ومنه تلقيت كل نقودي. وكنت أعيش في حفرة في الجدار قرب نظام الدين دارجة وأكتري الدراجة بروبية واحدة في اليوم لأذهب إلى العمل. كل الوقت كنت أنفقه على التفكير بالنقود (قهقهت ضاحكة).

س: في ذلك الوقت كنت على وشك أن تكوني بيروقراطية؟.

ج: كلا، كلا. لا يمكن أن أتحول إلى بيروقراطية.

س: ولكنك موظفة حكومية؟.

ج: كلا. ولا هذا. كنت أعمل بالوكالة. وعلى الأطراف. هامشية.

س:: وبدأت الكتابة من سيناريو فيلم؟.

ج: أساسا بعد آني (ما قدمته آني لأولئك – 1989) وهو فيلم شق طريقه السري الصغير إلى العالم بعيدا عن الأفلام الهامة. وكتبت فيلما آخر هو ( القمر الكهربائي) ثم (إله الأشياء الصغيرة). وبعدها المقالات.

س: والآن تعودين للرواية. هل هناك فكرة معينة أو حادث أطلق شرارة الكتاب الجديد؟. يبدو لي أنه تأملات في أحوال الأمة.

ج: (أخذت رشفة كبيرة من القهوة وفركت عينيها وقالت). دعنا نسميها تأملات، تأملات فقط. دائما شيء ما تخرج منه شرارة وأعتقد في حالتي أنه ليس من الضروري أن تكون لتلك الشرارة علاقة بكل الموضوع. من الواضح أنها نتيجة عدد كبير من السنوات التي تمر في عمر المرء وأفكاره وما يعترضه وكل هذه السلسلة من الأشياء... ولكن أعتقد أنه في ليلة واحدة من تلك الليالي التي أمضيتها أمام جانتار مانتار بحضور كل هؤلاء المحتجين الذين توافدو ليجتمعوا هناك، ظهر طفل من بين الناس الذين يتساءلون: ماذا علينا أن نفعل؟. ولم يكن لدى أحد فكرة عما نفعل. هذا مثال واحد عن الشرارات التي ألهمتني.

س: أتذكر هذه الحوادث، فقد وردت في الرواية، وأضفت لها عددا من القصص الفردية التي تتحرك من خلف الشخصيات التي اجتمعت في جانتار مانتار؟.

ج: تلك فكرة كانت ملهمة لي - لأجرب حولها. وكما يمكن أن تتخيل أي كاتب يكتب رواية ناجحة، يتوقع عقودا متعددة يجني منها النقود.. ولكن هذه ليست رغبتي. كنت أفكر بكتابة كتاب لا أتجاوز به أحدا، ولا حتى أدنى طفل، أو امرأة، ولكن فكرت بالجلوس وتدخين سيجارة والدخول في نقاش وحوار. ليس لروايتي قصة تبدأ منها، ولا حبكة، ولا نهاية. بل هي خريطة للمدينة أو للبناية. أو هي مثل مخطط كلاسيكي لراجا (موسيقا آسيوية)، حيث تتوفر نغمات تكتشفها من عدة زوايا بطرق مختلفة، وهكذا تعلو أو تنخفض النبرة، كل مرة بأسلوب خاص.

س: أول مائة صفحة من الكتاب تدور أحداثها في دلهي القديمة. ما علاقتك مع ذلك الجزء من المدينة؟.

ج: في الحقيقة لدي بيت هناك.

س: قرب جاما مسجد؟.

ج:نعم، مكان إيجار، غرفة بسيطة، ولذلك أقمت هناك لعدة سنوات.

س: ولماذا أنت بحاجة لذلك المكان ولديك هذه الشقة؟.

ج: أحيانا أشعر بالحصار. وأنا لم أذهب إلى هناك لأنني سأكتب عنه، ولكن لأن هناك جزءا هاما من الكتاب. أنا أزور المكان، وأتجول حوله في ساعات متأخرة من الليل.

س: وتلك الكلاب المكلوبة التي تعيش في الشارع، ألا تهاجمك؟.

ج: كلا. أبدا. البشر مصابون بداء الكلب. أما الكلاب فهي طيبة المعشر.

س: العنوان غريب – مؤسسة السعادة القصوى. لكن ضمن الكتاب قدر لا يستهان به من العتمة.

ج: نعم. ولكن هناك قدر كبير من النور. والنور في الأمكنة التي لا تتوقعها أبدا.

س: وتوجد شخصية تدعى تيلو، وتبدو لي مشابهة لرادا في (ما قدمته آني لأولئك). هل هي استمرار لتلك الشخصية؟.

ج: (تضحك). إنها لا تشبه رادا لو تابعت القراءة. نعم، هي في كلية العمارة، ولكن تيلو شخصية مختلفة تماما أيضا.

س: كم حجم التفاصيل التي تدين للسيرة الذاتية في كتابك؟.

ج: من الصعب أن تعرف. لأنه لا يمكن تحديد أين ينتهي خيالك وأين تبدأ التجربة العملية؟. الذكريات؟ هذا حساء. كما ورد في (إله الأشياء الصغيرة) يقول إيسثابين: لو التهمت في حلمك سمكة، هل هذا يعني أنك أكلت سمكة؟". لو أنك سعيد في الحلم هل هذا له معنى؟. بالنسبة لي هذا الكتاب ليس مقالة سياسية متحجبة ومتبرجة بشكل رواية، إنها رواية. وفي الروايات، كل شيء يتطور ويكدح وينزف عرقه على جلدك. وعليه أن يكون جزءا من مورثاتك وهذا شيء معقد مثل أي شيء آخر يعيش ويحيا في داخل جسمك.

س: دعيني أسأل: في السنوات التي عملت فيها على الرواية، هل شعرت بالسأم منها أو اندمجت بها بغبطة ولفترة طويلة؟.

ج: حينما أكنب رواية تنمو معها علاقة طيبة وأشعر أنني لست مستعجلة. جزئيا، لأرى هل سأعيش معها لفترة طويلة. ولو سئمت منها، أتركها وأتخيل أن العالم سيسأم منها أيضا. وأنا بحاجة لرعاية علاقة تشبه تقرييا.... (يخيم عليها الصمت).

س: كأنها شخص بشري؟.

ج: أو جماعة من البشر. ونحن نعيش جميعا بصحبة بعضنا بعضا.

س: الآن إليك هذا الاستفسار- هل هناك طقوس عليك أن تمري بها مثل الاستماع للجاز أو فتح زجاجة ( الراهب العجوز) قبل بداية الكتابة؟.

ج: دعنا نقل أنه حينما كنت أكسر الحجارة وأحاول حقا تفهم ما أحاول أن أفعل لم أكن قادرة على العمل فترات طويلة، ولكن عدة ساعات فحسب في اليوم. مررت بطورين لكتابة هذا الكتاب، واحد لتوليد الدخان، ثم محاولة لنحته. وكلاهما لا يشبه الكتابة وإعادة الكتابة، أو صناعة المسودة. ولكن حينما تولد الدخان هذا يشبه – أنك قادر على كتابة ثلاث عبارات ثم تسقط في النوم بسبب الإجهاد. وبعد أن انقشع البخار واتضحت فكرة الكتاب – كنت أعمل لساعات. وهذا حصل في (إله الأشياء الصغيرة)، هناك تتشكل جملة مفردة وتجبرني على الإغفاء. كأنه تحول غريب.

س: هل استفدت من خبراتك كمهندسة عمارة؟.

ج: ليس قليلا، كان هذا شيئا مركزيا في طريقة كتابتي.

س: كيف؟.

ج: بالنسبة لي الحكاية مثل خريطة مدينة أو خريطة مبنى، إنها بنية: طريقة الإخبار بالحكاية، طريقة الدخول فيها، والخروج منها... لا شيء فيها بسيط أو مستقيم، الزمان والتسلسل مثل مواد بناء، لذلك نعم، العمارة عندي شيء مركزي حقا.

س: أتذكر أن فيكرام شاندرا أخبرني كيف أنه تبنى إدارة مشروع بناء برنامج سوفت وير، استعمله المعماريون والبناؤون للتحكم بسلسلة الإمداد وما شابه، وللتخطيط ولمتابعة كل العناصر التي استعملها في روايته (ألعاب مقدسة). هل أنت كمعمارية تخططين لكتابتك بهذا الشكل؟.

ج: آه يا إلهي. لا توجد خوارزميات تحدد كتابتي. إنها غرائز.. إيقاع.

س: كيف يكون يومك جيدا خلال الكتابة؟. تستيقظين في الخامسة وتشربين قهوة مركزة أم تستيقظين في الثالثة بعد الظهر وتسكبي لنفسك كأسا من الشمبانيا قبل أن تباشري العمل على الطاولة؟.

ج: لا يبدو أنني أتبع هذه الطقوس. ولكنها مواجهة مفتوحة بيني وبين نفسي وبين الكتابة. ولا أعلم ماذا نقصد بعبارة "حينما تكتب" لأنه إن توقفت عن الكتابة تكون قد حلت معجزة. دائما أكتب في رأسي. ولكن الآن، أرى كأنني أقيس وزني، وأنا الآن بنصف وزني، لأنه خلال العشرة سنوات السابقة كان كل شيء في رأسي، طوال الوقت. وها قد تحررت منه (و تشير إلى الكتاب الموجود على طاولة المطبخ). إنه معي، ولكنه ليس جزءا من كتلتي. هل تفهم ما أقول؟.

س: ماذا تفعلين ليأتي إليك الإلهام؟.

ج: كما ترى، واحد من الأسباب التي تمنعني من السفر، أنه في كل مكان تجد شيئا عميقا يتحرك. ولذلك أنا محظوظة بالعالم الذي أتحرك فيه هنا سواء كان وادي نارمادا أو كشمير. أنا أعيش في عالم فوضوي وغير مرتب. ومن وجهة نظري، إنه مثقل بكل أنواع المحرضات. وأعتقد أنني غير منضوية تحت شؤون عائلية فقط. وهناك حدود مثقبة بيني وبين العالم وأشياء كثيرة تدخل وتغادر من خلالها. وهي الطريقة التي أعيش بها. وهناك الكثير من الناس الأذكياء الذين يقومون بأعمال لي علاقة بها طوال الوقت. كأنك في خضم نشاط تجهيز مادة الكتاب – لو أنني رغبت بشخص غير عاقل..  ليس كائنا بشريا بالفعل، ولكنه ماكينة طباعة، أجد.  ولو أردت شخصا يتجول في المدينة ويلتقط الصور، أجد.  نحن محاطون بمهارات غير أرثوذوكسية كل الوقت. وهذا هو مصدر إلهامي. ولو أنني أريد كلابا سيئة السلوك أجدها أيضا (تضحك وتعانق واحدا من كلبيها والذي كان ينبح خلال حوارنا، ربما لأنه فقد صبره من هذا الكلام).

س: الروايات والأعمال غير الخيالية – أيها يوفر لك المتعة أم كلاهما مريح على قدم المساواة؟.

ج: كلا. لا وجه للمقارنة بينهما. الأعمال غير الروائية ليست للمتعة، الأعمال غير الخيالية تفرض إحساسا بشيء طارئ وهي مركزة. ولكن الرواية هي المتعة. وإن كانت عند غيري مؤلمة. بالنسبة لي لا تسبب الألم.

س: ماذا تفعلين حينما تحتفلين بيوم كتابة ناجح أو قصة جيدة؟ هل تفتحين زجاجة من ماركة (الراهب العجوز).

ج:  (تنفجر بالضحك).

أنت تكرر (الراهب العجوز). أليس كذلك. أعتقد أنني أطير في مكاني من البهجة.

 

الترجمة من جريدة ذي هندو (الهندي). 2 حزيران 2017

ترجمة: صالح الرزوق

......................

زاك أويه Zac O’Yeah كاتب روايات بوليسية مصورة. آخرها (هاري،بطل بخدمات مأجورة) وتدور أحداثها في بينغالورو.

 

 

 

في المثقف اليوم