حوارات عامة

أجوبة الدكتور سكوت ماينار على أسئلة ضيوف المثقف

saleh alrazukالإجابات على أسئلة الدكتور قصي الشيخ عسكر وجمعة العبدالله وفيليب تييرمان وزاحم جهاد مطر

س- الدكتور قصي الشيخ عسكر  يسأل: هل من فروقات ألسنية ونوعية بين الشعر الأمريكي والشعر الإنكليزي في بريطانيا وأستراليا.

ج- سؤال الدكتور عسكر هام جدا ولعله صعب أيضا. الجواب باعتقادي نعم ولا. أنا لست خبيرا بالشعر الإنكليزي أو الأسترالي المعاصر، ولكن عندي فكرة عن كليهما. كل شعريات اللغة الإنكليزية – بريطانيا الموحدة، وأستراليا، والولايات المتحدة – تشترك بخصائص معينة هي صدى لتاريخ الشعر الإنكليزي نفسه – الخيال الطبيعي والإيجابية والذكاء، والوصف والسرد، والألم الشخصي، وأحيانا التهكم، وهكذا..

وربما تتجلى خصائص الشعر الأمريكي في ما تعكسه الثقافة الأمريكية والفكر الأمريكي واهتماماتهما. نحن أمة وقعنا بين الماضي والحاضر، وبين الاختراعات المثيرة والميول نحو ما هو مألوف. ونحن مثل كل الأمم المتطورة كما أفترض واثقون بأنفسنا لكن غير راضين عنها في نفس الوقت،  وهذه طبيعة وجودنا الديالكتيكي كثقافة عامة وثقافة نخبوية. وشعرنا يمثل هذه الأشياء مجتمعة.  ولذلك، بعض الشعر الأمريكي مكتوب بلا مغامرات ومخاطرة وبجماليات عالية، لكن بعضه أقل انضباطا وأكثر حيوية وإدهاشا، ويخلق طاقة واهتماما بواسطة أساليبه وأدواته.  وهنا يجدر بي أن أذكر ما لدينا. نحن نمتلك أربع مناطق أو نماذج شعرية: الشعر الأكاديمي الهادئ (له مهاراته المعروفة)، الشعر الأكاديمي التجريبي (يجازف وهو غير مألوف لكنه معروف)، وشعر الشارع و"عالم المحكيات" (الأشكال الشفوية، وهي تحمل شحنة من الطاقة وتميل لمناقشة الأمور السياسية – ويمكن أن تدرج هنا الأداء المسرحي في النوادي الليلية أو المقاهي أو خشبات المسرح)، والشعر الشعبي (قصائد ذات اهتمامات اجتماعية واسعة ومريحة، وعموما مهاراتها ضعيفة ولكنها ذات هدف). ولدينا أيضا شعر ثقافة الأقليات: الشعر الزنجي، شعر القبائل، شعر الصم والبكم وهكذا. وربما توجد متشابهات كثيرة بين الشعر الأمريكي والبريطاني والأسترالي لكن وجوه التباين أقل- مع أنها مجتمعات غير متجانسة أيضا. بتباين المجتمعات يتباين الشعر كذلك.

ويجب أن أذكر أن مجال الفن هو الفنان المفرد الذي لا يقع تحت رحمة التوجيه الثقافي أو التعليمات. وهناك دائما، على الأقل في الولايات المتحدة، شعراء خارج الخط وغرباء، ولا يمكن تصنيفهم بسهولة. من هؤلاء في أمريكا، يمكن أن نذكر شارلز سيميك والمرحوم مارك ستراند. والمهم أن كليهما لم يولد في أمريكا، ستراند من نوفا سكوتيا في كندا، وسيميك مولود في صربيا. والإثنان حازا على أهم الجوائز الأدبية التي يمكن أن تقدمها أمريكا. ولا أجد وجه تشابه بين الشعر البريطاني والأسترالي وبين نتاج هذين الشاعرين (وربما السبب هو عدم إلمامي بكل جوانب الشعر العالمي). في قصائدهما صفات نوعية ومعرفة عميقة بالتاريخ والفن نفسه، ومع ذلك هما مرحان وساخران بما فيه الكفاية. سيميك متخصص بالكوميديا السوداء، وهي بطبيعتها أوروبية وليس أمريكية.

بالنسبة للفرق الألسني بين الشعر الأمريكي من جهة والبريطاني والأسترالي من جهة.. نعم. هذا موجود لا سيما في مجال شعر الثقافة الأمريكية السوداء. فالشعراء الذين ينحدرون من أصول إفريقية لديهم لهجات إنكليزية خاصة تختلف مفرداتها وقواعدها عن إنكليزية الأمريكيين. وتبدو أدنى من الناحية "الثقافية" ولكن أيضا تمتلك القدرة الكامنة التي تدل على قوة عظيمة ومباشرة. وهناك لهجات إنكليزية متعددة وكل منها تفرض خصائصها المتميزة على القصيدة التي تستعمل لغة الشارع "المحكيات". وهذه صفات متميزة في الثقافة الأمريكية كما أنها متميزة في مجال اللسان الإنكليزي الذي يسود أمريكا.

س: وسجل الأستاذ جمعة عبد الله إعجابه بالقصائد ولا سيما من ناحية صياغة الأفكار والرؤية ثم وجه الأسئلة التالية:

1-  هل يعتقد الشاعر أن الاسطورة في الشعر تؤدي دورها المطلوب في الاستجابة لحاجات العصر الراهن؟

2- هل هناك رؤية شعرية ينجذب اليها الشاعر أكثر من غيرها؟

3- من يستجيب للمتطلبات الراهنة. الشعر أم الرواية؟ وهل جرب الشاعر الرواية او القصة في نتاجاته الادبية؟

ج- هذه أسئلة هامة. أعتقد أن الأسطورة ودورها يعود للتذوق أو التفضيل ما دام الأدب في النهاية ذاتي. والجواب عندي نعم!. الأسطورة مفيدة لأنها تستلهم شيئا كونيا، هو شيء يبدو لي وكأنه يتحرك عبر الزمن ويخاطب أو أنه يصف التجربة البشرية في عدة أماكن وأزمنة.

أما عن الرؤية الشعرية التي أفضلها.. لو أن الفضاء الشعري يعني كيف نصنع القصيدة، نعم. فأنا أحب أن أكتب من داخل الفضاء السحري العجيب، ولكن ليس المجال العبثي. أنا أفضل الفضاء المألوف الذي تبدو فيه الأشياء مسحورة أو مدهشة. وأحب الفضاء الشعري الذي يمكنك فيه توسيع الاحتمالات والإمكانيات.

وعن الرواية مقارنة بالشعر. لو أن السؤال يربط المكان بالزمان، فأنا لا أستطيع أن أجزم. وبالتأكيد أعتقد أن كل الفنون الأدبية متساوية من ناحية الإمكانيات. القصيدة والقصة والرواية والمسرحية كلها لها خصائص مدهشة. شيء من الأهمية والمكانة. وعموما، أعتقد أن عددا أكبر من الناس يقرأون القصص والروايات، وربما هذا يخلق فرقا. وبالنسبة لي، الشعر مصدر أساسي. ولكنني أعترف وأقر هذا اختيار شخصي أو أنه تحبيذ وتفضيل. بالنسبة للجزء الأخير من السؤال.. نشرت قصة قصيرة وكتبت عدة أقاصيص. وحاولت كتابة عدة روايات، ولكنها كلها محاولات فاشلة. وأعرف صديقا هو نحات وأخبرني أن الشعراء لديهم عدسة فوتوغرافية خاصة موجودة في أدمغتهم وهي عدسة رقيقة، لها بؤرة صغيرة المساحة، بينما كتاب القصة لديهم عدسات بنطاق أوسع، يمكن أن تسميها عدسة مشاهد عريضة. وأعتقد أنه يعني أن بعضا منا يحب أن يخطط ثم يكتب على فترة طويلة، وبعضنا يحب أن يركز على مشروع أصغر – ونحن نفعل ذلك لأن الميول والتفضيل جزء من طبيعتنا، وتحدد ما نحن عليه.

س: وأضاف الأستاذ الدكتور فيليب تيرمان، أستاذ الأدب الحديث في جامعة كلاريون، كلمة في تجربة زميله الشاعر سكوت ماينار، فقال: أنا أحب شعر سكوت، هو مختلف عني تماما، كما يمكن للقارئ أن يلاحظ، ولكننا نشترك في تذوقنا للكتاب وبعاطفتنا الفياضة نحو الفن. شعري ينجم عن خبراتي والبيئة القريبة، ولكن شعره يتفرع من خياله وأحلامه، إلخ ...

ج- أعتقد أن فيل محق. لكن المسألة معقدة قليلا أيضا. فيل يكتب من خبراته ومن البيئة المحيطة به، مثل ويتمان أو راهب طائفة الزن، ولكن قصائده أوسع من ذلك في نفس الوقت. فهي غالبا ما تضفي على الأشياء صفة كونية، شيئا أوسع من هذه الإحاطة القريبة وهذه الخبرات الشخصية. في الأشياء الصغيرة يمكننا رؤية العالم، وقد حقق ذلك. ولذلك هو ناجح فيما يفعل. وأعتقد أنه واحد من أفضل الموجودين.

ولكن أنا أكتب من الخيال والأحلام. وإنما أنا أيضا دائما داخل الشعر. خيالي يعمل حينما أكون داخل غيري. ثيسيوس، مونيطور، إنسيديوس، الإلهيات، إيكاروس، يوليسيس، السيد كوجيتو، وهكذا. أنا حاضر أيضا. هذا مؤكد تماما. وأتمنى أن تكون قصائدي "أوهاما حقيقية"، فتنكر الخيال بآخرين يساعد القراء على رؤية ما بداخلي، وما بداخلهم كذلك. مثل فيل، أتمنى أن يلامس خيالي شيئا كونيا أيضا، ومع أن هذا شيء شخصي جدا، أحيانا هو شيء معزول ومحاصر بطريقة غريبة. حينما أنجح في كتابة قصيدة يكون يومي طيبا، أشعر كما لو أنني أطير في السماء. أحيانا الخيال، على الأقل من وجهة نظري، يمكنه أن يكون حيا مثل الواقع الملموس وله أثر مباشر وقريب. إنه خبرة حقيقية عندي، أوهام  فعلية. والساحر الماهر هو دائما على التخوم بين السحر التقليدي أو تزييف الواقع، والسحر الحقيقي أو ما نود أن نراه ونتعايش معه.

س: وسأل الأستاذ زاحم جهاد مطر السؤال التالي:  لماذا الغرب يميل للأسطورة الإغريقية والأوروبية وينسى الشرق، مع أن أول أسطورة في تاريخ البشرية هي ملحمة جلجامش. وغيرها مجرد صدى لها.

ج: هذا سؤال جيد وتحريضي. لقد قمت بتدريس ملحمة جلجامش لطلابي لعدة سنوات وأنا معجب بها. ولكن أعتقد، هذا مجرد اعتقاد، أن الثقافة الأمريكية والغربية أيضا، تركز على الإغريق كفجر للثقافة أو أصل لها سواء هذا صحيح أم خطأ. والسبب برأيي يعود لأن روما وهي قريبة جدا من اليونان، انتشرت وتوسعت في أوروبا وكانت مصدر تطور المسيحية (مع أن روما ليست هي موطن المسيح) ولذلك إن المفكر الأوروبي ينظر للإغريق والرومان على أنهم المنبع. زاحم على حق لأنه دائما توجد حدود ومعوقات أمام أية فكرة. ولا أعلم كيف أصحح هذا الخطأ التاريخي. ربما سأكتب قصيدة عن جلجامش وأنكيدو. تقول الإنتروبولوجيا إن الشعوب حتى في الدول المتطورة وما نسميه الحضارات المتقدمة، يحملون بقايا التفكير القبلي. إنهم يرون ما تراه القبيلة أو ما تعلموا طوال حياتهم أن ينظروا إليه. ولكن لسبب ما تطورت هنا الأساطير الآسيوية أكثر من أساطير العراق وفارس. والأساطير البريطانية تطورت لتكون شبيهة بأساطير الرومان والإغريق. وهي الآن حزمة واحدة معها.

أتذكر الآن مشهدا من رواية مشهورة لسومرست موم وهي (حد السكين). وبطل القصة مواطن أمريكي يعمل في فرنسا. والتقى مع صديق في حوار حول فكرة فلسفية وذلك بعد نهاية العمل. وتكلما عن الله والمسيحية، وعندما سأله صديقه: هل قرأت اليوبانيشادا؟. قال له بطل القصة: كلا. فرد صديقه: حسنا أنت لا تعرف شيئا.  وهذه إشارة إلى أن تجاهلنا واضح منذ البداية، وعلينا أن ننظر لمسافة أبعد وأوسع. وقد تعلمت هذا الدرس من الأنتربولوجيا من سنوات بعيدة، ومع ذلك أمامي مزيد من الجهود المطلوبة لتحسين معارفي. وأنا أحب مقولة سقراط: أنا أعلم أنني لا أعلم شيئا (وهذه سخرية من سخريات الحكمة الإغريقية).

 

ترجمة: د. صالح الرزوق

 

 

في المثقف اليوم