حوارات عامة

الشاعرة اللبنانية المغتربة لبنى شرارة:

1989 لبنى شرارةالأدب والشعر جزء ٌ منه مرآة المجتمع الانساني

- مشكلة التجنيس الادبي بوضفها ظاهرة في تاريخ الادب المعاصر تبقى قائمة مع إنتشار ظاهرة ما بعد الحداثة .

- أن مهمة الناقد اليوم التفتيش عن كتابة نوعية تتخطى قواعد الاجناس الادبية .


 

لبنى شرارة صوت نسائي شعري مغترب يتسم بهدوء النبرة وينساب بخطى ثابتة في فضاء الشعر، تمتاز تجربتها الشعرية برصانة الموضوعات وبجمال المبنى اللغوي وبطاقته على إنتاج الدلالة من خلال دينامية التأويل التي تستبطن جملتها الشعرية التي نقلت من خلالها همومها وهموم الناس وقضاياهم من خلال صور شعرية معبرة عميقة ومكثفة، وتمكنت من تحقيق حضور متميز في المشهد الشعري الاغترابي العربي في الولايات المتحدة، من خلال إصدارها ديوانين ومشاركتها في فعاليات شعرية أقامتها مؤسسات ثقافية في المهجر، إلتقيتُها مؤخرا ً فكانت معها هذه الدردشة السريعة:

س: من هي لبنى شرارة بزي

- لبنانية من بلدة بنت جبيل الجنوبية. درست في مدارس بنت جبيل حتى تخرّجت من ثانويتها الرسمية. التحقت بجامعة بيروت العربية ودرست ادارة الاعمال، كما درّست في عدد من المدارس الخاصّة في بنت جبيل. هاجرت الى الولايات المتحدة والتحقت باحدى الجامعات فدرست فيها المحاسبة. وُلد حبّ القراءة والكتابة معي وكنت مدمنة على قراءة كل انواع الكتب، من شعر ورواية وقصّة وحتى المجلات والجرائد. تأثّرت في مرحلة الصبا بأسلوب الاديب الكبير جبران خليل جبران وبدا ذلك جليّاً في صياغة الموضوعات الانشائية التي كانت مدرّستي آنذاك الاستاذة سكنة شرارة، حفظها الله واطال عمرها، تطرحها علينا في مادة الانشاء العربي، لدرجة انها لقّبتني ب"جبران"، وكان موضوعي الذي يحظى بإعجابها دائما يُقرَأ امام طلاب الصف في كلّ مرة. ورغم انّي اخترت الاتجاه العلمي الذي كنت متفوّقة في شتى موادّه، في المرحلة الثانوية، الا انّ اسلوبي الادبيّ كان يحظى دائما بإعجاب اساتذة مادة اللغة العربية في كل سنوات دراستي الثانوية ومنهم الاستاذ السيد محي الدين فضل الله، الذي كان يشجّعني بإستمرار على الالتحاق بفرع من الفروع الادبية في الجامعة، ولكنّي لم استمع الى نصيحته، فاتّجاه بيتنا كان علميا محضا، اذ كان الفكر السائد عند الاهل ان الادب والشعر لا يُطعمان خبزا، كما يقال. تابعت نشاطي الادبي في الغربة، فكتبتُ الكثير من الخواطر والومضات والنصوص النثرية والسردية وتجارب في القصيدة، قبل ان ابدأ بالنشر في مواقع الكترونية رصينة مثل موقع"مشارف" الادبي العالمي، وهو موقع يديره اديب وناقد تونسي كبير له عشرات المؤلفات اسمه د. محمد صلاح بن عمر، وقد قام الدكتور محمد بترجمة بعض قصائدي الى اللغة الفرنسية، وهذا الموقع له فرع آخر باللغة الفرنسية وينشر فيه كبار الشعراء الناطقين باللغة الفرنسية من جميع انحاء العالم؛ لي ايضا صفحة مخصّصة لمنشوراتي في موقع "الحوار المتمدّن" ونشرت ايضا في موقع "الفكر الحرّ" وموقع "كتابات في الميزان"، وكلها مواقع الكترونية كما ذكرت. نشرت ايضا في الصحف الورقية المحليّة ومنها صدى الوطن واليمني الاميركي والرأي الحر. اشارك ايضا في مجموعات ادبية على صفحات الفيسبوك يقوم بالاشراف عليها ادباء وشعراء كبار وقد حصدت الكثير من شهادات التكريم والتميّز. اكتب الشعر الحر، وشعر الهايكو والتانكا والهايبون والسنريو، وهذه الاخيرة كلها اجناس ادبية يابانية، كما اكتب أيضاً القصة القصيرة جدّا.

اصدرتُ ديوانين، الاول"ابتسامة من رحم الالم" شعر حرّ، والثاني "حديث الفصول الاربعة" شعر هايكو. ولي مشاركة في مجموعة شعرية ستصدر قريبا يقوم باعدادها وترجمتها الى الفرنسية الناقد الدكتور محمد صلاح بن عمر، وقد اسماها "الشعر اقوى من الكوفيد"، يشترك فيها سبعة وستون شاعرا من جميع انحاء العالم، وستكون كلّ قصيدة فيها باللغتين العربية والفرنسية.

س: أصدرتم ديوانين شعريين ينتميان الى قصيدة النثر الحديثة كيف تنظرين الى مسيرة تجديد القصيدة العربية وكيف تنظرين الى مفهوم الشعرية وامتداداتها في فضاء التراث العربي؟

- تُعدّ الشعرية العربية موضوع جدل وذلك لتعدّد تعاريفها وتشابك معانيها. ويمكن القول بإختصار انّ الشعرية هي "قوانين الابداع الفنّي". وقد اسّس الشعرية العربية مجموعة من الادباء والشعراء وكان منهم الأصمعي، ابن سلام الجحمي، ابن معتز، والمرزوقي الذي اطلق مصطلح "عمود الشعر"، الذي اتّصف بإمتلاكه لمعايير الشكل الجميل، والصحّة والاعتدال من حيث شرف المعنى وصحّته واللفظ الجزيل والاستقامة وصدق الوصف والتقريب في التشبيه وترابط الاجزاء والتحامها في النظم والوزن ووجود القافية الشعرية. وقد نظر العرب القدماء الى الشعرية بوظيفتها التي تعبّر عن انتمائهم واحتياجاتهم على عكس الشعريات الحديثة التي تهتمّ بشكل الشعر وليس مضمونه.

فالشعر القديم لعب دورا مهما جدا في حياة العرب، حيث انهم عكسوا من خلاله صورة حقيقية دون تزويق او تشويه. اذ وثّق الشعر حياة العرب وما تحتويه من جماد وحيوان اضافة الى ذكر اسماء فرسانهم ومعاركهم وغيرها من الاحداث والمعلومات التاريخية، فأعتُبر سجلا مهمّا لحياة العرب قبل الاسلام ومصدرا موثوقا للمعلومات، حيث اعتمد علماء اللغة على هذا الشعر في وضع قواعد النحو والتأكّد من صحتها. تغيّر مفهوم الشعرية مع ظهور الشعر الحديث واتسع ولم يعد مقتصرا على بناء القصيدة الشكلي وضبط الايقاع الذي كان يقيد حرية الشاعر، في إختيار المفردات والعبارات التي تتلاءم وموضوع القصيدة. فزاد الخيال والتصوّرات وتنوّعت الاساليب. وتنوّع استخدام الاساليب البلاغية في القصيدة الواحدة وصار يلجأ الشاعر الى الترميز والتأمّلات في الحياة والكون وخلق الانسان والغاية من وجوده، وظهرت اتجاهات جديدة في القصيدة كالاتجاه السياسي، والقومي، والاتجاه الانساني والوطني والاجتماعي واختفت اتجاهات المديح والهجاء والفخر. انّ مفهوم الشعرية في الشعر العربي الحديث تعتمد على اسس جديدة تختلف عن اسس القصيدة الكلاسيكية، فالقصيدة الحديثة تُقاس جودتها بالوحدة المتماسكة اي صياغة القصيدة صياغة وحدة عضوية واحدة متسلسلة بحيث لو اسقط بيت واحد لاختلّت القصيدة ؛ كذلك يعتمد مفهوم الشعرية في عصرنا الحالي على قدرة الشاعر الابداعية في استخدام الرمزية وخلق الصور الشعرية الجديدة والمميزة والاخذ بعين الاعتبار ما تحتوي عليه من اساليب البديع والبيان، كالاستعارة والكناية والتشبيه والمجاز المرسل وغيرها من الاساليب اللغوية والتعبيرية البليغة. اذا فالشعرية الحديثة تختلف في قواعدها عن الشعرية القديمة، وحتى اذا القينا نظرة على تقييم الشعرية والبحث عن قواعدها واسسها في الشعر العمودي الحديث، اذا صحّت التسمية، فإننا نجد ان الرمزية والصور القوية تهيمن على تقييم مقدار شعرية القصيدة؛ اما انا فإني ارى ان هذه التطورات التي طرأت على القصيدة العربية في مسارها الطويل من العصر الجاهلي الى يومنا هي امور جيدة ولمصلحة الادب العربي وتاريخه، اذ أغنته بالتجارب والتنوّع ولم تتركه محصورا في قوقعة القصيدة العمودية وحسب، وهذا الامر قد فتح باب الترجمات على مصراعيه، وبالنتيجة فتح باب التبادل الثقافي والادبي والمعرفي، حيث انّ القصيدة الحديثة هي الوحيدة القابلة للترجمة الى اللغات الاخرى. وبفتح باب الترجمات وتحرر القصيدة من القيود العروضية، دخلت الى الشعر العربي اجناس ادبية جديدة كقصيدة الهايكو اليابانية على سبيل المثال.

س: كيف تنظرين الى الفوضى الحاصلة في المشهد الشعري خصوصا والأدبي عموما في ظل أزمة تجنيس النص الأدبي؟

- يتلخّص مفهوم الجنس الادبي في كونه مجموعة من الخصائص التي تحكم الممارسة الإبداعية. وقد نشأ الجنس الادبي على مرحلتين:

-المرحلة القديمة: التي بلغت ذروتها الكلاسيكية، حيث دعت الى فصل الانواع الادبية عن بعضها لينكفئ كلّ نوع ضمن اسوار مغلقة، لا يتراسل فيه مع غيره وهذا هو المذهب الشهير ب" نقاء الانواع".

- المرحلة الوصفية: التي ظهرت حديثا والتي تفترض إمكانية المزج بين الانواع لتوليد انواع جديدة. وهي المرحلة التي تميّزت بها الكتابات الحديثة، التي تعطي انفتاحا للنوع الادبي كي لا يبقى منغلقا على نفسه.

لذلك يمكننا القول إن الجنس الادبي الذي يزاوج بين أجناس متغايرة هو من ابرز منجزات الحداثة.

من هنا يمكننا القول أنّ مشكلة التجنيس بوصفها ظاهرة في التاريخ الادبي المعاصر، تبقى قائمة مع انتشار ظاهرة ما بعد الحداثة التي شكّلت خرقا واضحاً لكلّ معطيات الحداثة ولا سيّما التداخل بين الادبي واللغوي والثقافي، "لانّ ما بعد الحداثة صوّرت اختلاط الأجناس واختلاط النصوص واختلاط القرّاء والنصوص". انّ تشكّل الاجناس النظرية في مخيلة الناقد هي جزء مما يمكن تسميته بالمنطق البراغماتي للتجنيس. هذا المنطق يشكّل ظاهرة إبداع وتلقي نصية تختلف من ناقد إلى آخر.

فمهمّة الناقد اليوم هي التفتيش عن كتابة نوعية تتخطّى قواعد الاجناس الادبية بما فيها من صفة ادبية، إلى مرحلة العفوية التي يشكّل فيها الجنس الادبي نفسه بنفسه، حيث يتطلب الامر تكريس اعراف جديدة في قراءة النصوص.

ان حال المشهد الادبي وبالتحديد الشعري العربي مرتبط ارتباطا وثيقا بتطور الانسان والمجتمع الانساني، والانفتاح على الثقافات الاخرى غير العربية. وهذا ليس حال الادب او الشعر فقط، فهذا يشمل كل مجالات الحياة، العلمية، العقائدية، الفلسفية، الاجتماعية، النفسية...الخ

وما دام الادب، والشعر جزء منه، هو مرآة المجتمع الإنساني، فلا بدّ وان يتأثر بهذا الانفتاح والتوسع، حتى بتنا نشعر ان الفوضى قد دبّت في الساحة الادبية وكدنا نفقد السيطرة عليها. لكن يظل لكلّ جنس ادبي سمته التي تميّزه، وارى ان القارئ، حتى متوسط الثقافة، يستطيع تمييز النص الشعري عن غيره او اي جنس ادبي عن الآخر، ولا اعتقد ان هناك أزمة تجنيس حقيقية، صحيح أننا في عصر اجتهادات وهذا راجع الى العولمة والانفتاح وازدياد اعداد البشر واختلاف اساليب التفكير، لكن ما زلنا في حالة سيطرة على المشهد الادبي، وفي نهاية المطاف وان كثر الخلط فلا تصل الى يد القارئ الا المادة الجيدة شعرا او قصة او رواية، وبعد هذا المخاض لا بد من حدوث "غربلة" وولادة مرحلة ادبية واضحة المعالم.

س: كيف تقيمين المشهد الشعري العربي في الداخل والخارج؟

- على الرغم من الفوضى الحاصلة في المشهد الشعري العربي، والتراجع في وظيفة القصيدة وتراجع الرغبة في القراءة، الا ان الاقبال على الشعر وقراءته في داخل المجتمعات العربية ما زال بحالة جيدة، فرغم المسافة التي تفصلني عن المجتمع العربي فاني اراه بحال افضل بكثير من المشهد في الخارج. ومن خلال متابعتي على وسائل التواصل الاجتماعي ارى الكثير من المنتديات واللقاءات والامسيات والنشاطات الادبية والثقافية، وما لفت نظري هو الاهتمام الذي يحظى به الشعر والثقافة في دول المغرب العربي اكثر من غيره. هذا من ناحية الاقبال على الشعر وحركة المشهد الثقافي والادبي. من ناحية الكتابة ارى اقبالا كثيفا على الكتابة ومحاولات الكتابة اكثر من قبل، واعتقد ان سبب ذلك عائد الى حاجة الانسان في عصرنا الى التعبير عما يختلج في صدره من الحزن والفرح واستخراج مكنونات النفس التي تعاني من ضغوطات الحياة العصرية وما تتميز به من كثرة المتطلبات والمشاكل التي تنتشر في اصقاع الارض من امراض واوبئة وحروب ومشاكل سياسية واجتماعية وغيرها.

لكن مع هذا الاقبال على الكتابة تُطرح اشكالية التقييم والتجنيس، وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق النقّاد وذوي الاختصاص. فنحن بامسّ الحاجة الى النقد اكثر من اي وقت مضى، وهو للأسف شبه متغيّب عن الساحة الادبية داخل الوطن العربي عامة، وشبه معدوم في خارجه.

كما ان دور الجامعات مقصّر في ايصال الصورة الحقيقية للشعر وماهيته واسراره. اذ تقتصر دراسة الشعر على تقديم النصوص ودراسة جماليتها وخصائصها اللغوية. واقترح ان تُشكل ندوات او تقام معاهد للاهتمام بالشعراء الموهوبين والاخذ بايديهم الى شاطئ الأمان بدل تركهم يكتبون على سجيتهم دون تقييم او تقويم او اصلاح.

 

حاورتها إستبرق عزاوي – ديترويت

 

 

في المثقف اليوم