حوارات عامة

محمد حسين الداغستاني: يحاور الفنانة التشكيلية ندى عسكر

صناعة التأريخ عبر المنجز الابداعي

ليس جديدا على الفنان تناول الرموزالحضارية في اللوحات التشكيلية والأعمال الفنية الأخرى، لكن ما هو صائب وأكيد، أن توظيف المعلم الحضاري وتناول المدلولات الحضارية لتأكيد حقائق تلامس واقعنا الحالي والتعريف بمدى حاجتنا الجمّة لإستلهام تلك المدلولات في تعميق الوعي الشعبي ووضعه أمام الواقع الصادم الذي يقطر شجنا وأسى لما تعرض له الوطن من هجمات شرسة إستهدفت إفراغه من تراثه التأريخي العريق في مشاهد محزنة ومؤلمة، هو المهمة الأكثر إلحاحاً التي على الفنان التشكيلي العراقي أن ينهض بها بأسلوب إبداعي قادر على النفاذ الى الذاكرة الوجدانية والعقلية للمتلقي عبر مختلف الأنشطة والفعاليات، وحثه على المشاركة الواعية لإيقاف هذا النزيف الموجع.3720 ندى عسكر

ندى عسكر نجف فنانة كركوك التشكيلية المبدعة تصدّت بشجاعة لمتواليات الحزن العراقي، وعبرت عن رفضها القاطع لما آلت اليه ثروتنا الحضارية الوطنية فنظمت معرضاً مميزا في مساحة خاصة في المكتبة العامة بمدينة كركوك تحدثت فيه عبر لوحاتها عما يجري في الخفاء والعلن من تجاوز وإجحاف وسرقة‏ للبصمات التأريخية والحضارية لعراق الحضارات العريقة.

لقد إستقطبت لوحات ذلك  المعرض التشكيلي على إهتمام العديد من النقاد والمعنيين بشؤون الفن التشكيلي، فالمعرض ضم عدداً من اللوحات ألتي تناولت مظاهر ورموزاً للحضارات التي شهدتها بلاد الرافدين عبر تأريخها الموغل في العمق. فعن هذا الخيار الفريد للفنانة ندى أجريت معها هذا الحوار في محاولة  لتفسير أبعاده ومدلولاته الفكرية الوطنية والحضارية.

س١:  في مفهومك الشخصي ما الرسالة التي تودين إيصالها الى متلقي لوحاتك؟

ندى عسكر: هناك كثير من العراقيين قد لا يعرفون قيمة الآثار لبلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) فالآثار التي تذكرنا باعرق وأولى حضارات الدنيا التي سنت أقدم القوانين المؤسسة لمقومات الحياة الاجتماعية  ونسج الصلة الحية بين حضارة وأخرى كانت ولا تزال تضع وطننا العراق بأن يكون من أرقى بلدان العالم لأننا نملك الجينات الوراثية لأقدم حضارة في العالم، ولا شك في أنني أتألم لما نحن عليه الآن من تخلف وتراجع الى الوراء في كل مناحي الحياة وأتساءل: كيف كنا وكيف أصبحنا؟ ولماذا  العالم  يسبقنا في جميع مفردات حياتنا برغم ماعندنا من خيرات لا تُعد ولا تحصى حتى الشمس هي احدى اكبر خيراتنا، هذه هي رسالتي التي أود إيصالها من خلال لوحاتي.

س٢: في معرضك الأخير كان هناك تركيز رئيسي على الشواهد الحضارية الوطنية.. هل يعني هذا إنك تحاولين الإنفراد بهذا المضمون في كل لوحاتك القادمة ام تميلين للتنويع في مواضيع لوحاتك؟

ندى عسكر: نعم سانفرد بطرح حاجتنا الى تعميق الوعي الشعبي نحو حماية إرثنا الحضاري،  وأركز على الشواهد الحضارية الوطنية لأنها تمثل مسؤوليتي تجاه وطني ودوري كفنانة تحمل رسالة في المطالبة الملحة بإعادة كل ما فقد وسرق ونهب من أثار خالدة وعظيمة ذهبت الى بلاد غريبة عنها فمن المؤسف حقا أن تزهو متاحف العالم بمعالم حضارتنا سواءً في متحف اللوفر في فرنسا أو في متحف برلين في المانيا أو في متاحف تركيا وإيران وامريكا وغيرها. إني أتساءل كثيراً كيف وصلت اثار وطني الى هذه الدول؟ ويدهشني فعلاً عندما يعارضني احدهم في رأيي ويقول لي: (خليها في بلدانهم هم على الاقل يحافظون عليها) لكن هل من المعقول أن الدول التي سرقت آثار وطني تظل هي المستفيدة الوحيدة من قيمة هذه الثروات التي لا تقدر، ومن الموارد المالية اليومية التي تحصل عليها من خلال هذه التحف الثمينة؟  فلماذا لا تكون هذه الخيرات موجودة في بلدي لينعم بها شعبنا الفقير المظلوم الذي يتجرع شتى أشكال الجوع والحرمان ؟.ولماذا الدولة صامتة على هذه الجريمة؟  أجل ساتفرد بمطالباتي في كل معرض أقيمه أو حين أقابل المسؤولين في معارضي لعلي أُسمع صوتي وأشعر الآخرين بحرقة دمي لما فقده العراق من خيرات.3721 ندى عسكر

س٣: لا شك في ضرورة توظيف  احد الاساليب التي تجدينه الأكثر قدرة على ترجمة  افكارك. ما المدرسة الفنية الأقرب إليك في الرسم؟

ندى عسكر: المدرسة التي اتبعها في الرسم هي الرمزية الواقعية وفيها شئ من ملامح السريالية وأعتقد إنها الوسيلة الأكثر تعبيرآ عن رؤيتي في إيصال أفكاري وما أحمله من هموم للمتلقي، وهو لا شك سيفهم مضامين لوحاتي حسب ثقافته وتطلعه وإدراكه.

إنني أرى أن الفن التشكيلي يمتلك لغة عالمية لها عمومية الإنتماء العالمي وخصوصية الموطن المحلي،  فهو بهذا المفهوم وسيلة اتصال بين الشعوب وبين العصور،  وهو حلقة الوصل بين الفنون كلها، كما أنه المضمون الآسر والأداة والوسيلة، وهو الإنتاج الأكبر في الموروث الحضاري. ودوره يتجاوزالواقع وكذلك يرتقي على مهمة ابراز المظاهر الحضارية  فحسب إلى إغنائها بل وإغناء المنتج الحضاري نفسه كما َونوعاً.  تأسيساً على هذا المنطق فإن الفن ألتشكيلي هو الإنتماء الى العصور التاريخية القديمة  عندما كان الرسم وسيلة التعبيرعن الهواجس والوقائع والاحزان والأفراح.

س٤: لاحظت ميلك الى توظيف الألوان الداكنة في بعض لوحاتك، لابد لهذا الخيار من تفسير منطقي؟

ندى عسكر: الحقيقة أن الألوان الداكنة كانت مهيمنة على  لوحة كلكامش وقد رسمتها بالوان داكنة لأن موضوعها مؤلم وأفترض فيها عودة كلكامش ليرى نكسة الحضارات وهي تسقط في متتالية مؤلمة، الواحدة تلو الأخرى نتيجة الحروب والخراب الذى تعرضت لهما بلاد مابين النهرين..

س٥: تتنوع نتاجك الابداعي، وكما أعرف أنت مميزة  ايضاً في عالم النحت والخزف؟

ندى عسكر: الرسم هو اساس كل الفنون، فن النحت

والخزف والتصميم وكل الصناعات في الحياة يعتمد التصميم والرسم.. انا مثلاً نشطة في مجال رسم وتصميم  الأزياء والعباءات النسائية  ثم اخيطها بنفسي.. لكني لم أتخذه مصدراً للرزق رغم حث وتشجيع الكثيرمن الأهل والأصدقاء لاقناعي باحترف تصميم الازياء في دور الازياء، كذلك درست فن الخزف والنحت الفخاري في كلية الفنون الجميلة وهواختصاصي لاني أعشق الطين وتطويعه للتعبير عن أفكاري.

س٦: إذا أتتفقين مع من يرى ان للخزف والنحت رسالة فكرية مماثلة للوحة التشكيلية؟

ندى عسكر: طبعا، أكيد لهما رسالة فكرية ونتاج بصري جمالي بنفس الوقت. ففي الخزف والنحت الفخاري جداريات تحكي ملاحم تاريخية ذات مضامين فريدة،.. الخزف والنحت مدرجان في سجل تاريخ اجدادنا في كل مرحلة من المراحل الزمنية، لقد تعرفنا من خلال الخزف والنحت على طبيعة أزيائهم وعاداتهم وتقاليدهم واحتفالاتهم الدبنية ومعتقداتهم وقد ثبت ذلك خلال إكتشاف الألواح  الطينية المنحوتة.  نحن أيضاً من منطلق المسؤولية الوطنية التأريخية نقتفي آثار اولئك العظام  ونتطلع من خلال إعمالنا الفنية كلها ومنها الخزف والنحت أن  نؤرخ في كتاب اليوم  ونصنع تأريخا لحاضرنا  ليقرأه الجيل القادم من بعدنا ومن خلاله سيتعرف المستقبل على إنجازاتنا لخير البشرية.

***

حاورها: محمد حسين الداغستاني

في المثقف اليوم