حوارات عامة

آمال طرزان في حوار مع د. مصطفى محمود حول المرأة المثقفة

كانت برفقتي صديقتي "نور الهدى" عند انقطاع التيار الكهربائي فقالت لي: ما رأيك في أن نقضي فترة انقطاع التيار الكهربي في رحلة مع الدكتور مصطفى محمود. وبعد ثوان معدودة أصبحنا في إحدى الحدائق بالقاهرة حيث يجلس د. "مصطفى محمود" برفقة شاب تظهر عليه علامات الاكتئاب مستظلا بشجرة وقد وصلنا إليهما.

- السلام عليكم د. مصطفى محمود.

- د. مصطفى محمود: السلام عليكم يا ابنة الشرق ومرحبا بصديقتك، جئتِ في الوقت المناسب؛ فقد كنت في محادثة مع الأستاذ" محسن" ونود أن تشاركينا الحديث.

- يبدو لي أن الحديث يدور حول إيزيس وأوزوريس.

- د. مصطفى محمود: نعم فقد استمعت إلى الأستاذ محسن، وأود أن يردد لكما ما قاله لي وأستأذن لبضع دقائق.

- الأستاذ محسن: مرحبًا بكما كنت أتحدث مع د. مصطفى عما كنت أحلم به دائماً هو أن أتزوج من مثقفة جامعية.. تفهمني وأفهمها، وتشاركني كفاحي، وتقف إلى جواري في معركة الحياة..وقد تحقق هذا الحلم للأســف.. وشعرت ببؤسه وتسلل الحزن والوحدة إلى ضفاف روحه.

- نور الهدى: يبدو أن الحلم تحول إلى رحلة من الألم.

- الأستاذ محسن: نعم أستاذة "نور" وجدت إلى جواري امرأة من نوع غريب.. امرأة قضت أربع سنوات في كلية الآداب لتتعلم فناً واحداً.. وهو فن الانتصار على الرجل.إنها تتكلم في لباقة.. وتلبس شيـك.. وتلعب الجولف.. وتعزف على البيانو.. و تقرأ الكتب.. ولا يعجبها شيء في الدنيا.. إذا سألتها أين تذهب ومتى تعود.. مطت شفتيها وعاتبتني لأني لا أثق بها.(1)

- نور الهدي: أشعر من كلامك بأنها تتقن فنون الندية مع الرجل، فاستغلت لباقتها في هزيمتك، يبدو أن الأمر يعبر عن ابتعادها عن النهج الإلهي؛ لأنه من حقوق الزوج على زوجته أن يعرف إلى أين ستذهب وواجب على الزوجة الالتزام بالشريعة الإسلامية.

- الأستاذ محسن: لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد كنا في الصعيد ، وظلت تشكو حتى انتقلنا إلى القاهرة.. وهي الآن تشكو.. لأنها تريد السفر إلى أمريكا.. إنها تعسة دائماً.. طموحة لدرجة المرض. (2)

- نور الهدى: إن الطموح أستاذ محسن شعاع أمل ينير لك دربك فيما تصبو إليه، ولكن يبدو لي أنها تحيى بلا هدف ولا تعرف في أي اتجاه تسير.

- الأستاذ محسن: أخذت تطلب منى كل شيء لمجرد أنها تحمل دبلوم قسم إنجليزي من كلية الآداب ، وتعمل نصف يوم كما يعمل الرجل..ومع هذا فهي أول كل شهر تتحول فجأة إلى ست بيت وتنتظر الإنفاق عليها.

- نور الهدي: أستاذ "محسن" مصروفات البيت واجبة على الزوج بحكم مسؤوليته قال النبي صلّ الله عليه وسلم:" والرجل راع على أهل بيته ومسئول عنهم" وأن أعظم أبواب النفقة أجرًا هو الإنفاق على الأهل بالمعروف وعلى قدر حاجاتهم. وعلى الزوج أن يعتمد على نفسه في القيام بأعباء أسرته المعيشية كلها، فلا ينبغي له أن يضع أموال زوجته في خطة إنفاقه، سواء كانت أموالها معها وقت زواجها أو حصلت عليها بعد الزواج من عمل أو أرث أو هدايا، إلا إذا شاركت هي عن طيب نفس منها ورضا في تحمل بعض الأعباء وتخفيفها عن كاهل زوجها.(2)

هذا من حيث الشرع فالزوجة الخلوق هي من تعين زوجها وتشاركه تحمل جزء من أعباء الحياة خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبذلك تقوى أواصر المودة بينهما.

- وفي أثناء حديث "نور" مع الأستاذ محسن جاء "د. مصطفى محمود" جلس على المنضدة مستمعاً لحديث الأستاذ محسن.

- الأستاذ محسن: لم أرغب في الحصول على راتبها؛ ولكن أردت أن أوضح جانباً من شخصيتها؛ خاصة وأن عملها ترتب عليه أن أصبح بيتنا فوضى برغم من وجود طباخ وخادمة، بالإضافة إلى أمي التي تعمل كخادمة ودادة للأطفال.. وأمي الآن عجوز بلغت السن التي يجب فيها أن تستريح. ومع هذا أجد أحياناً مناظر أتألم لها من قلبي.. أجد أمي و على حجرها طفلان.. والمدام ممددة على الفراش بعد عودتها من العمل، وفي يدها جريدة فرنسية. لقد بدأت أعتقد أن زوجتي شقيَّة معذَبة.إنها لا تعرف ماذا تفعل بنفسها أو بثقافتها أو.. بي. وهي أيضاً لا تعرف معنى الثقافة. ولكن ما ذنبي أنــا؟ وما الحــل..؟(1)

- نظرت إلى دكتور مصطفى محمود وعيني متسائلة ما الحل؟

- د. مصطفى محمود: إن ذنبك هو ذنب الملايين من الرجال و النساء.. وذنب الجيل التعس الذي يتغير بسرعة ويتلقى الهزة العنيفة التي تتلقاها عربات الترام حينما تندفع القاطرة فجأة دون تدرج إلى الأمام..المرأة العصرية أمام وهج الثقافة والحرية الفجائية.. أصبحت مهزوزة موزعة الرغبة لا تعرف ماذا تريد.. ولهذا تندفع في عدة طرق في وقت واحد.. إنها تريد السفر و التجول حول العالم.... وتريد المغامرة.. مجرد المغامرة.. و تَكفُر بالقديم لمجرد أنه قديم.. و تهلل للجديد لمجرد أنه جديد.. وتطلب ألف شيء ولا تقدم في مقابله شيئاً واحداً.. إن إحساسها بحقوقها أكثر من إحساسها بواجباتها. إحساسها بحريتها أكثر من إحساسها بمسئوليتها. لأنها تمر بتجربة جديدة.. إنها تخرج لأول مرة من القفص.. فلا تفكر في شيء إلا في التصفيق بجناحيها والطيران في الجهات الأربع..والحل هو الصدام..ليس هناك مفر من الصدام بينكما.. عامل زوجتك المثقفة على أنها غير مثقفة.. وعلمها بالشدة و الحزم إن معنى الثقافة هو المسئولية. نظر إليَّ "د. مصطفى محمود" قائلًا: أريد سماع موقف ابنة الشرق حول مشكلة الأستاذ "محسن". (1)

- وأتوقع ما يزعجك من زوجتك أستاذ "محسن" كونها مشاكسة وليست مستنيرة. مهملة لا تتحمل المسئولية ضالة الطريق لا تعلم أهمية ترتيب الأولويات، وأنه من المهم أن تضع نصب أعينها رعاية أسرتها. لذلك أتفق مع "د. مصطفى محمود" في أن مثل حالة زوجتك تحتاج المرأة أن تعلمها بالشدة والحزم وتعرفها أن معنى الثقافة يكمن في تحمل المسئولية، إلا أنه يؤخذ عليك أنك لم توضح لها منذ بدء الارتباط بضرورة الالتزام بواجباتها تجاهك وتجاه أسرتها؛ بسبب فرحتك بكونها مثقفة ولم تدرك أن نجاح أية علاقة قائمة على الوضوح وتحديد المسئوليات بمعرفة كلا الزوجين ما عليه من واجبات وما له من حقوق.

ولكنني "د. مصطفى" أرفض وصفك للمرأة العصرية بأنها لا تعرف ماذا تريد...، هذا الوصف به تعميم على المرأة العصرية عامة، وهو يعد من أكثر أخطاء التفكير شيوعا؛ فليس لكون زوجة الأستاذ "محسن" لا تقدر الحياة الزوجية أن كافة النساء العصريات كذلك، فليس لكون زوج خان زوجته أن كل الرجال خائنون، وليس لكون رجل يذل زوجته ويقهرها أن كل الرجال ظالمون، وحتى يصبح الكلام واقعياً من الأفضل تخصيص القول: بأن أغلب أو بعض النساء العصريات لا تعرف ماذا تريد وفقًا لأطروحتك.

وبالتالي فإن قولك إن المرأة تخرج لأول مرة من القفص.. فلا تفكر في شيء إلا في التصفيق بجناحيها والطيران في الجهات الأربع، لا ينطبق على كافة النساء، وإنما يرجع إلى طبيعية الشخصية والتنشئة الاجتماعية، فهناك نماذج مشرقة من المرأة العصرية المثقفة قادرة على تحقيق التوازن بين الحياة العملية في المجال العام والحياة الأسرية في المجال الخاص، بل والتوفيق بين مختلف جوانب حياتها؛ لأنها تملك مهارات التخطيط والتنظيم. كما أن وعيها بمجريات الحياة سينعكس بشكل إيجابي على تربية أبنائها تربية صالحة؛ فتستطيع أن تستثمر ثقافتها في البحث عن تعلم أساليب التربية الحديثة لتربيتهم وفقًا للتعاليم الدينية الصحيح وقيمنا وعاداتنا الشرقية في ظل الانفتاح على الثقافة الغربية، مع توجيهم إلى ضرورة اكتساب مهارات العصر الحديث، وهذا يستلزم أن يرافقها ويشاركها زوجها في تحمل المسئولية العائلية. وفي حال شعور المرأة العصرية المثقفة أن عملها خارج أسوار مملكتها يهدد بضياع أسرتها؛ حينها ستختار أسرتها أو العمل جزءًا من الوقت.

- د. مصطفى محمود: وإن كنت أرى أن الله قد اختار المرأة للبيت والرجل للشارع؛ لأنه عهد إلى الرجل أمانة التعمير والبناء والإنشاء، بينما عهد إلى المرأة أمانة أكبر وأعظم هي تنشئة الإنسان نفسه.. وإنه من الأعظم لشأن المرأة أن تؤتمن على هذه الأمانة.. فهل ظلم الإسلام النساء يا ابنة الشرق؟ وفجأة عاد التيار الكهربي.

- فهمست نور قائلةً: بعد رحلتنا اليوم مع د. مصطفى محمود سأذهب لإعداد فنجانين من الشاي وظل التساؤل يتردد صداه على مسامعي هل ظلم الإسلام النساء؟!.

***

د. آمال طرزان متخصص في الحركة النسوية

...................

(1) مصطفى محمود: 55 مشكلة حب، ط7 ، دار المعارف، القاهرة، ص7- 8- 9.

(2) دار الإفتاء المصرية: دليل الأسرة من أجل حياة مستقرة، تقديم عمر مروان، 2022 ،ص73- 75.

 

في المثقف اليوم