تقارير وتحقيقات

الدكتور حاتم الصكر يلقي محاضرة في أبو ظبي

المصادف 23/02 / 2010، وفي بداية الأمسية رحب الشاعر والناقد العراقي ذياب شاهين بالدكتور الضيف باسم الجماعة ثم قرأ شيئا من سيرته الذاتية  ثم قرأ ورقة بعنوان"حاتم الصكر، اقتراحات في الكتابة الجديدة لخص فيها جوانب من  رؤية د. حاتم الصكر النقدية قائلا :-

(في كتابه الجديد يختار الأستاذ الدكتور حاتم الصكر عنوانا شعريا ليكون عتبة وثريا لكتاب نقدي مهم ومعاصر، ويباغتنا حاتم الصكر حينما يقول :- (الناقد قابلة النص لا والده، لكنه قد يكون أكثر حنوا منه عليه). وهذا في واقع الحال كلام خطير لأنه يشي بمسؤولية الناقد وبالتالي القارئ اتجاه نصوص الآخرين، وقد تمثل هذه المقولة حقا  الحقيقة الغائبة حتى عن قسم من الشعراء، فمن يخلق النصوص ويبدعها هم الأدباء فعلا ولكن الذين يرعون النصوص حتى تكبر وتنمو وتترعرع هم القراء والنقاد حصرا ونص لا يقرأه أحد نص ميت لا محالة ويمكن القول اعتمادا على هذه المقولة إن النص عندما يكون له الكثير من القراء سيكون نصا كبيرا  والعكس صحيح أيضا.

يرى الأستاذ حاتم الصكر بضرورة مراجعة لحظة الحداثة الأولى متمثلة بقصيدة الشعر الحر وكذلك لابد من قراءة لحظة الحداثة الثانية متمثلة بقصيدة النثر، ثم يتساءل عما تبقى من حداثة الرواد، وما تبقى من خطابهم الذي قعد لتلك الثلمة والاختراق الأولي في جدار الشعرية التقليدية ممثلة بقصيدة العمود التقليدية، وبالرغم من أن نازك هي أول من قعد لهذا الخطاب ونمطه في كتابها المهم(في قضايا الشعر المعاصر)، إلا أنها يبدو كانت خائفة مما سيلحق الشعرية العربية من ضرر لنجدها تدعو للحذر من هذا المولود الجديد حتى اعتبر البعض انها ارتدت عما بشرت به وخصوصا بعد انتقادها الشديد للنماذج التي بدأت تظهر من  قصيدة النثر،

إن لحظة الحداثة عند الأستاذ حاتم الصكر قديمة وتشاكل الخط المستقيم (ومثلما الخط عند الصوفيين)، يتجمع من نقاط، فإن الاختراقات الصغرى والكبرى وكذلك الخروجات والتمردات وغيرها هي التي تمثل النقاط في خطاب الحداثة الشعري، وبالتالي فأهمية المراجعة لا تتأتى من زمنية هذا الخطاب وتنوعه في الأراجيز والمعلقات في مستويات الأسلوبية والشكلية فقط بل لأنه ذو فاعلية حياتية يستوعب ما ينبجس في الداخل (الذات) وينطلق نحو الخارج (الآخر) الحياتي والشخصي وكأنه يمثل جزءا من آليات الدفاع الغريزي عن الوجود.

 

إن لحظة الحداثة كانت تستوجب ثالوثا من الأركان أو المزايا تمثل في انفتاح الرواد الشعراء (نازك والسياب وبلند والبياتي) على نص الآخر وقراءته بلغته الأم، والافتراق عن الموروث التراثي والمعاصر لا عن شعور بعقدة النقص أو القصور عن مجاراته ولكن عن وعي تام بتغير العصر ومتطلباته، وتغير ايقاع الحياة العربية بعد الحرب الكونية الثانية فضلا عن العمق الثقافي لمجموعة الرواد الذي تميز باطلاعهم على المنجز الشعري الغربي الحديث واستيعابهم للتراث الشعري نظريا وتطبيقيا.

 

ولكننا الان نتساءل أين هي قصيدة الشعر الحر أو التفعيلة بعد ستين عاما من ولادتها أمام الزائر العنيد والشرس قصيدة النثر.

 

قصيدة النثر

يرى الأستاذ حاتم الصكر أن لحظة الحداثة الثانية تمثلت في قصيدة النثر، ورغم الخرق والثلمة التي أحدثته قصيدة التفعيلة من كسر للعمود وتنوع في القوافي واختلاف في طول الأشطر على مستوى التفعيلة إلا أن حال قصيدة النثر لم يكن حالها بأحسن من سابقتها من ناحية التشكك بقدراتها وعدم استقبالها والخوف منها، وحتى رفضها.

ومن أسباب رفض هذه القصيدة كما يراها الأستاذ حاتم الصكر، هو ما صاحبها من تصورات مغلوطة وسوء فهم من قبل الجمهور، وهو مرتبط بما أسر به روادها من حيث المرجعية والصلة بالشعرية العربية، وكذذلك الأشكال الغربية،فضلا عن غياب منظور القراءة المناسبة لها بوصفها نوعا جديدا، وظلت أسيرة للاجراءات القرائية المرتبطة بالانواع الشعرية السابقة لها،

إن قصيدة النثر(حسب الصكر) تستوجب قارئا آخرا مغايرا ومخالفا للسائد، يقترب منها يتلمس قوانينها ومناقشة مشكلاتها سواء على مستوى التوصيل أو على مستى الكتابة الفنية، إ قصيدة رؤيا تستعين بالسرد تحكمها الفوضى الظاهرية ولكن حسب نظام صارم،وهي بدون وزن وبدون تقفية ولكن تحكمها التقاطعات والتكرارات، وكذلك نجد فيها تناصات وفراغات وغيرها من أساليب الوصل والقطع،

من هنا يتوصل الأستاذ حاتم الصكر إلى حقيقة أن قراءة هذه القصيدة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة، وهو يرى ألا داعي لهدر دمها بل هي مولود من حقه أن يعيش مع بقية الأنواع الأخرى من فنون القول الشعري بالرغم من اعتقاده أن زمن المستقبل الشعري غير مرتهن بها بل هي مجس ضمن مجسات الحداثة التي يمكن مراقبة سيرورة الشعر من خلالها.)

 

بعد ذلك ابتدأ د.حاتم الصكر أمسيته بحضورأعضاء جماعة الأدب وأصدقائهم وهم من الأدباء العرب المقيمين في دولة الامارات العربية وبحضور الشاعر الاماراتي سالم بوجمهور، حيث شكر الصكر الجماعة لدعوتهم له وقال أيضا إن ورقة الشاعر ذياب شاهين وقعت على المفاصل المهمة لرؤيته النقدية في إصداره الجديد( في غيبوبة الذكرى.دراسات في قصيدة الحداثة)، ثم شرح للحضور سبب اختياره لعتبة إصداره وهي عتبة شعرية لكتاب نقدي وقال إنه قد استعارها من أحد نصوص الشاعر العراقي القتيل محمود البريكان التي يقول فيها:

تحتضر الطيور في أوكارها

تنطرح الوحوش في الكهوف

تنكفئ الثعالب الشمطاء في الأوجار

تنجذب الأفيال

إلى مكان صامت في آخر الغابة

مزدحم بالعاج والهياكل

حيث تموت موتها

ووحده يموت في داخله الانسان

في العالم الباطن

في مركز السريرة الساكن

في غيبوبة الذكرى

ثم بعد ذلك تطرق إلى متن الكتاب مشيرا إلى وجود مشكلتين أساسيتين حاول أن يلقي عليهماالضوء الأولى ترتبط بالتلقي وسماها مشكلة التلقي والثانية ترتبط بما يكتب عن الشعر، وقال إنه مستغرب من وجود كلمة تحريم بحق القصيدة الحديثة وكتابه يمثل دفاعا عن قصيدة الحداثة سواء مما يندرج تحت الشعر الحر أو أو قصيدة النثر، وهو يقترح مقتربات لقراءة قصيدة النثر منها السرد وأشار بذلك إلى كتابه مرايا نرسيس وكيف تابع السرد فيه وقال إن السرد يخلص القصيدة من الغنائية، وكذلك وجود تنافذ بينها وبين الفنون المجاورة كالرسم والسيما ووجدأن شعرية النص بدأت تخضع لهذه المؤشرات، ثم قال  إن القصة القصيرة جدا هي عبارة عن تلاقح بين تقنية اللمحة وقصيدة الهايكو ويمكن اعتبارها قصيدة نثر، ثم تطرق لأجزاء الكتاب حيث قال إنه درس قصيدة الحدث في نصوص شعراء مهمين منهم محمود درويش وأدونيس وسعدي يوسف، ويقول إن نص أدونيس ينبثق من رؤية جحيمية تحاول تصوير المشهد وهي تطير فوقه دون أن تتقيد بحدوده ويستشهد بهذا النص:-

الجحيم.إله جسد من حديد

 وعينان جرثومتان

أبجدية هول

والطريق إلى موتنا ترجمان

ثم تكلم حات الصكر عن قصيدة السيرة، وقال بوجوب أن تقرأ السيرة الذاتية قراءة مطابقة  عكس الشعر الذي يجب أ ن تقرأ في السيرة قراءة مماثلة، واستشهد بدرويش أيضا لكنه أقر بأن الشعر لا يمكنه أن يستوعب السيرة عكس السرد وذلك لما ينطوي عليه الشعر من قوانين كابحة تقلص حرية الشاعر كالوزن والايقاع والتكثيف وغيرها.

ثم تكلم عن قصيدة المنفى  وأشار إلى القصيدة المهجرية عند روادها الأوائل، ويحاول الصكر أن يجد ملمحا فلسفيا للغربة والاغتراب، حيث يتشقق المكان لديه إلى أمكنة عديدة ويحدث الصراع بين هذه الأمكنة لدى الشاعربين مكان مهجور جسديا ولكنه مطلوب شعوريا وعاطفيا ومكان مسكون ومستقر فيهلكنه معاد ومعاكس للحلم القديم، ويستشهد الصكر بشعراء من مثل أمين الريحاني وبلند الحيدري وسركون بولص.

ثم تكلم عن الشعر السياسي والشعر الوطني وتكلم عن رموز هذاانوع من الشعر من مثل مظفر النواب وأحمد فؤاد نجم، وكذلك عن السياب أيامحزبيته والبياتي وغيرهم، كذلك حول الصكر أن يفر بين الشعر والقصيدة حيث يرى أن الشعر كيان ثابث والقصيدة واجهة متقدمة له، ويجد أن القصيدة للقاءة والشعر للانشاد، ولمح أن التغير يحدث في القصيدة أولا لتضيف لكيان الشعر الكبير.ثم تكلم عن قصيدة النثر وبلبلة المسمياتوكذلك عنها وعن حجاب التلقي حيث قال إن أول من تنبه إليه هو جبرا ابراهيم جبراالذي قال بوجوب حجاب بيننا وبين وعينا.

في نهاية المحاضرة جرى حوارا مفتوحا ووجهت أسئلة مهمة للسيد المحاضر من قبل الأدباء الحضور وقد أجاب عن الأسئلة كافة وامتدت المحاضرة حتى الحادية عشرة ليلا.

أصداء المحاضرة في الصحافة

كتب السيد محمد ثابت مراسل صحيفة الخليج تحت عنوان حاتم الصكر يعاين خريطة الشعرية العربية الحديثة قائلا:-

أحيت جماعة الأدب في اتحاد أدباء وكتّاب الإمارات في فرع أبوظبي أمسية ثقافية نقدية استضافت فيها الناقد العراقي حاتم الصكر وقدم للأمسية الشاعر العراقي ذياب شاهين حيث عرض أبرز أفكار الصكر النقدية، وبخاصة ما ضمنها كتابه الأخير “في غيبوبة الذكرى” دراسات في قصيدة الحداثة، الصادرة عن كتاب مجلة دبي الثقافية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي .

 

تحدث د . الصكر حول أزمة شعر وتطور اليوم في ظل أزمة قلة المقروء من الكتب في الوطن العربي، بوجه عام، أما ثاني الأزمات التي عرض لها فهي أزمة الشعر الحداثي نفسه حتى الأربعينات من القرن الماضي .

 

وتناول الصكر هذه القضية بالتفصيل في كتاب سابق له، مشيراً إلى قصيدة الحداثة وما يرهقها من سرد شعري، وهيمنة الذات التي ازدهرت في ظل شعر المهجر، وخضوع الكثير من تلك القصائد لسطوة تسميات الشوارع وغيرها من المفردات الحياتية، مروراً بتجربة الشاعر الراحل محمود درويش، في السيرة شبه الذاتية التي ضمنها كتابه “لماذا تركت الحصان وحيداً؟” .

 

ثم تطرق الصكر لكون الناقد بمثابة قابلة للنص الأدبي لا والده، ولكنه قد يكون أكثر حنواً عليه من والده، ثم تناول مصطلح، قصيدة النثر، في ظل ما سماه بلحظة الحداثة الثانية اليوم، وأرجع المصطلح لأدونيس فيما أراد أن يعبر عن اجتذاب تقنيات نثرية بمنهجية شعرية، ثم دلف الصكر لتقليدية الكثير من قصائد النثر اليوم في مقابل قصائد أخرى تقدم حلولاً لتلك الحالة، وفي مواجهة تقليدية الكثير من الشعر العمودي أيضاً، ودلل على ذلك بقصيدة درويش في استشهاد محمد الدرة، ثم تطرق لقصيدة المنفى الجديدة كأحد روافد تجديد الشعر الجديدة . . بما تحتويه هذه الظاهرة من وجهة نظره من غربة وفقر “وإن كان هناك شعراء سياسيون فهموا اللعبة فهماً جديداً”، وعاب الصكر مفهوم الناقد السعودي عبدالله الغذامي للحداثة وحصرها داخل النسق، وفي النهاية تعرض المحاضر لنماذج من الشعر تؤكد آراءه بداية من بدر شاكر السياب في “مدينة بلا مطر”، و”قال قلبي” للشابي، وقصيدة “غياب الشاشة” لمحمود البريكان، و”مخبز في الناصرية” لعقيل علي .

 

وفي مداخلات للحضور أكد الصكر أن مصطلح قصيدة النثر يمثل أحد الأخطاء المعرفية السائدة، وعن معايير قصيدة النثر قال انها تعود لنتاج النص بحيث تكون الذات هي التي توجه خطابه وتقوده .

أبو ظبي

ذياب شاهين

‏26‏ شباط‏، 10

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1329 الجمعة 26/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم