تقارير وتحقيقات

مكتبة مكة المكرمة

محمد فتحي عبدالعالوُلِـدَ الـهُـدى فَــــالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَـمُ الـزَمـــــــانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ

لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَــــــراءُ

بهذه الأبيات التي كتبها أمير الشعراء تترقرق عيوننا بدموع المحبة للرحمة المهداة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن من منا يعلم الأثر الباقي ليومنا هذا ويخلد ذكرى مولده الشريف.

مكتبة مكة! :

قد يمر الكثيرون بهذا المكان دون أن يعرفوا تاريخه- مكتبة مكة المكرمة - ففي هذه البقعة الشريفة ولد المصطفى صلى الله عليه وسلم عام 571م وكان موضع المكتبة في الماضي جزء من شعب بني هاشم تحيط به المنازل والأسواق قديما وقد كان في بدايته دارا لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم وقد قسمها بين أبنائه وشهدت شطرا كبيرا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم آلت إلى عقيل بن أبي طالب مع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وظلت في حوزة عقيل وعقبه من بعده ويقال أن عقيل باعها قبل فتح مكة وكان كافرا والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم في بيته هذا عند فتح مكة وأقام ببطحاء مكة فعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما أنه قال: يا رسول الله! أتنزل في دارك بمكة؟ فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟.

وظلت ملكية البيت تنتقل من شخص لآخر إلى أن اشتراها محمد بن يوسف الثقفي وهو أخو الحجاج بن يوسف فادخلها في داره الشهيرة المعروفة في التاريخ بدار ابن يوسف أو البيضاء فلم يزل هذا البيت في هذه الدار حتى كانت زيارة الخيرزان أم الخليفة هارون الرشيد الشهيرة لمكة فأمرت بشراء هذا البيت الذي شهد مولد المصطفى وتكريمه واخراجه من دار ابن يوسف وإقامة مسجد عليه لتكون أول من جعله مسجدا وجعلته مطلا على الزقاق الذي عرف بزقاق المولد.

1380 مكتبة مكةوصف البيت القديم ومحاولات اعماره:

كان البيت في شكله القديم كما وصفه تقي الدين الفاسي في كتابه "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" يتكون من بيت مربع فيه إسطوانه عليها عقدان، وفي ركنه الغربي زاوية كبيرة، وفيه عشرة شبابيك، وفيه محراب، وبقرب المحراب حفرة عليها درابزين من خشب وفي وسط الحفرة رخامة خضراء وكانت هذه الرخامة مطوقة بالفضة في إشارة إلى الموضع الذي ولد فيه الرسول.

حظي البيت أو المسجد بعناية خاصة لدى الخلفاء والسلاطين فقد جدده الخليفة العباسي الناصر وبني عليه قبة كما جدده المظفر صاحب اليمن وخلال العهد المملوكي تم تجديده عدة مرات على يد السلطان الأشرف شعبان والسلطان فرج برقوق والأمير شيخون المملوكي. وفي العهد العثماني شهد هذا المكان الكريم عدة تعميرات منها ما قام به السلطان سليمان القانوني حيث أمر ببناء قبة فوق بيت المولد وأرسل ثلاث ثريات لتضاء إحداها في ذلك البيت والأخريات في الكعبة المشرفة , ولكن التعمير الأكبر له حدث على يد السلطان محمد الثالث. فقد بنى في أعلاه قبة عظيمة ومئذنة وجعل له إماما ومؤذنا وخادما كما قام محمد علي باشا والي مصر بتعمير آخر لهذا البناء الشريف.

طقوس المولد النبوي:

كانت دار المولد أو المسجد مكانا للأحتفال بالمولد النبوي الشريف ويذكر ابن جبير الرحالة الشهير أن المسلمين كانوا يحرصون على زيارة مولد النبي وهو المسجد الذي لم ير أحفل بناء منه وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول وكان يوم مشهود بمكة دائما ويعتبر السلطان مصطفى الثاني، أول من بدأ تقليد قراءة المولد كل سنة في مكة، ففي ليلة المولد النبوي الشريف كان الناس يذهبون عقب صلاة العشاء لمسجد المولد حاملين الشموع، متجهين بالدعاء.

بناء المكتبة:

وفي العصر الحديث كان البناء قد تهدم فأستأذن الشيخ عباس القطان أحد أعيان مكة المكرمة في إقامة مكتبة من ماله الخاص في هذا الموضع تخليدا لذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان الشيخ عباس يشرف على الإنشاء بنفسه، وتوفي أثناء تشييد المبنى، فأتمه أبناؤه، ونقلوا إلى المبنى مكتبة الشيخ محمد ماجد الكردي - أحد مديري المعارف العام والمعروفة باسم (المكتبة الماجدية) .

وصف المكتبة:

تتكون المكتبة من دورين مستطيلين وللمبنى ثلاث واجهات الرئيسية منها من الناحية الغربية مواجهة للحرم الشريف ويحتوي المبنى على أربع غرف مربعة الشكل يتوسطها قاعة كبيرة والدور الثاني على نفس نسق الدور الأول وقد احتفظ البناء الحالي للمكتبة بأسس البناء القديم الذي يعود للقرن العاشر الهجري

تحتوي المكتبة على كثير من المكتبات الخاصة بالمشاهير من أعلام المكيين وتختص بالفقه والتفسير والحديث واللغة.

 

د. محمد فتحي عبد العال

 

في المثقف اليوم