تقارير وتحقيقات

رواية ''بحر الصمت'' للروائية ياسمينة صالح: موضوع دراسة جامعية بالقاهرة

و قد أشرف على البحث الناقد الكبير صلاح فضل نالت عليه الباحثة الجزائرية درجة امتياز. 

 

مقدمة وفصلين و خاتمة:

تبدأ الباحثة دراستها بكلمة شكر مقتضبة،ثم تلج إلى المقدمة و تبين فيها أن الهدف من دراستها لرواية "بحر الصمت" الحائزة على جائزة مالك حداد للعام 2001 هو "معالجة أهم عنصرين بنائيين في البناء الكلي للرواية". باعتبار أن الرواية -في المقام الأول- كما تقول:" فناً زمنياً يتشابه مع الموسيقى في بعض تكويناته". وقد وزعت الدراسة على فصلين وخاتمة،  و عنونت الفصل الأول بـ "تقنيات التشكيل الزمني"وانتظم ثلاثة مباحث، الأول بعنوان "زمن السرد.. معطيات نظرية"،وفيه تطرقت الباحثة إلى إشكالية الزمن في الرواية محل البحث، مُحَاوِلَةً الإمساك بخيوط التشابك الزمني، الذي قدمته الكاتبة في روايتها،أما المبحث الثاني فعنون "تقنيتا المفارقة الزمنية" وتدرس فيه الباحثة النسق الزمني في الرواية،بينما عنونت المبحث الثالث بـ "تقنيات الإيقاع الزمني" وتدرس الباحثة مقولة الديمومة،أو الإيقاع بتقنياتها الأربع : المشهد والوقفة، لتبطئة السرد، والحذف والخلاصة لتسريع زمن الخطاب. وتكمن أهمية هذه الدراسة –  برأي الباحثة ـ في أنها تسعى للبحث عن "القرائن الدالة على اشتغال عنصر الزمن في هذه الرواية"،ثم البحث عن "خصوصية المكان" الذي اختارته الروائية ياسمينة صالح كحيز تجري فيه الأحداث، و"دلالة هذا الحيز المكاني"، بالاعتماد على "تطبيق معطيات المنهج البنائي"،للوقوف على كيفية "استفادة الكاتبة من تقنيات السرد الحديثة في تشكيل نصها".مؤكدة أن هذا البحث هو "أول دراسة لها..باعتبار أن الرواية تمثل نقلة نوعية في مسيرة الكاتبة، بانتقالها من كتابة القصة إلى كتابة الرواية". الفصل الثاني من الدراسة أتى عنوانه بـ "التشكيل المكاني" بمبحث عنون بـ "خصوصية المكان ودلالته" فالمكان –برأي الباحثة- ليس مجرد "وصف هندسي يحدده الروائي كإطار تجري فيه الأحداث"،إنما هو "كائن ينمو مع الشخصية ويؤثر فيها". وقد تناولت الباحثة دراسة المكان وفق مفهومي "الانفتاح والانغلاق وخصوصية كل منهما ودلالته".وتأتي الخاتمة لتلخص أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج.

 

الفصل الأول: "تقنيات التشكيل الزمني" مقولة الزمن!

يعتبر الزمان "ظاهرة حقيقية" أدركها الإنسان منذ القدم،و تشير الباحثة إلى أن الاهتمام بالزمن في الرواية أدى إلى تمييز الشكلانين بين المتن الحكائي (الحكاية)، والمبنى الحكائي (الحبكة) وهما مختلفان من حيث أن الكاتب "لا يرتب الأحداث وفق نسقها الزمني في المتن الحكائي،بل يعبر عن رؤيته لما يحكي بخلق زمنه الخاص". وتقسم الباحثة الأزمنة إلى قسمين :أزمنة داخلية و أزمنة خارجية،وتعرف النوع الأول بأنه"الفترة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية، مدة الرواية، ترتيب الأحداث، تزامن الأحداث، تتابع الفصول..."،والأزمنة الداخلية  ثلاثة أنواع هي:

1- زمن الحكاية أو المغامرة: وهو الزمن الخاص بالأحداث والوقائع المروية من ماضي لحاضر فمستقبل.

2- زمن الكتابة:   ويتعلق بالمدة الزمنية التي يتطلبها "فعل سرد الأحداث".

3- زمن القراءة: وما يميز هذا الزمن أنه "ذو اتجاه واحد يحدد إدراكنا لمجموع أحداث النص المسرود".

أما الأزمنة الخارجية فهي التي تقيم "علاقة" مع النص التخييلي وهي :"زمن الكاتب- زمن القارئ-الزمن التاريخي".

 

إشكالية الزمن في "بحر الصمت":

تمثل "بحر الصمت" –برأي الباحثة-  جزءاً من "إشكالية زمنية تتأرجح بين حاضر وماضي ومستقبل"،لأن الروائية تنطلق من لحظة "حاضرة تشكل بداية الزمن الحاضر زمن كتابة سطور الرواية، لتجعل من الذاكرة إطاراً مرجعياً، يتحول من خلاله الزمن ويتأرجح ويتداخل ...راسماً خطوط المفارقة الزمنية الكبرى"،هذا الامتداد الزمني للحكاية يقابله "قصر زمن الخطاب الذي تدور أحداثه في ليلة واحدة"،والسارد يعتني بالمزج بين"استعادة الأحداث عن طريق الاسترجاع وإعادة تقديمها في صيغة المضارع، حتى يوهم قارئه بواقعية أحداثه، وبالتالي يضمن حضوره في حكيه، ثم تأتي الوقائع في صيغة المستقبل، وكأنها على وشك الحدوث". واستطاع السارد –كما تقول الباحثة- أن "يشدنا إلى زمن النص وجاءت أحداث الرواية كأمواج تتلاحق لتتدفق في صيغة المضارع"،وجاءت بنية الزمن في "بحر الصمت" انطلاقا" من "حاضر السرد إلى الماضي زمن الأحداث ومن الماضي تتجه صوب المستقبل" و، هذا ما أدى إلى وصفها "بشبكة الأزمنة المتداخلة"،والتي يعالجها السارد من خلال مقولتي "النظام والديمومة". وحاولت الباحثة معرفة كيف استطاعت الكاتبة توظيف كل ذلك في روايتها.

 

تقنية الاسترجاع:

تميل الرواية لاستدعاء الماضي وتوظيفه بنائياً، من أجل تحقيق بعض المقاصد الحكائية من خلال ثلاثة أنواع مختلفة هي :استرجاع خارجي -  استرجاع داخلي-  استرجاع مزجي "مختلط". و بعد أن تقوم الباحثة برصد الاسترجاع بأنواعه الثلاثة في "بحر الصمت"تقول:"تعتبر الرواية بنية استرجاعية كبرى، فلا نجد وجهاً للمقارنة بين المساحة النصية التي يقدم من خلالها السارد الأحداث الماضية، والمساحة النصية المفردة للأحداث الآنية"

 

تقنية الاستباق:

ويلجأ السادر إلى هذه التقنية "لكسر الترتيب الخطي للزمن"،ولهذه التقنية نوعان: الاستباق الخارجي و الاستباق الداخلي،وتميز الباحثة في هذا السياق بين الاستباقات التكميلية و الاستباقات التكرارية،وتنوه إلى أن الرواية "تحفل بأنواع الاستشرافات".

 

تقنيات الإيقاع الزمني:

تحدد الباحثة مفهوم الإيقاع الزمني بالقول:" الإيقاع يعني تلك العلاقة الناتجة عن عرض زمن الأحداث "الذي يقاس بالسنين والشهور والأيام..." وتحاول الوقوف على التمظهرات الزمنية الكبرى في رواية "بحر الصمت" من خلال تقنيات تعطيل السرد وتقنيات تسريع زمن الخطاب .

 

تقنيات تبطئة السرد:  

1- تقنية الوقفة:وتتحدد وظائف الوصف في بنية السرد في إحدى وظيفتين الأولى جمالية والثانية توضيحية تفسيرية.

وأهم ما تسجله الباحثة في "بحر الصمت" أنها "تعتمد اعتماداً كلياً على المنولوج الاسترجاعي والتداعي النفسي المسجل لحالات الإحباط"،ومن خلال هذه المنولوجات –تضيف الباحثة- "نسجل اتساع زمن الخطاب في مقابل تعليق زمن الحكاية".

2- المشهد:ويقوم أساساً على "الحوار المعبر عنه عن طريق اللغة الموزعة إلى ردود متناوبة كما هو مألوف في النصوص الدرامية"، وتلاحظ الباحثة أنه في رواية "بحر الصمت" جاءت كل الحوارات المشهدية "مصدرة بصيغ القول التي تبين تمظهر السارد في المشهد، وسيطرته على حركات الشخصيات".

 

تقنيات تسريع زمن الخطاب

1- الحذف:تستخدم الروائية هذه "التقنية" عندما تنتقل من خط سرد الماضي إلى الخط السردي الحاضر أو العكس،حيث تترك صفحة بكاملها بيضاء تحمل رقماً تسلسلياً مع باقي الصفحات، بالإضافة إلى استخدامها لتقنية النجيمات الثلاث للانتقال من سرد أحداث إلى أخرى،وتلاحظ الباحثة اعتماد الروائية على هذه التقنية "في كامل صفحات الرواية" إلى جانب اعتمادها على "الحذف الصريح"،و"الحذف الضمني" الذي ينتشر في جسد الرواية بصورة لافتة.

2- الخلاصة: معظم الخلاصات التي استخدمتها الروائية –برأي الباحثة- كانت "محدودة بزمن معلوم يمكن إدراكه بسهولة، وذلك من أجل تسريع وتيرة السرد ودفع الأحداث إلى الأمام".

 

الفصل الثاني: التشكيل المكاني: أهمية المكان في البناء الروائي

تلاحظ الباحثة حرص الكاتبة في تشكيلها لبناء المكان أن يكون "منسجماً مع مزاج وطبائع شخصياته"،حتى يصبح المكان بإمكانه أن "يكشف عن الحالات الشعورية التي تعيشها الشخصية"،ولقد اختارت الكاتبة "المكان المغلق ميداناً لحركة السارد وابنته"،ومن خلال هذا "الترحال بالذاكرة"،وسرد الأحداث "تتداعى سائر الأمكنة".

 

خصوصية المكان المفتوح ودلالته

القرية: تشكل قرية براناس "فضاء ريفياً مفتوحاً على كل القيم الريفية ورمزيتها" من جهة، كما تتيح من جهة أخرى إ"مكانية رصد أشكال التغير والتحرك داخل هذا الإطار الريفي المحدد".والكاتبة تجعل القرية "كمنطلق مكاني للنضال من أجل تغيير الأوضاع في الوطن المغتصب".

 

الخاتمة:

ترى الباحثة أن الخاتمة في إحدى صورها كانت "رحلة مع نص روائي أبرز ما يميزه، حيوية الزمن وتشابكه، ونبض المكان وجماليته".و استطاعت من خلال دراستها لهذه الرواية التي تعد "نقلة نوعية للكاتبة من مجال القصة إلى الرواية" أن تكشف مدى وعي الروائية ياسمينة صالح «بتوظيف تقنيات السرد الحديثة، والتي وظفتها بتقنية عالية". ومن خلال دراستها في تقنيات التشكيل الزمني والمكاني لرواية "بحر الصمت" تصل الباحثة إلى عدة نتائج يمكن عرضها كما يلي:

1-إن الزمن السردي مكون بنائي جوهري له من الفاعلية ما يسهم في تشكيل الدلالة، وقد تبين لنا من خلال التوظيف التقني له في الرواية، مدى وعي الكاتبة بأهميته على مستوى النص، فاستطاعت أن تروض عنصر الزمن، وتقهر عنفوانه.

2-بمتابعة الباحثة لفصل التشكيل المكاني تبين عدم توظيف الكاتبة للوصف المنفصل عن السرد،مما يبين استفادتها من تقنيات الوصف الموظف في خدمة القصة، بل ويأتي جزءاً لا ينفصل عن السرد.فالوصف الوارد في الرواية، لوصف الأمكنة قليل جدا، وانصب اهتمام الكاتبة على ما يعتري دواخل الشخصية وانعكاس حالاتها الشعورية على الأشياء المحيطة بها، فجاء المكان ممتزجاً بذات الشخصية، وجعلته الكاتبة جزءاً نابضاً يتكلم ويشارك السارد حزنه. هذا على مستوى المكان المغلق.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1095  الاربعاء 01/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم