تقارير وتحقيقات

ضيوف الشروق المكناسي يبحثون في تداوليات الشعر المعاصر / فاطمة الزهراء المرابط

و قد أنطلق اللقاء يوم الجمعة 27 أبريل 2012 على الساعة الرابعة والنصف لمعزوفات موسيقية أدتها فرقة شباب الشروق. بعد ذلك ألقى خليفة بباهواري كلمة جمعية الشروق المكناسي حيث رحب بالمشاركين الذين حضروا الملتقى رغم الصعوبات وذكر بالذين تعذر عليهم الحضور لسبب من الأسباب. ثم ذكر بالصعوبات التي تعترض الجمعية أثناء الاستعداد للملتقى وإلى صعوبة الظروف التي تواجهها الجمعية بإمكانياتها الذاتية المتواضعة وأشار إلى إمكانية أن تكون الدورة العاشرة لملتقى الشروق للمبدعين هي الدورة الأخيرة التي تسهر الجمعية على تنظيمها. ومن جهة أخرى، رحب رئيس جمعية الشروق المكناسي بالمشاركين في الملتقى العاشر وتمنى أن يوفر اللقاء فرصة للنقاش العميق حول الشعر والإشكاليات التي يطرحها في الوقت الراهن.

بعد ذلك قدم الشاعر الليبي خالد درويش كلمة نيابة عن المشاركين شكر فيها جمعية الشروق على الجهود التي ما فتئت تقدمها خدمة للثقافة والإبداع العربيين. وأشار إلى الظروف الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية وما يمكن للشعر أن يقدمه خدمة للإنسان العربي. وفي نهاية حفل الافتتاح تمت دعوة المشاركين إلى حفل شاي على الطريقة المكناسية.

ثم أعلن الأستاذ الناقد والقاص محمد إدارغة انطلاق الأمسية الشعرية الأولى وشارك فيها الشاعر إدريس علوش والشاعرة فرنسواز أوربان-مينانجر (بالنيابة) والشاعر خالد درويش والشاعرة شامة عمي والشاعر أحمد بهيشاوي والشاعر خليفة بباهواري والشاعر أحمد رجواني والشاعر محمد عابد والشاعر أحمد نصرافي والشاعر رضا إبراهيم. وفي نهاية الأمسية عادت فرقة شباب الشروق لتشنيف أسماع الحضور بأغاني مغربية بتوزيع موسيقى جديد.

صبيحة السبت 28 أبريل 2012، انطلقت على الساعة العاشرة والنصف صباحا ندوة " في تداوليات الشعر المعاصر في القرن الواحد والعشرين" وتكلف بتسييرها الأستاذ القاص عبد الرحيم التدلاوي.

في البداية قدم الناقد خليفة بباهواري مداخلة بعنوان "الشعر المعاصر: عالم الهزائم" عمل في بدايتها على شرح سبب عنونته لمداخلته بعالم الهزائم موضحا أن الشعر لم يعد قادرا إلا على التعبير عن الهزائم الذاتية للإنسان. وأشار أن المقاربة التداولية يجب أن تقف عند انحسار الأجناس الشعرية من مدح ورثاء وهجاء وغيرها باعتبارها ممارسات تداولية. ثم قام بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة رأى من خلاله أن الشعر لم يعد يستطيع كما كان مجاراة التحولات المتلاحقة التي يشهدها العالم المعاصر رغم كل الإمكانيات والظروف المتوفرة للشعراء. ومن ذلك ذهب الباحث إلى التساؤل حول الدور الذي يمكن للشعر أن يلعبه في الأزمنة الآتية. ووصل إلى طرح موقف أفلاطون من الشعراء وتواجدهم أو طردهم من المدينة وأعاد الصيغة محيلا إلى الحياة المدنية التي أصبحت ديدن كل المتدخلين في الشأن العام. وعرج الباحث في الخير على موضوع النقد محاولا الإجابة عن سؤال كيفية تمكن النقد المعاصر أن يفهم الشعر وأن يحلله.

كان المتدخل الثاني هو الأستاذ الباحث محمد بكاي الذي قدم ورقة تحت عنوان "الـمُـقاربة التّـداولية للخطاب الشعري الـمعاصر: دراسة الإشاريات والرّوابط الـحِجَاجيّة في شعر مـحمّد علي شـمس الدّين". أشار الباحث في البداية إلى أن المقاربة التداولية للخطاب الشعري المعاصر تدرس معاني الأقوال ودلالاتها بعيدا عن كون الخطاب متأصلاً في الكلمات وحدها، ولا يرتبط بالمتكلم وحده، ولا السامع وحده، وإنما يتمثل في تداول اللغة بين المتكلم والسامع في سياق محدد (مادي، واجتماعي، ولغوي) وصولاً إلى المعنى الكامن في كلام ما. وركز محمد بكاي على بعض العناصر التي يتعامل معه البحث التداولي ومن بينها الإشَارِيّات التي يطلق عليها في ثقافتنا العربية الأصيلة "المُبهمات"؛ إذْ يكمُن إبهامُها في كونها لا تدلّ على غائب، عن الذاكرة أو عن النظر الحسي، فالتَّلفظ بها يجب أن يكون في سياق يحضر فيه أطراف الخطاب حضورا عينيا، أو حضورا ذهنيا من أجل إدراك مرجعها؛ وكذا على الضمائر التي تعتبر من أهمّ الكلمات الإشارية في اللغة، "فهي وحدات لغوية لا يدلّ مفهومها على مقصدها الذي لا يظهر إلاَّ عبر السياق أو المقام؛ ثم على الروابط وهي "ضربٌ من العلامات التي تصلح للرَّبط بين علامة لسانية بمدلولٍ ثابت والواقع أو كما أطلق عليها ابن سينا العلاقة التي تحدد النسبة بين معنى الموضوع ومعنى المحمول. وهي تعني في الأدبيات السيميائية التضافر بين الملفوظات وما تشير إليه. وفي معرض مداخلته كان الباحث يستدل كل مرة بمقاطع شعرية للشاعر مـحمّد علي شـمس الدّين.

المداخلة الثالثة كانت للباحثة سعاد حمداش التي حاولت الاشتغال على الموضوع الجمالي الذي يكون كامنا ومتأصلا في القصيدة اعتمادا على نشاط القراءة التأسيسية التي تكشفه وتجعله موضوعا حاضرا في حالة وجود عيان مكتمل، إذ إنّ المعاني مضمرة وبالتالي تتطلّب تأسيسا من جانب الذات كي تظهر، لذلك سعت المتدخلة للبحث عن أسلوب تجلّي الظواهر في الوعي من خلال فعل الإدراك استنادا لعملية الوصف المباشرة . وعلى أساس هذا التأطير النظري، استحضرت نمطا فنيا كنموذج تطبيقي ومثال تجسيدي توضّح من خلاله الإطار التخطيطي للخبرة الجمالية والنشاط التأسيسي لماهية العمل الإبداعي، ويتمثّل ذلك النموذج في قصيدة "آجيا" للشاعر إبراهيم بورشاشن. واعتمدت سعاد حمداش كشف فنية اللغة الشعرية كجوهر للقصيدة باعتبار أن اللغة هي التي تتحدّث، والشاعر يتحدّث من خلالها بغرض إظهار الصورة الجمالية والقيمة الفنية لـ"آجيا" ورمزيتها عبر خاصية التمثيل وثنائية الاستبدال والحضور. وإلى جانب التعبير الخارجي لطبقات العمل وبنيته، تشير الباحثة، هناك طبقة المعنى وهي الطبقة الأساسية المؤسسة للعمل الأدبي، إذ إنّ المعاني كذلك تكون مرتبطة ماهويا بأصوات الكلمات حيث أن الشاعر قصد موضوعا ما يتمّ إدراكه في عملية القراءة على أساس إدراك صوت الكلمة التي تحدّد المعنى، وذلك من خلال تحليل وإدراك وحدات المعنى الخاص بالجمل المركبة وسياقها.

      كانت المداخلة الأخيرة للباحث مصطفى الغرافي تحت عنوان " النص الشعري بين التشكيل الجمالي والغرض التداولي:الواقعي والجمالي في "مديح الظل العالي" لمحمود درويش" واعتبر من خلالها أن قضية علاقة الواقعي والجمالي تطرح نفسها في الوقت الراهن بكثير من الحدة، وإن كانت أشكال الطرح وطرائق التناول تختلف في النظريات الأدبية الحديثة عنها في الكتابات التراثية. مما يدل على صعوبة الفصل بين الشعر –والأدب بصفة عامة- كظاهرة أدبية، وبين الواقع كبنية مستقلة، نظرا لتقاطع البنيتين وتداخلهما في أكثر من مستوى. وأكد الباحث أنه كان طبيعيا أن تؤثر فجيعة بيروت –بما تمثله من إجهاض للحلم القومي، وتكريس للهزيمة والإحباط- في نفسية درويش الذي عايش هذه الفجائع والانكسارات، وتفاعل معها كمثقف عربي يحمل وعيا ثوريا وشاعرا ملتزما بقضايا أمته المصيرية. وأضاف أنه إذ كانت قصيدة مديح الظل العالي، تنطلق من حصار بيروت كحدث واقعي، فإن درويش يسعى من خلالها إلى تجاوز الواقع لتأسيس عالم رمزي، تتضافر فيه سمات جمالية وخصوصيات تعبيرية لتنسج فرادة هذا العمل. إذ أن تجاوز الواقع يتطلب "تجاوزا للطرائق الفنية التي بتم بها التعبير عن هذا الواقع، واستحداث طرائق بديلة. وأشار الباحث درويش كان يعي أنه ليس مطلوبا منه كشاعر أن يعكس أحداث الواقع فقط، أو أن ينقل الظواهر الاجتماعية نقلا حرفيا، بل هو مطالب بتطوير نوع من الخلاص الجمالي. وتعامل الباحث لإبراز نجاح درويش في مهمته في الجمع بين الجمالي والواقعي مع أربع سمات جمالية هي الشذرية والـنـثـريـة والواقعية والتصويرية.

      مساء يوم السبت 28 أبريل 2012 كان المشاركون على موعد مع الأمسية الشعرية الثانية التي شارك فيها كل من الشاعر محمد البلبال بوغنيم والشاعر عبد الحميد شوقي والشاعر عبد الله عرفاوي والشاعر إدريس عبد النور والشاعرة والزجالة مليكة الفلس والشاعر والزجال خليفة بباهواري والشاعرة والزجالة سميرة جودي والزجال محمد بن علي.

و في نهاية الأمسية تم توزيع الشواهد التقديرية على المشاركين في الملتقى.

و صباح يوم الأحد نظمت جمعية الشروق المكناسي لفائدة الضيوف العرب جولة سياحية في مدينة مكناس بجزأيها الجديد والعتيق.  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2109 الخميس  03 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم