تقارير وتحقيقات

مدينة العاب الرصافة.. من عروس بغداد الى فريسة (امانة) بغداد!!

في الأعياد والمناسبات يوم كان طريق قناة الجيش قاحلاً خالياً من البناء كما هو اليوم ، وكانت الحدائق الغناء المحاذية لقناة الجيش تزيد من روعة هذه العروس ، وكانت العوائل تصطحب أطفالها في وقت مبكر من النهار لتمضي وقتاً ممتعاً وسط حدائقها والعابها المنتشرة هنا وهناك يوم لم يكن في بغداد آنذاك سواها ..

 

انها مدينة الألعاب في الرصافة التي افتتحت رسمياً في العام (1966) ابان حكم الرئيس الأسبق عبد الرحمن محمد عارف،  حيث وضع حجر الأساس لها في العام (1963) فضلاً عن ملعب الشعب الدولي، والمتحف الوطني للفن الحديث كهدية من شركة (كولبنكيان الهولندية) التي كانت تمتلك (5) في المئة من الأسهم النفطية في العراق آنذاك، وقد بنيت آنذاك وسط معامل الطابوق وعشرات (الكور) التي كانت تملأ شارع قناة الجيش.

 

خيبة أمل كبرى

لم تصدق الآف العوائل العراقية وهي تدخل مدينة اللعاب ايام عيد الفطر المبارك، بعد أن كانت مغلقة لاكثر من سنتان، وهي تشاهد بام عينها حجم الخراب والدمار الذي طال اغلب مرافقها وحدائقها.. وتساءلوا كيف تم فتحها للعوائل وتغلق امام كاميرات الفضائيات لكي لا يتم كشف ما اصبحت عليه مدينة الالعاب.، فالعديد من العوائل قد تذمرت لتصرف الجهات المسؤولة عن المدينة وتساءلوا كيف يتم فتح مدينة الالعاب للعوائل، وهي خربة الا من لعبة او لعبتان لا تكاد تلبي حاجة الاف الاطفال.. هذا ما عبر عنه المواطن خيري عبد السادة والذي كان بصحبته عائلته..

 

هرمت قبل أوانها

هذه العروس الخالدة.. هرمت قبل أوانها وأخذت التجاعيد تملأ وجهها وجسدها الرشيق، وأمست أطلالها تحاكي الماضي الجميل عسى أن يعود، ولكن هيهات فعجلة الحياة تتقدم الى الأمام ومن المحال أن ترجع الى الوراء!!بألم بالغ تعبر أم سامي التي كانت تفترش أرض الحديقة مع بعض العوائل البغدادية التي كانت تتناول الطعام في المدينة، حيث قالت: سوف تستغربون من اختيارنا مدينة الألعاب لتناول الطعام بالرغم من عدم وجود خدمات ولا ألعاب، ولكن ماذا نفعل، فنحن بحاجة الى الترفيه وكسر الروتين لاسيما ونحن نسكن بالقرب من مدينة الألعاب وهنا قال ولدها سامي الذي يبلغ العاشرة من العمر، جئنا من منطقة زيونة الى المدينة للتنزه وتناول الطعام، ولكن وجدنا الألعاب محطمة والحشائش والأدغال تملأ أرض المدينة.

سامي وبعض الأطفال اختاروا الألعاب اليدوية لممارسة هواياتهم من دون أي مبلغ مادي، يقول الطفل عمر: نحن نقضي ساعات ممتعة هنا مع الأصدقاء وبعدها نعود الى منازلنا متعبين لأننا نحرك الألعاب بيدنا وكل مجموعة عليها دور للدفع..

 

رومانسية حالمة

في الطريق الى بحيرة مدينة الألعاب، كانت الأدغال تملأ الحشائش من دون أن يتدخل أحد لرفعها، فالحياة معطلة فيها ومئات العمال والفلاحين والفنيين قد سرحوا قسراً بسبب قرار أمانة بغداد باغلاقها لأسباب مالية على ذمة ادارة المدينة بحسب ما أخبرنا به أحد الحراس الأمنيين في المدينة..في الجانب الآخر كان أحد الشباب بقرب شجرة صفصاف كبيرة وكانت معه شابة في الثالثة  والعشرين من العمر، وعندما أردنا منهما أن يعبّرا عن رأيهما بغلق مدينة الألعاب، أخبرنا الشاب واثق وهو اسمه بأن هذا اليوم هو يوم عيد زواجهما الأول، وكان قد حضر الى المدينة مع زوجته نورا لتجديد عهد الحب الذي نقشاه سوية في العام (2007) على نفس الشجرة التي يقف بقربها مع زوجته، فما زالت الكتابات قائمة الى اليوم، وكانت كالآتي.. (أحبك كحب البذرة الوليدة للماء الرقراق.. وأرى وجهك نور قمر في ليلة ظلماء.. وصوتك يحملني الى عالم مسحور.. عالم كله بلابل تردد كلمة واحدة.. أحبك.. أعاهدك سيبقى حبنا للأبد.. تحياتي)فأضاف واثق جملة (ومازلت أحبك.. وسأظل على ذلك مدى الحياة.. واثق العراقي)..واثق وزوجته نورا عبرا عن الأمل في أن تعيد أمانة بغداد قرارها باغلاق مدينة الألعاب التي هي ملك المواطنين والعوائل العراقية. 560-madyna

 

 

عجز المسؤولين عن الحل

يقول المواطن سمير خالد الذي كان بصحبة عائلته خارج المدينة، أنا أستغرب بشأن التنافس بين أمانة بغداد ووزارة المالية على ملكية مدينة الألعاب، اذ ان هناك جانبا إنسانيا وأخلاقيا والاحباط الذي تعرض له الأطفال الذين لا يعلمون شيئاً عن مسألة التنافس على هذا الصرح الذي يعد من المرافق القليلة التي يرتادها الأطفال.

وهنا يقول صادق الأزرقي: ان المسؤولية الملقاة على عاتقنا نحو أطفالنا توجب التعالي على الأهواء والتصرف وفق ما تمليه تلك المسؤولية لما لذلك من تأثير حاسم على نفسيات الأطفال واتجاهاتهم المستقبلية، ونحن نعلن هنا استغرابنا من عجز المسؤولين عن التوصل الى حل وسط ينهي الخلافات بشأن ملكية مدينة  الألعاب وادارتها بما يؤمن تهيئتها بما يليق بدورها وبما يتناسب مع الأموال المتوفرة لدى الدولة والتي يصرف الكثير منها على أمور هامشية في حين تظل القضايا الحيوية ومنها توفير الأجواء الملائمة لمرح الأطفال من دون علاج في ظل تجاذبات مقيتة تسيء الى مواطنينا المتطلعين الى أيام تخفف عنهم عناء الحياة التي تمادت في قسوتها وتزرع البهجة والأمل في نفوس أطفالهم المتطلعين الى مستقبل عراقي باسم، فليكن عيد الاضحى المقبل إيذاناً بانتهاء مشكلة ملكية مدينة الألعاب والبدء بتطويرها وإعدادها لتستقبل أطفالنا المبتهجين..

 

ما هو سر الخلاف

وبشأن الخلاف مع أمانة بغداد، أوضح المدير المفوض للشركة محمد سامي عزت بأنه بعد سقوط النظام فوجئنا بعرض المدينة في المزاد العلني، وقد تقدم لها مستثمرون عراقيون يقيمون في الخارج، حيث تعهدوا بتطويرها وتجهيزها بألعاب متطورة، لكن الذي حصل هو ان أمانة بغداد أبلغتنا بإخلاء المدينة خلال شهرين.وأكد عزت ان ادارة الشركة قدمت عدة  طلبات رسمية لمقابلة أمين بغداد ولكن من دون جدوى، ولهذا لم نستطع تثبيت وجودنا كادارة قديمة لأن الأمانة نفذت تأجير أرض المدينة الى إحدى الشركات العراقية بمبلغ (265) مليون دينار سنوياً، وقد أعطينا مهلة شهرين لإخلاء الموقع من المعدات.

 

اقتحام مسلح

وقدم عزت نبذة من تأريخ شركة مدينة الألعاب وتفاصيل الخلاف القائم بشأن عائدية الشركة، فقال: تأسست شركة مدينة العاب الرصافة في عام (1964) لتكون أول مدينة ألعاب في الشرق الأوسط آنذاك وهي مسجلة في دائرة تسجيل الشركات وسوق العراق للأوراق المالية، وقد تعاقدت الشركة مع أمانة بغداد عام (1964) على تأجير الأرض المقامة عليها المدينة حالياً بموجب عقد مدته (35) سنة انتهت في عام (1999).ويضيف: بعد انتهاء العقد المبرم مع أمانة بغداد عام (1999) تم استحصال موافقة أمانة بغداد على استمرار شركتنا باستغلال الأرض مقابل أمانات تدفع من قبلنا الى أمانة بغداد وفي العام (2006) طالبتنا الأمانة بمبلغ تسعمائة مليون دينار عن أجر المثل للفترة ما بعد العقد من (1999) لغاية (2005/12/31) من دون مراعاة لظروف الحرب، ما اضطرنا الى رفع دعوى لتقدير أجر المثل عن طريق القضاء وخلال المرافعات طلبت المحكمة سند الأرض من دائرة تسجيل عقاري الرصافة الأولى فظهرت عائدية موقع مدينة الالعاب الى وزارة المالية كونها غير مخصصة لأمانة بغداد واكتسب الحكم الدرجة القطعية.ويتابع: بعد ذلك قامت وزارة المالية بعد أن أدخلت شخصاً ثالثاً في الدعوى اعلاه باعتبارها المالك الحقيقي للأرض بمطالبة شركتنا بتسديد أجر المثل المستحق للسنوات السابقة والحالية، وحسب تقدير المحكمة وقامت شركتنا بدفع تلك المستحقات الى وزارة المالية.ويستدرك: وبتاريخ (2007/10/4) فوجئنا بقيام سرية طوارئ أمانة بغداد بقيادة الوكيل الاداري لأمين بغداد ومدير عقارات الأمانة وأفراد حمايتهم الذي يزيد عددهم عن (50) مسلحاً باقتحام شركة مدينة الالعاب بقوة مسلحة وتم حجزي ومنعي من ادارة الشركة وتم غلقها بوجه العوائل العراقية وكذلك تم اخراج جميع العاملين والمنتسبين فيها والذي يبلغ عددهم ثلاثمائة منتسب من دون سند قضائي أو أمر قضائي.. ويؤكد عزت بأنّ، الشركة قامت بعد هذا الاقتحام غير القانوني بتقديم شكوى لدى مجلس رئاسة الوزراء الموقر ووزارة المالية، وصدر كتاب عن رئاسة الوزراء وآخر من وزارة المالية معنون الى أمانة بغداد يطالبها ببيان السند القانوني بهذه الاجراءات ومن المسؤول عنه، وإعادة الشركة لأصحابها الشرعيين وسحب قوات الطوارئ.

 

حرموا من مصدر رزقهم الوحيد

وأشار عزت الى ان أمانة بغداد وضعت يدها على جميع الأضابير والمستندات والموجودات الثابتة للشركة والتي هي حقوق المساهمين في الشركة، وقال بأنه يخشى ان يتم التصرف بها من قبل الأمانة من دون علم الشركة وان المساهمين البالغ عددهم (2000) مساهم قد تعرضوا لأفدح الخسائر ومازالوا لفقدهم أرباح استثمارهم من خلال الأسهم المشاركين فيها، والآن هم عاطلون عن العمل بعد أن حرموا من مصدر رزقهم الوحيد وقبلهم جمهور وعوائل وأطفال بغداد كلهم بانتظار حل مشكلة مدينة الألعاب مع أمانة بغداد.

 

تصرف الأمانة فضولياً وباطلاً

من خلال جولتنا في دائرة عقارات الدولة/ عقارات بغداد العائدة الى وزارة المالية علمنا بأن عقارات بغداد كانت قد خاطبت أمانة بغداد/ مكتب الأمين بكتابها المرقم12994 في (2007/11/1) بشأن عائدية العقار المرقم (4/ 16504 و3/11 و5/21) مزرعة حمدي (شركة مدينة الألعاب) حيث جاء فيه: ان عائدية الأرض المقامة عليها مدينة الألعاب تعود الى وزارة المالية، وطلب الكتاب منع أمانة بغداد من مطالبة المدينة بأجر المثل كون الأرض تعود الى وزارة المالية معتبراً تصرف الأمانة فضولياً وباطلاً بحكم المادة (35) مدني، وعدّ الاجراءات الأخيرة من قبل أمانة بغداد ضد شركة مدينة الألعاب غير قانونية وهذا يخالف القانون والقضاء العراقيين..

 

الريل والحاج أبو حسين

الحاج علي والحاج ناجي والشاب حسن هم من ضمن مئات قطعت الأمانة أرزاقهم، فبعد قرارها بغلق مدينة الألعاب أصبحوا بلا مورد مادي يعينهم على الاستمرار في الحياة، فعوائلهم أصبحت تعاني من الجوع والحرمان بسبب تسريحهم من عملهم الذي أمضى البعض منهم فيه عشرات السنين.فالحاج أبو حسين تجاوز العقد السادس من عمره كان جالساً بالقرب من بحيرة المدينة، رغم خلوها من المنتسبين، اذ كان يراقب المعاول ومكائن لحام الأوكسجين وهي تقطع سكة حديد القطار، وقال بأنه أمضى أكثر من أربعين عاماً وهو يعمل مراقباً لعبور زائري مدينة الألعاب أثناء مرور القطار الذي كان يضج بالعوائل البغدادية... قبل أن يصبح (خردة)!!

 

أمانة بغداد

تمنى المواطنون الذين التقينا بهم بأن تقوم الجهات المعنية في وزارة المالية وأمانة بغداد بالاسراع بفتح أبواب مدينة ألعاب الرصافة لاسيما وان العيد على الأبواب.. فذهبنا الى أمانة بغداد لنضع تساؤلات وأمنيات المواطنين على طاولة المتحدث الاعلامي لأمانة بغداد حكيم عبد الزهرة والذي اجاب قائلاً:منذ أن تعاقدت أمانة بغداد مع احدى الشركات (رفض الكشف عن اسمها) في العام (1963) حتى عام (1999) وعند انتهاء التعاقد، كان من المفروض من الشركة المعنية بالأمر ان تسلم مفاتيح المدينة الى أمانة بغداد لأن نظام التعاقد بالمساطحة مع الأمانة قد انتهى، وبالرغم من ذلك قامت أمانة بغداد بتجديد اشتراك الشركة بعقد سنوي من عام (1999) لغاية (2003)، وبعد سقوط النظام حاولت الشركة المعنية بالأمر أن تأخذ طريقاً آخر من خلال الذهاب الى وزارة المالية بدلاً من أمانة بغداد، وللعلم ان وزارة المالية هي المالك الأصلي للأرض، ولكن الشركة حاولت الالتفاف على القانون بطريقة ما، وأضاف.. ان أمانة بغداد قامت بايجار المدينة الى شركة أخرى وهذا يحق لها قانونياً لأنها المسؤولة عن المدينة بعد إجراء مناقصة علنية، ولكن الشركة القديمة قامت بالاتفاق مع وزارة المالية، وهذا مخالف للقانون ولادخل لوزارة المالية بتأجير المدينة، لذلك رفعت أمانة بغداد دعوى قضائية بالمحاكم العراقية طالبت بها الشركة السابقة باخلاء المدينة وتسليمها الى الشركة الجديدة، فضلاً عن دفع مبلغ (900) مليون دينار عراقي الى الشركة القديمة..

 

ماتت كمامات قناة الجيش

كانت عشرات العجلات ومئات المعاول ترفع وتضرب بقوة كل مرفق من مرافق مدينة الألعاب باهظة الثمن من دون رحمة وأمست (خردة).. فمات دولاب الهواء، وقلعت سكة حديد قطار مدينة الألعاب ودمرت (سكة الموت) وماتت الحشائش وقطع الماء والكهرباء عنها.. فصارت مأوى للكلاب السائبة بعد أن كانت صرحاً بغدادياً خالداً وجميلاً، وحلم جميع أطفال العراق والعوائل العراقية التي كانت تزور المدينة مع ألذ أنواع الأطعمة العراقية كالكبة والدولمة الشيخ محشي والدجاج والسمك، وكانت العوائل تتهادى الأطعمة في ما بينها وسط ضحكات الأطفال البريئة ومرحهم ودلالهم وسط آبائهم وأمهاتهم وهكذا اذن تموت مدينة الألعاب هي الأخرى.. كما ماتت قلبها قناة الجيش..

 

هل تعتذر الأمانة لأطفال بغداد؟

حملنا كثيراً من العوائل البغدادية عن مصير مئات الألعاب التي تقدر بملايين الدولارات بعد أن تم  تفكيكها عشوائياً من دون دراسة وتخطيط مسبق، وتساءل أبو محمد/ ضابط متقاعد عن السبب الذي دعا أمانة بغداد الى هذا التصرف الأهوج وغير المبني على مصلحة وطنية، وقال: ما ذنب الأطفال والعوائل العراقية كي تغلق أمانة بغداد المتنفس الوحيد لهم في الرصافة؟

وما الغاية من ذلك وهل خرج مسؤول أو أمين أو أي شخص مسؤول عن هذا الشأن ليوضح أسباب ذلك ويعتذر لأطفال بغداد والعوائل الكريمة..اذن ونحن  من آلاف المواطنين الذين يطالبون الأمانة بالاعتذار لأطفال بغداد بعد أن ألغيت مدينة ألعابهم..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1197 الاربعاء 14/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم