تقارير وتحقيقات

هل نعاني من عزوف عن القراءة؟ / صبيحة شبر

هل لأن الواقع يشهد تدهورا في مختلف الأصعدة؟ ام لأن القراءة الجادة لم تحظ بالإقبال عليها دائما، لماذا نتهم الشباب؟ أليس زمننا ما يدعو إلى قلة التأمل،والسرعة في كل شيء، أليس جميعنا يجري وكأنه يهرب من عدو يوشك على الفتك به  أليس القليلون فقط من يجدون متعتهم في قضاء الساعات الطويلة وهم يحضنون كتبهم عاشقين حروقها؟

 وجهنا استفسارا عن سبب العزوف عن القراءة لعدد من الكتاب فكان جوابهم مختلفا متباينا

 

 زمن القراءة مضى

 القاص المغربي إدريس الواغيش يرى، ان الزمن لم يعد زمن القراءة بشكلها الكلاسيكي، فالمعلوميات طغت بشكل فادح، والحاسوب يزاحم الكتاب يوما بعد يوم ويأخذ مكانته تدريجيا، حتى أن البعض يقول بأن الكتاب سيأخذ مكانته الطبيعية في المتاحف بعد خمسين سنة !! . أما الشباب فابتعد لأسباب متعددة، منها ما هو منطقي، ومنها ما هو مفتعل مع سبق الإصرار. الإنترنيت من جهته وفر أكبر سبب للابتعاد عن القراءة، فهو يقرب البعيد ويوفر السهل، حتى بالنسبة للطلبة الباحثين، فأصبح الطلبة بمختلف مستوياتهم لا يكلفون أنفسهم قراءة الكتب للوصول إلى المعلومة، بل يبحثون عنها ويجدونها بأقل (الخسائر) وفي أقرب وقت ممكن، وهذه من أكبر سيئات الإنترنيت على الإطلاق، بالإضافة إلى كونهم يبحثون فقط عن دبلوم يعطيهم أحقية البحث عن فرصة عمل. ثم إن القراءة لم تعد شيئا مغريا أمام استفحال الأمية في عالمنا العربي، وأصبح الأميون يتبوءون أعلى المراتب في سلم إدارات الدولة، ويشكلون نماذج صارخة لاستفحال الجهل والأمية،.وهي ظاهرة عمقت مأساة القراءة في وطننا العربي .
 ماذا ننتظر من شبابنا العربي وهم يرون مثل هؤلاء يصولون ويجولون فسادا وعبثا بالأخلاق، بسيارات (الكات كات) وأرصدتهم التي تنتفخ يوما بعد آخر في البنوك؟ . سينأون بأنفسهم عن محنة الدراسة ومتاعبها بكل تأكيد، ويسعون بدورهم إلى الوصول إلى أهدافهم عبر أقرب الطرق وأسهلها، ولا يهم كم كتابا قرؤوا ولا ما هي الشهادات التي حصلوا عليها.

 

الأديب المغربي ( حسن برطال) له رأي آخر:

لستُ أدري كيف أناقش العزوف عن القراءة و أنا مؤمن بأن التاريخ يوما لم يسجل الإقبال عليها .. إذا كان الكتاب يعاني من الوحدة و قطع صلة الرحم بينه و بين روح شاعرة ( تشعر) وهو ينعم بخيرات هذا التطور التكنولوجي

من مطابع و جودة ورقية و حملات تشهيرية و ..و ..و ..فكيف كانت أحواله في السابق إبان السنوات العجاف .. ففي نظري المسألة ليست مسألة عزوف أو إقبال و لكنها وثيرة سوقية متأرجحة بين القبول و الرفض وفق ظرفية زمنية لها علاقة بالحالة الفردية لمستهلك المنتوج الثقافي كالإقبال على ممارسة الشعائر الدينية خلال شهر رمضان... و الاهتمام بكتب الطبخ له ما يبرره فراحة البال تفتح الشهية ..و المعاناة تدفع إلى اكتشاف أدب السجون .. وكتب التسلية تجعل الوجه الضحوك يبتسم .. المقررات تحظى بالاهتمام لأنها تفرض من قبل الأساتذة ووحده المنتوج الإبداعي يعاني من الإقصاء لأنه (تربية) قبل أن يكون مجرد تحصيل ../

 

 وتتفق الأديبة نجاة الزباير أننا في تراجع، وتورد أسبابا عديدة لتدهور واقعنا:

تعددت الأسباب وتشابكت حتى تكونت عقدة تحتاج لمن يشطرها، فسؤال عزوف الشباب عن القراءة قد خلق تساؤلات فوق جسر الحيرة، ونعتبر انشغال الأسرة في زمن يركض فيه الكل وراء المعيش اليومي، من بين العوامل التي تترك الطفل ينمو متعلقا بوسائل الترفيه المنزلية مثل مشاهدة التلفاز بإدمان.

ـ خلو المنازل من وجود مكتبات تحث الطفل على الاهتمام بالقراءة، فالمثل الأعلى للطفل هما أبواه، فكيف سينجذب للكتاب ونادرا ما نجد أسرة تقرأ.

ـ سريان البطالة في شريان المجتمع بشكل مخيف خلقت إحباطا لدى الشباب، حتى إن الكثيرين يرددون ما الجدوى من القراءة والاهتمام بالكتاب في زمن يقدس المادة؟

ـ يعاني التمدرس لوثة أصابت كل الوسائل التعليمية، وخلقت شعبا لم يستطع الأساتذة احتواءه، جعل من التلميذ آلة للتحصيل فقط، أي الحفظ من أجل النجاح لا غير. والاكتفاء بما يقدمه الأستاذ في الفصل، أما فيما يخص البحث فهم يكتفون بالنقل من جوجل وغيره دون استيعاب ما استنسخوه.

ـ أدمن الأغلبية سحر االحاسوب بشبكته العنكبوتية، فاكتفى الشباب باللهو وخلق علاقات فارغة قتلت وقتهم المهم.

ـ غياب الرقابة وعدم غرس نبتة القراءة في صحراء الشباب، جعل منها سِفْرًا قديما لا يواصل مستجدات العصر الذي يقدس التطور التكنولوجي حسب أوهامهم.

ـ وجود كتب بيضاء يسطرها الحبر فقط، منع الشباب من الوقوع تحت سحر الكتاب، فالساحة الثقافية تفيض بمنشورات لم يقدم النقد مشرطه لاستئصالها.

ـ الوضعية الصعبة التي يعيشها المؤلف، فالكل يعرف أن الثقافة في بلداننا العربية لا تحتل المراتب الأولى، كما يعتبر الكاتب أيقونة ضائعة لا يُعْتَرَفُ بفضله إلا بعد وفاته، خلق كل هذا لامبالاة بالكتاب و بالمؤلف عند الشباب، فهم يركضون نحو صناعة مستقبل محترم بعيد عن عقول الأموات المرصوصة في المكتبات.

ـ حلم الشباب بالهجرة والابتعاد عن واقع مأزوم،يخنق أحلامهم يدفع بهم إلى التفكير العملي، لتبقى القراءة بالنسبة لهم مركبا لا يستهويهم الركوب فيه لاختراق بحر الحبر.

 

 الكتاب يحبون القراءة

 عن حب أغلبية الكتاب للقراءة يرى إدريس الواغيش: القراءة تكاد تكون فريضة من منظور ديني صرف. وأول ما أمر به رسولنا الكريم محمد (ص) هو القراءة "اقرأ" قبل أن يؤمر بشيء آخر.القراءة تكاد تعادل في وظيفتها، ما هو بيولوجي صرف كالمأكل والمشرب، فإذا كان الأخيرين من نصيب البدن، فما نصيب العقل والفكر؟. لذلك لا تستغرب إن شاهدت سياحا عاديين من الغرب، بمعنى أنهم يشتغلون في وظائف بعيدة عن التعليم، يقرؤون في أنفاق المترو والمطارات ومحطات القطار، أو تحت فوانيس لا يكاد ضوءها يصل إليهم في الشارع العام بعد منتصف الليل، في حين لا نجد في أوطاننا من يقرأ، وأحيانا حتى ممن يفترض فيهم أن يقرؤوا، كالمثقفين أو ما شابههم، لذلك لا تستغربي إن سافرت في البر والبحر أو الجو مع أناس من بلداننا العربية، وهم متفرغون للثرثرة والأكل فقط، أو يقرؤون صحف الفضائح ومجلات النساء في أحسن الأحوال، وهذا يؤلمني في الحقيقة كمنتسب لعالم الثقافة العربية العريقة.

 وتبدي الأديبة نجاة حبها للقراءة وأسباب ذلك الحب الكبير: نشأت في أسرة تقدس العلم، فوالدي عالم ملم بكل العلوم، وقد درست على يديه عندما كنت تلميذة في مرحلة الابتدائية، إذ غرس في أوصالي حب الكتاب، فقد كانت في منزلنا مكتبة ضخمة، أذكر أني لم أتجاوز العاشرة من عمري عندما كنت أقف مبهورة أمام كل هذه الرفوف، وكنت أجلس بالساعات أقرأ قصصا أسطورية غذت خيالي الفتي بهذا الجمال الرباني، ومع مرور الزمن البيولوجي أصبحت مدمنة على القراءة، بل لا تكاد يدي تسقط من بين أصابعها رواية ما أو قصة أو ديوان شعري وغير ذلك من نتاجات العظماء . وبدأت العائلة تتذمر من عكوفي على القراءة بهذا الشكل، فلم أكن من الفتيات اللواتي يرفهن عن أنفسهن بالخروج لأي مكان، إذ لا مكان يسعني غير الكتاب

 

 كيف نعيد للقراءة ألقها المعهود؟

 يجيب القاص إدريس الواغيش عن السؤال فيقول: أعتقد أن السؤال يمكن أن يصاغ بطريقة أخرى، هل (يمكن) أن نعيد للقراءة ألقها؟. الجواب سيكون بنعم طبعا، ثم هل نحن كدولة وحكومات ومجتمع وأمة مستعدون من أجل نهضة اجتماعية شاملة، بعيدا عن الرتوشات التي لا تصلح لأن تكون أكثر من وجبة دسمة إعلاميا، من أجل التسويق الداخلي أو الخارجي؟ إذا كان الجميع مقتنعا بهذا الاقتناع، سيكون من الممكن جدا أن نعيد للقراءة ألقها الذي كان . لأن القراءة لا يمكن أن تكون مع أطفال جياع أو موظفين يفكرون في الإيجار والماء والكهرباء أكثر مما يفكرون في القراءة . أما كيف، فتلك مسألة أخرى، تتطلب تضافر الكثير من الجهود، وتداخل العديد من الجهات بدءا من القرار السياسي وجرأته على ذلك.

 وتبين نجاة الزباير: نحن أمة لا تقرأ، بالرغم من أن أول سورة نزلت على خير البرية محمد صلى الله عليه سلم هي سورة اقرأ، فلماذا لا نقرأ اليوم؟

إن الفيلسوف المغربي المرحوم محمد عزيز الحبابي قال: "حرامٌ علينا أن نغذيَ جسومنا، ونترك عقولنا بدون تغذية".

ولكي نرجع للقراءة ألقها يجب إعادة الاعتبار للكاتب، فلو ألغينا الجحود الذي يطال هذا الرمز الإنساني سنستطيع أن نتجاوز هذه الأزمة التي طالت. فلولا الكاتب ما استطاع وجودنا أن يعانق إرث الماضي وحضارته، وما أدركنا سحر التطور الهائل الذي حصل في ميدان العلم، والذي يعانق أفقا محموما بالصراع بين الكتاب الورقي والالكتروني"

 ومن حق كل متابع أن يتساءل بعد ان يطلع على وجهات نظر الكتاب هذه: هل أمتنا تقرأ حقا؟ كم نسبة من يحب القراءة النقدية الواعية ويميل الى تحليل النتائج بعد تبيان الأسباب لكل الظاهر التي نجدها عصية على التفسير؟ هل إن اكبر عوامل تأخرنا أننا امة لا تستعمل الفكر للوصول الى تحقيق ما تحلم به؟

                       صبيحة شبر

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2176 الأثنين 09/ 07 / 2012)

 

في المثقف اليوم