تقارير وتحقيقات

تكريم الشاعر نور الدين بالطيّب في تونس

souf obidبمناسبة الأمسية الشعرية التي انتظمت ببيت الشعر بتونس بالتعاون مع جمعية ابن عرفة الثقافية مساء السبت 10 فيفري 2018 ساهم عديد الشعراء والشاعرات بقراءة ما تيسر من قصائدهم احتفاء بصديقهم وهم ـ توفيق بالشاوش ـ عبد السلام الأخضر ـ بوراوي بعرون ـ محمد المهدي بن حسين ـ عبد الحكيم زرير ـ زهرة الحواشي ـ فتحية البروري ـ نورة عبيد ـ حسين العوري ـ سليمى السرايري ـ محمد القماطي ـ فاطمة سعد الله ـ هدى بن محمد قاتي ـ عادل الجبراني ـ سمير البياتي ـ سارة الخنشوش ـ منى اليعقوبي بالحاج ـ عبد الرزاق بالوصيف ـ أحمد شاكر بن ضيّة ـ وسُوف عبيد 

وقد اِفتتح الأمسية الشاعر أحمد شاكر بن ضيّة مدير بيت الشعر بتونس فعبّر عن ابتهاجه بمبادرة جمعية ابن عرفة بتكريم الشاعر نور الدين بالطيّب بالتعاون مع بيت الشعر ومؤكدا على أن بيت الشعر مفتوح للجميع ثم تناول الكلمة الأستاذ حسن المطيع رئيس جمعية ابن عرفة الذي هنّأ الشاعر بهذا التكريم الجدير به ودعا الشعراء والمبدعين والمثقفين إلى المزيد من النشاط في الجمعية ثمّ ألقى سوف عبيد الكلمة التالية ـ

 

ـ 1 ـ

أخبرني الأديب محمد العروسي المطوي ـ رحمه الله ـ أنه لما عاد من المشرق العربي بعد مغادرته السلك الدبلوماسي بادر ثلة من الأدباء والشعراء والصحفيين بإقامة حفل أدبي للاحتفاء به وتكريمه فإذا به يقرأ بعد أسبوع أو أسبوعين خبرا بإحدى الصحف الصادرة في المغرب الأقصى يفيد أنه انتقل إلى رحمة الله تعالى لأن العادة كانت أن الأديب لا يصله التكريم إلا بعد أن يصل إلى مثواه الأخير وقد صاغ الأديب علي الدوعاجي ذلك الغبن قائلا ـ باللهجة التونسية ـ

عاش يتمنى في عنبه

كِ مات علقولو عنقود

ما يسعد فنان الغلبه

إلا من تحت اللحود

وإنّ المتتبّع لمسيرة الكثير من أعلام الأدباء ورجال القلم في تونس يقف على خيط رابط بينهم جميعا يتمثّل في شعورهم بالغبن والجحود وهذا أمر قديم منذ الشاعر فُلُورُوس الذي كان أحد شعراء القرن الأول الميلادي بقرطاج إذ فاز بالمرتبة الأولى لكن قيصر روما رفض أحقيته ومنح الجائزة لشاعر روماني فهاجر إلى إسبانيا وخبر هجرة ابن خلدون إلى الشرق كان سببه الحسد والسعايات وكذا الأمر بالنسبة لمعاصره ابن عرفة الذي تعرض للانتقاد والتهكم بسبب أصوله البدوية عندما تولى إمامة جامع الزيتونة وتواصل ذلك الغبن والجحود حتى مع بعض المتصوّفة مثل أبي الحسن الشاذلي الذي كان مقامه الأول عندما وفد من المغرب مسجدا صغيرا بسوق البلاط وسط مدينة تونس وداخل سورها القديم ثم اِبتعد عن الناس والمدينة والمناوئين واِستقر في مقامه خارج المدينة بعيدا أسوارها في الجبل المعروف الآن ثم هاجر إلى مصر وفي العصر الحديث تواصل الجحود والغبن مع الشيخ الخضر بن الحسين والطاهر الحداد وأبي القاسم الشابي ومنوّر صمادح وغيرهم…لكنّنا ومنذ أواخر القرن العشرين بدأنا نلاحظ في بعض المناسبات الدعوة إلى تكريم شخصيات أدبية وعلمية وثقافية هي جديرة حقا بذلك بما قدّمته من مساهمات وإضافات فكأنّ التكريم إذن هو اعتراف بفضلها في إغناء الرصيد الثقافي

ـ 2 ـ

1565 suf1واليوم  ـ السّبت 10فيفري 2018 ـ وجمعية اِبن عرفة الثقافية التي دأبت على العمل الثقافي الجادّ منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية والتي اِحتضنت طالبي العلم والمعرفة جيلا بعد جيل وبروح التطوع والاستقلالية تكرّم بكل اِعتزازا أحد الأقلام التونسية التي دأبت على الكتابة والنشر والمواكبة الثقافية ألا وهو الشاعر والأديب والصحفي الأستاذ نور الدين بالطيب الذي ما زلت أذكر أنه ذات شتاء من سنة 1991 وبمناسبة تأسيس الدورة الاولى لمنتدى الأدباء التلاميذ بمعهد فرحات حشاد برادس والذي ما زال مستمرا إلى هذه السنة متنقلا من ولاية إلى أخرى …أذكر أنني دعوته باِعتباره شاعرا شابا يبشّر بمستقبل واعد وذلك من خلال باكورات قصائده التي فيها بصمات خاصة فحضر في ذلك الصباح البارد والمُمطر…حضر مُبلل الثياب كأنّه لتوّه كان غاطسا في البحر وما كان يعرف المعهد ولا رادس ولعله ركب قطار الضواحي الجتوبية لأول مرة لأنه نزل في المحطة الموالية وعاد راجلا تحت المطر فعرفت من يومئذ أنه شاعر بحبّ الكلمة بصدق وليس لغايات أخرى وسيكون له شأن مع العلم أني دعوت في تلك المناسبة شعراء آخرين فأصرّ بعضهم على ضرورة أن تأتي سيارة خاصة لنقله أو أن يتسلّم ثمن سيارة الأجرة ذهابا وإيابا وأشياء اخرى والحال أن أدباء كبار مثل الشيخ محمد العروسي المطوي وعبد الرحمان مجيد الربيعي قبلا الدعوة باِبتهاج كبير ومن دون أيّ شرط لأن الأدب عطاء ومعاناة ورسالة من أجل قيم المحبة والإخاء والسلام والعدالة والكرامة التي لا يمكن أن تكون إلا بالحريّة أما الكتابات  من أجل الكُدية والتمعّش والفنطازيات والفرقعات الجوفاء فسبيلها في آخر المطاف إلى التلاشي والنسيان .

وقد وعى الشاعر نور الدين بالطيب هذه المسألة منذ قدومه إلى العاصمة التي كانت تعجّ بالشعراء على مختلف أنواعهم وألوانهم ومشاربهم فاِختار درب المعرفة والمطالعة والجلوس في نوادي الأدب والشّعر ومواكبة التظاهرات الثقافية والتعرّف إلى الأدباء والشعراء والمثقفين والفنانين الذين اِقتبس منهم من خلال قراءتهم ومحاورتهم وتقديم آثارهم فاِكتسب زادا ثقافيا زاخرا كان له خيرَ رصيد يُنمّي به نصوصه الإبداعية والفكرية …غيرأنّ الذي يمتاز به الشاعر نور الدين بالطيب يتمثل خاصة في الحضور الواضح في شعره لمدينة دُوز ولطفولته في مرابعها ثم في الولاء لها في نشاطه الثقافي فهو من هذه الناحية اِبن بارّ لبيئته الأصيلة بما تحمله من قيم البداوة الجميلة مواصلا بذلك مسيرة الأديب الكبير محمد المرزوقي الذي يعتبره أيقونته الشخصية ومَثلَه الأعلى .

ـ 3 ـ

ها نحن اليوم بعد مسيرته الحافلة بالنشر وبالنشاط سواء في تونس أو خارجها نجتمع اِحتفاءً بذلك الشاب وقد اضحى عَلَما من أعلام تونس في الثقافة وهو في أوج عنفوانه الأدبي ليواصل درب الإبداع والعطاء …نلتقي تقديرا له على دفقه المتواصل وذوده بلا هوادة في سبيل التعريف بالأدب التونسي والثقافة الوطنية فهو من الأقلام الثقافية التونسية المستقلة والحرّة الأبيّة التي تنتصر في جميع نصوصها ومواقفها لتونس…تونس الحريه …تونس الفكر والفنّ…تونس التنوّع والتعدّد… فتحية شكر وإكبار لهذا القلم الذي واكب أيضا ومنذ شبابه نشاط جمعية ابن عرفة التي تعتز به في هذه المناسبة مناسبة الأمسية الشعرية التي تنتظم بالتعاون مع بيت الشعر التونسي في عهد إدارته الجديدة وقد تولاها باقتدار وكفاءة صديقنا الشاعر أحمد شاكر بن ضية متمنين له التوفيق والنجاح مع مساندتنا وتشجيعنا لينطلق انطلاقة طموحة بهذا الفضاء الذي يمكن أن يكون منبرا عاليا للشعر التونسي فشكرا له ولأعضاده وشكرا للأصدقاء والصديقات من شعراء وشاعرات وأدباء وأديبات وصحفيين وصحفيات وشكرا لكل الضيوف ولجميع الحاضرين والحاضرات على مواكبتهم هذه الأمسية البهية واِسمحوا لي أن أشكر بصفة خاصة الإخوة والأخوات أسرة جمعية ابن عرفة وعلى رأسها الأستاذ المحامي حسن المطيع رئيس الجمعية الذي ما فتئ يشجع مبادرات نواديها المفتوحة لجميع الكفاءات والمواهب والمبادرات من أجل الإضافة والتميّز وبروح الاِستقلالية والتطوع سعيًا نحو إعلاء شأن الثقافة الوطنية وضمن الولاء لتونس ولتونس فحسب .

1565 suf2

وهذه بعض القصائد الشعرية التي قرئت في الأمسية الاحتفالية بالشاعر نورد الدين بالطيب

 

**قصيدة الشاعر محمد صدود*

ــــــ طارق الفجر ـــــــ

على الدّرب سرت

و لست وحيدا أسير

معي قمر سيطل عليّ

و في كلّ فجر يدبّ

على باب قلبي يمرّ ويمضي بعيدا

وراء البحار فأقف خطاه

على البحر أمشي

أكاد أراه على الكون مدّ رؤاه

و قال سلام عليك

فقلت سلاما

....................

و مدّ يديه مددت يديّ

وكادت يداي تمسّ يديه

لكنّ غماما يصدّ رؤاي وشدّ خطاي

سكتّ وخرّت قواي

فكان الظّلام

و كان الظّلام يسدّ الطّريق

و كان الخراب

خراب تعشّش فيه الأفاعي

تسلّقت نجما فكان السّكون

سكونا يعشّش فيه الكلام

كلاما يرنّ على القلب حتّى

أفاق السّكون فكان السّراب

............................................

و كان السّراب صديقا يمرّ

فقلت: صديقي إلى أين تمضي؟

فقال:إلى حيث شئت لكنّي

أخاف عليك من الملح يقطع لسانك

فقلت:سأمضي وراءك

و أعلم أنّك تكذب وللملح ماء

زلالا ستشرب منه القوافي وتبني بيوتا

...............................................

وسرت وراء السّراب ولست وحيدا

أسير معي قمر سيطلّ عليّ

و في كلّ فجر يدبّ على باب

قلبي يمرّ ويمضي بعيدا

وراء البحار فأقفو خطاه

على البحر أمشي

أكاد أراه أكاد أراه..أراه:

أراني كبرق يهز المدى وبحر يفيض

أرى شجرا في العلا مدّ للشّمس غصنا

و أرضا أتاها المخاض

أرى كوكبا لا يراني ولم يسجد لي

تذكّرت أنّي نزلت بدار عزيز

و كنت مريضا بحبّ قديم

سقاني حليبا لكي لا أموت

تذكّرت أمّي الّتي أخرجوها

لأنّ حنينا نداها وعرّى القناع

و شبّ حريق أبي فهزّ الشّراع

تذكّرت جدّيا وقد طردوه لأنّه قال

ما لا يقال وقد شرّدوه

على الأرض ساح أحطّ الرّحال

تذكّرت أنّيّ متّ وفي البحر غصت

لكنّ عروس البحار رمتني

على شاطئ في القفار قالت:

على الرّوح أن تلد الرّح من

رحمها ثمّ تبني لها جسدا

ثمّ ماذا سألت..ثمّ ماذا سألت؟

أجابت: لتحيى..لتحيى

و مثل الحصان تصير:

فلست غبيّا ولست ذكيّا

فكن للصّهيل وفيّا

و لست نبيّا لكي لا يؤول عليك المصير

.................................................

وعشت لكي لا يجئ الشّتاء

ليقطف ورد الحديقة قبل الأوان

و عشت وأنّي الذي كان صرت

و لم أنس من أين جئت

و أنّ الزّمان الذي لا يمرّ زماني

وعشت لأنّ الحياة تحبّ الحياة

لأنّ الحياة قيض وماء

و عشت على الأرض فوق

سماء تجئ إذا لأرض شحّت

وبحتا وقلّ الكلام

و سرت على الدّرب سرت

إذا مسّني طارق لاح طيف صديق

على الدّرب سار وقال:

سلاما عليك فقلت:سلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعرة سليمى السرايري*

ــــــــ ريــــتــــا ـــــــــــ

يا ربّةَ أقواسٍ قزحيةٍ

وتمائمَ ليلٍ وزّعتْ شهوتُهُ على الساهرين

تحتفينَ بالرياحِ

بالصقيعِ خارجَ الأسوارِ

ولا سماءَ اليومَ تُخرجُ أثقالها

منْ أقبيةِ سماءٍ عتيقةٍ

لا صحائفَ ملأى بالغيابِ

ولا ظلالَ ترتفعُ في بُردةِ الوقتِ

على طرفِ ثوبكِ الملكيُّ

ينامُ التفاحُ منتشياً بأنوثتهِ

هناكَ،

خارجَ منظومةِ الأرضِ شجرةٌ ترتفعُ

وامرأةٌ تتسعُ بينَ الأرضِ والسماءِ

غريبةٌ شرائعُها

ولا أحدَ يفرُ منْ القدرِ

الكلُ يرددُ ما يشبهُ الأناشيدَ

وحدهُ حبيبكِ يغربلُ الرمالَ المالحةَ

على أطرافِ الرحيلِ

فاتحاً صناديقَ السعادةِ

على تراتيلِ المياهِ

وأمواجِها الغاضبةُ

عروسٌ غفتْ في جنحِ الظلامِ

صدفةٌ تزغردُ لعاشقينِ

يا ريتا

لماذا حينَ تولدُ قصائدُنا صامتةَ

تتجرّدُ المعاني منْ دلالاتِها

تُعتقلُ "الكلمةُ"

وعلى هامشِ مدائنِ العشقِ معتوهٌ في بلادِ المكفوفينَ

يتلوُ فرائدَ " الوجدِ" ،

على مسامعِ الفزاعاتِ الوحيدةِ في العراءِ

يا ريتا...

لماذا ... تُطمسُ مغامراتُ العشقِ، في ذاكرةِ

جِنَايتُها النسيانُ؟

يغادرنا "طيرُ السنونو"... مُعْلِناً "حلولَ الرحيلِ"

ليَقْفُرَ الرّبعُ ... أهلاً وأحبّةً وبعضَ حروفَ غزلٍ

أعلنُ ... اللحظةَ ... يا "ريتا"

قبل أنْ نرتقي سلالمَ النسيانِ

لكِ بيْتاً في قلبي وآخرُ في الشعرِ

لكِ سماءً خفيفةً ، وأقمارا تغنّي

لماذا إذاً، كلّما خبأتْ الأرضُ جراحها

وحلُمَ الشارعُ بوردةٍ بيضاءٍ

تنفتضُ شهوةُ الليلِ

على نوافذِ الراحلينَ

وتذوي قناديلهُ في غفلةِ الأماني؟؟

لا شيءَ نقولهُ الآن يا "ريتا"

البلادُ فكّتْ ضفائرها للذهولِ

مشاهدٌ منسيةٌ تستغيثُ بالخطى

فمنْ يغسل فناجينَنَا المُرّة

يعيدُ الألوانَ لتوهجها

كيْ يستكينَ الفؤادُ المضمّخُ

في تقاطيعٍ مغايرةٍ

ونفيضُ بياضاً ونخيلاً...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعر محمد القماطي*

ــــــــ يا حوش أمّي ــــــ

ياحوش امي

يا حوش ما فيك امي

بلا ريح داير عجاجة

لا نشكي فيك همي

ولا تنقضى فيك حاجة

يا حوش امي

كل تركينة فيها انفاسك

غاد الطبونة دخنها عجعاجي

و منا السقيفة تملأ واتفرغ

ماشين جايين من أضيافك

شكون قال اليوم باش تتبلج

يا حوش امي

براد اتاي المكشكش

و الكانون نار وجاجة

المنسج والخلالة والوشوش

و زغاريد النساجة

والبخور ريحته اترهوج

إتخلي الرجالة في حالة

يا حوش امي

وينهي ارانب ودجاجه

وينهي قطاطسة وكلابة

وينهي عبايتو بجرانة

فاطمة وزهرة ودادة الحنانة

يا حسرة كيف كانت مليانة

ياحوش امي

وينهي ريحة الماكلة الفائحة

الكسكسي والكسرة المغلوقة

و العصيدة بالوزفة الشائحة

و البسيسة بالاقمي اتزهي لخلوقة

يا حوش امي

محلى حركت امي في حوشها

محلى مشيتها والحنة في كفوفها

ومحلى ضحكتها على فمها سواكها

وينهي تكللتها واخراصها

وينهي فوطتها وثوبها واحوالها

ياحسرة على زين امي وخيالها

ياحوش امي

وينهي هاك اللمة

وينهي السهرية

معى الخالة والعمة

و بابا وسيدي وصحن الغلة

شوي تاي وضحكة وكلمة حلوة

محلاها سهرية بلي فمة

يا حوش امي

اليوم يا حوش امي وينك

ما قعد فيك كان الحجر

لا عاد لمة ولا عيد عيدك

خالي وبابك امسكر

لا زائر ولا اشكون اريدك

انا بعيد خرشي متنكر

ما عاد اتفيدني ولا نفيدك

خليك انت امسكر….

و خليني غريب وبهمي ما انزيدك..

يا حوش امي....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعرة فاطمة محمود سعدالله*

ــــــ حلم أني ــــــــ

مُذْ كنتُ طفلة..

رأيتُ أمّي تخْبِزُ الأحلامَ

ترميها بخفّة..

في تنّورِ الانتظار..

أقراصاً شقْراء مستديرة..

تسْمعُ أمّي طقْطقَةَ الحُلْمِ ..وتُغنّي..

تشُمُّ فوْحَ الصبْرِ..

وتُغنّي..

و..الأمنياتُ تنتظر..

وأنا وطفولتي وأمعاءُ دمْيتي..

نزقْزِقُ معاً..

نتابِعُ معاً..

مراحل الانصهار..

الأماني تخْبِزُها..أمي..

تلوّنها بفرشاةِ الخجلِ والاحمرار..

وأنا..وطفولتي..

ونظراتُ قطّتي ننتظرُ معاً..

تكوّرُ أمّي كلّ يوْمٍ..

أقراصَ الحلْم الصغيرة..

بيْن كفّيْ الصباح،،

تسوّيها بأطراف أناملِ المساء

يكبُرُ الحلمُ في عيْنيْها..

يستديرُ بين كفّيْها

يفوحُ..

تمسحُ عرقَ السنين..

يدنْدِنُ صوتُها الشجيُْ أهزوجةَ القِطافِ

أحلامُ أمّي ..فاكهةٌ تتدلّى

على أهدابِ النضجِ المتردّد..

عند عتبَةِ المواسِم..

أحلامُ أمي..

عصافيرُ مهاجرةٌ صوْبَ كلّ الاتّجاهات..

تلتقطُ أقراصَ الأمنيات..

تحلْقُ عاليا..عاليا..

حدّ سقْفِ مطبخها..

فضاؤه البسيط مرصّعٌ بالأحجيات..

والأمنياتُ..

ترتطمُ بالمستحيل..

أناملها الرشيقةُ تواصِلُ بسْطَ الكريّات..

وأنا ..والجوعُ وقطتي..

نواصلُ الانتظار..

وأكرّرُ السؤال:

متى ينضجُ الحلْمُ..ونتذوّقُ القطاف؟؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعرة هدى بن محمد قاتي*

ـــــــ أين ستحملني خطاي ــــــــ

"ان الموت ليس هو الخسارة الكبرى الخسارة الاكبر هو ما يموت فينا ونحن احياء " محمد الماغوط

ادْلهَمّ اللَّيْل.......... تُهْت فِي خُطَاي

ضَاع الطَّرِيق وتَشَعَّب فَوْق يَدَيَّ

عَمْيَاء مُذْ ابْعَدْتَنِي عَنْكَ ....

انْتَفَضَت أَغَاني الحُبّ مِن حَوْلي

حَتَّى عَصَا الحُلْم التِّي أَسْنَدْتُ

أمْنيتي عَلَيْها

انْقَلَبت لأَفْعَى تَأْكُل كُلّ نُبُوءَات رُؤَاي

هَجَّرْتَني مِنْ أَرْضِك غَصْبًا

و قَلَبْت رَهْقًا فَحِيح صَوْتي لِنَحِيب نَاي

أيُّ ثُقْب أَكْبر مِن ثُقْبِي هذَا

قَادِر عَلَى شَقّ قَلْبي

كَيْ تَتَيَبَّس أَمْواج بَحْري فِي أَسَاي

كالطَّوْد أَحْزَاني يُرَدِّدُها صَدَاي

مِن بَعْد هَذَا السَّيْر فيك خَارَتْ قُوَاي

هَلْ أَتْرُك البَحْر الذِّي نَادَيْتَنِي

كَيْ أَسْبَح فِي جَوْبَتِك رَهْوًا

أَمْ..... سَيُرْشِدُني أَنِينِي ذَاتَ هَجْر إِلَى هُدَاي

فِي قُرْبكَ اخْتَال مِشْيَة كِبْرِيَائِي فِي مَدَاي

مِنْ دُونِك اللَّيل أَوْرَاقٌ مُبَعْثرة يُمَزِّقُها دُجَاي

أَيْن سَتَحْمِلُني قَصَائد غُصَّتِي ؟؟؟؟

أَيْن سَتَحْمِلُني فرعنة خُطَاي ؟؟؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

* قصيدة الشاعرة زهرة الحواشي*

ـــــــ فَرْخُ اٌلقَطَا ــــــــ

أيّها الٌعمْلاقُُ يا فرْخَ الُقطَا

يا نَقِيَّ الرُّوحِ يا قطْر النَّدى

أيُّ سرٍّ في ابْتسامٍ

مِنْ فُؤادي اسْتلَّ حزْنا

فانْتشَى

مِسْكٌ بروحِك مثْل غيْثٍ

غمَر الُقحْطَ بروحِي

فتعشَّبَ ثم أَزْهرَ...للرِِّواءْ

فابْتسمْ ثمّ ابتسمْ

ثمّ ابتسمْ

يا شِفاءَ الٌروحِ

يا نِعمَ الٌدّواءْ ..

أيُّ درْبٍ فيهِ منْك الُملْتقَي

و أنا أمشي حثيثًا

لا أهابُ الليْل

و الوعْرَ

و لاَ السّيْل

و لاَ حضْرَ الْوغَى

أمْ تُرى تأتي إلَيَّ

ضاحكا

مسْتبشراً

مُتحَدِّيًا

هُو ذا خَطْوُكَ

يطْوي الٌتُّرْبَ طيًّا

نحْو أبْعدِ منْتهَى

فََاقْدمْ ورُوحِي لكَ الُفِدَا

أقْبِلْ أضُمُّكَ فِي تَلافيفِ الٌفؤادِ

بيْن أضْلعِي

بيْن أهْدابِ عُيونِي

أهدْهدُك

أُدغْدغُك

أُضاحِكُك

أُحاكيكْ

أُلاعبكَ

أُداعبك

أُقبِّلك

أُلاغيكَ صباحًا وظهْرا

وَ ليْلاً

وَ بيْن الصُّبْح والظُّهر

وَ ساعاتِ الٌمساءْ

أُغَذِّي الٌرّوحَ

منْ تِلكَ اْلمُروجِ

الٌمتْرعَاتِ بِيُخْضُورِ الُنَّقا

هيّا اقْترِبْ أشْتمُّ عبْقكَ

عنْد ذقْنك عنْد سِنِّك

عنْد ريقِك عنْد صدْرك

فأغنِّيكَ أغَاني الأمّهاتِ

وأسمِّيكَ بعذْب التَّسمياتْ

و أكنِّيك بِسَمْح الُكلماتْ

أيُّها العُصْفور أقْدمْ

قدْ دعاكَ قلْبُ أمٍّ

آه لوْ تنْهلُ منْ يُنْبوعِ عطْفي

آه لوْ تأتي إلى أحْضانِ قلْبي

آه لوْ تلْمسُ نبْضَ الرُّوح منِِّّي

سوْفَ تخْترقُ الضُّلوعْ

و تسْكُنُ راجياً أنْ لا تُفارقَ أبدا

أيُّها الطِّفْل الُمنمَّقُ باخْضِرارٍ

وَ اُحْمِرارٍ وبَياضٍ

بِجمالِ فُسيفساءْ

إنَّني يُلْهبُني الٌشَّوقُ إليْك

منْ تكونُ

أيْنَ ربْعُك

يا ملاكَ الحبِِّّ

يا نبْعَ السّنا

ايهذا الطفلُ يا بلْسمَ رُوحي

رجَوْتك أنْ تَعالَ

فإن تعبت فِداكَ مِهادُ قلْبِي

و إنْ ظمِئتَ فِداكَ عيْني لتشْربَ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعر سُوف عبيد

ـــــــ البرتقالة والسكين ــــــــ

شُكرًا

سَلِمَتْ يداكِ

أشْتَهي البُرتُقالةَ بأصَابعي

أغرسُ فيها بلطفٍ

ثُمّ أطوفُ بها

أداعبُ الثّنايا والتّلافيفَ

حتّى أصِلَ إلى غِلالتِها البيضاءِ

ثَمّةَ…تَحتَ الشّفيفِ…هُناكَ

الأرضُ في أَوْج الفُصول

قَيْظُ الجنوب ومَطرُ الاِستواءِ

شَمالا..

الينابيعُ التي لم يصلها أحدٌ

ومِنْ شَرق إلى غربٍ

الأسوارُ حولَ المَدائنِ ذواتِ الأبراج أفتحُها

وحدِي

بلا خَيل أو مَدَدٍ

فيَرشَحُ العصيرُ على شَفتِي

يَنِزُّ برحيق الأرضِ

أيتُّها التي كالبرتقالةِ في يدِي

تاجِي، صولجاني، مَمْلكتِي

أنا سَيّدُ الفاتحينْ

عَليكِ السّلامُ

لا حاجةَ لي بالسّكينْ

كفَى ما فعلتْ بي عيناكِ

شُكرا سيّدتي

سَلِمَتْ يداكِ

قَشِّريني

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعر عبد الحكيم زريّر

ـــــ الزِّينْ يْفَرَّقْ ــــــ

الزِّينْ يْفَرَّقْ

فِيهْ الِّي نِيرَانُو تْحَرَّقْ

وْفِيهْ الِّي وِدْيَانُو تْغَرَّقْ

مْلَوَّنْ مَا عَنْدُو هَوِيَّة

زِينْ جْبَالِي

فَرْفَشْنِي وْبَهْذِلْ بْحَالِي

تْمَلَّكْ وَاقْعِي وْخْيَالِي

شْرَبْنِي وْشَيْ مَا خَلَّى فِيَّ

زِينْ حْمَايِدْ

مِتْفَوَّقْ مِنْ غِيرْ شْهَايِدْ

لاَ لْبِسْ مْڤايِسْ لاَ حْدَايِدْ

وَهْرَة وْهِيبَة وفَنْطَازِيَّة

زِينْ سْبَاسِبْ

حُبُّو فِي مَكْنُونِي رَاسِبْ

مْعَذَّبْنِي وْمَا نِيشْ مْحَاسِبْ

نَعْمِلْ نَاسِي يْفَكَّرْ فِيَّ

زِينْ سْهُولْ

مِتْمَوِّجْ كِي بْحَرْ سْبُولْ

خَلاَّنِي مْرَهْوِجْ مَزْطُولْ

نَاسِي أَهْلِي وِامَّالِيَّة

زِينْ سْوَانِي

بْعِطْرْ زْهُورُو مْلِكْنِي سْبَانِي

مَقْوَى خْمُورُو يَا وْخَيّانِي

سْكِرْتْ مْضَيَّعْ كُلْ ثْنِيَّة

زِينْ حْدُودْ

لَحْظُو بْرَقْ بْلاَشْ رْعُودْ

صَايِدْ حَبْ بْلاَشْ بَارُودْ

صَادْنِي وْمَا جْهِزْ عْلِيَّ

الزّينْ البَحْرِي

نْسَايْمُو سِكْنِتْ فِي نَحْرِي

مْبَدَّعْ مِتْفَنِّنْ فِي سِحْرِي

غْرُفْنِي وْمَا رَسَّاشِي بِيَّ

الزِّينْ الـﭭِبْلِي

مْحَذَّرْنِي مِنُّو الِّي قَبْلِي

وَانَا مْحَذِرْ مِنُّو شِبْلِي

رْيَاحُو عَاتِيَة وْقْوِيَّة

وِالْجَنُوبِي

مْعَرَّضْلِي فِي كُلْ دْرُوبِي

آسِرْنِي بْكِلْمِةْ مَحْبُوبِي

وِبْنَظْرَة يِتْحَكَّمْ فِيَّ

زِينْ صْحَارِي

وَهْجُو حْرَقْنِي شَعْلِلْ نَارِي

مَهْمَا عْمَلْتْ نْحِبْ نْدَارِي

يِغْلِبْنِي وْيُظْهُرْ عْلِيَّ

زِينْ الصُّوَّة

شْرَفْ وْهِمَّة وْصَبْرْ وْقُوَّة

فِي كِلْمَة، مُولاَتُو حْلُوَّة

عَسْلَة صَافِيَة بَرِّيَّة

زِينْ سْوَاحِلْ

بْخُلْخَالُو الْمَايِلْ عَالْكَاحِلْ

مْغَرَّقْنِي وْلْتَوَّة وَاحِلْ

فِي رْمَالُو الِّي غَرِّتْ بِيَّ

زِينْ زْنُوجْ

رَهْوَجْنِي خَلاَّنِي نْمُوجْ

مْدَوَّخْنِي لْتَوَّة مَخْلُوجْ

ﭭلْبِي دَڨ وْصُلْ الْمِيَّة

زِينْ قْصُورْ

فِيهْ شْمُوسْ وْفِيهْ بْدُورْ

وْفِيهْ نْجُومْ فِي فْلَكْ تْدُورْ

شُفْتْ خْيَالُو بَدَّعْ بِيَّ

الزّينْ الْبَلْدِي

نَبْقَى نَحْكِي عْلِيهْ لْوِلْدِي

لاَهُو سِنْدِي لاَهُو هِنْدِي

مَعْرُوفَة بِيهْ الْبَلْدِيَّة

زِينْ عْرَبْ

خُنَّارُو آشْ عَبَّا كْتُبْ

مَنْقُوشْ وبِحْرُوفْ ذْهَبْ

زْرَعْ الْغِيرَة فِي الْغَرْبِيّة

التُّونْسِيَّة

كَامْلَة حُرَّة وْذْكِيَّة

عِلْمْ وْفَنْ وْمَفْهُومِيَّة

بِنْتْ بْلاَدِي فِي عِينَيَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

*قصيدة الشاعر أحمد شاكر بن ضيّة

ــــــــــ من باب الشعراء ـــــــــــ

قلباب شفاهٌ تُنشِدهُ * نَغمًا، والرّوح تُردِّدُهُ

تَدعو الغاويين إلى بلدٍ * أنهارُ الشعر تُعمّدهُ

من ذا يتتبّع أغنيةً * في رحلة عشقٍ تُجهدُهُ؟!

لا نور له إلاّ قبسٌ * من برق اللَّحن سيرشدُهُ

يمشي في الأمسِ على وترٍ * مشدودٍ ينقرهُ غدُهُ

لن يعبُرَ غُنّتها خطوٌ * كَسَرَ الإيقاعَ تَرَدُّدُهُ

لن تفتحَ باب السرِّ له * ما دام الرّيبُ يُصفَّدُهُ

هل يسمع رَجعَ مآذنها * وصدى الترتيل يهدهدهُ؟!

ورنينَ خَلاخِلِ نِسوتِهَا * يُشعِلْنَ "الآهَ" فتوقِدُهُ

هل يسمع آلِهةً هَمَستْ * للطينِ فجنّ تورّدُهُ

وبَرتْ من لحن أنوثتها * سهمًا في القلب تسدِّدُهُ

ـ سترى باب الشعراء غدًا * قالت للصبِّ تواعدُهُ

فانصبَّ الليلُ على غدِهِ * "يا ليل الصبُّ متى غدُهُ"؟

 

بقلم: سُوف عبيد

 

 

في المثقف اليوم