تقارير وتحقيقات

عدنان حسين أحمد: مهرجان بغداد للفيلم العربي

يُعيد قاطرة السينما العراقية إلى مَسارها الصحيح ويحتفي بالأفلام العربية

تتواصل الاجتماعات والمؤتمرات التي تتعلق بانطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان بغداد للفيلم العربي في 12 كانون الأول / ديسمبر 2023م وتستمر لغاية السابع عشر منه. ونتمنى، نحن المعنيين بالشأن الثقافي والفني، أن يُتوّج هذا المهرجان بالنجاح خاصة وأنّ القائمين عليه هم نخبة من الأكاديميين والفنانين، والنقاد السينمائيين إضافة إلى فريق إعلامي محترف يتابع هذه المؤتمرات والأنشطة الفنية ويحيطنا علمًا بكل جديد. ففي المؤتمر الذي عقده د. جبّار جودي العبودي، نقيب الفنانين العراقيين، ورئيس المهرجان في قاعة النقابة يوم السبت المصادف 26 آب / أغسطس 2023م قال بأنّ الدورة الأولى تحمل اسم المخرج الكبير محمد شكري جميل (1937م) الذي عرف بأفلامه النوعية مثل "الظامئون"، و "الأسوار"، و"المسألة الكبرى"، و "الفارس والجبل"، و "اللعبة"، و "الملك غازي". وأضاف د. جودي أنّ جميع القائمين على المهرجان حريصون على أن يكون هذا المهرجان متكاملاً لا تشوبه النواقص والعثرات اللوجستيه "وأن يليق بسمعة العراق ومثقفيه وفنانيه وسينمائييه". ولعلنا نراهن على خبرات المنظِّمين للمهرجان وقابلياتهم الأكاديمية والفنية في آنٍ معًا. فالدكتور جبار جودي، رئيس المهرجان، هو مصمم، وسينوغراف، وممثل، ومخرج مسرحي، وحاصل على دبلوم وبكالوريوس في الإخراج المسرحي، وماجستير ودكتوراه في جماليات وتقنيات المسرح. أخرج أربع مسرحيات من بينها "محنة" و "خيانة"، كما أخرج فيلمًا يحمل عنوان "فيلم" سنة 2017م، وشارك في العديد من المسلسلات التلفازية ونال عنها بعض الجوائز المهمة كان آخرها جائزة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عن إخراجه لمسرحية "حصان الدم" المأخوذة عن مسرحية "مكبث" لشكسبير. أمّا مدير المهرجان فهو الدكتور حكمت البيضاني، رئيس قسم السينما والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة في بغداد. ولو وضعنا مؤلفاته الخمسة وأطاريح الماجستير والدكتوراه التي ناقشها جانبًا واكتفينا بمهرجانه الجميل الذي ينضوي تحت عنوان "3 دقائق في 3 أيام" الذي انطلقت دورته الأولى في3 آذار 2013م، فهو وحده يكفي لتأهيله لإدارة المهرجان. والمُلاحظ أنّ الرقم "3" هو القاسم المشترك لكل فعاليات مهرجانه النوعي، فلجان المشاهدة والتحكيم والجلسات النقدية تتحدّد بثلاثة أشخاص، ومدة الفيلم لا تزيد عن ثلاث دقائق، وجوائز المهرجان ثلاث فقط. كما أنّ المهرجان يبدأ في الساعة الثالثة من الشهر الثالث من كل عام. هذا إضافة إلى متابعة الدكتور حكمت البيضاني لبعض المهرجانات العربية والأوروبية مثل القاهرة و "كان" وبرلين وفينيسيا ومحاولة نقله بعض التجارب السينمائية العالمية إلى العراق. فحينما يتحمّل شخص مثل البيضاني مسؤولية إدارة المهرجان فلا نتوقع منه إلاّ النجاح والتألق وقد وصفه الدكتور جودي "بالشخصية الأكاديمية والمهنية في وقت واحد". وحسنًا فعل القائمون على المهرجان حينما اختاروا الفنانة الدؤوبة آسيا كمال نائبة لرئيس المهرجان ومديره في آنٍ معًا فهي تتوفر على خبرة جيدة في العمل الإداري مثلما تمتلك شغفًا كبيرًا في التمثيل التلفازي والسينمائي وقد اشتركت في عشرة أفلام أبرزها "في ليلة سفر" للمخرج بسّام الوردي و "مطاوع وبهية"، و "يوم آخر" لصاحب حدّاد، كما اشتركت في عشرات المسلسلات التي تبدأ بـ "عزيزة يمّه" وتنتهي بـ "الماروت". ونالت جائزة أفضل ممثلة عراقية لعاميّ 2010م و 2011م على التوالي. كما أن اختيار الإعلامية المثابرة عائشة الدوري كمساعدة لمدير المهرجان هو دليل آخر على دقة انتقاء في الجانب الإعلامي لبعض الشخصيات النسوية التي تتحدث اللغة الإنگليزية بطلاقة وتستطيع أن تتحاور بها في حال وجود ضيوف وإعلاميين أجانب. كما أنّ هاتين السيدتين ونساء أخريات سوف يُضفين لمسات أنثوية رقيقة على المهرجان برمته.3641 مهرجان بغداد

يشتمل المهرجان على عدد من الأنشطة الفنية والثقافية الموازية للعروض السينمائية مثل ورشة "كتابة السيناريو" التي يحاضر فيها السينارست ناصر طه، وورشة "الإخراج السينمائي" التي يتحدث فيها مخرج عربي معروف سيُعلن عن اسمه لاحقًا، وهناك ندوة فكرية بعنوان"تعزيز سبل الإنتاج السينمائي العربي المشترك" تسهم فيها أسماء معروفة في هذا الصدد. وإضافة إلى هذه الأنشطة هناك توقيع لخمسة كتب سينمائية وهي "مذكّرات مدير إنتاج سينمائي" للراحل ضياء البياتي و"الفيلموغرافيا العربية 1927 – 2023" للناقد مهدي عباس و"مواثيق السينما العربية" للدكتور علي الربيعي وحفل توقيع كتاب الفنان عبد الحسين ماهود "13 سيناريو فيلم روائي قصير" وعدد جديد من "مجلة السينمائي" التي يرأس تحريرها الإعلامي المواظب عبدالعليم البنّاء. أمّا ضيوف المهرجان فقد أكد الدكتور جودي بأنّ 60 ضيفًا سوف يحضرون من الوطن العربي وبقية بلدان العالم، و 60 شخصية فنية من المحافظات العراقية المساهمة في أعمال المهرجان، بالإضافة إلى النحات أحمد البحراني الذي صمم وأنجز تروفي المهرجان.

أكدّ البيضاني أنّ تنظيم مهرجان سينمائي عربي ليس حدثًا جديدًا على العراقيين فلقد سبق لهم أنّ رسخوا تجارب مهمة في هذا المضمار ولكن المعنيين في المهرجان سيركزون قليلاً على الأفلام العراقية من دون أن يغفلوا الأفلام العربية التي تجتاز مرحلة الفحص والاختيار على وفق الشروط الفنية المرسومة سلفًا للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة وأفلام الأنيميشن وقد تسلمت لجان المهرجان 130 فيلمًا حتى الآن كانت مُشاركة العراق هي الأعلى بواقع 40 فيلمًا، تلتها مصر بـ 36 فيلمًا، فيما قدِمت الأفلام الأخرى من سورية وتونس والمغرب والسودان وفلسطين والسعودية واليمن. وفيما يتعلّق بمسابقة السيناريو فقد تقدم للمسابقة 117 سيناريو ستختار منها اللجنة سبعة سيناريوهات لإنتاجها من قِبل المهرجان على أن تُسند لها الميزانيات المناسبة على وفق متطلبات الفيلم.3642 مهرجان بغداد

لم ينطلق هذا المهرجان من فراغ فبينما كان السينمائيون العراقيون بمختلف اختصاصاتهم يحاولون تحريك المياه في البحيرة السينمائية الساكنة قدّم المخرج سعد نعمة والإعلامي عبدالعليم البنّاء طلبًا بإقامة مهرجان أفلام الخليج اقتداءً ببطولة "كأس الخليج العربي 25" وأوصلت الجهات المعنية المقترحَ إلى رئيس مجلس الوزراء لكنه ارتأى ألا تُحصر التجربة بالخليج العربي فقط وإنما تنفتح على العرب فوافق مجلس الوزراء على الصيغة المعدّلة بميزانية مضاعفة بلغت ملياريّ دينار يتم استحصالها عن طريق وزارة المالية.

ثمة عوامل كثيرة تساعد على إنجاح المهرجانات السينمائية كما أنها تعطي فكرة جيدة عن مهرجان دون آخر نذكر منها حقيبة المهرجان التي يجب تُصمم بشكل جيد ولافت للنظر ويوضع بداخلها، تمثيلاً لا حصرًا، كتالوغ المهرجان بنسختيه العربية والإنگليزية، والكتالوغات الموجزة لكل مسابقة على انفراد، والكتب السينمائية التي يطبعها المهرجان، وباجات الضيوف والمدعوين من داخل العراق وخارجه، ونشرة المهرجان اليومية، وبقية المستلزمات الأخرى التي يوفرها المهرجان لضيوفه. تبذل المهرجانات الحِرفية جهدًا كبيرًا لتوفير وسائل النقل الحديثة التي تحمل اسم المهرجان وشعاره وتتحرك بانسيابية من الفنادق إلى صالات السينما وقاعات المحاضرات والأنشطة الفنية الموازية وبالعكس. كما يتم التركيز على حُسن استقبال الضيوف وتوديعهم بحرفية وحميمية وإتقان يتذكره الضيف لمدة طويلة من الزمن. وفي الختام أتمنى على الأخوة القائمين على المهرجان أن يأخذوا بهذه الملحوظات التي استقيناها وتعلمناها من مهرجانات عربية وعالمية ناجحة لا يمكن أن تغادر ذاكرة الضيف بسهولة، وأعتقد أن نُخبنا الثقافية والفنية في العراق قادرة على أن تكون أنموذجًا يُحتذى به في عالمنا العربي في أقل تقدير.

***

عدنان حسين أحمد

في المثقف اليوم