تقارير وتحقيقات

سمير قاسم وهديل صباح سفراء السلام.. ثقافة التكريم رسالة تشجيع وتحفيز نحو الأفضل

مكي كشكولمما لا شك فيه ولا ريب أن الدول والمجتمعات لا تقاس بوفرة عديد نفوسها ولا بكثافتها السكانية، فقد تكون كثرة عدد السكان عبئاً يستنزف الموارد، لأنها كثرة إستهلاكية أكثر منها إنتاجية، وإنما تقاس الدول والمجتمعات بقوتها السكانية النوعية، المتمثلة في كفاءات أبنائها، وقدراتهم المتميزة علمياً وعملياً. حيث كان العرب يقولون عن المتفوق في شجاعته وعلمه وأدبه: "رجل كألف". فالكفاءة والإبداع هي مصدر قوة الدول والشعوب. والمجتمع الأقوى هو الذي تكثر فيه الكفاءات وقدرات الإبداع بين أفراده.

ولعل من أهم أسباب إرتفاع مستوى حركة الإبداع والتفوق في أي مجتمع هو التشجيع وإحترام الطاقات وتقدير الكفاءة والإبداع، والذي يعتبر أحد مظاهر الرقي وطرق التقدم. فالمجتمعات المتقدمة عادة ما تحرص على توفير أكبر قدر من الإحترام والتشجيع للطاقات والقدرات المتميزة من أبنائها، بينما تنعدم أو تتضاءل مثل هذه الحالة في المجتمعات المتخلفة.

لذلك فإن تكريم المبدعين أمر جميل، ولكن الأجمل أن يكرموا في حياتهم، وخلال رحلة عطائهم، حتى يشعروا بحلاوة هذا التكريم، بين أحبتهم وأهلهم ومعارفهم. وعليه يجب أن يكون التكريم لائقاً ومميزاً، حيث إن الإبداع موهبة، وإن تكريم المبدع في حياته يرفع من معنوياته أكثر فأكثر، فيزداد إبداعاً، حيث يمثل التكريم بالنسبة للمبدعين في جميع المجالات، إعترافاً من المجتمع بإبداعاتهم. فالكفاءة يجب أن تحترم لذاتها وعطائها، بغض النظر عن إتجاهها الأيديولوجي والسياسي والمذهبي أو خلفيتها العرقية والدينية.

1162  سمير قاسم 1

وفقاً لذلك، يجب ألا يهضم حق المبدعين والمتميزين في التكريم والإشادة بجهدهم وإنجازاتهم، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين لم يألوا جهداً في تقديم أفكاراً جديدةً ويبذلوا ما في وسعهم من أجل الوصول إلى آليات تسهم في تطوير المجتمع وتقدمه، والتي أخذت من حياتهم الجهد والعرق والوقت، وقضوا سنوات في الكفاح ومواجهة الصعوبات. فلم يكن ما توصلوا إليه من مجد وعلياء وما قدموه من إنجازات بالأمر السهل، فكل مبدع يواجه العديد من الصعوبات في عمله وفي نهاية هذه الرحلة المريرة والسنوات الطويلة والعناء على كل من يقدر الجهود ويثمن الكفاءة والإبداع والموهبة والنبوغ أن يقدر ويشيد، وفي النهاية يكرم هذه الطاقات وهذه الكفاءات.

1162  سمير قاسم 2

وبما أن كادر الفضائية العراقية ممثلةً بالسيد سمير قاسم والسيدة هديل صباح شخصيتين سويتين وراقيتين ومتحضرتين، ومحترمين لذاتيهما ومقدرين لعملهما، ولديهما القدرة على التعبير عما يختلج في أعماقهما وعما يختزناه من إنطباعات ومشاعر، من خلال مبادرتهما لإبرازها بتسليط عدسة الكاميرا عليها وتقديمها بشفافية وحيادية وموضوعية ومهنية. وبما أنهما أفنيا سنوات من الجهد والعمل المتواصل، وتقديراً لما قدماه من عطاء وما بذلاه من جهود في تواصل الجالية العراقية بوطنها الأم من خلال تغطيتهما لمختلف الفعاليات الدينية والسياسية والإجتماعية والثقافية والأدبية والرياضية التي تقيمها الجاليات العراقية والعربية وغيرها من الجاليات وتوثيقهما للعديد من جوانب الحياة المعاشة للعراقيين والعرب في أستراليا وتفردهما بتصوير جمال وسحر البيئة الطبيعية لأستراليا عبر التقارير والبرامج ونقلها لبلدنا الأم وإلى مختلف أرجاء العالم، فقد حضيا، من ضمن أربعة شخصيات، بالتكريم في الحفل الذي أقامته منظمة السلام العالمي، والتي مقرها كوريا الجنوبية، والذي تقيمه كل عام في دولةٍ مختلفةٍ. وقد أقيمت مراسيم إحتفال هذه السنة في مدينة سيدني الأسترالية، حيث كان حفلاً مميزاً من ناحية عدد ونوعية الحضور والشخصيات التي تم تكريمها. ولا تفوتني الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تكرم منظمة السلام العالمي قناة عربية على هذا المستوى، والذي كان من حصة الفضائية العراقية.

1162  سمير قاسم 3

وبالرغم من كل ما حظيا به من شهادات تقديرٍ وتكريمٍ، فلم تتراكم على نفسيهما حجب قاتمة من نوازع الأنانية والحسد لتمنعهما من تقديرٍ للمستحقين وتكريمٍ للمبدعين من خلال تغطيتهما للعديد من حفلات التكريم لمختلف الشخصيات ومن مختلف الأعراق والأديان، والتي تقيمها مختلف الجاليات في أستراليا إحتفاءاً بأبنائها المتميزين والمبدعين. فلم تمتليء نفسيهما بحب الذات، ويسيطر عليهما الغرور، وتتضخم لديهما الأنا بحيث لا يران أحداً غيرهما مستحقاً للمدح والتقدير، وينزعجا ويتذمرا حينما يشاد بآخرين، وقد يكون ذلك ناتجاً من شعور عميق بالنقص والضعف، يستثيرهما ذكر كمال الآخرين وتفوقهم. بالإضافة إلى ذلك فهما صاحبا مسيرةٍ إعلاميةٍ حافلةٍ بالتميز والأداء المهني، وما زالا مستمرين في مسيرة العطاء، لذلك فليس بالأمر المستغرب أن يكونا من ضمن من وقع عليه الإختيار للتكريم هذا العام.

1162  سمير قاسم 4

وفي إعتقادي الشخصي، أن هذا التكريم يمثل لمسة وفاء من هذه المنظمة تجاه المبدعين وأصحاب الإنجازات، وهذه رسالة مباشرة منها لأولئك المكرمين، عنوانها التقدير والإحترام والفخر بعطائهم وإبداعاتهم وإنجازاتهم الرائعة. بالإضافة إلى ما تقدم، فإن التكريم كثقافة وقيمة وسلوك بحاجةٍ ماسةٍ لأن يتجذر في فكرنا ومزاجنا وقناعاتنا، لأنه المحرض على البذل والعطاء والإخلاص، والمحفز على ديمومة التميز والإبداع والإنجاز.

ولعل مسألة الإحتفاء بالمكرمين والكفوئين بهم إعلامياً، وتكريمهم إجتماعياً سيكون عاملاً في تشجيعهم وتقديرهم، وفي رفع معنوياتهم، وإمتصاصه لآثار الكد والعناء الذي واجهوه وسيواجهونه في طريقهم، مما يجعلهم أكثر عزماً وتصميماً على الإنجاز والتقدم. فتقدير الكفاءة يساعد على تنميتها وتطويرها، ويدفع أصحابها إلى المزيد من العطاء والإنجاز، ويكرس في نفوسهم حب مجتمعهم، والإخلاص إليه، والتفاني في خدمته، وسيرفع درجة الطموح والتطلع نحو التقدم والإبداع لديهم، مما سيحفزهم ليجتهدوا في وضع البرامج، وإبتكار الأساليب. بينما قد يثبط تجاهل الكفاءات نشاطها، ويصيبها بالإحباط، وفي أحسن الفروض، تسلك طريق النزوح والإغتراب، أو ما يصطلح عليه في وقتنا الحاضر بهجرة الكفاءات والعقول.

وفي الختام فقد أثلج تكريم المبدعين سمير قاسم وهديل صباح  صدور جميع المغتربين العراقيين والعرب وملأ قلوبهم الغبطة والفرح والسرور، لأن تقدير أي كفاءة في المجتمع، يعتبر تكريساً لمنهجية صحيحة، إذا تأكد وجودها، عندها ستشملهم بركاتها وآثارها كغيرهم من المؤهلين. فالتفوق والإبداع لا يتأتى إلا ببذل جهدٍ، وتحمل عناءٍ، لذلك يكون المتفوقون قلة، لأن أكثر الناس يتقاعسون ولا يرغبون في إتعاب أنفسهم وإجهادها.

 

الدكتور مكي كشكول

سيدني - أستراليا

 

في المثقف اليوم