تقارير وتحقيقات

علي حسين: عندما التقينا محفوظ والشرقاوي في حي الحسين

"هذا المكان يسكن في وجداني.. عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً، أشبه بنشوة العشاق"، هذا ما قاله نجيب محفوظ في حواره مع رجاء النقاش والذي نشره في كتابه " في حضرة نجيب محفوظ ".

تذكرت هذه الكلمات وانا أتجول في القاهرة التاريخية حيث وجدت نفسي محاطا بأجواءٍ خاصة يمتزج فيها التاريخ بصخب الحاضر. كانت هذه الشوارع مخزنا لذكريات نجيب محفوظ. ويرتبط حي الحسين بالذات عند نجيب محفوظ بذكريات كبيرة، فقد ظل نجيب محفوظ يحمل هوى خاص لهذا الحي فهو يقول لرجاء النقاش في كتابه " صفحات من مذكرات نجيب محفوظ ": " امي السيدة الامية التي كانت مخزنا للثقافة الشعبية، عشقها لسيدنا الحسين وزيارتها الدائمة للاديرة والمتاحف، كانت مغرمة بسيد درويش ".3377 نجيب محفوظ

وفي مكان آخر يضيف: " منذ مولدي في حي الحسين، وتحديدا في يوم الإثنين 11 كانون الاول عام 1911 وهذا المكان يسكن في وجداني.عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدا، أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائما بالحنين إليه لدرجة الألم. والحقيقة أن ألم الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي. حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين ". ويقول لجمال الغيطاني في كتاب نجيب محفوظ يتذكر: " كنت اتردد على الحي بافتتنان لا حد له، وتبلغ سهراتنا في منطقة الحسين اجمل لياليها في رمضان، كنا نمضي الى الحسين لنسمع الشيخ علي محمود ونقضي الليل كله حتى الصباح، كان ذلك اثناء دراستي، ثم اثناء وظيفتي،تعرف اني لم انقطع عن منطقة الحسين، اغلب رواياتي كانت تدور في عقلي كخواطر حية اثناء جلوسي في هذه المنطقة، يخيل الي انه لابد من الارتباط بمكان معين، يكون نقطة الانطلاق للمشاعر والاحاسيس "

دخلنا متحف نجيب محفوظ أنا والأصدقاء الدكتور مؤيد آل صويت والدكتور احمد الزبيدي والروائي خضير فليح الزيدي، في الواجهة نقرأ متحف نجيب محفوظ ونحته عبارة "تكية محمد بك أبو الذهب " ذلك المبنى الأثري المكون من طابقين ويعود تاريخه إلى عام 1774، والذي تم تخصيصه من جانب وزارة الثقافة المصرية لاحتضان المتحف منذ منتصف عام 2019. وتم اختياره تحديداً لقربه من المنزل الذي وُلد فيه نجيب محفوظ بحي الجمالية في القاهرة. تجولنا في المتحف الذي تضم قاعاته عدة مراحل من سيرة محفوظ.

يقول نجيب محفوظ لمحمد سلماوي في كتابه " في حضرة نجيب محفوظ " أنه لطالما اعتبر التكيّة في عالمه القصصي، الذي استخدم فيه في كثير من الأحيان الحارة أو الزقاق كوقفة تعبّر عن المجتمع المصري عمومًا، كطريقة ترمز إلى “المركز الروحي”.3378 نجيب محفوظ

تضم منطقة الحسين عدة معالم حضارية وأثرية، تؤرخ للحضارة الإسلامية في مصر، في ذلك الحي الذي يشتهر بجوهرته الرئيسة، الأزهر الشريف، ومسجد الحسين في الجهة المقابلة، ومنطقة خان الخليلي. عمر هذه المنطقة قرابة الألف عام، فقد تم بناء مسجد الحسين والمنطقة المحيطة به في عهد الفاطميين عام 549 هجرياً تحديداً. ويتوسط المسجد تلك المنطقة، وهو المسجد المكون من ثلاثة أبواب بالرخام الأبيض إضافة إلى الباب الأخضر. مطلاً على منطقة خان الخليلي، بمئذنته.

تزخر هذه المنطقة بالعديد من المساجد الأيقونية والبوابات والأسواق والأزقة المتعرجة التي ترجع بتاريخها إلى قاهرة العصور الوسطى. على الرغم من انتقال محفوظ إلى مكان آخر في فترة المراهقة، إلا أن أحداث العديد من كتبه، بدءًا من ثلاثيته الشهيرة، دارت هنا.

يقول نجيب محفوظ لمحمد سلماوي في كتابه " في حضرة نجيب محفوظ " أنه لطالما اعتبر التكيّة في عالمه القصصي، الذي استخدم فيه في كثير من الأحيان الحارة أو الزقاق كوقفة تعبّر عن المجتمع المصري عمومًا، كطريقة ترمز إلى “المركز الروحي”.

في الحوار الذي أجراه عبد الرحمن ابو عوف مع الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي قال الأخير ان ذكرياته عن الحسين ارتبطت بامه التي كانت تحكي لابنها الصغير ما جرى للحسين من مإساة، وظلت ذكرى احاديث أمه عن الحسين ترافقه عندما انتقل إلى القاهرة ليدرس الحقوق عام 1943 سكن بالقرب من حي الحسين.3379 نجيب محفوظ

في ثنائيته المسرحية " الحسين ثائر – الحسين شهيدا " حاول عبد الرحمن الشرقاوي ان يتناول كل ما هو انساني في هذه الملحمة، حيث يصور لنا بطلا تراجيديا يسير إلى مصيره وهو مدرك انه سيىلاقي مصرعه لانه يدرك ان المبادئ التي يدافع عنها ستنتصر وتزدهر إذا وهبها دمه. ويعرض لنا الشرقاوي موقف بطولي من اروع المواقف لا في التاريخ الاسلامي وانما في التاريخ الانساني باسره. بل ان الشرقاوي استطاع من خلال المسرحية وبجرأة نادرة ان يقف ضد الظلم المعاصر الذي يعيشه الانسان العربي.

وها هو صوت الحسين يدوي:

إيه يا أرواح آبائي واسلافي العظام

اصرخي كي ينهض الغافون في وجه الظالم

ثم يقول:

انثري الاشلاء في وجه الرياح العاتية

تحمل النقمة للظالم واللعنة للساكت عنه

وتبث الندم الفاجع في اعماق من صف له

بعدها سنعرف ان دماء الحسين ستشرق نهارا جديدا:

الحسين: من قلبي الدامي ستشرق روعة الفجر الجديد

من حر اكباد العطاش سينبع الزمن السعيد

طوبى لمن يعطي الحياة لقيمة اعلى عليه من الحياة.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

القاهرة

في المثقف اليوم