أوركسترا

الضوء والإنارة واللون في السينما (3-4)

جواد بشارةمقابلة مع هنري آلكان

عندما ذهبنا لمقابلة هنري ألكان عن عمله مع المخرج الفرنسي من أصل شيلي راؤول رويز، كان ذلك بقصد عدم الالتزام بالعموميات بخصوص استخدام الضوء والإنارة في السينما ولكن فقط الخوض في التفاصيل والأساسيات الملموسة  لهذا العمل المهني الساحر. تساءلنا عما إذا كان سيقبل برفع زاوية من الحجاب الذي يغطي عمله ويوضح لنا بضع نقاط محددة،السرية أو الخافية من " المهنية الدقيقة التي تبحث  في سر مهنة إدارة التصوير والتحكم بالضوء والإنارة السينمائية المحترفة". اتخذ هذا الاجتماع منعطفاً تجاوز توقعاتنا. حصلنا منه عملياً على شرح وافي لقطة بلقطة ، مع كرم تعليمي بلا تحفظ. فقد بدأ يتحدث إلينا عن عمله في أفلام رويز، وكان كلامه مدعوماً بمخططات ورسوم توضيحية وستوري بورد . في الواقع، لكل "لقطة صعبة" – كانت تلك التخطيطات والرسوم التحضرية هي التي تسعف  ألكان، بعد 40 سنة من بدايته في المهنة، وعمله مع الأكثر ابتكارًا وخلقاً وألمعية من صانعي الأفلام  الشباب - يستعد لعمله لليوم التالي برسم دقيق حيث يقوم بإعداد جهاز الإضاءة اللازم و والإنارة المطلوبة للمؤثرات الخاصة. يأتي سحر الوهم بثمن الدقة لهذا الحرفي. هذه هي الدفاتر الثمينة التي كان يتصفحها معنا ... دفاتر الملاحظات مفروشة أمامنا قبل البدء بالمقابلة.

كاييه دي سينما: هل يمكنك أن تخبرنا كيف التقيت براؤول رويز؟

هنري ألكان: تم ذلك بفضل  زميل وصديق هو مدير التصوير السينمائي ساشا فييرني. قال لي ساشا ذات يوم: "ألكان، أنا لست حرًا، هل يمكنك أن تحل  مكاني مع راؤول رويز، المخرج التشيلي الذي يعيش في فرنسا منذ عدة سنوات، والذي أعمل معه عادةً. " يجب أن أشيد بساشا فييرني لأنه من النادر أن يضع مدير التصوير أحد زملائه على اتصال مع المخرج الذي يعمل معه عادة. كان موقفه هذا ينبيء عن ثقة كبيرة ويظهر تعاطفاً كبيراً وصداقة عظيمة بيننا. منذ ذلك الحين، يجب أن أقول إن الظروف سمحت لي، في كل مرة يكون فيها ساشا فييرني منشغلاً بفيلم آخر مع مخرج آخر،  تتوفر لي الفرصة لإعادة العمل مع راؤول رويز الذي، بالنسبة لي، هو مخرج استثنائي للغاية وله بصمة وجودة  متميزة. أعتقد أنه يمكنني أن أقول بسهولة إلى حد ما بأنه في وقت لاحق سيتم تصنيفه من بين عمالقة الإخراج. هل رأيت فيلم "انقسامات الطبيعة؟" أعتقد أن راؤول قبل هذا العمل لأنه لم يكن هناك مخرج تليفزيوني يريد القيام به. بدا لهم هذا الفيلم أكثر من أن يكون فيلمًا سياحيًا. قال الجميع:

"أوه! وم أن قصر تشامبورد صار معروفاً ومكرراً. لقد كان لدينا ما يكفي من الأفلام ومللنا منه خاصة تلك التي تدور حول القلاع والقصور والنزهات! ولكن مع راؤول، اتخذ المشروع على الفور بعدًا آخر. لقد عثرت على بطاقة بريدية لتذكيرك بوجود تأثيرات متنوعة للشمس.

لقد راقبت ودونت بدقة شروق الشمس، والساعات، ووقت ا والاستراحة وزمن التعريض عند شروق الشمس. أدركت أنه في يونيو حزيران، لم يكن هناك فقط، كما هو الحال دائمًا، جميع الظواهر المعقدة التي ترافق صعود النهار، وإنارة السماء وجمال الألوان التي تتغير دقيقة تلو الأخرى (من حيث المهنة نقول أن درجة حرارة لون الشمس تتغير)، بل وأيضاً أن كثافة الشمس تتضاعف كل خمس دقائق، مما تسبب في مشاكل فنية وتكنيكية. كانت المشاكل الفنية أيضًا معقدة للغاية، لأن راؤول قد صاغ السيناريو ليس كفيلمًا سياحيًا عاديًا، بل فيلمًا غارقاً تمامًا في الخيال. هذه هي الطريقة التي أعمل بها. دائمًا ما أقوم بوضع خطة صغيرة للمكان الذي يجب أن نصور فيه، ثم أشرح للكهربائيين وللعمال، بعد التفكير في زاوية الكاميرا، كيفية وضع أجهزة الإنارة. عندما أجد المستندات والوثائق، أضعها موضع التطبيق، وعندما لا يكون لدي أي وثائق، ألتقط الصور. اتضح أنه مع راؤول رويز Ruiz، كانت المشاكل المطروحة معقدة للغاية، بسبب المؤثرات الخاصة. في إحدى اللقطات، على سبيل المثال، أردنا أن نظهر ما يجري في رأس فرانسوا الأول. لقد وجدنا تمثالًا جميلًا للغاية، وهو تمثال نصفي لفرنسوا الأول، والذي قمنا بنقله إلى مكان التصوير بتفويض لطيف من الحراس، وشرعت في جميع أنواع التزييف بمرآة مزدوجة والابتكار والارتجال كي أتمكن من جعل  فرانسوا الأول موجودًا أو حاضراً أمام الكاميرا، ثم يبدو كأنه يتلاشى لإفساح المجال لصورة قصر شامبوردChâteau de Chambord. بالضبط كما لو كان فرانسوا الأول تخيل قصره  المستقبلي.

كاييه دي سينما: كل هذا في لقطة واحدة؟

هنري ألكان: نعم ! المثير للاهتمام في راؤول هو أن هذه المؤثرات الخاصة ليست مؤثرات خاصة معدة مسبقًا يتم تنفيذها في المختبر، مؤثرات خاصة مصممة علمياً، ولكن على العكس هي مؤثرات خاصة نقوم بها في الموقع، مع كل شيء ما يتضمن ذلك من التعديلات والاختراعات والابتكارات التي تفرضها اللحظة ا أثناء التصوير.

كاييه دي سينما: أليس من الصعب التخيل والتحكم عند القيام بذلك أثناء التصوير. على سبيل المثال، هذه اللقطة، هل يمكن لراؤول رويز رؤيتها في لحظة التصوير؟

هنري ألكان: نعم، لأننا نقوم بالتدريبات. تقع الكاميرا هنا وبالتالي يتم وضع عين المصور وعين المخرج في لحظة معينة في محور الكاميرا، إذا لزم الأمر النظر من خلال العدسة وأثناء التمرين، أقترح عليه وهو يتأمل ويتمعن بسرعة، يقتنع أو لا يقتنع، (أحب العمل كثيراً  مع راؤول رويز لأنه مخرج يتمتع بمرونة العقل يتعاطى ويتعامل ويتقبل الفكرة المطروحة عليه، ينظر للمصور  ومدير التصوير فنستنتج أنه يسعى لمحاولة تحقيقها، حتى لو كان ذلك يعني إدراكها وإنجازها مع تعديلات). في الحالة التي تثير اهتمامنا، كانت هناك كاميرا، ومرآة بإطار ذهبي تعكس تمثال نصفي لفرانسوا الأول. ثم تضاء  بروجيكتورات الإضاءة وتضيء التمثال النصفي، وفي مرحلة ما رتبنا أن تنطفئ الأضواء على التمثال النصفي ونشعل أجهزة إنارة أخرى أي بروجيكتورات أخرى لإضاءة صورة لقصر دي شامبورد. باختصار، لدينا طباعة متراكبة أو عملية مزج surimpression، ولكنها طباعة متراكبة بطيئة محسوبة وليست ميكانيكية، إذا أردت، طباعة متراكبة يتم تعديلها وفقًا للشعور الذي لدينا للصورة التي تظهر. كانت حيلة لطيفة.

كاييه دي سينما: يمكن أن نرى الديكور في الخلف ...

هنري ألكان: نعم، يظهر الديكور في مرحلة ما بالشفافية. كان التمثال كله محاطًا بالدخان الذي مسح الصورة في وقت ما وبطريقة فنظازية نوعاًما. كانت خدعة تصويرية جميلة ومؤثر بصري جميل..

كاييه دي سينما: لكن القيام بالتأثيرات الخاصة عند التصوير هو أمر نادر للغاية هذا الذي فعلته مع راؤول مرة أخرى.

هنري ألكان: أعتقد أنها حالة استثنائية ببساطة لأنه يوجد نقص أو افتقاد للمخيلة لدىفي معظم المخرجين اليوم، الذين لا يعتقدون أنه يمكنهم استخدام ما يجعل الصورة غير عادية  أو استثنائية وخارقة للعادة في السينما : نظام المؤثرات الخاصة. لأنه في النهاية، هو الفن الوحيد في رأيي حيث يمكننا تقديم عنصر غير عادي تمامًا وإلا فإنه غير موجود، باستثناء المراحل المسرحية مع الأساليب القديمة للاستحضار. فقط السينما يمكنها أن تعطينا صورًا معقدة ولدت بالكامل من خيال المبدعين. إذا لم يكن هناك مبدعون خلاقون، فلن تكون هناك سينما بعد الآن. يجب عليك العودة إلى ميلييه Méliès لتجد في السنوات الأولى من السينما شخصًا موهوبًا بمثل هذا الخيال الذي اخترع مؤثرات خاصة. إلى جانب ذلك، فإن كل هذه المؤثرات الخاصة مستمدة من جورج ميلييه. مع التحسينات والتغييرات، ولكن بالنسبة للجزء الأكبر من عملية الإبداع، إنها Méliès.

ما يهمني أكثر في المؤثرات الخاصة ليس اختبار تأثير خاص واقعي، بل على العكس من ذلك، هو محاولة ترك الواقعية، ودخول النظام الخيالي أو الولوج إلى نظام المخيلة.

كاييه دي سينما:  قام ميلييه Méliès بخدعه ومؤثراته الخاصة  أثناء التصوير ...

هنري ألكان: على وجه التحديد. قام ميلييه بتحقيق مؤثرات خاصة على نحو مباشر، أثناء التصوير، وأعتقد أننا فقدنا ذلك لسببين. الأول هو أن مصنعي الكاميرات أرادوا تبسيط الميكانيكا لدرجة أن الكاميرات الحالية لم تعد تسمح لك بالقيام بالمؤثرات الخاصة التي فعلناها عندما كنت مساعدًا شابًا. لأن كل الخدع تتم على الكاميرات. كاميرا ديبري، و كاميرا ايكلير تسمحان - بعمل التلاشي الفوري، والمزج والتراكب الطباعي والعودة إلى الخلف،

كاييه دي سينما: الآن لم يعد بإمكاننا إرجاع الفيلم الخام الى الوراء في الكاميرا وإعادة تعريضه بلقطات جديدة فوق اللقطات السابقة...

هنري ألكان: لم تعد هناك كاميرا، أو قد تكون هناك الآن كاميرا واحدة تسمح لك بالعودة  إلى الوراء وإعادة لف الفيلم الخام . بالنسبة لي، كان تخلي الصناعيين عن الكاميرات التي تسمح بتنفيذ مؤثرات خاصة كارثيًا. ثانياً، لم يعد هناك تدريب وتأهيل مهني من هذا النوع. لم تعد هذه المدرسة في العمل والتدرب ميدانياً حيث تعلمنا، مع مصور سينمائي، والقيام بمؤثرات خاصة. لم يعد موجودًا أو أصبح نادرًا جدًا. أحاول الاستمرار قليلا. راؤول هو مخرج يحاول تجسيد كل ما يدور في رأسه بكاميرا ومرايا وتأثيرات ضوئية لم يعد أحد يستخدمها.

كاييه دي سينما: لأنه أيضًا من أوائل من تركوا هذه الموضة التي استمرت لمدة عشرين عامًا من الضوء الطبيعي، من بين كل ما جلبته الموجة الجديدة قليلاً، والذي بدأنا في مغادرته الآن، مع فكرة أن الضوء يمكن بنائه وخلقه أيضا.

هنري ألكان: تعيدني إلى موضوع يهمني كثيرًا. فيما يتعلق بتدخل الضوء، ندرك أنه يجب ألا نحاول فقط إعطاء صورة مرئية جسديًا، ولكن صورة قادرة عقليًا ونفسياً على قيادة المتفرج إلى مجال آخر غير المجال المبتذل والمألوف. والعرف السائد. الآن نعود إلى الأضواء التي تم إنشاؤها وفقًا لموضوع ما. وليس فقط على أساس ما ينبغي إظهاره. صحيح أنه في وقت الموجة الجديدة، كنا نميل إلى القول أننا لا"ننير قدر المستطاع  بل كما نريد، ولدينا صورة صالحة جسديًا. "

كاييه دي سينما: أو نقلد الضوء الطبيعي.

هنري ألكان: أعتقد أن هذا يرجع إلى أن السينما كانت أو لا تزال في تيار من الثيمات و الموضوعات الطبيعية وليس الموضوعات التي ولدت من خيال المؤلفين. لم نعد نصنع أفلامًا خيالية، مثل" الحسناء والوحش " على سبيل المثال، لا أرى في العالم مؤلفًا يعالج موضوعًا مشابهًا. فيلم كوبولا، "واحد من القلب"، على سبيل المثال، منحني فرحة كبيرة من حيث اللون والتفسير والتمثيل . ها هو أخيرا مخرج يجرؤ على مهاجمة الطبيعي للدخول إلى طريق أخرى! قد لا يكون الفيلم حقق نجاحًا تجاريًا، كان ذلك متوقعًا. في كل تاريخ الفن، وليس فقط في السينما، يمكننا القول أن هؤلاء الفنانين لم يتبعوا. لكن بعد فترة عدة السنوات، ندرك أن هؤلاء الفنانين كانوا متقدمين على زمنهم، وأنهم جلبوا شيئًا مهمًا وما كان خارجًا تمامًا عن الوقائع السائدة، لذا فقد انتقادهم بشدة الأمر الذي بدا على أنه شيء مهم جدًا  للتقدم في فنهم.  إذا أحببت، سنعود إلى Château de Chambord. مرة أخرى، كانت خدعة صعبة للغاية تلك التي طلبها مني راؤول في الكنيسة. الإضاءة مع كل الصعوبات الموجودة عندما لا يكون لديك الكثير من المنظور والمساحة المكانية أو الامتداد المكاني اللازم ولا يمكنك وضع أجهزة الإنارة والبروجكتورات في أي مكاء يناسبك كما هو الحال في الاستوديو. المثالية بالنسبة لي هي القيام بمؤثرات خاصة في الاستوديو. لقد طلب مني أن أعبر عن مرور الوقت في هذه الكنيسة. كيفية تحديد مرور الوقت في لقطة ثابتة إن لم يكن بنوع من الإزاحة للضوء كما لو أن الضوء الشمسي اجتاز هذه المساحة. في مرحلة ما خلال مسار ضوء الشمس هذا، أراد أن يثير مظهرًا من خلال الطباعة الفوقية المباشرة لرأس الغزلان. بواسطة مرآة شبه عاكسة، مع تجهيزات كاملة لأننا كنا في وضح النهار وليس في ظلام الاستوديو، كان من الضروري إظهار رأس الغزلان هذا الذي يضاء من البروجيكتورات. لقد قضينا يوما كاملاً لإعداد وتنفيذ ذلك.

كاييه دي سينما: يوم كامل لعمل هذه اللقطة  ؟

هنري ألكان: نعم. ولكن يجب القول أن راؤول يدرك تمامًا العمل والصعوبات التي يمثلها. يعرف الوقت الذي يستغرقه ولا يقيس توزيع الوقت إلى ساعتين أو ثلاث ساعات. هذا مهم للغاية لأنه في بعض الحالات، يكون من المستحيل تنفيز ما يدور في رأس المخرج. نظرًا لأن هذه ليست حيلًا علمية، لا يمكننا القول أننا سنفعلها بهذه الطريقة في دقيقة واحدة. •

كاييه دي سينما: هناك القليل من التجربة والخطأ والتركيز.

هنري ألكان: يمكن أن يستغرق ساعة أو يوم.

كاييه دي سينما: هل تصور عدة مرات اللقطة ؟

هنري ألكان: بشكل عام لا، مرة واحدة أو اثنين. في بعض الأحيان نصنع اثنين أو ثلاثة عندما نتمكن من تكرارها وأحيانًا تكون فريدة من نوعها أي لقطة وحيدة، عندما نصور على سبيل المثال صورة صورة من للجليد الذائب على النافذة. مع راؤول، نحضر جميع المواد الهامة، لذلك أفضل التصوير معه في الاستوديو على التصوير في الخارج في الديكور الطبيعي لأنه لا يمكن أن يكون هناك ارتجال في الخارج. نحن بحاجة إلى جميع المعدات في متناول اليد. أحيانًا ننسى أو نحتاج إلى شيء صغير، وإذا كنا على بعد كيلومترات من مدينة أو بازار لشراء شيئين أو ثلاث أشياء لا أهمية لها، فلا يمكننا فعل . ولكن الأكثر تعقيدًا هو المؤثرات الخاصة بالخارج. قال راؤول فجأة: "أود أن أحصل على ثلاث شموس" - التي قللناها إلى اثنين إلى جانب (يضحك): لماذا لا، هناك الشمس الحقيقية ثم الشمس الزائفة. لا يزال وجود شمسين في المشهد صعبًا للغاية. من الواضح أننا نحصل عليه مع المرايا. ولكن بما أننا لسنا سادة شروق الشمس وغروبها، يجب أن نكون حذرين للغاية، في اليوم الأول، أن يستقر الفريق للحصول على الشمسين مع القصر في المشهد.

أكثر ما وجدته استثنائية هو أنني قمت مؤخرًا بإعادة قراءة كتاب قرأته في طفولتي بعنوان "علم الفلك الشعبي لعالم الفلك العظيم كامي فلاماريون"، كتاب كتب قبل أكثر من مائة عام، وقد وجدت فصلاً هناك حيث يتحدث عن ثلاث شموس موجودة في الكون على بعد مئات الآلاف من السنين الضوئية والتي لا يمكن للمرء أن يلاحظها. لا أعرف أكثر من ذلك إذا لم يولد من خيال كامي فلاماريون. يصف كيف تكون الكواكب التي تنجذب عند مسافات رائعة مضاءة بثلاث شموس، لكل شمس درجة حرارة لون مختلفة. هذا يعني أنه سيكون لدينا كواكب (تخيل الأرض) تضاء بثلاث شموس، إحداها حمراء، والأخرى صفراء والأخرى خضراء، لأن هذه الشموس الثلاث، لم تلد في نفس الوقت بدرجات حرارة ألوان مختلفة. وقلت لنفسي: إنه أمر استثنائي، يطرح راؤول مشكلة ولدت تمامًا من مخيلته، والتي تستند على أساس حقيقي. من الرائع أن هذا الشعر يجد صدى في الواقع.

في فيلم الرصيف  Le Territoire، حاولت استخدام عمليات تبديل الألوان باستخدام عملية جديدة أسميها trans color والتي أحاول تطويرها حاليًا. وتتمثل وظيفتها دائمًا في محاولة الحصول مباشرة على تأثيرات ألوان الكاميرا التي يتم فرضها على اللون في المناظر الطبيعية. بمعنى آخر، يتم تعديل المناظر الطبيعية كما تظهر أمام العدسة بواسطة مرشحات ملونة أقوم بدمجها وإضافتها مع إضاءة معينة مباشرة على الطبيعة. لسوء الحظ في Le Territoire، لم تكن لدينا نفس الحرية تمامًا كما هو الحال في إنقسامات الطبيعة Les Divisions de la Nature. وفي مرحلة ما وصلنا إلى نهاية الميزانية ولم يكن لدي الوقت أو الوسائل المالية القدرة على محاولة تطبيق تأثيرات خاصة معقدة. معظم المناظر الطبيعية التي رأيتها في Le Territoire هي تأثيرات ذات تأثير مرآة، تأثيرات مع أنظمة بصرية تضاف إلى العدسة أو مع زجاج مشوه. نستخدم الزجاج المعدني المرن الذي نقوم بتشويهه. لقد أغلقنا جيفري كيم بالكامل في المرايا، كان الأمر مثيرًا للاهتمام وليس سهلاً لأنه لم يكن هناك أي طريقة تقريبًا لإضاءته غير هذه.

كاييه دي سينما: أثناء التصوير ؟ هل الــ trans color المتحرك متجانس بالضرورة على كامل سطح الصورة؟

هنري ألكان: آه لا ! لا لا ! يمكنني أيضًا أن أحصل على نوع من التسرع. ليس بالضرورة لونًا. أراد راؤول غابة تتحول إلى اللون الذهبي إذاً كان ينبغي اللجوء إلى السحر. يجب أن يقال أنه لا يوجد بروجيكتور يوفر الضوء الذهبي. يمكنك الحصول على بروجيكتورات ملونة، أصفر، برتقالي، لكن ذهبي، لا. أخيرًا، اضطررت إلى صنع أشجار من الورق المطلي بالذهب الذي كان يمكن فرضه على الأشجار التي تراها من خلال العدسة. ولكن عندما حاولت عدة أيام متتالية لجعل لعبة القطع الصغيرة هذه، لاحظت أولاً استحالة وضع أشجار ورقية متراكبة بشكل مثالي على أشكال معقدة، وأنه سيكون من الرائع أن تصنع فقط تألق ذهبي على الأشجار. لسوء الحظ كانت قصيرة جدا. إنه مشهد موجود في الفيلم ونراه، لكنني قمت بتصوير قطعة اختبار على بعد أمتار قليلة، ذات مساء عندما كان لدي فريق صغير. كانت هناك كل الكوارث، كانت هناك رياح، كانت هناك أشكال سوداء فقط لأنها كانت تصور أثناء الليل، وكان لا بد من  يكون لديناك مخمل أسود كبير لتجنب الانعكاسات الطفيلية غي المرايا، كان لدي القليل من البورجيكتورات  والقليل من الكهربائيين إضاءة غابة، لم تكن عندي مساعدة، والحال أن السينما هي عمل جماعي وإذا كنا وحدنا  لا نستطيع أن نفعل شيئاً وتطلب التنفيذ الليل بأكمله. وعند الساعة العاشرة ليلاً قال فريق الكهرباء والمعدات أو الآليات يا سيد ألكان علينا أن نعود إلى بيوتنا لدينا عمل غداً صباحاً ويجب أن نتوقف. فاكتفيت بتصوير بضعة لقطات لغابتي الذهبية الاصطناعية وأشجاري الصغيرة الذهبية التي تتطاير في الريح والتي كانت مثبتة بماسكات على خلفية سوداء  ولقد قرر راؤول الاحتفاظ بها داخل الفيلم في المونتاج وتأسفت أنني لم استطع سوى عمل تجربة صغيرة فقط ولم أمضي للنهاية في محاولتي لأنني أعتقد أن لنتيجة كانت ستكون جميلة جداً  إنها غابة ذهبية.

كان علي تجنب الانعكاسات الطفيلية في المرايا، كان لدي عدد قليل جدًا من أجهزة الإنارة وعدد قليل جدًا من الكهربائيين لإضاءة هذه الغابة، لم يكن لدي أي مساعدة لذلك لم تكن النتيجة مرضية تماماً بالنسبة. والسينما هي عمل جماعي تمامًا، إذا كنا جميعًا بمفردنا، لا نفعل شيئًا. توجب علينا أن نعمل طوال الليل. "لذا استدرت لمسافة بضعة أمتار بأشجاري الذهبية الصغيرة التي كانت تطفو في مهب الريح وتم تثبيتها على خلفية سوداء. كانت بعيدة عن الكمال، كانت مجرد محاولة. ومع ذلك، أدرجها راؤول في الفيلم.

كاييه دي سينما: على عكس فيلم تقسيمات الطبيعة، هناك ممثلين في فيلم "الإقليم" le territoire. ما هي علاقاتك مع الممثلين؟

هنري ألكان: هذا سؤال صعب. لا أستطيع أن أقول إنني أحبهم. أنا فقط أحبهم بقدر ما يوجد تواصل ودي حقيقي بيننا. يحدث ذلك، لكنه نادر جدًا. تعتمد الصداقة التي يمكن للمرء أن يحصل عليها مع الممثلين أو الممثلات في نهاية المطاف، كثيرًا عليهم، و على العلاقات التي تربطهم بمدراء التصوير أنفسهم. بشكل عام، أعتبر الممثل أحد عناصر الفيلم، - كدت أقول أن الممثل شيئًا كبقية أشياء الفيلم. إلى جانب ذلك، قبل بضع سنوات، عندما صورت مع كوكتوCocteau، كان يشعر بذلك بشكل جيد للغاية و الممثلة جوزيت دي Josette Day أيضًا فهمت ذلك، لأنها قالت لي عندما وقعت كراسة الاختبار  الخاصة بي:"أنا شيئك". وصحيح أنني نسيت أنني أتعامل رجال و نساء لديهم بطبيعة الحال حساسيتهم واهتماماتهم الخاصة. أنا أعتبرهم كأحد عناصر العمل. وبما أنهم جزء من العمل، فإنني أنسى الجانب الإنساني فيهم تمامًا. وأحيانًا أسيء معاملتهم. أنا غاضب عندما أسمع أصداء مثل تلك أطلقها الممثل براسور: "آه نعم! ألكان، يمكنه أن يضيء الديكورات، لكنه لا يستطيع إضاءة الممثلين! هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، لكنه اعتقد ذلك لأنه غالبًا ما أترك الممثلين في الظل. أدخل الممثل والفعل في تكوين محسوب، أكثر دقة، لتوازن الظلال وانفجارات الضوء، والتي تتوافق مع مأسسة الموضوع. إذا كان يجب أن يكون للممثل أو الممثلة الأولوية في لحظات معينة، فأنا أسلط الضوء عليه أو عليها. إذا كان الديكور هو الذي له الأولوية، فإن الديكور هو الذي يحظى بالاهتمام ويجب أن يستقطب انتباه المشاهد. ويصبح الممثل ثانويًا. هذا يعني أنه يجب عليك اختيار أحد نظامي الإضاءة عند دراسة السيناريو. من الضروري، إما اختيار نظام إضاءة قائم على النمذجة، أو تخفيف الصورة، أو النقش المحفور، أو على العكس لإعطاء تجانس بواسطة إضاءة، إضاءة منتشرة، لا تعطي أية أولوية أثناء التصوير للأشياءأو للمحيط. وفي هذين النظامين هناك إضاءة محترفة، تشير  وتصمم وتركز هذا الشيء أو ذاك، سواء الممثل ا, الإكسسوارات، المباني أو الديكورات، فهي تصمم بالضبط كما فعل الفنانون التشكيليون بدءاً من عصر النهضة. أو  نعمل إضاءة محايدة حيث كل شيء غارق بنفس الإنارة ، الموضوع الرئيسي والموضوع الثانوي. لذا ينبغي أن يكون المخرج على توافق تام مدير تصويره لكي يبين له مفهومه السيكولوجي والجمالي لأن الإثنين معنيين في تلك اللحظة وفيما بعد يمكننا إجراء تعديلات وتميزات بين نوعي الإضاءة،ما يتضمن التعديلات.

ما يهمني أكثر في المؤثرات الخاصة هو عدم اختبار تأثير خاص واقعي، بل على العكس من ذلك، محاولة ترك الواقعية، ودخول النظام الخيالي.

كاييه دي سينما: لقد تعاونت أيضًا مع رؤول رويز في فيلم " ظهر الحوت" Le Toit de la baleine.

هنري ألكان: تم صنع سقف الحوت أو ظهر الحوت نوعاً ما تحت ظروف سينما الهواة. كنت سعيدًا بما يكفي للعمل في هذا النوع من الأفلام على وجه التحديد حتى لا يتم تحديدي دائماً كمدير تصوير يتطلب ويشترط سينمائي موارد هائلة، تتطلب توفر الكثير من الإمكانيات من الناحية التقنية والإنسانية. أردت أيضًا أن أثبت أنه يمكنني العمل على أفلام صغيرة بميزانية منخفضة.

كاييه دي سينما: في نهاية فيلم سقف الحوت توضح تماماً ما قلته لنا سابقًا عن إضاءة الممثلين أو البيئة اعتمادًا على دراماتيكية اللحظة. تصبح المرأة خلف الستارة غير واقعية أكثر فأكثر.

هنري ألكان: الأمر الرائع في راؤول هو أنه ليس كل شيء ليس محدد ومثبت مسبقاً. نحن نعلم أننا سنقوم بتصوير هذا المشهد في اليوم التالي، وأنا  أستمر على طرح تساؤلات على نفسي. أنا في كثير من الأحيان قلق للغاية قبل تصوير المشاهد الصعبة حتى لو لم يصدق الناس من حولي ذلك. إنها غامرة وتسحق تلك المسؤولية التي نتوليها لمدير التصوير، وأحيانًا تنفد الأفكار. لذلك هناك مشاكل يتم حلها فجأة، عن طريق الصدفة. في "سقف الحوت"، ذهبت في نزهة في بازار في روتردام ووجدت الدانتيل على إطار خشبي صغير. أعتقد أنها مخصصة لزخرفة المنازل. قلت لنفسي أنه إذا اشتريت هذا الدانتيل، فربما يمكنني استخدامه أمام العدسة وحصلت على المشهد الذي رأيته حيث توجد هذه المرأة الجميلة. لقد مددت هذه القماشة على مسافة معينة من العدسة، وكانت عدسة طويلة البعد البؤري، وقمنا بتغيير التركيز أو الضبط البؤري عليه أحيانًا، وأحيانًا على الحجاب بالتنسيق مع البروجيكتورات لإضاءة التول أو لجعله أسود. كان هناك ما يشبه اللعبة الموسيقية. اعتقدت أنه كان رائعاً على الصعيد البلاستيكي والجمالي. قال لي راؤول: "كل النص الذي ستقوله غدًا– كان المشهد طويلاً - ستقوله على هذه الصور. لن يكون هناك تغيير في الزوايا أو تنويع في اللقطات، لن تتجول في الغرفة، ستكون ثابتًة". هنا مثال حيث نصل فجأة إلى بُعد آخر من خلال لعبة الضوء والمادة.

كراسات السينما. كانت هناك خدع ومؤثرات خاصة على المنزل في فيلم ظهر أو سقف الحوت، في لقطات للمناظر الطبيعية وللمنزل.

هنري ألكان: نعم. وهي مزورة عن طريق صور السماء والغيوم وهي صور توضع حول المناظر الطبيعية وتقطع لإخفاء البيئة الكاملة لهذا المنزل. من زاوية معينة، كنا قد اكتشفنا المنظر الطبيعي الهولندي الذي لم يتوافق جيدًا مع عزل هذا المنزل في ما يسمى المناظر الطبيعية باتاغونيا. وهذا محسوس نوعاً ما  وأعتقد أنه من الجيد أن نشعر أن هناك شيئًا غير طبيعي ...

كاييه دي سينما: يعطي هذا انطباعًا بالغموض مثل ضباب الأفلام الفنطازية في الثلاثينيات.

هنري ألكان: نعم، لأننا نضيف إلى الطبيعة شيئًا غير طبيعي. وأعتقد أن هذه الصورة المركبة تجعلنا نشعر بشيء غير عادي insolite. أعتقد أننا يمكن أن نستخدم هذا النظام أكثر من ذلك بكثير، على وجه التحديد لخلق شيء غير عادي حيث نحن في الوضع العادي. يبدو الأمر بسيطًا جدًا ولكنه ليس بسيطًا جدًا، يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للقيام بهذه الخدعة. لقد ساعدني للغاية مساعد راؤول رويز، فرانسوا إيد، وهو مصور فوتوغرافي رائع، يفهم جيدًا كل شيء يخرج من المؤثرات الخاصة. تم استخدام هذا النظام من الصور المضافة إلى المناظر الطبيعية مرتين أو ثلاث مرات. نلتقط صورة كبيرة، نضعها بعيدًا بما يكفي عن الكاميرا، بشكل عام على الجانب، نحيطها بقطعة قماش سوداء لإعادة إضاءتها بقوة معينة لإعادة توازن المشهد أو المنظر الطبيعي . ثم هناك نظام مخابئ ومخابئ مضادة، جزء مخفي بورق أسود وآخر مقطوع للتوصيل.

كاييه دي سينما: هل تعيد تعريض نفس الفيلم الخام مرتين؟

هنري ألكان: نحن نفعل كل ذلك دفعة واحدة. فقط بدلاً من أن نحصل عليها، نراها بمرآة على خلفية شفافه. لقد توصلنا إلى نظام معقد إلى حد ما من الخدع والمؤثرات الخاصة في المناظر الخارجية. الشيء الرئيسي هو أن يكون لديك الوقت لتصويره. في فيلم راؤول، قمنا بدمج ذلك فبينما كنت أعمل في الداخل في البلاتو والديكور الداخلي، حيث يجري الحدث  الرئيسي، بدأ مساعدي فرانسوا إيد بوضع كاميرا ثانية، والمرايا والصور في الخارج، حتى يتمكن الجميع العمل على تقليل الضغط وكسب الوقت. إنها مسألة تعاون.

(أجرى المقابلة ألان بيرغالا مع Alain Bergala ويان لاردو Yann Lardeau)

 

في المثقف اليوم