أوركسترا

محمود محمد علي: مثلث برمودا.. حقيقة أم خيال؟ (1)

يعد المحيط الأطلنطي ثأني أكبر المحيطات في العالم، ويقع هذا المحيط بين القارتين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، وبين قارتي أوربا وأفريقيا، ويتصل به المحيط الهادي بواسطة قناة بنما، وأما البحر الأبيض المتوسط فاتصاله به عن طريق مضيق جبل طارق، ولهذا المحيط أذرع ممتدة، منها الغربية ومنها الشرقية، وأهم أذرعه الغربية خليج هدسن وخليج بافن وخليج المكسيك والبحر الكاريبي، وأما أذرعه الشرقية من أهمها البحر البلطيق وبحر الشمال في أوربا، وخليج بسكاي وخليج غينيا؛ وتسود المحيط الأطلنطي عدة تيارات بحرية ينتج عنها ضباب كثيف، وأهم تلك التيارات: تيار الخليج، وتمخر في عباب المحيط الأطلنطي أضخم حركة للملاحة بين العالمين القديم والحديث (1).

وقد تحدث عن المحيط الأطلنطي الكثير من علمائنا الجغرافيين القدامي في مؤلفاتهم ومصنفاتهم القيمة، ومن بين هؤلاء العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري المتوفي في القرن السابع الهجري، في موسوعته المسماة " نهاية الأرب في فنون الأدب" ؛ فقد ذكر هذا العلامة في الباب السادس من القسم الرابع من الفن الأول من الكتاب الشئ الكثير عن المحيط الأطلنطي حيث قال:" وبحار المعمور ثلاثة أعظمها البحر المحيط .. ثم بحر ما نيطش، ثم بحر الخزر، فأما البحر المحيط وجزائره .. ويسمي باليونانية أوقيانوس، ويسمي بحر الظلمات، لأن ما يتصاعد من البخار عنه لا تحلله الشمس، لأنها لا تطلع عليه فيغلظ ويتكاثف ظلمته.. (2).

وفي هذا المحيط توجد بقعة تثير فضول الصحافة العالمية، واهتمام الإذاعات، ووكالات الأنباء لما يحدث فيها من الحوادث الغريبة والغامضة التي تقع للسفن والطائرات، لدرجة تبدو أنها أقرب للخيال منها للواقع، وتسمي هذه البقعة اليوم بـ " مثلث برمودا" Bermuda Triangle (3).

ومثلث برمودا أحد أساطير الطبيعة والخرافات، التي لم نجد لها أي تفسير، ليصبح حكاية عالمية. ولا يزال العالم منذ خمسمئة عام لا يجد لها تفسيراً أو أي دليل قاطع، حيث تبلغ مساحته حوالي مليون كيلومتر مربع، وهو عبارة عن  منطقة جغرافية على شكل مثلث متساوي الأضلاع يعادل كل ضلع فيها نحو 1500 كيلومتر، ويقع هذا المثلث قريبا من أحد أذرع المحيط الأطلنطي الغربية، وهو البحر الكاريبي محصورا بين جزر برمودا، وجزر فلوريدا، وجزر بورتوريكو والبهاما مشكلة بذلك مثلثا وهميا تبلغ مساحته حوالي 770 ألف كليومتر مربع، أي بقدر مساحة العراق مرتين تقريبا، ويقع رأسه الشمالي في جزر برمودا التي تبعد مسافة 930 كيلومتر عن البر الأمريكي، ورأسه الجنوبي في جزر بورتوريكو التي أقيم فيها أضخم مرصد برجي في العالم على جبال آراسيبو، بتصميم من جامعة كورنيل للبحث عن حياة عاقلة في الفضاء . وأما رأسه الجنوبي الغربي فيقع قريبا من جزر ميامي – فلوريدا، حيث يقع من الداخل حزر البهاما علي الخط الواصل ما بين جزر بورتوريكو وجزر ميامي (4).

ويحوي مثلث برمودا، وراءه من القصص والروايات والأسرار، ما يجعله أقرب إلى الخيال والأسطورة منه إلى الحقيقة .. منذ الرحلة الأولى لسفينة كولومبس، وهي في طريقها إلى العالم الجديد، حينما شهد طاقمها كرة هائلة من النار تسقط من السماء في مياه برمودا ..هذا المكان الذي لا يزال يمثل شيئا محيرا غير مفهوم حتى الآن، وإن كان هذا الشئ ينطوي على مأساة دائمة، وكارثة مستمرة .. هنا اختفت الشراعية الإسبانية الضخمة، التي لم يستطع أحد إعادتها .. وهنا أيضا أبحرت ابنة البارون " بار" إلى حيث لا مكان .. ابتداء من الرحلات المفقودة في القرن السابع عشر، وحتي الغواصة النووية وحتي عام "1945" ؛ حيث اختفت 6 مقاتلات أمريكية في هذه المنطقة، وكذلك قوات الإنقاذ التي ذهبت للبحث عنها (5) .

ويحتفى العالم  بيوم مثلث برمودا، وهو أحد أكثر الأماكن غموضا في العالم، وأكثرها إثارة للجدل، ففي ديسمبر 1945، اختفى 5 مقاتلين فى البحرية الأمريكية بينما كانوا يحلقون فوق المنطقة، ولم يُعثَر على أي أثر لطاقم الطائرة، ولم تكن هذه هى الواقعة الوحيدة، إذ تعاقبت الحوادث فى السنوات التالية، ففي القرن العشرين، سُجِل اختفاء 90 طائرة وتحطم 190 سفينة فى تلك المنطقة.(6).3090 مثلث برمودا

وكما قلت مثلث برمودا هو منطقة ليس لها وجود على الخريطة فلن تنظر في الخريطة يومًا لتجد ما يسمى عليها بمثلث برمودا فلا تعرف متى تتخطى الحاجز ولا تعرف من أي إتجاه يأتيك الخطر، ويطلق عليه مثلث الشيطان، ومثلث الموت، وبحر الأشباح، ومقبرة الأطلسي، وبحر الرعب، ومقبرة السفن، وذلك نظرا لانفراده بلغز الاختفاء؛ وهو عبارة عن منطقة جغرافية تتخذ شكل مثلث متساوي الأضلاع، ويساوي طول كل ضلع له نحو 1500 كم، وتمتد مساحته الي مليون كم² في قلب المحيط الأطلسي، وقد كانت هذه المنطقة عبارة عن لغز يثير الرعب لكل العالم، ومسرح لحوادث اختفاء غامضة؛ حتي في عام 2016 ظهر مجموعة من العلماء لتأكيد نجاحهم في حل لغز مثلث برمودا الذي تسبب في اختفاء 75 طائرة والمئات من السفن؛ حيث كشف العلماء بأنهم رصدوا سحباً سداسية الأضلاع، تتسبب بدورها بعواصف ورياح تسمي باسم "القنابل الهوائية" حيث تصل سرعتها الي 273 كم، ويعتقد العلماء أن هذه الرياح هي السبب وراء اختفاء الطائرات والسفن التي تمر في هذه المنطقة (7).

وبعد اختفاء دام لأكثر من 100 عام لسفينة على متنها 32 راكبًا، تم العثور على حطام سفينة الفحم التي اختفت في مثلث برمودا  قبالة ساحل ولاية فلوريدا من قبل المستكشفين تحت الماء، وتم اكتشاف حطام السفينة منذ اختفائها فى عام 1925، وأصبحت منذ وقتها واحدة من أشهر القصص المرتبطة بسر مثلث برمودا ودارت فيها الكثير من القصص وصلت إلى تنفيذ أعمال سينمائية (8).

فى ليلة 16 مارس 1962، اختفت طائرة أمريكية من طراز Lockheed L-1049 Super Constellation   فوق المحيط الهادى، وكانت تنقل قوات من الولايات المتحدة إلى فيتنام، بعد التزود بالوقود فى جزيرة غوام، توجهت الطائرة إلى قاعدة كلارك الجوية فى الفلبين، لكنها لم تصل إليها حتى الأن، تقريبا فى منتصف الطريق، انقطع الاتصال مع الطائرة، شارك فى عملية البحث أكثر من ألف شخص وعشرات السفن والطائرات، ولكن دون جدوى (9).

وفقا لنتائج اللجنة، "لا يمكن معرفة سبب اختفاء الطائرة بسبب عدم وجود أدلة مادية"، كانت الطائرة في حالة فنية جيدة، وكانت الظروف الجوية قريبة من المثالية، ولم يرسل طاقم L-1049 رسائل حول أى حالات طوارئ، الدليل الوحيد هو شهادة طاقم الناقلة  Lenzen، التى كانت فى نفس المنطقة فى نفس الوقت، قال البحارة إنهم رأوا وميضًا ساطعًا فى السماء، يشبه الانفجار، لكن مسح المياه لم يفيد بأى شيء.(10).3091 مثلث برمودا

وقد اصطلح اسم "مثلث برمودا" لأول مرة في 1963 في مقال للكاتب الأمريكي فينسينت جاديس بمجلة أرجوسي Argosy Magazine الذي طرح فيه وجود قوًى سوداء خارقة في المنطقة.. افتقر مقال جاديس إلى الدلائل العلمية وكان مفعمًا بالتكهنات؛ إلا أنه نُشر في التوقيت الأمثل وذلك بعد اختفاء طيارتين حربيتين أمريكيتين هناك (11).

وبعد ذلك بفترة، جاء كتاب تشارلز بيرليتز «مثلث برمودا» The Bermuda Triangle بين الكتب الأكثر مبيعًا حول العام، وقد أرجع فيه الكاتب الحوادث إلى الكائنات الفضائية وإلى الناجين من حضارة أطلانتس الخيالية المفقودة، وقد علا شأن هذا الأمر فعلاً في 1974 بعد نشر كتابين من تأليف تشارلز بيرلتز وريتشارد وينر (مثلث الشيطان) (12).

كذلك تطرق الممثل ليونارد نيموي إلى "مثلث برمودا" سنة 1977 في مسلسله التلفزيوني "بحثاً عن..." In Search of. وأصدر ستيفن سبيلبرغ فيلمه الخيالي العلمي الكبير "كلوز إنكاونترز" Close Encounters   في 1977، حيث يتحدث الفيلم عن لقاءات مستمرة ومتكررة تاريخياً مع كائنات فضائية متقدمة حضارياً وتتعامل إيجابياً مع حضارة البشر (13).

وقام بعض العلماء بتفسيرات ونظريات لسر مثلث برمودا ومنها: نظرية الأطباق الطائرة، ويقولون إن هناك علاقة بين ظهورها واختفاء السفن والطائرات في هذه المنطقة، في حين يشير البعض إلى نظرية الزلزال، وتقول إن حدوث هزة أرضية في قاع المحيط تولدت عنها موجات عنيفة تجعل السفن تغطس وتتجه للقاع. وبالنسبة للطائرات يتولد عن الهزات والموجات في الأجواء اختلال التوازن، بينما استنتج البعض نظرية الجذب المغناطيسي؛ إذ إن أجهزة القياس تضطرب وتتحرك بشكل عشوائي، مما يدل على وجود قوة مغناطيسية شديدة؛ واتجه البعض إلى القول إن كميات هائلة من المواد القابلة للاحتراق على شكل جليد في قاع المحيطات عن طريق الاحتباس الحراري، يمكن أن تصبح في حالة غازية، ويقال إنه غاز الميثان، وبذلك يحصل تغير في كثافة الماء والهواء ويسبب مشاكل للسفن والطائرات، بما أنها تعمل بقوانين الطفو (14).. وللحديث بقية..

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..............................

هوامش المقال

1- ناجي النجار: الجزيرة الخضراء وقضية مثلث برمودا، مؤسسة البلاع ودار المرتضي، بيروت، لبنان، 1979،  ص23.

2- أحمد بن عبد الوهاب النويري شهاب الدين: نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب العلمية، بيروت، 2012، ج 11، ص 122.

3- ناجي النجار: المرجع نفسه، ص 24.

4- المرجع نفسه، ص 25.

5- مروة عماد الدين: جُزر الشيطان المخيفة مصيدة للطائرات ومقبرة للسفن والأفراد، دار الطلائع، القاهرة، ص8.

6- ديفيد بارنيت: ماذا يختفي خلف لغز مثلث برمودا؟.. الاندبندنت العربية منشور بتاريخ  الخميس 14 أكتوبر 2021 10:50

7- جيان كواسر: في داخل مثلث برمودا، 2005، ص55.

8- المرجع نفسه، ص 57.

9- المرجع نفسه، ص 58.

10- أديكنت توماس جيفري: مثلث برمودا، 1975، ص10.

11- المرجع نفسه، ص 14.

12- المرجع نفسه، ص 16.

13- المرجع نفسه، ص 20.

14- منصور عبد الحكيم: مثلث برمودا " مقبرة الأطلنطي" أسرار وحقائق، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة، ص 54.

 

 

 

في المثقف اليوم