أخبار ثقافية

صدور رواية: أوراق اللعب للكاتب حسن المددي تصدر

833 اوارق اللعبصدرت رواية جديدة بعنوان" أوراق اللعب" للشاعر والكاتب المغربي حسن المددي عن "المركز الثقافي للكتـاب" الدار البيضاء – بيروت 2019. بحجم 344 صفحة من القطع المتوسط. وتتناول رواية الجرائم الفظيعة التي تقترفها الأنظمة العسكرية ضد الأبرياء.

وللاقتراب قليلاً من أجواء رواية " أوراق اللعب" نقرأ هذا المقطع: كان قمر الصيف ساطعاً في كبد السماء الصافية المؤثثة بالنجوم النابضة. الجو رائق ومنعش، ونسائم الليل مشبعة بعبق أكوام الحصيد التي راكمها الفلاحون وسط الحقول التي تشقها الطريق غير المعبدة إلى وادي الدفلى... نعم... إلى وادي الدفلى حملت العقيد شرارة... سأذكره بمسرح جريمته.

وصلنا إلى هناك على الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. نزلت من السيارة، وأشهرت رشاشي تحسباً لهجوم الضباع. تفقدت المكان الذي زرته عدة مرات بعد إطلاعي على الشريط، توجهت إلى الصخرة التي ماتت عليها زوجتي وابني... تأملت المشهد لحظات، ثم عدت إلى قرباني الذي سأحتفل به الليلة.

أخرجت العقيد شرارة من السيارة جراً من رجليه حتى سقطت رأسه أرضاً. استيقظ من ألم ارتطام رأسه بحجر... سال الدم من جبينه... اعتبرت ذلك فأل خير، فرائحة الدم ستجلب الضباع من كل مكان. جرجرته حتى وضعته على الصخرة عارياً كما ولدته أمه. أحضرت قطعة لحم فاسدة كنت أخرجتها من ثلاجة منزلي لهذا الغرض. وضعتها بجانبه وأزلت العصابة عن عينيه، لكنني تركته مقيداً، كما أبقيت اللصاق على فمه لكي لا يصرخ عندما تنهشه الضباع.

ارتقيت الصخرة نفسها التي ارتقاها ذات ليلة ليصور الشريط المرعب... أنا لم أقم بمثل ما قام به.. أنا لا أريد أن أترك أي أثر لشرارة، أريد أن يصير هباء تذروه الرياح.

جلست فوق الصخرة العالية ورشاشي في يدي ومسدسي في حزامي. طال انتظاري حوالي نصف ساعة... وكان القمر صامتاً كعادته عندما يحضر حفلاتي الدامية، وولائمي التي أذكي فيها جحيم الأرواح.

تساءلت بيني وبين نفسي... هل ستخذلني تلك الوحوش اللئيمة وتضرب صفحاً عن وليمتي؟ هل سأنتظر هنا حتى الصباح دون أن أحظى بإطلالتها؟

نسيت تساؤلاتي وأنا أسمع أصواتاً تقترب... كانت أصواتاً مرعبة تشبه الضحكات العالية المتواصلة.. تمتد لحظات ثم تختفي، ليتردد صداها في جنبات الوادي الموحش... ظلّت تلك الأصوات تتردد دقائق معدودات ثم تبعتها أخرى مختلفة تشبه العويل.. إنها أصوات الضباع.. مرحباً بكورال الموت.. قريباً ستبدأ الحفلة.

على ضوء القمر الساطع رأيتها تتقدم في قطيع يسير الهوينى... كانت عيونها تضيء كجمرات متقدة... مرحباً إذن باليوم الموعود... مرحباً بالقمر الذي يأبى إلا أن يشاركني كل ولائمي ويحضر كل أعراسي وحفلاتي.

وصلت فرقة الكورال الدموي إلى الصخرة المسطحة التي ينتفض عليها العقيد ربيع شرارة دون أن يتمكن من الحركة، لأنني ربطت يديه وقدميه بكتل حديدية ثقيلة جعلته ثابتاً في مكانه. راقني المنظر فنزلت من صخرتي واقتربت لأتمتع بالعرس الدموي عن قرب.

قفز قائد القطيع على شرارة وغرز أنيابه في عنقه، وظلّ ممسكاً به حتى خبت أنفاسه... وما أن أرخاه حتى هجمت باقي الضباع على جسده تمزقه وتحوله إلى أشلاء. كانت تقضم اللحم والعظم بسهولة عجيبة حتى حسبت أن أسنانها آلات فولاذية تعمل بالكهرباء.

راقبت المشهد وأنا أعتقد أن الحفلة ستطول، لكن الضباع أتت على جثة العقيد شرارة بسرعة، ولما شبعت انزوت بعيداً وشرعت في لحس جوانب أفواهها بألسنتها لتنظفها من الدماء. تقدمت إليها شاهراً رشاشي متوقعاً هجومها، إلا أن ذلك لم يحدث، بل لاذت بالفرار لا تلوي على شيء، لأنها شبعت ولا وازع لديها للهجوم علي.

عدت إلى سيارتي التي ركنتها بجانب الوادي، وجلبت منها عبوتين من البنزين، تسع كل واحدة منهما عشر لترات. كسرت بعض الأغصان اليابسة من أشجار الدفلى ووضعتها على بقايا أشلاء شرارة، ثم سكبت عليها كمية من البنزين. أشعلت عوداً بولاعة سجائري، ورميته عليها فاندلعت النار تتسابق ألسنتها إلى أعلى... ظللتُ أزيد الحطب وأصب البنزين حتى تحول كل شيء إلى رماد. ولما احترقت كل أشلاء اللحم والعظام وصار ربيع شرارة كمية ضئيلة من الهباب، التحقت بسيارتي وانطلقت عائداً إلى العاصمة، ومنها عدت  إلى برج القمر على متن طائرة هيليكوبتر.

 

 

في المثقف اليوم