أخبار ثقافية

إصدارات جديدة للكاتب سعيد بودبوز

صدرت للكاتب المغربي سعيد بودبوز ثلاث مسرحيات دفعة واحدة عن دار بدوي للنشر والتوزيع بألمانيا خلال شهر أكتوبر من هذه السنة 2023، واحدة بعنوان "غليوم الثاني في المغرب"، وتقع في 127 صفحة. الثانية بعنوان "مجلس الدوابّ"، وتقع في 104 صفحة. الثالثة بعنوان "يوم عالمي لحياة البشر" وتقع في 88 صفحة. وكان قد صدر لسعيد بودبوز عن دار بدوي رواية "أنثى بوگافر" خلال شهر أبريل من سنة 2022، ومجموعة قصصية بعنوان "صلاة الحاج عماد" خلال شهر شتنبر من نفس السنة 2022.

مسرحية "غليوم الثاني في المغرب":

تستعرض هذه المسرحيةُ أحداثَ مرحلةٍ جدّ حسّاسة، دقيقة ومفصلية في تاريخ المغرب، وهي المرحلة التي نضج فيها المقترح الاستعماري الفرنسي المفروض على المغرب، حيث لم يبقَ لفرنسا إلا أن تدخل بجيشها لاحتلال فاس بحجة تطبيق هذا المقترح الاصلاحي المزعوم، لكن يفاجؤها الملك الألماني فيلهيلم الثاني المعروف بـ (غليوم الثاني) عندما قرر زيارة طنجة، وهذا يعني بالنسبة للفرنسيين أنّ وقت استعمار المغرب لم يحن بعد، ولن يحين إلا بعدما تتفاهم فرنسا مع الألمان وتعطيهم حقهم من الكعكة. وتستعرض المسرحية كيف تأجّل دخول الفرنسيين للمغرب بسبب هذه الزيارة التي استبشر بها المغاربة خيراً واعتبروها زيارة ميمونة ومباركة، كما تستعرض محاولة بوحمارة أن يغتال غليوم الثاني (وهذا مجرد خيال مسرحي) وكيف استطاع مساعده عبد الملك الجزائري (ابن الأمير عبد القادر) أن يثنيه عن ذلك، وكيف تفاعل أهالي طنجة مع الزيارة الملكية وتسابق شيخ الزاوية الوزانية (صهر الإنجليز) وحاخام طنجة في تقديم فروض الطاعة للملك غليوم الثاني، مروراً باستعراض مختصر لوقائع مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 والذي خيّب آمال الألمان، لأنهم لم يحصلوا من خلاله على ما يريدون، مما دفعهم إلى تحريك بوارجهم الحربية كي يهددوا الوجود الفرنسي في المغرب، وصولاً إلى اتفاق الطرفين سنة 1911 حيث تنازلت فرنسا للألمان على مناطق مهمّة في  الكابون والكونغو  وأُوبـانـگي شاري (أفريقيا الوسطى) مقابل تخليهم عن المغرب. وتستعرض المسرحية مظاهر الصدمة التي تلقاها المغاربة في طنجة من الألمان الذين انصرفوا وتركوا فرنسا تدخل المغرب على راحتها، كما يظهر ذلك من خلال الحوار الدائر في مقهى سليمان بطنجة بين شعيب الهدّاوي، والمواطن محمود، وصاحب المقهى سليمان، والنادل مصطفى، والمواطن بوعزّة، والشيخ الوزّاني الذي سبق له أن قدّم فروض الطاعة لغليوم الثاني.

**

مسرحية "مجلس الدوابّ":

في هذه المسرحية يعود الزعيم أرطغرل إلى الحياة، ويجد زوجته سامحيني قد هيّأت له النوات الأساسية لإنشاء دولة حديثة، فهي رئيسة الحزب السياسي الفائز في الانتخابات بمرشّحين أغلبهم مختلّون. وبينما يرى أرطغرل أنّه يستطيع أن يفرض سيطرته بالحرب، ترى زوجته أنه مازال بحاجة للسيطرة على القلوب بالحب. وبينما يرى الزعيم أنه يستطيع أن يحقق ما يريد في حكمه بلا حاجة إلى حكومة أصلاً، ترى زوجته أنّ العصر قد تغيّر، وأنّه يجب على الزعيم أن يتظاهر بالديمقراطية كي لا يخسر الرأي العام الأجنبي. فلا ينبغي أن يحقّق كل ما يريد في حكمه إلا تحت غطاء حكومي. ولكي يسهل عليها أن تضمن إجماع نواب الأمّة حول مشاريع زوجها، ترى الزوجة سامحيني أنّ الزعيم أرطغرل بحاجة إلى نواب مختلّين عقلياً، لكنّ أرطغرل باندفاعه واحتكامه للسيف قبل أي شيء آخر، يشعر بضيق شديد في حضرة هؤلاء النواب المختلّين، فلأوّل مرة يجد نفسه أمام نواب يتحدّثون لغة الخشب !. ورغم جهود المترجمة زفتة والمفسّر زركل، فإنّ استغراب أرطغرل واستنكاره سيبلغان به حد اليأس التام، بحيث يصدر أمراً لحارسه بأن يجهّز له موكباً كي يعود إلى قبره !. لكن سامحيني تعرف جيداً كيف تخفف عنه، وكيف تقلب غضبه إلى مرح. وفي كل مرة يهمّ بإعدام أحدهم، فتكبح هيجانه وتتظاهر أمام رجاله بأنه يمزح، إذ لا يفترض به، وهو زعيم ديمقراطي، أن يعدم أحدهم لمجرد أنه تفوّه بكلمة لا تعجبه. وعندما ينتزع- بشكل أو بآخر- من هؤلاء النواب التصويتَ على قانونه العجيب الذي يفرض من خلاله الضرائبَ على كل من تزوّج أو طلّق أو ختن أو أنجب أو مات.. الخ، يصبح رجاله هؤلاء أوّلَ دفعة من ضحايا قانونه العجيب، إذ يتورّطون في التصدي للجباة بالضرب والإهانات فيتمّ استدعاؤهم إلى المحكمة، حيث سيدينهم القاضي عبّو جميعاً، ويتدخّل الزعيم أرطغرل لنصرة رجاله من القاضي، لكن سامحيني سرعان ما تكبح هيجانه في اللحظة الحاسمة، وتحوّل تهديده للقاضي إلى مجرّد اختبار، إذ تقنعه بأنه يجب أن يقف في صف القاضي وينقلب على رجاله كي يفوز بلقب العدل والدكتاتورية معاً. وهكذا يتبرأ الزعيم أرطغرل من رجاله فيقول لهم: "أما أنتم أيها السادة الكرام، فلكم واسع الجحيم !". وبهذا يكون قد تخلّص منهم بعدما ساعدوه في الحصول على ما يريد، وصار بوسعه أن يصبح دكتاتوراً صريحاً بشكل ديمقراطي !، أو بطريقة منطقية ومبرّرة.

 **

مسرحية "يومٌ عالميٌّ لحياة البشر":

تدور أحداث هذه المسرحية حول مجتمع مشبع بثقافة الموت ومشتقاته وكل ما يصب في تجريد الإنسان من إنسانيته، حيث يحتجّ المخرج المسرحي إلياس على صيدلية المحطة التي يباع فيها الموت بالتقسيط على شكل عقاقير، وكذلك يحتجّ على ما يسمّى في مدينته "قطار السفر إلى حيث لا ندري" ويعتبره، هو الآخر، مظهراً من مظاهر الموت الذي يقضم أطراف المعمورة بمختلف الأشكال التي يتفنن الإنسان في ابتكارها وتطويرها أكثر بكثير مما يفكر في ابتكار وتطوير وسائل العيش. ويحاول المخرج أن يجد طريقة فعّالة للتحسيس بأهمية حياة البشر، وأن يلفت الانتباه إلى أنّ التفكير فيها وفي التصدي للموت أهمّ بكثير من التفكير في إنتاج وسائل الموت، ولكنه سيلقى انتقادات حادّة باعتباره يدعو إلى معارضة قضاء الله وقدره، حيث أنّه لا يجوز التفكير في القضاء على الموت مادام قدراً إلهياً، والمخرج إلياس يرى أنّه من غير المعقول أن تنجح البشرية في تطوير الموت إلى درجة إنتاج كميات هائلة من الأسلحة النووية القادرة على تدمير المعمورة عدة مرات، دون أن تنجح- مقابل ذلك- في إحياء ميّت واحد منذ نشأتها !. إلياس يعتقد أنّ البشرية كان بوسعها أن توقف الموت عند حده لو أنها فكّرت في القضاء عليه كما فكّرت في القضاء على نفسها، وهذا الاعتقاد مستغرَب في مجتمعه ومستنكَر. المخرج المسرحي إلياس لا يؤمن بأنّ الموت قدر محتوم، بل يعتقد أنّ القضاء عليه ممكن، ولكن البشر لم يواجهوه بالجدية اللازمة، بل على العكس من ذلك، سعوا إلى تنميته وتطويره، سواء باعتقادهم الجازم أنّه قدر محتوم لا مفرّ منه، أو لأنه الوسيلة المثلى التي تمكّن القوي من إزاحة الضعيف عن طريقه. يتعرّض الصيدلي مهيار لهجوم من طرف حيّة، ويغلق عليها باب الصيدلية ويهرب، فيأتي ممثلو جمعية الرفق بالحيوانات لإنقاذ الحية من الصيدلي، ويزداد غضب إلياس واحتجاجه بهذا التصرف. وعندما تتمكّن الحية من لدغ مهيار فيما بعد، يأخذه طاقم الإسعاف إلى مستشفى بيطري، وبدل أن يكتفي الطبيب البيطري بإعطائه المصل، يُجري له عملية جراحية فظيعة بالمقص الذي يُجزّ به صوف الغنم !. وكل هذه الأمور وغيرها زادت المخرج المسرحي إلياس اقتناعاً بأنّ هناك ميولاً عالمية واضحة نحو تهميش حياة البشر والاستهتار بها. 

وأخيراً يلجأ إلياس إلى أضعف الإيمان في مشروع تحسيسه بأهمية الحياة، وهو أن يُحدِثَ يوماً عالمياً للاحتفال بحياة البشر، لكنه سيُفاجأ بأنّ جميع الأيام التي يطرق أبوابها مشغولة ! فكلّما اقترح يوماً للاحتفال بحياة البشر، يخبره أحدهم بأنّ ذلك اليوم محجوز للاحتفال العالمي بشيء. ولأوّل مرة يُفاجأ المخرج إلياس بوجود هذا الكم الهائل من الأعياد والأيام العالمية التي تثقل كاهل السنة ولا تكاد تترك فيها يوماً للتحسيس والاحتفال بحياة البشر !.  

***

 

في المثقف اليوم