ثقافة صحية

محمد الربيعي: حديث عن فيروسات الكوفيد وتطورها والمناعة ضدها

محمد الربيعي استمرارا لمقالاتي السابقة حول الكوفيد وفيروساتها *، اقدم للقراء حلقة جديدة من تلك المقالات.

اسمحوا لي اولا ان أشرح بصورة مبسّطة ماهية التحورعند فيروس الكوفيد 19.

يتكون فيروس الكوفيد 19 اللعين من فقط 30 ألف حرف من أبجدية الحياة مقارنة باربعين مليون حرف في خلية الانسان. وأبجدية الحياة هذه مكوّنة من اربعة حروف تكتب منها رموز لتعليمات خاصة تخبر الجسم بما يجب القيام به تماما كما يكتب مبرمجوا الكومبيوتر التعليمات البرمجية للعبة او نوع من التطبيقات. 

لكي يتم نسخ هذه الفيروسات مع كل إصابة جديدة، في كل خلية جديدة لابد أن تجد هذه الحروف مطبعة جاهزة بكل امكاينها في خلايانا للقيام بالعمل الشاق. لكن وكما هو الحال في المطابع كلما ازدادت عمليات النسخ تتفاقم الأخطاء.

لحسن حظنا ان الغالبية العظمى من هذه الأخطاء تجعل فيروس الكورونا أقل فعالية. مع ذلك بعض هذه الاخطاء له تأثير معاكس، وهو ان تمكّن الفيروس من أنجاز الشيء الوحيد المفيد له وهو ما يريد فعله حقا - وهو صنع نسخ أكثر من نفسه اي بمعنى اخر- يتكاثر.

هذا هو التطور بعينه، وهذه هي الطريقة التي تتولد بها المتغيرات.

دائما يظهر متغير جديد يحتل مركز الصدارة واليوم عندنا واحد جديد اسمه اوميكرون وهو فيروس خطير لكن ما الذي يجعل اوميكرون مميز جدا عن المتغيرات الاخرى؟

هناك قصص واخبار مثيرة كثيرة حول المتغير الجديد، لذا ارغب في الوقت الحالي أن أغتنم الفرصة واحاول وضع بعض الحقائق الثابتة في مكان واحد وبصورة بسيطة.

اوميكرون فيروس مخيف بسبب عدد الطفرات في سلسلة البروتين الذي يسمى ببروتين السنبلة- وهو الهدف الرئيسي للقاحات المتوفرة لدينا وكذلك هو مفتاح السماح لـفيروس الكورونا بالالتصاق بخلايانا.

ما هو دور برونين السنبلة؟

يتميز أفراد عائلة فيروس الكورونا بنتوءات حادة تبرز من سطح الجدار الخارجي. نطلق على هذه النتوءات باسم بروتينات السنبلة. إنها في الواقع بروتينات سكرية. هذا يعني أنها تحتوي على كربوهيدرات، مثل جزيئة السكر. البروتينات السنبلية هي التي تعطي اسم الفيروسات لانها تحت المجهر تظهر تلك النتوءات مثل التيجان، والكورونا هو الاسم اللاتيني للتاج.

المناعة ضد الفيروس تتكون عندما يجري في الجسم التعرف على تلك التشكيلات البروتينية ويجري صنع جسيمات مضادة تحمل تشكيلات  نمطية مشابهه ولكنها معاكسة. تهاجم الجسيمات المضادة الفيروس وتتراكب تشكيلاتها مع الفيروس تماماً فتلتصق به وتبطل مفعوله.

هناك ثلاثة أشياء فقط مهمة عمليا عند تقييم خطورة متغير فيروسي جديد.

اولا - كيف ينتقل المتغير؟

ثانيا - ما مدى حدة المرض؟

وثالثا - هل تستمر المناعة السابقة، سواء من اللقاحات أو مناعة الناجين من اصابة سابقة، في توفير الحماية؟

بدون مزيد من اللغط، اقدم إليكم أفضل المعلومات التي يمكن أن أجدها حتى الآن.

كيف ينتقل اوميكرون؟

القلق من أن هذا المتغير شديد القابلية للانتقال هو السبب الكامن وراء رد الفعل العالمي القوي. لكن - هل هو أكثر قابلية للانتقال من دلتا ذلك المتحور الخطير السابق مثلا؟ ظهرت معظم المخاوف حول الإزاحة السريعة لدلتا - او كما يسميها البعض بالمتفجرة - بواسطة اوميكرون في جنوب إفريقيا - فهناك بدأ اميكرون بالسيطرة بسرعة رهيبة. ومن هناك انتشر حول العالم ولم يعد احد في منئ من الاصابة به.

في الوقت الحالي، لا يزال من غير الواضح درجة العدوى بأوميكرون - فالبيانات التي تقول إنه قد يكون معديا بخمس مرات بالمقارنة  بدلتا، على سبيل المثال، سابقة لأوانها، لكن القلق من ارتفاع معدل العدوى حقيقي جدا.

ماذا عن خطورة المرض؟

إلى أي مدى يصل اذى أوميكرون؟هذا ما لا نعرفه حتى الآن. ومع ذلك، يبدو للخبراء أنه لم تكن هناك حالات خطيرة بين الأشخاص الذين تم تلقيحهم بالرغم من وجود عدد قليل جدا من الحالات التي لا يمكن معرفة معدل الوفيات فيها.

لابد انه راودك السؤال: هل ان اوميكرون اقل خطورة؟

هناك الكثير من المعرفة التطورية والتي تقول إن الفيروسات تتحول لتصبح أقل فتكا بمرور الوقت. نحن نعرف أن انخفاظ ضراوة الاصابة يمكن أن يفعل ذلك - من خلال إبقاء المضيف (واعني  الشخص المصاب) على قيد الحياة لفترة أطول لنشر المزيد من الفيروسات - لكن فيروس الكوفيد ليس بهذه الضراوة - مقارنة بالإيبولا .. هذا الفيروس الرهيب الذي ظهر في افريقيا - حيث ينجو معظم الناس من عدوى فيروس الكوفيد. أفضل طريقة لـفيروس الكوفيد لتحسين نفسه تطوريا هي التحور لزيادة اعداده والارتباط بمستقبلات الخلايا المضيفة بقوة أكبر. قد تكون زيادة الضراوة من أجل تحقيق حمولة عددية أعلى تستحق المقايضة التطورية.

حسنا - ماذا عن الهروب المناعي؟

تشير الحالات الخفيفة بين الأشخاص الذين تم تلقيحهم إلى الاحتفاظ ببعض فاعلية اللقاح على الأقل - وهذه أخبار جيدة. بالطبع، العدد الهائل من الطفرات في بروتين السنبلة لهذا المتغير - والذي هو هدف اللقاحات - قد تكون مشكلة. من المحتمل أن يكون البعد عن المتغيرات الأخرى مثير للقلق.

يبدو ان اميكرون يمكنه أن يتجنب بسهولة مناعة بعض الأشخاص الذين تم تطعيمهم والمصابين سابقا. ولكن هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الأشخاص الذين لديهم بالفعل بعض وسائل الحماية المناعية قد يتجنبون أسوأ ما يمكن أن تفعله عدوى كوفيد للناس الضعفاء من الناحية المناعية. الشئ الواضح في يومنا هذا هو ان الاشخاص غير الملقحيين سيعانون من حدة الاصابة بدرجة اكبر بكثير من معاناة الملقحين.

حقا ان مشكلة الفيروس ومتحوراته التي لا تنتهي مقلقة جداً.

يبدو ان كثرة الطفرات في بروتين السنبلة هي مصدر القلق فقد ارتبطت هذه الطفرات، في متغيرات أخرى، بمقاومة الأجسام المضادة وبزيادة في قابلية الانتقال الفيروسي. لذا فإن الارتفاع المفاجئ في الحالات هناك لا يعني بالضرورة أن اللقاحات ليست وقائية ضد عدوى أوميكرون.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو هل يجب اذن تحديث اللقاحات؟

نصح بعض العلماء في السابق بأن تحديث اللقاح يجب أن يستهدف دلتا - نظرا لأنه مهيمن جدا في جميع أنحاء العالم، فقد كان يعتقد أن جميع المتغيرات اللاحقة ستأتي من دلتا على أي حال. الا انه لم يتوجب انتاج مثل هذا اللقاح ليس ضد دلتا وانما ضد بيتا ايضا فقد ثبت ان اللقاحات الحالية فعالة ضدهما، لكن بظهور اوميكرون يبدو ان الشركات تبدي استعدادها للبدء بانتاج لقاح جديد.

ما هي أفضل الخطط لمكافحة الفيروس؟

يوضح لنا اوميكرون أننا قد لا نكون قادرين على التنبؤ بمكان ظهور المتغير القادم. لكن هناك شيء واحد أصبح واضحا - طالما استمرت حالات كوفيد فستكون هناك متغيرات جديدة. التطور سيستمر.

هل ستتجنب المتغيرات الجديدة اللقاحات مع الاحتفاظ بقدرتها على العدوى؟ ليس بالضرورة - قد لا يكون هناك مكانة تطورية هنا. ولكن ما لم نقم بعمل أفضل بكثير في تطعيم سكان العالم اجمع لقمع تلك الحالات الجديدة فسنكتشف ذلك التطور وسنكتشف هذه المتغيرات.

لازلنا لانعرف الكثير فالاصابة بالفيروسات وتطورها والمناعة ضدها امور معقدة بالتأكيد.

 

أ. د. محمد الربيعي

.............................

*  بعض مقالات الكاتب حول فيروس الكوفيد

تطور فيروسات الكوفيد 19 ومستقبل اللقاحات

https://akhbaar.org/home/2021/12/290296.html

ما تحتاج معرفته عن متغير اوميكرون

https://akhbaar.org/home/2021/12/289515.html

قصة انتاج اللقاحات ضد مرض كوفيد 19

https://akhbaar.org/home/2021/3/281306.html

قصة التطور وظهور الطفرات في فيروسات الكورونا

https://akhbaar.org/home/2021/1/279501.html

 

 

في المثقف اليوم