صحيفة المثقف

تقديم نقدي بسيط / سلام كاظم فرج

ومن خلال بضعة آراء سبقت الاستطلاع وجدت ان هناك سوء فهم لمصطلح التناص .. وليس ذلك بغريب فالمصطلح حديث عهد  في الادبيات العربية.. رغم وجود الاف النصوص المتناصة مع نصوص وافكار سابقة.. على مر تأريخ الادب العربي.. ورغم وجود عشرات الدراسات النقدية والمقاربات الا ان التناص كمصطلح اقتبس من النظريات النقدية الاوربية المعاصرة.( ربما تم التداول به بعد نشر رولان بارت نظرياته النقدية وترجماتها واطروحات كرستيفا وزيادة الاهتمام بالبنيوية وما بعدها والرجوع الى الكتابات الاولى لدي سوسير وإعادة قرائتها كذلك ان للماركسيين الجدد فضلا  في تسليط الضوء على مقاربات العمل الادبي الابداعي وعلاقته بالاجتماعي.. في بحث دؤوب عن الانساق الكامنة خلف اية ممارسة أدبية او كتابية..وما عرضه تودروف من تنظيرات نقدية يدخل من هذا الباب... كذلك تنظيرات دريدا..))

 ويبقى لرولان بارت الفضل الاكبر في تسليط الضوء على المصطلح لما اكتسبته إطروحاته من شعبية لدى النقاد العرب وشيوعها بين الادباء والمثقفين. وللدكتور مصطفى بيومي عبد السلام الباحث المصري دراسات رصينة قيمة ومقاربات شارحة لمعنى التناص في العمل الادبي..

حتى في الكتب المقدسة هناك مقاربات بين النص التوراتي والنص القرآني.. في مواضيع كثيرة متعددة..كقصة النبي يوسف .. وقصة سليمان وبلقيس..وقصة الطوفان.. ومواضيع كثيرة أخرى.. وكتبت مقاربة متداخلة ضمن الاستطلاع عن الحالات التي يتمظهر فيها التناص والفرق بينه وبين الاقتباس والالماح او الالماع.. والتأثر..فوجدت ان نص احمد شوقي جبل التوباذ وهو يتقمص روح قيس بن الملوح فرصة جيدة لفهم التناص في الادب العربي قبل تناوله في الادبيات اللاحقة ( جبل التوباذ كتبت في الثلاثينيات من القرن العشرين..)..وقد لقي النص ترحيبا عاليا ساعة نشره حتى ان الموسيقار عبد الوهاب قد لحنه وغناه بشكل رائع خلاب.. ولم تك هناك حاجة للتوضيح ان النص يتقمص روح ابن الملوح لا شعره.. فكما هو معروف ان للشاعر الاموي قصائد عديدة منشورة له..

 في معجم مفاهيم النقد الادبي.. نتعرف على مايلي..

ان التناص ينطوي على خمسة مفاهيم. أهمها ان يكون مرادفا.. للإلماع او الإلماح .

.والالماع هو استدعاء نص سابق والاشتغال عليه.. بشكل يكون الهدف النهائي له. انتاج نص أكثر حيوية ومعاصرة..كما فعل عشرات الشعراء مع نصوص خالدة.. كنشيد الانشاد من العهد القديم . وقصة يوسف.. وقصة المسيح. على سبيل المثال..

  

ان العمل المتناص مع عمل سابق. هو إبداع جديد ونشاط منفصل تماما عن النص السابق..

ولن يكون التناص فعالا ومجديا.. الا إذا أقترب من فخامة العمل السابق له..

للوصول الى ما يسمى بتأصيل النص..وتمظهرات التناص تتلخص بما يأتي..

 إستدعاء شخص ( قيس بن الملوح مثلا في نص احمد شوقي جبل التوباذ)

او إستدعاء شخصية تأريخية (النبي يوسف) في مسلسل يوزرسيف مثلا..

او مكان.. مثل البصرة.. في نص الروائي الكبير محمد خضير بصرياثا..

 او حدث.. كحرب البسوس في سيناريو لفلم او مسلسل تلفازي..او عرض مسرحي...

 او فكرة... كفكرة الحور العين في الجنة.. في قصيدة ما. او رواية .. او مسرحية...

 او استدعاء نص بكامله كما فعل الروائي الكبير محمد خضير مع نص الكاتب الراحل محمود عبد الوهاب القطار الصاعد..

 من هذا نفهم ان التناص.. نشاط إبداعي مستقل لا يجيده الا قلة من المبدعين ..

 اما الاقتباس.. فأمره سهل وواضح ومتاح... والاقتباس يأتي احيانا لضرورات فنية لالقاء المزيد من الضوء على النص المتضمن لذلك الاقتباس ..والواجب الادبي يفرض على الكاتب الذي يقتبس جملة او جملتين أن يضع ما اقتبسه ويشير الى المصدر..فيكون امينا ومفهوما لقاريء نصه..

اما السرقة.. فتمظهراتها عديدة.. منها الذكي المراوغ المخادع .. ومنها الساذج المضحك المفضوح.. وكما في عالم اللصوص..تتباين مستويات السراق.. فمنهم من (يخمط). نصا منشورا بكامله ويدعيه لنفسه.. وهذا أكثر انواع السرقات.. رداءة  وسذاجة ..ومنها سرقة نص لصديق ونشره بأسم السارق قبل المؤلف الحقيقي.. وهذه الامور قد تحصل وهي مؤلمة جدا..وتتسبب بالام نفسية لا يقدرها السارق في وجدان صاحبه.. سيما إذا كان النص رصينا وفيه ابداع لافت..وهناك سرقات لنتف من الكلمات او الجمل او الافكار الباهرة متناثرة في نصوص منشورة لكتاب مبدعين معروفين.. دون الاشارة لذلك لنميز بين الاقتباس والسرقة..

من هذا نفهم ان التناص فن إبداعي صعب المجتنى..راق.. وعظيم

وإن الاقتباس.. متاح وشرعي . وبسيط.. وضروري في بعض الاحيان.. على ان يثبت مصدر الاقتباس بين قوسين..

وأن السرقة فن ايضا !!!.. لكنها فن.. قبيح ومؤلم.. ! وساذج..

ولا ننسى ان نثبت ان هناك استعارة تستحضر صورة مألوفة لكنها غير متداولة فنيا..كصابونة ارخميدس حين ترد في نص سردي او شعري..

 او تفاحة نيوتن الساقطة بسبب الجاذبية..او نظرية دارون عن اصل الانسان.. او فائض القيمة لماركس..او استعارة اوديب من فرويد لا من سوفوكليس.. وهكذا...مع فرويد.. استعارة.. ومع سوفوكليس تناص.

0 اقصد ان نص المسرحي المصري علي سالم  مثلا (اوديب انت اللي قتلت الوحش) يتناص مع سوفوكليس.. رغم ان المسرحي الكبير كان يتناول كاريزما جمال عبد الناصر في الستينات). وهناك عشرات الاعمال الادبية العالمية تناولت اوديب بأشكال متعددة ومتقاطعة احيانا. وكلها تتناص مع قصة اوديب الاصلية (اوديب ملكا)..المكتوبة قبل ميلاد المسيح بمئات السنين....

 والله اعلم.. وأقولها جادا.. لأن المصطلح لم يستقر بعد بشكل متكامل رغم ان تداوله عالميا قد ناهز النصف قرن..

  

استطلاع: ما الفرق بين السرقة والتناص في النصوص الأدبية؟

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2106 الأثنين  30 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم