صحيفة المثقف

الكتابة في الفراغ / حامد حمودي عباس

ترى لماذا لا نستطيع تدليك أشلائنا حين نتوقف فجأة على ارصفة الشوارع كما يفعلون ؟ .. كم هورائع ذلك الحيز الحر ، والذي يستطيع فيه المتشنجة اعضاؤهم أن يسترخوا لفن يطلق فيهم نزعات حب البقاء ويزيح عن كاهلهم أمراض الفراغ ..

 

في أولمبياد لندن 2012 .. حضر العالم ليتبارى تاركا خلفه كل مثالب التمييز .. وتعرى مطلقا لذاته ان تكون حرة لا يعيق حركتها معيق .. لقد كان العالم في لندن خلال احداث الاولميباد عاريا تماما دون قلق .. لا تضايقه دواعي الخوف من عرف اوقانون أودستور لدين أومذهب .. فتحركت الاجساد تعوم ، وتجري ، وتتحاور ، وتطيح بالارقام لتخلق ارقاما جديده ..

 

كل الارقام في لندن 2012 كانت تلهث وراء الفوز ، واروع اللحظات عندي هي تلك التي تتطلع فيها العيون البريئة للصبايا الحسان الى لوحات ظهور أرقام التنافس ، لتعرف قدر همتها ونتائج جهدها خلال عام .. لقد كنت وانا التصق بصدر حورية يردد وبتناغم رائع لعلامات التعب ، ثم تنحني لتقبل مدربها عرفانا بالجميل ، أشعر بعبثية أن أكون والفراغ في زنزانة واحده ..

بيئة لا تعكرها أنفاس تحمل ريحا غير طيبة ، تلك التي وضعها العالم في لندن 2012 .. وحين حضر المصابون بزهايمر التخلف من الشرق للمشاركة في ساحات التنافس ، تركهم العالم احرار فلم يمنعهم من المشاركة ، ليقينه بانهم سيغادرون لا محاله .. سيرحلون بعد حين لأنهم على صلة وثيقة مع الفراغ ، يقتلهم عجزهم وضياع فرص لم تتحقق ..

 

في لندن ، بانت الاجساد على سجيتها ، تتناغم مع فضاءات رحبة ، مصرة وبكل عنفوان على ان تتذوق حلاوة التنافس ، وتحتاط ضد مظاهر عفن السكون ..

 

لندن هذه الايام صارت منشغلة بمتابعة سباقات الاولمبياد .. زعماؤها والوزراء ، اغنياؤها والفقراء ، حتى الفقراء نسوا عوزهم ليصطفوا على ارصفة الشوارع ، مصفقين لموكب سباق الماراثون بين صبايا الدول الوافدة

 

قبل ايام .. ظهر الرئيس الفرنسي مع سائقه وهويرافق طواف فرنسا للدراجات الهوائيه ، كان يطل من نافذة السيارة ليشير بيده لمصور تطفل عليه فرغب باظهاره على شاشات التلفاز ، حاكم بوجه طفل ، يبتسم ببراءة لا نتقبلها نحن المتشنجة اعضاؤهم ، ولا نضعها الا في خانة سخرياتنا العابثه .

 

وهذه الايام .. جالت ملكة بريطانيا وبوجه يحمل قسمات الفرح الجميل ، بنظراتها المحكومة بملامح العرفان والحب ، على عاصمة بلادها مرحبة بالقائمين على مهرجان الرياضة الكبير ..

 

وفي لحظة جاءت كالبرق .. وأنا اتطلع للشاشة الصغيره ، وكأنني أغطس هناك .. بلندن الضباب .. في المياه المحمية من تلوث الشرق .. بلغني بأن رعبا بدأت فصوله تجري في المنطقة التي أسكنها ، حيث تم ضبط احدى النساء المنقبات ، وهي تحمل عبوة ناسفة حاولت زرعها في قلب الحي ..

 

ضاعت مني مباهج السرور .. لأغوص مرة اخرى في غياهب الفراغ ...

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2200 الاربعاء 8/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم