صحيفة المثقف

قراءة في انهار ظمأى للشاعر صدام فهد الاسدي

صدام فهد منذ عرفته يجيد العزف على وتر الضمير .. رجل موضوعي حد النخاع يتلذذ بعذاباته ويلعق جراحه مثل كل الكبار ولكنه يصرخ بصمت ولن يحترف لغة اخرى غير الكتابة على الورق او الصراخ البارد كما نسميه معشر الاعلاميين .. ولعل الذي يفهم هذا الانسان او يحاول الولوج الى عالمه الخاص .. يراه انسانا ً اخر .. يفكر من اجل الاخرين .. يبكي على نخلة ٍ قلعوا جذرها او ذبول وردة ٍ تحت وطأة الجلادين ... او ... او ... ويستمر فهد مثل نورس ٍ حزين في بحر التناقضات والافتراضات والقصائد التي سقطت في ثقب الفوضى ثانية .. ولكن صديقي العزيز منذ العقد السبعيني قبل ان يختم القرن صومعته كان شديد الرغبة للتجربة .. يكتب .. يبحث ... يقرأ كل شيء حتى كتابات الاطفال ... له اجنحه ملونة برائحة الابداع .. يؤرشف حتى النقائض والاضداد ... وله قلب ابيض مثل رائحة الثلج وسريره كنقاء البراءة في مملكة الصغار سأكتفي بالقول انه طيب القلب لأن شهادتي بصدام فهد مجروحة كوني من اصدقاءه القدماء جدا ً مع سبق الاصرار .. والحديث عن انهاره الظمأى لا تكفي قراءة واحدة وحسب .. فالرجل لن يحترف التصنع بافتراض اليأس الجاثم فوق صوت الحقيقة وبما ان كل شيء من خلال العنوان واستدرك لغته بحرف الامتناع لوجود ( لو ) في نفوس غزاها الصدأ وهو تهرب من الولوج في دائرة الحقيقة التي باتت في عنق الزجاجة ...

لو كنت اميرا ً لآقرت الجهلاء

بقطع الساقية الحبلى بالاوثان ..

واستدراكه بان الدنيا لا تنكر

انسانا ً يعرف معنى الانسان وصف موفق للحكمة

والاسدي لا يعرف ... بل يعرف اكثر مني ولكنه لا يعترف

ان الانسانية في ذاكرة النسيان ..

وهذا هو طبع الاسدي يصرخ بصمت تحت وطاة السكوت بلا جدوى

كسرة خبز ضامئه .. غرقت في نهر دماء !!

من ياكل تلك الخبزة يا شعراء ؟؟

ولم يكف الاسدي عن بكائه المر في ثياب غير قابلة للسلخ

على هذا وذاك الحال طاب

الموت والمصرع

تقول الموسى لا يؤذيك

كم موسى من الحسرات ِ قد ابلع ْ ...

وما بين جلود اكلها الوسخ ... وارغفة على قيد الانتحار

نزف من الجراح وسيف اليأس لا زال جاثم على قلم الاسدي مع

سبق الاصرار ...

اعلق جلد الخطيئة

فوق حبل الغسيل

ولكنها الشمس تبقى ...

انفعال واضح بأن البقاء للأصلح حيث ينقشع غبار الكذب

وندرك حينذاك فرقا ً بين الاصالة وعمق الجذور وبين

الثمالة والفجور ...

ها اني ارفع القبعة للأسدي الذي اباح بكهنوته في كتاباته وكانه راهب فقد ديره وتمرد على واقعه الاشد بؤسا ً .. في قوله :-

حتى الحقيقة لن تكون هي الحقيقة

او في قوله الاخر ..

امنت ان الدهر يلعب ما يشاء وليس

يخجل اذ يموت الحق في ظل الحرام .

وحين يلجأ الشعر الى الحسين الذي يراه المنقذ الوحيد لخرافات وتفاهات العصر فهو هروب من الواقعية . فكيف نهرب من شيء بدا لنا اليفا ً كالقطط المنزلية ولحكمة الشاعر ادرك ان الحسين لم يمت ابدا ً فهو في اقلام وضمائر الخيرين وليس في لغة الساسة الذين باعوا الضمائر في سوق النخاسة ... ان فراسة الشاعر في كشف الحقيقة :-

ما اكبر الصلوات تسحق

كل زيف الناكرين

(وفي معارضة)

الذي يناجي بها يمز من رموز الشعر في البصرة صديقي على الامارة اشم فيها رائحة الجنوب حين يقول ..

نخلة الصبر كل ريح تحدث

عذقها اليوم صار خسا ً بالعتاد

ايه بغداد نفتديك قلوبا ً

فجنوبي يشد كف الرمادي ..

هكذا هو الاسدي يلعن التقصير والطائفية

ويشد ازره بحزام الوحدة ..

ويرى شاعرنا الاسدي ان عودة السماوي قد تكون للمنفى بين اروقة الرذيلة كما سماها .. بعد ان كان يمتكي قلمه في عالم مفعم بالحرية والصدق خلف جدران الوطن ..

وسوف تلقى عجبا ً في قادم الايام ...

وعندها تقول عفوا ً قد صدقت يا اخي ... صدام .. (والمقصود هنا الشاعر صدام فهد الاسدي) وفي طلاسمه ينتفض القديس من سباته العميق تحت تأثير وجع الحقيقة المفعمة برائحة اليأس القاتل ..

اتظن يوما ً يا نزار يعود

للأرض الصفاء ..

ايصيبنا لولا الجهالة ِ

سيدي هذا البلاء ...

وفي مشاكسة خارج الطابور واسطورة الجنة الوريفة ونث العناقيد يرتدي الشاعر جلباب المروءة ويمتطي صهوة جواده الى مدن الفضيلة بعيدا ً عن شعيط ومعيط وجرار الخيط ... وفي رائعته انهار ظمأى دعوة مباحة للشعر ان يدفن موتاه ويرحل ..

هنا اتوحد ظلا ً يعوف

غبار القطيع

قلم يعد الشعر الاصدى

يموت وتحفره الذكريات ..

هنا اختلف مع الشاعر بان الشعر ليس صدى بل وجع بحضور فوق خارطة القلب وما بين القلب والقلب كالتي تمتد بين المحراب والصلاة ..

الله علمنا الحقيقة والمحبة والسلام ..

والله اعطانا الحقيقة والعدالة والنظام ..

وفي خوارق واتكاء على ظهر الغيمة وتأملات في زوايا الفراغ وبكاء الرغيف

على كف طفل يتيم ونشيد السمكة وهواجس و دوامة الصبر بعد ترميم الذاكرة ينزف الشعر لمناجاة سيدة النخل .. كلها صراخات كبيرة .. مزقت اروقة الصمت نحو محطات خاوية قد خلت من نوايا الافتراض بان الصدق قد انبرى في زوايا المقبرة .. ولا زلت ارى الاسدي في كل مجاميعه ينعى الضمير الذي ضاع بين حانات الليل وغياهب الجلادين وسوق السماسرة والسياسيين وبنات الهوى ..

وبقي صدام يبكي لوحده وهو يبحث عن الصب في دوامة وهواجس على ضفة البكاء ليرمم الذاكرة من جديد وينزف الشعر ويناجي سيدة النخل البصرة .. عن زمن اكلته الهوارف والاقلام الموبوءة والمأجورة حد اللعنة ..

حانت هناك كربلاء

والحسين يركب الصعاب

كيف ترى سنبلة فارغة

والكبرياء عندها يمزق الثياب

سيدتي كيف حفرت حفرة ً

عاشت بها الكلاب ..

واخيرا ً فقراءة واحدة لا تكفي ان تمنحك تأشيرة دخول الى مدن الاسدي .. ذلك الانسان الطيب والشاعر الانسان الذي حمل وطنه دائما في سفرياته الشعرية الى عالم الرغبة والحقيقة والخيال .. بارك الله الاسدي شاعرا ً وانسانا ً يرسم الابداع بلغة الحقيقة وبراع اصلد من وقع السيف مع اصدق تحياتي للشاعر الصديق صدام الاسدي ..

 

 الشاعر الاعلامي

خلف المناصير

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم