صحيفة المثقف

على رصيف المسرح الوطني او جولة في بعض احياء بغداد

تبدأ الاشياء من حلم صغير أو كبير، لا تتحقق في أكثر الأحيان، ولكن لا يهم.. إنّها من صنف الأحلام، تأتي وتذهب كما تأتي، وننساها كما ننسى الأحلام كلّ يوم، حين نستيقظُ صباحاً على يومٍ جديد، كنتُ أفكّر بهذهِ اللحظة، لحظة اليقظة الماثلة، لأنها تشبهُ الحلم، ولكن صعبة النسيان، إنّهُ من نوع الحُلم السيء، وليس المبهج الذي يحملُ السرور، قطعت الشارع من جهة المسرح الوطني الى الرصيف البعيد المقابل، كانت محلات الكهربائيات، تصطفُ وتمتدُ على رصيف الشارع وتخفي جماله، ولم تستطع الأشجار الخضراء الجميلة، إعادة رونقه وجماله، وشعرتُ بالضيق عند الرصيف، كمن يهربُ من المكان، كانت ساحة التحرير لا تبعدُ كثيراً، وقريبة، ولكن لا توجد مظاهرات اليوم، يجب الانتظار ليوم الجمعة..لا أتذكر في تلك اللحظة الى أين كنت أنوي الذهاب، فقد أتيتُ لعملٍ ما ونسيتهُ، حتى اصبحت الكرادة والمسرح الوطني، بعيدين عني .

قال سائق التكسي، سأوصلُك الى الكرنتينه، فقلتُ له من بداية الشارع أو من كهرمانة، فسألني تنزل قرب الساحة، فأشرتُ له «نعم»، فسمع تعليقي «أي ساحة»، وضحك بسخرية!! كانت هنالك بنزين خانة جديدة، تسدُ الساحة وتخنقُ الفضاء من بداية الشارع وتلقي بظلالها على ما تبقى من جماله وهدوئه، فدخل في الشوارع الفرعية الضيّقة، وبيوتها الهادئة، ووقف على مسافةٍ بعيدة من الساحة، وقال وهو يضحك «خلّصتك منها»، فشكرتهُ ..واعطاني رقم موبايله، وطلب مني الاتصال به بأيّ وقتٍ اشاء.

كانت ساحة السباع كالحة ومنزوعة الأشجار وصاخبة، قطعتُ الشارع ودخلت الى شارع الهادي، وقبل نهايته، لاحت أسلاك الكهرباء الممتدة بكلّ اتجاه، وسوق الشارع المزدحم، والبنايات والخرائب المهملة على الساحة الصغيرة، نهاية الشارع، حتى تشعر بأنك لست في بغداد.. في ساحة السباع أو الهادي أو الأمين وباب الشيخ، فقد رفضت هذه الاحياء البغدادية المتداخلة والمختلطة، بشدّة، الكانتونات وعزل السُنّة عن الشيعة، بأوج سُعار الطائفية بين عاميّ 2006 و2007 م، فكوفئت بالإهمال المتعمد، كأنها خارج أمانة العاصمة، رغم إنّها وسط بغداد، وشعرتُ بالتوجس من الذهاب لساحة الميدان أو الرشيد، كان جامع الخلاني القريب عبارة عن خرابة بجدرانه العالية المحاذية للرصيف، ما زال بعض القاشاني الأخضر والأزرق، يتثبتُ بجدرانه وقبته المستديرة، كأنّهُ يشكو لشارع الهادي، ولكنهُ لا يجد في الشارع وساحته الشبيهة بمكب للنفايات، سوى خرائب مُماثلة، فيلوذ بالصمت والسكينة والهدوء، احياء وسط بغداد عبارة عن خرائب وساحات لجمع الانقاض، وتقطعُ الشوارع حواجز تفيض عن الحاجة ونقاط سيطرة تخيف المارة، وأنت تتمشي، أنس أنك في وضعٍ أمني مضطرب، وأنك في أمان حين تتجول في بغداد، واذا لم تستطع أن تشعر بالامان، عليك ان تبقى في بيتك أو ترحل وتسافر .

ومن شارع العلاوي أو من نهاية نفق الشارع والجسر أو المُجسّر الجديد، بداية الشارع باتجاه الكرادة، يرتفعُ حائطٌ كونكريتي هائل، يحمي المنطقة الخضراء، ويعزِلُها عن الشوارع والاحياء المجاورة، ويظلُ يلف مع الشارع الى نهايته، قبل أن ادخل في الشارع، فكّرت بالرجوع والذهاب الى شارع الرشيد، فتذكرتُ محلات الزيوت وإطارات السيارات التي غزت الشارع، وتوقفت .

عدتُ الى رصيف المسرح الوطني، بدون هواجس أو أحلام، كانت الكرادة خلف المسرح الوطني، هادئة بلا ضجيج، أردتُ أن اتذكر العمل الذي أتيتُ من أجله .. ولكنني نسيت!! قطعتُ الشارع مرّة ثانية من رصيف المسرح الوطني الى الرصيف البعيد المقابل، وشعرتُ بالارتباك، لكثرة الكهربائيات المعروضة على الرصيف، والمتسوقين وأصوات السيارات والحاجز أو نقطة التفتيش القريبة بنهاية الشارع، فقد عجزت الإعلانات الكبيرة والأشجار الخضراء الجميلة والمُشذّبة عن إعادة رونقه وجماله، كنت على بعد خطوات من دجلة وأبو نؤاس، ولكنهُ فارغ الآن، بهذه الساعة، كأنّهُ بلا مقاهي أو رواد ومشروبات، اردتُ أن اتذكر العمل الذي أتيتُ من أجله في الكرادة أو قرب المسرح الوطني، ولكنني نسيتهُ .. قلت «سهام» ستُذكّرني به، تذهبُ خصيصاً لمحلاتٍ قريبة من كهرمانة، تبيعُ أكياس «جبس مُملح» أو بالوزن، وتأكلُ أكثر مما تشتري .. ولكنني نسيتُ أن اسألها !!

حين عدتُ ..مشياً الى كهرمانة.

 

قيس العذاري

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم