صحيفة المثقف

خطباء المنبر وروايات ليلة القدر

ما أتمنّاه على أساتذتي الخطباء ونحن على أعتاب ليالي القدر المباركة الالتفات إلى ما يلي:

- إذا ما أرادوا أن يبنوا بحثهم على رواية من روايات الباب الواحد والأربعين من كتاب الحجّة في أصول الكافي الشريف والذي حمل عنوان: "باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها"، فعليهم أن يلتفتوا إلى نقطة منهجيّة جديرة بالاهتمام وهي: إن جميع الروايات التسع التي جاءت في هذا الباب مرويّة عن: "كتاب الحسن بن العبّاس بن حريش الرازي"،  ابن حريش الذي قال عنه النجاشي: "...له كتاب: إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وهو كتاب ردي الحديث، مضطرب الألفاظ"[ص60]، وقال عنه ابن الغضائري والذي يعتمد السيّد السيستاني إلى تضعيفاته أكثر من النجاشي والشيخ وغيرهما: "... ضعيف جدّاً، يروى عن أبي جعفر الثاني "ع" فضل إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وله كتاب مصنّف فاسد الألفاظ تشهد مخائله على أنّه موضوع. وهذا الرجل لا يلتف إلى يُلتفت إليه، ولا يُكتب من حديثه"[ص51].

- نعم؛ حاول بعض منظّري الدولة الصفويّة المروّجة لمثل هذه العقائد والنصوص أن يقول إن هذه التضعيفات ناتجة من مرويّاته التي لم يتحمّلها أفق تلك المرحلة عن أهل البيت "ع"، وحيث إن مثل هذه العقائد أصبحت من بدهيّات العقائد الشيعيّة المعاصرة فعلينا أن لا نلتزم بها!! إلّا إنّ هذا الكلام غير دقيق على إطلاقه؛ ولا أظنّ إن المجال يسع لتفصيل الحديث فيه، لكنّ تعالوا معي نمتثل إلى وصيّة ابن الغضائري، ونتفحّص مضمون رواية واحدة فقط من روايات ابن حريش التي جاءت في هذا الباب، ونترك الحكم إلى القارئ الكريم بعد ذلك:

- جاء في الرواية الثانية التي جاءت في هذا الباب ما يلي: "عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال: بينا أبي [الباقر] جالس وعنده نفرٌ إذ استضحك حتى أغرورقت عيناه دموعاً ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال [الصادق]: فقالوا [النفر الذين عنده]: لا، قال: زعم ابن عباس أنّه من: (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن؟، قال [الباقر] فقال [ابن عبّاس]: إن الله تبارك وتعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة)، وقد دخل في هذا جميع الأمة، فاستضحكت ثمّ قلت...الخ الرواية"، [الكافي: ج1، ص274].

- أقول: الشاهد على وضع هذه الرواية ـ كما ذكر ذلك المامقاني والتستري ـ إنّنا حينما نراجع تاريخ وفاة ابن عبّاس نجده متوفّى في أيام فتنة ابن الزبير سنة: (68) من الهجرة، وحينما نراجع تاريخ ولادة الإمام الباقر نجد ولادته في سنة: (57) من الهجرة، أي عمره حين هذه المحاججة عشر سنوات على أكثر التقادير، وإمامة الباقر بدأت في سنة: (95) من الهجرة بعد وفاة أبيه السّجاد "ع"، ولا يُعقل للباقر أن يحاجج ابن عبّاس حبر الأمّة في زمن أمامة أبيه السّجاد، أضف إلى ذلك الرواية التي رواها الكشّي عن الصادق "ع" حيث قال: "... إنّ أبي كان يحبّ ابن عبّاس حبّاً شديداً، وكانت أمّه تُلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بني عبد المطّلب، فأتاه بعد ما أصيبت بصره، فقال: من أنت؟ قال: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، فقال: حسبك منْ لمْ يعرفكَ فلا عرفك‏" [ص57].

أجل أخوتي الكرام، الله الله في عقيدة الناس التي بأيديكم، فأنتم مسؤولون عن بنائها بشكل عقلاني صحيح، بعيد عن التخريف والمغالاة والدجل حتّى لو كلّفكم ذلك أغلى الأثمان، بلى لا أشكّ في صعوبة هذه المهمّة ووعورتها، ولكن أهل البيت "ع" يستحقّون أن نضحّي بأجورنا ومكانتنا في سبيل زرع عقلانيّتهم في نفوس محبّيهم.

 

ميثاق العسر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم