صحيفة المثقف

علجية عيش: الثَّوْرَةُ تَتَكَلَّمُ.. إلىَ الذين شُدَّتْ أيَادِيهِمُ على بنادق التَّحْرِيرِ

eljya aysh"عدد خاص" هكذا اعتادت الصحف الجزائرية أو ربّما العربية، أن تكتب هذه العبارة في إحدى زوايا الصفحة الأولى للجريدة وبالبنط العريض واللون الأحمر أو الأخضر في  وهي تسترجع ذكرى من ذكريات أمجاد الثورة، وبطولات "الرجال" أقول "الرجال" الذين آمنوا بالوطن، وآمنوا بالتضحية، وفضلوا الموت على حياة الذل والاستعمار من أجل إنقاذ "أمّة"، اقبلوا على الموت واحتضنوه وهم يرددون " الله أكبر"، فهذا  يكتب عمودا وذاك يحلل ويعقد، والآخر يجري حوارا صحفيا مع مجاهد أو يرسم لوحة لشهيد مغبون، فكلما أحيينا ذكرى وطنية، ( أول نوفمبر 1954 ذكرى اندلاع أول رصاصة، 18 فيفري يوم الشهيد، 19 مارس 1961، 19 جوان، 05 جويلية ، 1962، وذكرى17 أكتوبر، و11 ديسمبر61)، والأحداث كثيرة ولكل حدث تاريخي مناسبة يحتفل بها الشعب الجزائري، في كل سنة يقوم المسئولين بحمل باقات ورد يضعونها بمقبرة الشهداء،  في هذا اليوم ترى القوافل تحج إلى مقابر الشهداء، يقرأون الفاتحة، ثم يغادرون، ولا يعودون إليها إلا إذا حلت مناسبة وطنية جديدة،  وهكذا..، يتكرر نفس السيناريو، هي فرصة طبعا للذين يمكن تسميتهم بـ: " "المْشَامْشِيَة" ، أو  "صحاب ليزافير" إن صَحَّ التعبير..، لأن الاحتفال بهذه المناسبات تتم فيها اتفاقات وعقد صفقات وحجز مواعيد للالتقاء بالمسؤولين، نعم هم أصحاب المصالح الذين تخلّوا عن مبادئ "الثورة" وتخلوا عن "الرفاق"..

الرفاق؟ كلمة تقترب من "القداسة"، أو تحمل هالة قدسية، ولو وزنّاها لكان وزنها ثقيل جدا، لأنها عظيمة عظم ما في الكون.. تذكرني هذه الكلمة بأغنية عبد الحليم حافظ: "الرفاق حائرون.. يفكرون..من تكون حبيبتي؟" أخطأت يا عبد الحليم والله، الرفاق  مشتتون، منقسمون، يتقاتلون، يسبون ويشتمون بعضهم عبر المنابر الإعلامية، يتحدثون ولا يخجلون ويتمنون للرفاق "النفوق" (عفوا لأن الكلمة تستخدم لغويا للحيوان)، ويتمنون لو لا يصلون عليهم أو حتى دفنهم، لهذا الحد بلغ العداء بالرفاق، لأن بعضهم مارس دور "الإله" يحكم ويقرر،  لم تعد "جبهة التحرير الوطني" حبيبتهم، ساوموها وحرّضوا عليها قطاع طرق  فاغتصبوها، آه يا جبهة التحرير.. أين رجالك؟ وأين أبناؤكِ المؤمنون بعدالة القضية؟ لماذا هم صامتون؟ أم أن ألسنتهم قُطِّعَتْ ومَزّقَهَا ( أصحاب الشكارة) كما مزقت هندٌ كبد عمّ الرسول قبل إسلامها، الأمر فضيع طبعا، فالانحراف السياسي مَسَّ رموز الثورة ومجاهديها الذين يسكنون تحت التراب، رغم أن الدستور نص علي حماية هذه الرموز  من كل إساءة أو استغلال سياسي، والشهداء في المقام الأول، لكن هذه الرموز طمست يوم تم الإعلان عن نهاية "الشرعية الثورية"، فكانت فرصة لأعداء الجبهة بأن يعلنوا عن نهاية دور "الأفلان" وصرخوا بأعلى صوت بأن مكانه الآن في المتحف، ربما هم محقون، قد يكون مكانه المتحف و وجب حفظه مثل الجوهرة بدلا من أن يلقى في الزبالة، والدليل  ما يحدث داخل الحزب من صراعات وأصبحت عبارات " الإقصاء، والإقالة، أو سحب الثقة " هي لغة المناضلين ، ليس في حزب جبهة التحرير الوطني وحده، بل في كل الأحزاب السياسية ، وهذه الأحزاب جميعها خرجت من رحم الأفلان، ومع دخول التعددية كشرت عن أنيابها ضده.

التاريخ ذاكرة الشعوب، مقولة تضع الثورة الجزائرية أمام امتحان التشكيك والاستغلال السياسي، خاصة أمام المبادرة التي قامت بها وزارة المجاهدين بجمع شهادات المجاهدين عن تاريخ الثورة الجزائرية، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، كيف يُدَوَّنُ التاريخ وهناك تناقض كبير جدا في شهادات المجاهدين والذين عايشوا، كما أن ما نقرأه من مذكرات لمجاهدين وضباط لا يخرج عن إطار "السيرة الذاتية"، والسؤال يلح على الطرح، هل الذين سيكتبون تاريخ الثورة يملكون المؤهلات التي تسمح لهم بكتابة التاريخ مع كل المسافة الفاصلة مع تسجيل شهادة وتدوينها؟ وهل سيعاد النظر في الكتابات التي أرخت لثورة من طرف باحثين أكاديميين، وما هي المرجعية التي ارتكزوا عليها، كلها أسئلة تدخل في صميم الموضوع،  فبغض النظر عن مجاهدين ينتمون إلى أحزاب أخرى، فإن في وعاء حزب جبهة التحرير الوطني مجاهدين لا يزالون على قيد الحياة، ولا يصلح المقام هنا لذكر أسمائهم لأنهم معروفون، أفلا يتفقون على أن يجلسوا على طاولة واحدة ويؤرخون لثورةٍ هم صنعوها، دون زيف أو مجاملة، يدونونها بكل إيجابياتها وسلبياتها، ما زلت أذكر المجاهد الراحل الطاهر بودربالة في مناسبة وطنية وبقاعة عبد الحميد ابن باديس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية وبحضور الوزير السابق الشريف عباس المحسوب على حزب التجمع الوطني الديمقراطي، لما استدعي للإدلاء بشهادته قال بالحرف الواحد، لو يأذن لنا الوزير لنا ما نقوله عن الثورة، توفي الرجل ولم يدلي بشهادته أمام الحضور، وأما الوزير فقد لزم الصمت ولم يعطه  الضوء الأخضر (الأمان) للحديث بحرية، شيئ مؤسف أن يطلب مجاهد من رفيق الكفاح  الترخيص للكلام، وقل الحقيقة، ومؤسف طبعا أن تتحول قدسية الثورة إلى ممارسة سياسية وورقة انتخابية، وصار الحديث عن مرحلة الاحتلال لم يعد لاستخلاص الدروس واستقاء العبر، وإنما لمجرد التباهي والتغني بانتصارات الشعب، إلى حد أن أصبح البعض  يردد بالقول: " الجزائر حرّرها الجميع"، وهم بذلك أرادوا أن يطووا صفحة سوداء من تاريخ الحَرْكَى والقُومِيَّة elgoumia، والتغاضي عن خيانتهم للوطن.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم