صحيفة المثقف

رحلة في عينية الشاعر عبد الباقي العمري (3)

جعفر المهاجرلقد سكب عبد الباقي العمري خريدته على الورق ليقرأها كل منصف لم تلوث قلبه وروحه العنعنات الطائفية التي تعمي العقول والقلوب. لأن كل بيت من أبياتها هي انعكاس للفضائل الدرية الخالدة لبتي إتصف بها الإمام علي بن أبي طالب ع.

حيث يقول الشاعر فيها من خلال ضمير الرفع المخاطب :

وأنت غوث وغيث في ردى وندى

لخائف   ولراج   لاذ   وانتجعا

وأنت ركن يجير المستجيرُ بهِ

وأنت حصن لمن من دهره فزعا

وأنت عينُ يقينٍ   لم   يزده   به

كشف الغطاء   يقينا   آية انقشعا

وأنت ذو حسب يعزى إلى نسبٍ

قد نيط في سبب،أوج العلا قرعا

وأنت من حمت الإسلام وفرته*  

ودرعت   لبدتاه   الدين فادَرعا!.

وأنت أنت الذي منه الوجود نضى*

عمود صبح ليافوخ الدجى صدعا.

وأنت أنت   الذي حطت له قدم

في موضع يده الرحمن قد وضعا.

وأنت أنت الذي للقبلتين مع النبي

أول   من   صلى   ومن ركعا.

وأنت أنت الذي في نفس مضجعه

في ليل هجرته قد بات مضطجعا.

وأنت   أنت الذي آثاره ارتفعت

على الأثير* وعنها قدره اتضعا.    

وأنت أنت   الذي آثاره مسحت

هام الأثير فأبدى رأسه الصلعا.

وأنت   أنت   الذي لله مافعلا

وأنت أنت الذي   لله ماصنعا.

وأنت أنت الذي لله ماوصلا-

وأنت أنت   الذي لله ماقطعا

حكمت بالكفر سيفا لو هويت به

يوما على كند الأفلاك لآنقطعا .*  

محدبٌ   يتراءى   في   مقعًرِهِ

موج يكاد على الأفلاك أن يقعا.

ويستمر الشاعر في لآلئه الساطعة ليقول كيف إن البطل المغوار شهر سيفه ذو الفقار الذي صاحبه في تلك المعارك الفاصلة في تأريخ الإسلام فانطلق كلسان النار ليفلق الهامات المتحجرة التي عشعشت فيها ألأفكار الجاهلية . فأذاق أصحاب تلك الهامات   كأس الحميا ، وأبادهم، وشتت شملهم إرضاء لله ولرسوله الكريم ص ولتثبيت الدين القويم الخالص حيث كان جهابذة الكفر الذين أصروا على كفرهم وعمايتهم ومحاربتهم لدين الله يشكلون الخطر الأكبر على الرسالة الإسلامية وهي في مهدها . وحين ينطلق سيف الحق في تلك المعارك الفاصلة ، ويحمله يمين ليث المعارك الكبرى الرجل الذي جعله رسول الإنسانية ص ربيبا ووليا ووصيا، فلاشك إن تلك الأيام التي قهر فيها صاحب السيف جموع من تصدوا للدين هي أيام خالدة بزغت فيها شمس الضحى   وتلاشى أمام جلالها وسموها ظلام الجاهلية الجهلاء وأنهزام شخوصها وهم يجرجرون أذيال العار الذي لحق بهم لاشك سيتذكرها كل دعاة الحق الساطع ضد ظلام الجهل المهزوم على مدى التأريخ لتكون حافزا ودافعا قويا لهم في الذود عن هذه العقيدة النورانية حين تكالب الأعداء على طعنها وتشويهها على مر الزمن . كيف لا وبطل تلك المعارك هو من تربى في مدرسة سيد البشرية محمد العظيمة،نبي الهدى والحق والفضيلة   الذي وضع عليه مع إبنيه الحسن والحسين وزوجه الزهراء البتزل الكساء اليماني، وخصهم بأنهم مصابيح الهدى وسفينة النجاة.وإنه ص سلم لمن يسالمهم وحرب على من يعاديهم.

فما أبرع وأعظم مربي الإنسانية الكبير محمد بن عبد الله ص، وما أشجع حامل ذي الفقار ربيب طه وأخاه في الدنيا والآخرة الذي لم يهتز يوما سيفه في يمينه وهو يحطم حصون الكفر والضلالة حيث يقول:

أسلت من غمده   نارا   مروقة

تجرع الكفر من راووقها جُرعا.

حكى الحمام حماما من حسامك في

لسان نار على هاماتهم   سجعا.

بذي   فقارك عنا   أي   فاقرة –

قصمتها ودفعت   السوء فاندفعا.

أراد سيفك   في ليل العجاجة أن-

يروي السنا عن لسان الصبح فاندلعا.

عالجت بالبيض أمراض القلوب ولو

كان العلاج بغير البيض مانجعا.

وباب خيبر   لو كانت مسامره

كل الثوابت حتى القطب لآنقلعا.

باريت شمس الضحى في جنة بزغت

في يوم بدر بزوغ البدر إذ سطعا.

لله در   فتى   الفتيان منك فتى

ضرع الفواطم في مهد الهدى رضعا.

لقد ترعرعت في   حجر عليه لذي

حجر   براهين تعظيم   بها قطعا.

ربيب طه حبيب الله   أنت ومن

كان   المربي   له طه فقد برعا.

أخاك من عز قدرا أن يكون له

أخ سواك إذ ا داعي الإخاء دعا.

سمتك   أمك   بنت الليث حيدرة

أكرم بلبوة ليث   أنجبت سبُعا.

لك الكساء مع الهادي وبضعته

وقرتي ناظريه ابنيك   قد جمعا.

قد خادعوا منك في صفين ذا كرم

إن الكريم إذا خادعته انخدعا.

ثم يتطرق إلى معركة صفين وخديعة رفع المصاحف التي جاء بها معاوية من خلال إقتراح عمرو بن العاص حين لاحت رياح الهزيمة لجيشه.ومدى معاناته من تلك الخديعة التي إنطلت على قسم من جيشه.ثم يتطرق إلى خطبه في نهج البلاغة التي تناول فيها شتى شؤون الحياة وما لاقاه من كيد الكائدين . تلك الخطب العصماء التي تعتبر لب البلاغة العربية ، وقامتها الشامخة الفريدة والتي كانت ردا حاسما على دعاة البغي والضلال فدمغتهم ودمغت كل تجنياتهم وظلمهم وجبروتهم وشرائهم للذمم من أجل أن يبقوا متربعين على صدورالناس. إنها بحق دروس بليغة تجلت فيها أعظم المثل الإنسانية وينطبق عليها المثل ( كلما ضاقت العبارة إتسع المعنى ) وكيف لاتكون كذلك حين أطلقها سيد البلاغة العربية.!

ويستمر الشاعر قائلا وهو يبدي إعجابه وعشقه لتك الخطب: يكفيني فخرا كلما أجلس بين قوم فأطلق منها شذرات وأحاجج بها من يحاججني, وأتمنى أن يتمعن فيها المسلم ويدرك أبعادها وعمقها لتكون زادا ثرا له في حياته:

نهج البلاغة   نهج   منك بلغنا

رشدا به اجتث عرق البغي فانقمعا.

به دمغت   لأهل   البغي أدمغة

لنخوة الجهل قد كانت أشر وعا.

مافرق الله   شيئا   في   خليقته

من الفضائل إلا عندك   اجتمعا.

أبا الحسين أنا حسان مدحك لآ-

نفك أظهر   في إنشائه البدعا.

وكل من راح للعلياء   مبتكرا

جاء الثناء على علياه مخترعا.

عذرا فقد ضقت ذرعا من إحاطته

وكلما ضقت عن تحديده اتسعا.

وجوهر المدح في علياك رونقه

بلبة الدهر في لألائه   نصعا. *

مدح لقد خضعت كل الحروف له

وكل صوت إلى إنشاده خشعا.

به   أساجل   أقواما أجالسهم

فيذهبون   بتهذيبي   له شيعا.

فاقبل فدتك نفوس العالمين ثنا

بمثله   العالم   العلوي   ماسمعا.

ولو تطرقنا إلى شرح كل بيت بمفرده لآحتجنا إلى عشرات الصفحات.

ويختم العمري قصيدته الفريدة الخالدة بالسلام على بطل الإسلام سيد الوصيين حيدرة الكرار ع كلما أشرقت الشمس وظهر القمر حيث يقول في الختام:

عليك أسنى سلام الله ماغربت

شمس وما قمر من أفقه طلعا.

ماأنبل هذا الشعر وما أسناه وما أروعه ! حقا لقد أنشدت أيها العمري قصيدة خالدة تخشع لها كل نفس مؤمنة بالله .وصدق رسول الله ص حين قال ( إن من البيان لشعرا وإن من الشعر لحكمه. ) وكان ص يقول لحسان بن ثابت حين كان يهجو كفار قريش (أنشد ياحسان أيدك الله بروح القدس) العقد الفريد ج6 ص123.

ويخطئ من يفهم الآية من سورة الشعراء (والشعراء يتبعهم الغاوون )ولم يكمل وكانه في ذلك كمن يفهم الآية الكريمة (ولا تقربوا الصلاة )ولم يكمل .

رحم الله الشاعر الكبير عبد الباقي العمري الذي أجاد أيما إجادة في هذه القصيدة العصماء وحشره مع المؤمنين البارين بأهل بيت النبوة ع. أنها بحق قصيدة عظيمة خالدة إلتمعت في نفس الشاعر وروحه فسطرها على الورق لتكون مفرداتها المدعومة بالحقائق التأريخية حية نابضة صادقة في فحواها ومحتواها لأنها اختصت بمدح تلك الشخصية الفريدة في سموها ونبلها وطهرها وتقواها وكمال خلقها فنالت بتلك الصفات أسمى مكانة روحية في التأريخ الإسلامي وتميزت بأشرف الذكر وأطيبه.

إنها شخصية أمير المؤمنين وأبي السبطين وأخ النبي الصادق الأمين وسيد الغر المحجلين ومنبع الحق المبين الشهيد أبو الشهداء الأبرار الميامين علي بن أبي طالب عليه السلام. تاركا للقارئ الكريم التمعن فيها والاستزادة من معانيها وبلاغتها وسياقها الناصع بالجلال والبهاء.

لقد لمعت إنسانيتك سيدي أمام مهرة الشعراء فنهضت شاعريتهم النبيلة لتخط أشعارهم مآثرك الجليلة التي أخجلت عين الشمس وكأني بهم يرددون بصوت واحد على مر العصور:

غاية المدح في علاك إبتداءُ.

سلام عليك سيدي ياأبا الحسن يوم ولدت في جوف البيت العتيق، ويوم أستشهدت في محرابك المقدس في الكوفة بضربة الغدر والجريمة من أشقى الأشقياء ، ويوم تبعث حيا مع حبيبك وأخيك ومعلمك سيد البشرية محمد ص في جنات الخلد.

وأقدم إعتذاري أمام شموخك الفريد لهذا الجهد المتواضع من خلال هذه الرحلة. وفي يوم إستشهادك وفوزك بالنعيم الذي لانعيم بعده.

 

جعفر المهاجر

.......................

توضيح لبعض الكلمات التي وردت في القصيدة :

- الوفرة: بفتح الواو: الشعر إلى شحمة الأذن ثم الجمه ثم اللمعه وهي التي ألمت بالمنكبين.والوفرة للمرء من الوفر وهو المال الكثير.

- نضاه: يقال للسيف في هذه الحاله. أي جرده وسله من غمده.

- الأثير: مادة رقيقة لطيفة جدا منتشرة في أنحاء الفضاء تنقل النور والحراره .

- الكند والكند :بالفتح والكسر مابين الكاحل إلى الظهر جمع أكناد وكنود.

- اللبه: بفتح اللام وتشديد الباء (المنحر)وموضع القلاده. والجمع لبات كحبة وحبات.

- الناصع:الخالص من كل شيئ، ونصع لون الشيئ نصوعا ونصاعة : خلص وصفا.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم