صحيفة المثقف

أنامِلُ المطر

إباء اسماعيلالعتْمُ جامِحةٌ خُطاهْ ..

وغموضُهُ يرنو إليَّ

يلفُّني ...

وغموضُهُ المفتونُ لمْ يَهْدأْ

وَلا هدأتْ يَداهْ ! ....

هَل كان يسقيني سنا نَبَضاتِ قَهْوَتِهِ

الشَّهيّةِ

أمْ هِيَ احتَرَقَتْ سَواداً

كَي يُعانِقَني مَداهْ ؟! ...

*     *         *

وَيَديْ وإنْ لم تشْتَعِلْ ،

هيَ طفلةٌ تاهَتْ وأكثَرَ

عن يديكْ ...

هربَت لتسرُقَ

بعضَ جنّاتِ الهوى

مِنْ مِعْصَمَيكْ ....

وتذوبُ هاتيكَ الملامِحُ

في سَوادٍ أو أنينْ...

شحَنَتْهُ غُربتُنا وأشجارُ الحنينْ !..

*       *         *

كَم كانَ مُنطَفِئاً

وَكمْ كنتُ الشَّرارةَ

حين تقدَحُ عتمَهُ

حلماً لأقمار السِّنينْ ؟ !..

نَمراً أتى...

يا ليتني أصبحْتُ غابتَهُ

لأُبقيهِ طليقاً في هواهْ !..

ملأَ المكانَ

أضاءهُ بِسَوادِهِ

وغُبارِهِ

وحروبِهِ

وأنا الحريقْ ..

وهو الطريقْ

ملأَ المكانَ

وَهَيْمَنَتْ أنْفاسُهُ

ملأَ البياضَ سَوادُهُ

يا ليتني كنتُ النَّهارْ

أَأنا هُنا

وَهو الأَنا

صوتي صَداهْ..

وَفمي نَداهْ ؟!!

هَل يختَفي في الصّمتِ

أَمْ أنِّي أراهُ ولا أراهْ ؟!..

*         *         *

في جفنِ الليلِ ،

تلمَّسْتُ جَناحَيْكَ يضمّانِ جنوني ...

هَل كنتَ العتْمَ

وكنتُ النارْ ؟

أَم كنتَ النورَ يمدُّ لروحي

زنبقَهُ وخُطاهْ ؟!...

*     *     *

وتَراني ،

تَصْمتُ

تَغْمُضُ، كالنورِ الغامِضِ

في شريانِ قصيدهْ !...

كغموضِ القلبِ يُشَعِّلهُ الليلُ

ويهوي بينَ الحزنِ وبينَ الآهْ !...

*       *       *

أفتحُ عينيَّ المغْمضتينْ..

منْ بعد الغربةِ والسَّفرِ الأطولِ

مِنْ ظلّي ..

أفتحُ شاشةَ أحلامي

والقلبُ صريعٌ

لا تخرجُ منهُ الكلماتْ !...

يسْكنني الليلُ ويَجرؤُ

أنْ يملأَ قلبي بالطوفانْ...

ها يختبئُ البركانْ :

تحتَ وسادتِنا ،

في شمسِ جوارحِنا ..

مثلَ رياحٍ يرسلها حمماً ناريّةْ ،

لكنّي لم أخرُجْ مِنْ صمْتي

وغموضي

وذهولي

وجنوني ...

كَم أبحثُ عنكَ أنا

لِتُرافقَني في رحلةِ ضوءٍ

أو عتْمٍ

أو أمطارْ !..

كَم أنتَ أنا ؟!...

*       *       *

وتُعانِقُ سورةَ شَوقي

والأحرُفُ لا تخرجُ من فمِكَ الورديْ..

مَن يمنعُها؟

مَن يُخفي ضوءَ براءتِها الأولى،

تدخُلُ كهْفَ الحبِّ الآتي

من يومِ قيامتِها الجَمَراتْ..

ها لُغَةٌ تتسامى في جنَّتِها العليا

وتتوهُ الكلماتْ...

وأرى نورَكَ في ذاتي

شفّافاً يدخلني

ممزوجاً بدِماءِ الغربةِ

حينَ يصيرُ الأحمَرُ فينا

طوفاناً من وردِ النّبَضاتْ ...

وَخلاياكَ تُسابَقُها

آلافُ الأحصِنةِ النَّاريّةِ

مَن يكبحُها ؟!

بل أيّةُ روحٍ تسْكنها ؟

أيّةُ شمْسٍ ؟

في برْهةِ همٍّ

وجراحِ سكونٍ تحْملني

كي تُشْعِلَ ثلجَ حَنيني

وطَناً مِنْ قُبُلاتْ ....

وكأنَّ الهمَّ يقودُ ملامحَنا

لمفاتيحِ نبوءاتْ ...

لكأنَّ غيوماً عاشقةً

تُمْطِرُ في داخلنا

كمْ هذا العتْمُ يفرِّقنا ...

ويُقرِّبُنا ... ويُسامِرُنا ...

يقتلُنا .. يُمْطِرُنا!!..

كان الطفلُ الغامِض يعرفنا

إذ أبحثُ عنكَ وتبحثُ عنّي

كانَ يُجيبُ : هُنا

قُبلَتُكَ الشَّتَويةْ

وهُنا

يدُكَ المبلولةُ

من وهج الشوق الحاضر

تُمطِرُ فيَّ شموعاً تكبرُ في الذّوَبانْ

يا وطناً أحضنهُ أبداً

يا جبلاً كـَ ( سْموكي ماوْنتِنْ) ،

يتصاعَدُ منهُ حليبٌ ودُخانْ ...

يا عِشْقاً يقطفني من برْدِ الغربةِ

والأحزانْ ...

أنتَ المطَرُ الـ يألفني ،

يغْمرني

بفصولٍ أربعةٍ

بل أنتَ الزمن الـ بلّلني،

خارج أزمان الصحراءْ....

وأحبُّكَ

يا مطَراً أغزَرَ من أنهار الموسيقى

حين تمرُّ مياهُ أصابعكَ

الأعمق من بئرٍ

أو جذرٍ أو موجٍ

يجتاحُ نزيفَ جنوني ....

وأحبُّكَ

يا غصناً ينمو فوق جذور دمي

يا غيماً يهطُلُ طفلاً

داخلَ مملكتي ،

مطراً لامرأةٍ واحدةٍ

مطراً للشّعرِ وللنثْرِ

غريباً وأليفاً

مثلَ طَحينِ الرّغْبَةِ ،

حينَ يصيرُ رغيفاً لِقصيدةْ ،

أو كعكة َ عيدي

يا عيدَ الحُبْ ...

يا قَمَري العربيَّ،

يفتّحُ في روحي قنديلَ ضياءْ! ...

هل تأخذُني عيناكَ

إلى أجنحةِ الصَّيفِ العربيةْ ؟!..

هَل تُصْبِحُ بَحْري العربيّ

وَهَل أُمْسي نورسةً

فوقَ شواطئِ قلبكْ ؟! ..

يا بَحْري

يا قمري

لا تُبقيني نورسةً شارِدةً

بينَ نجومِ الغربةِ والآهْ ...

لا ... لا تمْحُ أريجَكَ مِنْ وهْجي،

حينَ أصيرُكَ شَمْساً

لا ... لا تَبْعُد عن جرحي

فأنا الشَّرقُ يُحاصِرُني :

ورداً ،

عِشقاً ،

جَمراً ومَتاهْ ...

هيّا خُذْ بِجَناحَيَّ إلى مائِكْ

هيّا اغسلني بربيعِ دمائكْ

هيّا ...

حَرِّرْني

منْ ثلجِ طَواحيني الغَرْبيّةْ !...

***

 

شِعر: إباء اسماعيل

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم