صحيفة المثقف

إنسانية القصة.. قطار ناصر صلاح نموذجًا

خالد جودة احمدمن مقولات القصة القصيرة المعتبرة: "لا تذهب بعيدًا عن الإنسان وأنت تكتب القصة"، فجولة القصة في رحاب أشواق الروح الإنسانية وآمالها وعذاباتها، يحقق النبض الحي وتوهج القصة. يقول "واسيني الأعرج" بعد انتقاده الخطابة والوثوقية التي تطبع بعض القصص: (ليس الأدب في حاجة إلى منبرية لكي يقنع قارئه .. إذ تكفي اللمسة الصغيرة، وتحسس الهشاشة الإنسانية الدفينة لكي تحرك مواجعنا وأشواقنا كقراء).

وفي قصة "القطار" للأديب "ناصر صلاح" نجد اللقاء الإنساني عبر رحلة العمر، تقول القصة:  (كان فى عجالة من أمره.. تردد كثيرا .. فكلما اقترب من باب المنزل عاد لغرفته لادراك احدى المنسيات، نظر لساعته عدة مرات.. أوقف (تاكس) طالبه اكثر من مره بالإسراع للحاق بالقطار، لحظات من تخيل اللقاء .. هل ستعرفنى.. هل سأغفر لها.. كيف لا وانا والدها.. هل تأثرت بأكاذيب امها عنى .. لا لا اظن فهى الأقرب الى من باقى أولادى الذين هاجرونى للخارج بلا عوده. هرول خلف القطار لأمتار جلس متفائلاً باسماً يجفف عرقه ..لاحظ اضطراب المجاورة له فى المقعد .. نظر اليها قائلا اهدئى يا ابنتى لا تزيدينى توترا طلب لها معه كوبا من (النسكافيه) .. تصورى أول مره هاشوف ابنتى اليوم من 20 سنه.. ابتسمت دامعة وأنا أول مره افارق امى اليوم بلا رجعه، تبادلا الحديث وتصادقت همومهما. اقترب القطار من النهاية كان موجها نظره بشوق جارف من الزجاج الى الرصيف ليتفرس وجوه الواقفين نبهته جليسته وصلنا: ياعمو يالله لكن قطار العمر كان اسرع من قطار السفر)

والسؤال: هل القصة القصيرة لحظة عابرة أم حياة كاملة؟ .. قصة القطار نموذجًا .. رغم اختلاف وتباين الرؤي حول مفهوم القصة القصيرة بين من يراها لحظة منتقاة من الحياة وانها تدور حول حبكة واحدة وشخصيات محددة .. فهناك من يراها انها تكثيف لحيوات كاملة. ولعل قصة القطار قدمت لنا حيوات كاملة في تمهيد موجز في استهلال القصة فيتلقي القارئ حياة كاملة ويستدعي قضايا منها العلاقة الأسرية وكيف تتفصم ومن يسدد ثمن عدم ادراك مسئوليات الاسرة. كما ان كنز القصة هو الاغتراف من الانسانية، وجدناه في التعاطف الإنساني بين قطبي القصة. كما حقق "القطار" الإطار القصصي المناسب، حيث الاغتراب والحاجة للتعزي والتواصل الإنساني الكريم.

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم