صحيفة المثقف

نقص أليوت

خالد جودة احمدهناك من المثقفين من يحشر كلمات ثقيلة ومفاهيم ومصطلحات مستوردة ليثبت بها تعالمه واستعلائه، ويشبع نزعته في الظهور والاحساس بالتفوق علي الآخر، ويعمد لإرهاب الآخر الثقافي بتلك العبارات الضخمة، ويكتب الساخر "يوسف معاطي" عن متحدث من هؤلاء كان يحاضر عن الناقد الإنجليزي "ت.س. أليوت" فلم يفهم الناس شيئاً، لكنهم خافوا أن يتهموا بالضحالة الثقافية، فكانوا يهزون الأدمغة دلالة الفهم، الكاتب الساخر شك في نفسه، وقال أنه لابد أن لديه "نقص أليوت".

وقد قرأت اليوم للناقد اللامع د. سيد محمد قطب أستاذ جامعة عين شمس، في بحثه حول المقارنة بين طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، ورواية قصر الشوق لنجيب محفوظ ويرصد الصلة بينهما بعنوان (طوق النجاة حوار ابن حزم ونجيب محفوظ في فلسفة الحب)، يقول في هذا المعني:

(إنه العالم البعيد الذي يصنعه الغرب ويصدره للشرق، بل إن الغرب يصدر للشرق ما هو أهم من ذلك وأكثر ثأثيرا عليه، إن الغرب يصدر للشرق الصورة التي يجب أن يكون الشرق عليها، وهذه الصورة تشمل مجالات الحياة كلها، وتجعل الشرق مقلداً سائراً خلف الغرب في الطريق الذي تحدد بعيداً عن هويته)

وسبق مطالعتي لفكرة الناقد الأريب بيوم مطالعتي لكتاب مقالي في النقد الأدبي للكاتب والروائي صبري العسكري معنون (يا قلب لا تحزن)، احتفي فكرة قريبة أيضًا، حيث تحدث عن رواية خريف البطريرك لجابرييل دي ماركيز وانتقدها لأنها تقدم للغرب الصورة التي يريدها الغرب أن تكون عالقة باذهاننا عنا.

إن صياغة الذات تستوجب ثقة بعقولنا، وثقافتنا التي تصدر عن هوية خاصة بنا، دون أن نهتز لقصف المصطلحات الثقيلة الصخرية، ليس انتقاصًا لدور المصطلح العلمي، بل رؤية صحيحة لتوظيفه في إطار الأرث الإنساني العام، دون أن يكون في حد ذاته وسيلة للاستغراب والإنبهار، وهدم الذات، وسحقها تبتلًا في محراب ثقافات مناقضة نشأت في بيئات مغايرة. وأيضًا لبناء أسلوبيتنا الخاصة فكرًا ونقدًا وفنًا. الطريق طويل جدًا، لكنه يبدأ بخطوة تليها خطوات. آراها الجدية والرؤية التي تمزج بين الأصيل والقادم النبيل.

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم