صحيفة المثقف

عندما يغضب الشعب.. يثور

علجية عيشانتصار الثورة هو انتصار الفكر الثوري

عكس العبارة التي قالها فرانتز فانون في كتابه سوسيولجية ثورة أن " انتصار الثورة لا يعني بالضرورة انتصار الفكر الثوري" نقول: إن انتصار الثورة هو انتصار للفكر الثوري، فقد أكد الشعب الجزائري لاسيما الشباب بأن الثورة تسكنهم كما تسكنهم الجزائر ويسكنونها، وأن الفكر الثوري خفقة من خفقات قلوبهم، وأنه على النظام أن ينصت إلى نبضهم، وهذه العبارة تكاد أن تكون رسالة للنخبة لإعادة النظر في إشكالية "الفكر الثوري" ووضعها تحت المجهر لتحليل أبعادها السياسية ، فنجاح الحراك الشعبي في الجزائر لدليل قاطع على أن الشعب متشبع بالفكر الثوري، ولم يعد الشباب الجزائري بعد خروجه للشارع يفكر في الموت عبر قوارب البحر، من أجل الانتقال إلى الضفة الأخرى ، فما الذي غير نظرته للحياة فجأة؟ إنه حُبُّ الوطن وإن كان هذا الخروج يطرح أيضا عدة تساؤلات حول من الذي يدفع الشباب للخروج إلى الشارع؟ هل هي هيئات رسمية أم مجرد متطفلين على السياسة؟ لا يهم هنا معرفة من هو المحرك الأساسي، لأن الجماعة التي خططت استطاع أصحابها أن يخلقوا أزمة في البلاد ويوصلونها إلى حالة انسداد، واختلط الحابل بالنابل، أمام التصريحات العشوائية واللا مسؤولة التي يطلقها أشخاص أوكلت لهم مسؤولية تسيير الفترة ما قبل الإنتخابات الرئاسية، إن كانت هناك انتخابات فعلا.

و هاهي عاصمة النوميديين ( سيرتا) مدينة ابن باديس الصنهاجي تعطي درسا في الوعي الوطني، وتقول: الجزائر قبل كل شيئ والإسلام والعروبة فوق الجميع، فقد شكل الحشد الشعبي في مدينة قسنطينة (عاصمة الشرق الجزائري) ثورة سلمية طالبوا فيها برحيل الحرس القديم، وطالبوا فيها برحيل العملاء وتصفية الساحة الوطنية من الخونة المرتزقة،  حيث حملوا لافتات مكتوب فيها: " وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه" ، وإن كان الحراك الشعبي عرف نجاحا كبيرا بكل المقاييس،  بانضمام مؤسسات قوية إليه ودعم موقفه ما أجبر الرئيس المغضوب عليه أن يغير موقفه،  ويعدل فكرته للترشح لولاية خامسة عن طريق المحيطين به، لكونه لا يقوى على الحركة والكلام، وأضحت الجزائر تعيش فراغا سياسيا، بعد فشل المعارضة واختلاف وجهات النظر بين أحزاب السلطة، وانقسام حزب جبهة التحرير الوطني داخليا بعد انسحاب قادة كانوا وما يزالوا في حركة التقويم، هذا يجعلنا نتساءل من هم "أنصار الجزائر" هل الشعب الذي لا يملك وسيلة يدافع بها عن مكتسبات الجزائر في حالة بداية العصيان المدني وخروج الجيش بعتاده حتى لا نقول بدباباته؟، ويمكن القول أن الحراك الشعبي أحدث "ثورة" بكل المقاييس، لاسيما مسيرة اليوم ( الجمعة 15 مارس 2019 )، أراد من خلالها الشعب الجزائري كله أن يعمل بمقولة الشهيد العربي بن مهيدي " أرموا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"، وهاهو الشعب يحتضن الثورة ويقول كلمته وهو يردد: "سلمية سلمية حركة وطنية"، لكن السؤال الذي يلح على الطرح أكثر هو: هل يمكن أن نقارن ثورة الأمس بثورة اليوم؟

نعم هي ثورة في ثورة، تعيد إلى الذاكرة الثورة التي قامت بها الحركة الوطنية قبل 1954 وأثناءها وبعدها، ضد مستعمر غاشم، عنصري، أباد الشعوب الإفريقية بدباباته وكل ما يملكه من عتاد حرب، وإن كانت تختلف عن ثورة 2019 ، لأن هذه الثورة داخلية، وتكاد أن تعيد إلى الواجهة سيناريو (1981، 1988،1992)، لا يملك فيها الشعب آلة عسكرية يقف بها ضد الوجوه القديمة الذين حولوا الجمهورية الجزائرية إلى مملكة، يتقاسمون الريع على حساب المواطن البسيط، وبالرغم من ذلك، فهو - أي الشعب- مؤمن بالموت ومستعد لمواجهته من أجل الحفاظ على رسالة الشهداء، لقد عزز الحراك الشعبي ثقة الجزائريين بحتمية الانتصار على الظلم والحقرة والفساد، وانتصر على النظام القديم، واعتبره الطريق نحو تعزيز الديمقراطية وبناء جزائر جديدة، تعرف فيها السلطة نبض الشعب وتعمل له ألف حساب عندما يغضب، لكنه متخوف من شيء واحد هو أن يتلقى الرصاص في ظهره، وهو يرمم ما تبقى من جدار البلاد الذي تهشم في السنوات الأخيرة، لأنه لا يريد سوى التموقع في معركة الحقيقة، ويخرج عن صمته بأن سكوته لم يكن خوفا من الآلة العسكرية ، وإنما  كان خوفا على أمن واستقرار البلاد، حتى لا تتكرر العشرية السوداء، ويؤكد للسلطة وللرأي العام الوطني والدولي بأن جيل الجال والجين الممزق على الركبتين واع كل الوعي ويحمل فكرا ثوريا، ولن يسمح المساس بالسيادة الوطنية، كما لن يسمح لأي تجاوزات تجعل الجزائر موضعا للمساومة أو للبيع مثلما حدث في 2003 عندما أهدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك للرئيس عبد العزيز بوتفليقة خاتم الداي حسين، ومثلما قدم الرئيس بوتفليقة حصانا أمازيغيا للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 2005، خلال زيارته للجزائر .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم