صحيفة المثقف

بدايات ظهور الادب العربي في اوربا

كاظم شمهوديذكر ان من عوامل ظهور الترجمة في اوربا هو الاستقرار حيث ابتداء من القرن الحادي عشر بدأت تتحرك اوربا لايقاف سيطرة الكنيسة على جميع مفاصل الحياة، بينما بدأ المسلمون في الشرق بترجمة الكتب اليونانية والهندية والفارسية في القرن التاسع ميلادي (الثالث الهجري).

وكان المسلمون قد اعترفوا بمكانة الكتب اليونانية العلمية والفكرية ولكن الاوربيين كانوا احيانا ينحلون الكتب الاسلامية الى انفسهم التي نقلوها وبالتالي نسبوا كثير من النظريات العلمية الاسلامية الى شخصيات اوربية .

وعندما وجد الاوربيون ان في بلاد الاندلس تراثا علميا وادبيا لا ينضب بدأ الاهتمام بتعلم اللغة العربية وازدادت زيارة الوفود الى الاندلس وكثر الرحالة الى المشرق فظهرت حركة الاستعراب او الاستشراق، وتأسست في طليطلة مدرسة للترجمة عام 1130 م كانت منارا للعلم حيث اشترك فيها علماء مسلمون ومسيحيون ويهود وكانوا يترجمون من العربي الى القشتالية ثم الى اللغات الاوربية الاخرى.. ويذكر بعض المؤرخين عدد من العوامل التي ساعدت على حركة الترجمة منها:

1240 الاستشراق

الاستشراق

1- استقرار الوضع في اوربا.

2 - الغنى والرفاه الذي اصاب اوربا وتحكمهم بالتجارة.

3 - الاتصال المباشر بين المسلمين والاوربيين، حيث اخذ الشباب الاوربي يفد على الاندلس لدراسة مختلف العلوم والآداب والموسيقى، حتى ان بعض الملوك كانوا يبعثون ابنائهم للدراسة في جامعات قرطبة خاصة في زمن الخليفة الحكم الثاني .

4 - ازدياد الحملات الصليبية على الشرق واستمرارها حوالي قرنين . ويذكر ان اسقف عكا في فلسطين كان عام 1240 يقص مقتطفات من قصص الف ليلة وليلة على بعض الجنود الصليبيين، وبعد عودتهم الى بلدانهم اخذوا يقصونها وينشرونها في مجتمعاتهم .

1241 قصص الف ليلة وليلة

من قصص ألف ليلة وليلة

ثم نشرت تلك القصص في القرن الرابع عشر وطبعت وانتشرت في اوربا ونالت شهرة كبيرة لما فيها من حكايات  خيالية واسطورية عن الجن و الملوك وحكايات الوعظ وحكايات عن بغداد والبصرة والقاهرة، وهي قصص شعبية خيالية مملوءة بالالغاز والحكم . وقد اظيفت اليها بمرور الوقت حكايات اخرى مثل قصص السندباد وعلاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا وغيرها وقد اكتملت عام 1450 وطبعت وهي تشبه ما عندنا اليوم.. ويذكر العالم اللغوي منير البعلبكي انها من اصل هندي اما المؤرخ ابن مسعود فيقول (يعتقد ان اصلها فارسي)، اما بعض المستشرقين فيذكر ان روحها وشخصياتها تتوافق مع شخصيات القصص اليونانية. علما ان اليونانيين هم انفسهم اخذوا معارفهم وآدابهم من مصر والمشرق وان بعض علمائهم درس في الاسكندرية ومنهم من ولد فيها مثل افلوطين، ومنهم من زار بابل واستقر فيها، كما ان الحضارة الرافدية والمصرية قد سبقت اليونانيين بآلاف السنين .

و قد تأثر بها الكتاب الاوربيون، فظهرت قصص مشابهة لها مثل – الديكاميرون – التي الفها الاديب الايطالي جيوفاني بوكاشيو عام 1313-1337، والديكاميرون تعني الليالي، وهي ايضا قصص خيالية يشبه بعضها قصص الف ليلة وليلة .

وكان للحروب الصليبية مساهمة كبيرة في نقل الادب العربي الى اوربا ودامت حوالي قرنين في بلاد الشام، يضاف الى ذلك نقل صناعات الانسجة من سجاد وبسط وعباءآت والاقمشة المزخرفة والمزركشة بانواع الخطوط العربية والزخارف الاسلامية كما ان بعضهم اخذ يقلد العرب في لباسهم خاصة في بعض المدن الايطالية التجارية حيث كانت تغص بالتجار العرب وهم يتجولون في شوارعها بملابسهم الفضفاضة والملونة ..

1242 القدس ايام الدولة العثمانية

القدس أيام الدولة العثمانية

و قد انتقلت الكتب العلمية والادبية من المشرق الى الاندلس وكون الحكم الثاني بن عبد الرحمن الناصر اضخم مكتبة في العالم الاسلامي في الاندلس في القرن العاشر ميلادي، مثل كتب الخوارزمي وبديع الزمان الهمداني وكتب الشريف الرضي ومهيار الدليمي ، وكذلك المجموعة الادبية الضخمة التي الفها ابو منصور الثعالبي النيسابوري والتي تسمى – يتيمة الدهر – ومقامات الحريري وغيرها حيث كان لها صدى واثر عظيم على حركة الثقافة في الاندلس، وقد ترجم بعضها الى القشتالية، وعبر بعضها الى اوربا منذ القرن الحادي عشر. ويعتبر عصر الطوائف من اكثر العصور لمعانا حيث اسهم الانفتاح والحرية على الازدهار الفكري والعلمي بالرغم من التراجع السياسي، الا انها اصبحت اشعاعا حضاريا جعل من المرحلة هذه بمجملها هي الدافع لضهور عصر النهضة في اوربا من خلال الحركة الفكرية والترجمة في الاندلس .

1243 طليطلة

طليطلة

وهناك معلومة احب ان اذكرها وهي عند قرائتي لكتاب ملحمة كلكامش وجدت ان اول المدن الحضارية في العالم كانت مدينة اريدو السومرية وان عدد سكانها يوم ذاك يصل الى اربعة آلاف نسمة، بعدها جاءت مدينة اوروك (ارك) وكان ملكها الاسطوري كلكامش التي نسبت اليه الملحمة الشعرية السومرية، فلما سيطر الاكديون على المدن السومرية، بداوا بترجمة النصوص السومرية الى الاكدية ومنها قصص كلكامش، ولهذا اعتقد ان حركة الترجمة بدأت منذ العصور البابلية القديمة .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم