صحيفة المثقف

عودة الحلاج

سوف عبيدثمة في تونس شعراء عديدون يكتبون وينشرون في صمت، بلا ضوضاء ولا جلبة، همهم الوحيد المعاناة في الإبداع جاعلين من الوحدة أنيسا ومن التأملات جليسا، ومن هؤلاء الشاعر علالة حواشي الذي أصدر مجموعته الأولى: حلاج البلاد سنة 1995 في نحو 100 صفحة وفي طبعة محترمة وتضم ستة فصول وهي:

-  فيروز

-  جذور وجسور

-  في تخوم ليلى

-  مقصلة وذات

-  بشائر

-  خنقة

وكل فصل منها يحتوي على عدد من القصائد كتبها الشاعر بين سنتي 1985 و1995 .

وإن أنا بدأت بالناحية الشكلية في هذه المجموعة فذلك لأشير إلى أن جل الكلمات فيها جاءت مشكولة شكلا تاما وهذا ما يسهل القراءة واستيعاب المعنى المقصود من الشاعر نفسه حيث أن ضبط الحركات على الحروف بات ضروريا لإبلاغ المضمون كأحسن ما يكون خاصة في النص الشعري الذي قد تُقرأ الكلمة فيه من وجوه عديدة، أما محتوى قصائد علالة حواشي فإنه ينطلق من التضمين ليعبّر تجربته في الحاضر كأنه يستقي من الجذور التراثية لإنضاج ثمرته الجديدة تحت شمسه وفي تربته الخاصة، ففي قصيدة " حلاج البلاد " مثلا يعمد إلى تنزيل شخصية الحلاج في إطار تاريخي جديد ومخترقا العصور الماضية وجاعلا إياها كأنها في وقائعها المعاصرة مستلهما شخصية الحجاج بن يوسف باعتباره ممثلا للاستبعداد والقهر المسلّط على الحلاج كرمز للتضحية في سبيل المبادئ والقيم

غير أن الشاعر علالة حواشي وظف أيضا الحلاج توظيفا جديدا عندما جعله يتوحد في الوطن قائلا:

أجدد موتي، حياتي

فناء فنائي بها ولها

أرتل: أهوى البلاد حلولا

و ذي جبتي ما حوت غيرها (ص 22)

وكأني بهذه المجموعة الشعرية وهي تستلهم التراث، كأني بها تعيد كتابة هذا التراث نفسه خاصة من خلال رموزه الصوفية التي نظر إليها علالة حواشي نظرة تاريخية ثم وظفها باعتبارها رمزا لمعاناة واقعية جديدة بعيدا عن القداسة الروحانية التي غالبا ما انساق إليها شعراء آخرون، فالحلاج وابن خلدون والمسيح وحواء أسماء تبدو في القصائد تحمل أبعادا رمزية جديدة يضفيها الشاعر عليها .

وفي هذه المجموعة نسيج شعري آخر يعتمد على اللمح باعتباره القصيدة الومضة، تلك القصيدة التي تعتمد على الإيجاز في المبنى والإمتياز في المعنى وقد نجح علالة حواشي في الكثير منها خاصة في قصيدة " رجاء " و" أمحاق " ذلك أن القصائد القصيرة كالرامي بسهم واحد يصيب الهدف أو لا يصيبه .

وفي المجموعة نقرأ شيئا من السيرة الذاتية للشاعر عندما نقرأ قصائد ترشح بشخصيات حياته اليومية مثل "ذلك القطار" و"دفق" .

وخلاصة القول في هذه المجموعة الشعرية الأولى للأستاذ علالة حواشي أنها تمثل أنواعا عديدة من التجارب الشعرية تتراوح بين التي تعتمد على الإحالات التراثية وبين التي تستلهم الواقع الجديد في تفاصيله اليومية ومن بينها أيضا النصوص الطويلة ذات المعاني الصور المتلاحقة في انسجام إومنها كذلك الومضات التي تستند على اللمح والمباغتة،

 فالشاعر علالة حواشي من أولئك الذين يبحثون عن المضامين المعاصرة في الأشكال المناسبة لها

إنه شاعر تونسي آخر متميز يضيف إلى مسيرة القصيدة الجديدة

 

سُوف عبيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم