صحيفة المثقف

وباء كورونا بين الصراعات السياسية والاقتصادية العالمية والامكانيات الطبية

حدث انتشار لمرض فيروسي خطير وجديد وشديد العدوى ولايعرف له  لقاح او دواء، تأكد أن مسببه فيروس من الفصيلة التاجية سمي كوفيد-19 . اتُهمت الصين أنها عند ظهور الوباء تأخرت في اتخاذ الاجراءات ولم تبلغ منظمة الصحة العالمية والدول الاخرى مبكرا. هناك تبادل للاتهامات بين الدول الكبرى،  هناك اتهامات من قبل الصين تجاه امريكا بأن الجيش الامريكي قام بنشر الفيروس في ووهان خلال انعقاد دورة رياضية عسكرية، وقد اتهم الناطق باسم الخارجية الصينية امريكا في تغريدة على صفحته في تويتر،  وردت امريكا وطلبت من الصين سحب اتهامها . مع العلم بأنه لم يوجه الاتهام لحد الان من قبل الصين بشكل رسمي (اي من خلال شكوى لدى مجلس الامن او الامم المتحدة او شكوى بواسطة الطرق الدبلوماسية)، مما يدل على عدم الجدية او عدم توفر الادلة الكافية لتوجيه الاتهام لدى الصين فأكتفت بتغريدة على تويتر من قبل الناطق باسم خارجيتها. ايضا هناك اتهام من قبل روسيا موجه لاميركا بالتسبب بنشر الفيروس كما أن هناك اتهام من قبل امريكا بأن الصين هي المتسبب بنشر الفيروس على شكل تسريبات اعلامية بأنه انتقل الى البشر بسبب تناول الصينيين للحوم بعض الحيوانات المصابة بالفيروس كالخفاش ومن ثم انتقاله للانسان او اتهام الصين بتطويرها للفيروس وعدم قدرتها على السيطرة عليه ووصلت الى حد تسمية الفيروس من قبل المسؤولين الامريكان وبضمنهم الرئيس الامريكي بالفيروس الصيني. ادى ذلك الى تصاعد العنصرية تجاه الاسيويين في اوربا وامريكا ومناطق اخرى في العالم خصوصا في بداية ظهور الوباء في الصين وحدثت اعتداءات على الاسيويين في دول مختلفة. تم نشر مقطع فديو على وسائل التواصل الاجتماعي لعالم فرنسي يتهم فرنسا بالتسبب بانتاج الفيروس ونشره وانه هناك تعاون بين فرنسا والصين على تطوير هذا الفيروس. لكن مايقف ضد الاتهامات أن شرق اسيا وخصوصا الصين تأريخيا كان مكانا نموذجيا لظهور اوبئة اجتاحت العالم وخصوصا الانفلونزا والسارس ويمكن تفسير ذلك بسبب عدد السكان الكبير اوالمستوى الاقتصادي للسكان او العادات الغذائية للسكان.

على الجانب الاخر هناك صمت مطلق من قبل مجلس الامن الدولي ومنظمة الامم المتحدة تجاه هذه الاتهامات مع العلم أن هذه الاتهامات تدخل في نطاق الحرب البيولوجية حيث أنه اذا ثبت قيام دولة ما بتطوير الفيروس ونشره في دولة اخرى عمدا فهو امر خطير ويدخل في نطاق اشعال الحرب بالاسلحة البايولوجية . سكوت الامم المتحدة ومجلس الامن يعني اما أنها لا تريد الزج بنفسها في مهاترات واتهامات بين الدول لكون الامم المتحدة مهما علت فهي بالنتيجة عبارة عن موظفين يمثلون دولهم او انها تعرف اشياء ولاتريد كشفها خوفا او حذرا او لان الموضوع لم يستقر لحد الان. من المؤكد بأن رؤساء الدول الكبرى ومسؤوليها يعرفون الكثير عن هذا الموضوع ولايريدون البوح بمعلوماتهم ولاسباب لا نعرفها ولا يريدون التصريح حتى بتخميناتهم او توقعاتهم ليجنبوا دولهم التورط في نزاعات عن المتسبب بهذه الكارثة العالمية. لقد رأى العالم في مواضيع ابسط من هذه بكثير من ناحية عدد الخسائر او تأثيراتها بأن الموضوع يتم اثارته في وسائل الاعلام ومناقشته في مجلس الامن الدولي وفي الامم المتحدة كموضوع اتهام سوريا باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد المعارضة او موضوع اتهام العراق بامتلاك الاسلحة الاستراتيجية واحتلاله بناءا على هذه الاتهام.

اثبت ظهور وباء الكورونا هشاشة الانظمة الصحية وخصوصا في دول متقدمة مثل ايطاليا بسبب خطأ في ترتيب الاوليات لدول العالم وخصوصا المتقدمة منها فهي تخصص اموالا طائلة  لبحوت تطوير الاسلحة النووية والصواريخ والاسلحة والصناعات بمختلف انواعها، والاحتفالات والبطولات الرياضية والافلام والترفيه، بينما لاتخصص المبالغ اللازمة لبحوث تطوير المواد الطبية والادوية واللقاحات والتعرف على الاعداء الحقيقيين للانسان كالفايروسات بالرغم من تحذيرات الكثير من العلماء الذين حذروا البشرية بأن العدو القادم للانسانية سيكون فايروسا واخرهم بيل غيتس في عام 2015 .

حدثت تغيرات كبيرة في سلوكيات ومتطلبات الانسان خلال القرن الماضي والحالي واصبح السفر والتنقل والهجرة والاختلاط من متطلبات العصر الحديث وتطورت وسائل الانتقال فاصبح الانسان كثير التنقل بسبب متطلبات عمله او الترفيه مما زاد من مخاطر حصول الاوبئة وسرعة انتشارها بين دول العالم . وعندما ظهر مفهوم العولمة قيل بأن العالم اصبح قرية واحدة ويبدوا أنه اصبح قرية واحدة فقط للاغنياء بسهولة السفر والتنقل، اما الفقراء فلم يستفيدوا من القرية الواحدة بل بالعكس اصبح هذا الموضوع يشكل خطرا عليهم مع ظهور الاوبئة وسرعة انتشارها. اصبح الصراع والتنافس بين دول العالم وخصوصا المتقدمة يدور ضمن التلاعب بالمادة الوراثية لكائنات حية كالحيوانات والبكتريا والفيروسات ولاسباب عسكرية وليس لاسباب طبية مما يؤدي الى تغييرات في صفات الكائنات غير معروفة النتائج، وهذا قد يؤدي الى ظهور كائنات معدلة وراثيا وغير مسيطر عليها مما يؤدي الى ظهور اوبئة تنتشر بين البشر والعالم بكل امكانياته الحالية غير مستعد لمواجهتها بسبب عدم وجود الادوية او اللقاحات الخاصة بها.

 

د.  احمد المغير/ طبيب وكاتب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم