صحيفة المثقف

مهمة الكاظمي في مواجهة التحديات الكبرى

عبد الجبار الجبوريها هو مصطفى الكاظمي قد تجاوز مأزقه، في تشكيّل حكومة عراقية، يقول هو خارج نظام المحاصصة الطائفية، والذي وضعته فيه إدارة الرئيس ترمب، ووافقت إيران على مضض بترشيحه، بعد أن نجحت في إزاحة غريمه عدنان الزرفي، فماهي التحدّيات التي تواجه الكاظمي في نجاح مهمته المستحيلة، وماهي أبرز خياراته في تنفيذ برنامجه الحكومي، الذي وعد الشعب العراقي بتنفيذه، وسط ترحيب دولي وإقليمي غير مسبوق في توليه رئاسة الوزراء، بعد تفاوضات صعبة جدا وصراعات صعبة، ومعقدة مع أحزاب العملية السياسية وكتلها، إستطاع من خلالها تجاوز عتبة المحاصصة شكلاً، بظهور وجوه وشخصيات تكنوقراط غير تابعين للاحزاب في الظاهر، ولكنهم نتاجها ومباركتها، رغم إنهم فرضوا عليها كأمرواقع، وخيار أخير، اليوم يواجه الكاظمي، أكبر التحدّيات وأخطرها، ألا وهي تنفيذ وعده بحصر السلاح بيد الدولة، وسط تهديدات جديّة لفصائل مسلحة ولائية لخامنئي، وفي مقدمتها كتائب حركة الله في العراق، والتي تقوم هذه الفصائل بقصف ممنهّج لقواعد ومعسكرات أمريكية في العراق، والتحدّي الثاني، هو تنفيذ قرار البرلمان، الذي صوتت عليه الكتل الشيعية فقط، والخاضعة للقرار الايراني، بإخراج القوات الاجنبية وغلق القواعد الامريكية في العراق، والتحدّي ألآخر، هو خطر داعش الذي أطلَّ برأسه من جديد في محافظات حدودية، وقام بعمليات نوعيّة فائقة الدقة والخطورة، والتي يريد من خلالها إثبات وجود، ورفع معنويات لعناصره المختبئة في جحور، وأنفاق في الصحراءالحدودية مع سوريا، في ظلّ تجاهل التحالف الأمريكي الواضح، وعدم مشاركتها، في مواجهة داعش، بالطيران الجوي، والدعم اللوجستي الاستخباري، مما شجع تنظيم داعش مستثمراً هذا التوقف الامريكي، بشنّ هجمات مباشرة وكبيرة، وواسعة النطاق وبوقت واحد على قواطع عملياتها في كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى وكربلاء، والذي شكّل صدمّة حقيقية، للمراقبين والمتابعين للشأن العراقي، وأظهرإمتلاك التنظيم الإرهابي القوة التي تؤهله، بتهديّد جدّي وحقيقي للمدن المتاخمة للحدود، التي تشكّل له غطاء سهلاً لتقدمه وشن عملياته، وتأمين عناصره، وتقربه من الحدود والصحراء، التي تساعده في الاختباء، بعد أن فقد تماماً حاضنته، حتى في القرى المحاددة للصحراء، مما يسهّل عليه، حرية الحركة وتنفيذ عملياته، والتحدّي الآخر الخطير، هو تفشي وباء كورونا العالمي في المحافظات، وسط عجز عراقي واضح، في توفير مستلزمات المواجهة الطبية والصحية والحجروالتنقل، وإعادة الحياة لمؤسسات الدولة والجامعات والمدارس وغيرها، مما أوقف وعطّل الحياة بأكملها، في حين يبقى التّحدّي الأكبر أمام الكاظمي في نجاح مهمته المستحيلة، هو الوضع الاقتصادي المنهّار، جرّاء هبوط أسعار النفط، وسرطان الفساد العامودي، الذي نخر وأنهك وزارات ومؤسسات الدولة بأكملها، على يدّ الاحزاب الاسلاموية الحاكمة منذ الاحتلال والى يومنا هذا، والذي لم يشهد له تاريخ العراق الطويل مثيلاً، وأجلسها على الحديدة، وإزاء هذه التحديات الكبيرة، يقف الكاظمي وسط هذه العاصفة، وترحيب بعض الاوساط العراقية النخبوية، وتفاؤل البعض الآخر، تتجّه الأنظار كلّها الى يوم 10 ايار، يوم إنطلاق أكبر تظاهرات العراق، التي تهّدد بها الجماهير، في المحافظات العراقية الجنوبية قبل الشمالية، برفع شعار إسقاط النظام، ولاخيار سواه، في أول مواجهة مباشرة للكاظمي مع الشعب العراقي، مستغلة قيادة التظاهرات، الحنق والغضب الشعبي العارم، على قرار مجلس الوزراء السابق الخبيث، الذي إتخذه عادل عبد المهدي اللئيم، بإيقاف رواتب المتقاعدين، الشريحة الأكبر في المجتمع العراقي، فكيف سيواجه الكاظمي هذه التظاهرات وينفذ مطاليبها المشروعة، في الحياة الحّرة الكريمة، وهي مطالب جديّة وضروريّة، لإنقاذ العراق من كوارثه وخرابه، التي سببتها الاحزاب المتنفذة، وهي إلغاء المحاصصة وإطلاق سراح المعتقلين الابرياء، ومحاكمة قتلة شهداء التظاهرات (ال700)، وفي مقدمتهم قائد القناصين، عادل عبد المهدي وجلاوزته، والذي إعترف عنهم اياد علاوي، وقال إنهم خرجوا من مكتب عبد المهدي، وإنتشروا على أسطح البنايات الحكومية، إذن الكاظمي في ورطة ومأزق آخر، لايشبه مأزقه السابق في تشكّيل الحكومة، الذي تجاوزه بدعم وتخادم أمركي – إيراني مزدوج، وفي لعبة تبادل أدوار سياسية واضحة بين الطرفين، ونجاح الضغط الامريكي، وقوتها السياسية الآن في العراق، والتي فرضت الكاظمي رغم أنف أيران وأحزابها وميليشياتها، ورغم تهديّد فصائلها المسلحة له، وفي ظلّ ضعف النفوذ الايراني الواضح، الذي فشل في فرض رئيس وزراء من قيادات أحزابها المتنفذة، بل إبعادهم عن السلطة، وهذا يعدّ نصراً أمريكياً، وهدفاً قاتلاً بمرمى إيران وأحزابها في العراق، نعمإ فشال مهمة الزرفي، جعلت من نجاح مهمة الكاظمي للفوز برئاسة الحكومة نجاحاً للإدارة الامريكية وهزيمة لإيران وذيولها، فهل تستطيع الإدارة الأمريكية، إكمال مهمتها في دعم ونجاح الكاظمي، الذي يلقى دعماً لامحدوداً عربياً ودولياً، في مواجهة التحديّات الكبرى التي أشرنا إليها، إذن هي مهمة الادارة الأمريكية، وليست مهمة الكاظمي فقط، إنجاح حكومته، في تذليّل الصعوبات، بتدخل امريكي مباشر، ودعم أوروربي مباشر، بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، ألا وهو مواجهة خطر داعش وإفشاله، ودعم الاقتصاد العراقي وهبوط أسعار النفط، لإنهاء الوجود والنفوذ الايراني في العراق كهدف ثان، وقد أكد وزير الخارجية الامريكي في أول ساعة، لإعلان التصويت على حكومة الكاظمي، بإتصاله المباشر وتهنئته للكاظمي، ودعمه له بتمديّد وإستثناء العراق من الحظرفي مجال الغاز والكهرباء مع ايران، لمدة اربعة أشهر قادمة، وهذه رسالة أمريكية مهمة جدا، على توجه امريكا، تقديم أقصى أنواع الدعم السياسي والعسكري، لإنجاح مهمة الكاظمي، وهذا هو إيفاء بالوعد الذي قطعته الإدارة للزرفي، ومن بعده الكاظمي، إذن مهمة نجاح الكاظمي، تعتمد على الدعم الامريكي والبريطاني والفرنسي والخليجي، لأنهاء النفوذ الايراني، وإخراج العراق من عباءته المتهرئة، التي يتبرّقع فيها بإسم الدين والمذهب، هو وأحزابه، وما إعتراف الرئيس ترمب قبل يومين، بخطأ الحرب على وغزو العراق، عندما قال (بأن الحرب على العراق من قبل بوش هو أكبر خطأ تاريخي إرتكبته أمريكا في تأريخها)، إلاّ إعتراف بما نتج عن الغزو، على يدّ الجيش الامريكي، وتحالف ثلاثين دولة عربية وأجنبية، إضافة لدور ايران الغادر، من خراب وتدميرللبنية التحتية، ونشر الطائفية والفساد، وإسقاط نظام وطني وإعتقال قيادته، وتغييّر دستوره، وتسليم السلطة بيد أحزاب عميلة لإيران وولاؤها المطلق لها، إذن المهمة، وفي ضوء الدعم والترحيب العربي والدولي اللامحدود، أصبحت مهمة الكاظمي غير مستحيلة التحقق، بل هي فرصة ذهبية، لم تتوفر لغيره منذ الاحتلال ولحد الان، وعليه إستثمارها لمواجهة التحديات، بتنفيذ مطاليب المتظاهرين وشروطهم فوراً، بالإعتماد على الدعم أنف الذكر، وبهذه الطريقة يستطيع كسب الشارع العراقي، وتصحّيح المسار الذي تريده الإدارة الامريكية، بإعترافها (بخطأ الحرب على العراق،، وإعادة العراق الى محيط العربي، وتخليّصه من النفوذ والهيمنة الايرانية وميليشياتها، وتعويض العراق عن خسائر الحرب، وإعادة إعماره، من قبل نفس الدول التي شاركت إحتلاله، والغاء جميع قرارات الحاكم المدني سيء الصيت بول بريمر، نعوّل على عملية تصحّيح المسار، وإستراتيجية ترمب، في مواجهة إيران وميليشياتها، بتخطّي المحاصصة، والقضاء على النفوذ الايراني وحصر السلاح بيد الدولة فقط وقصقصة أجنحة الميليشات الخارجة عن القانون، الذي يمنع عودة ملايين المهاجرين والمهجرين، وإعادة الأمن والإستقرارليس في العراق فحسب، بل في منطقة الشرق الاوسط كله، لأن العراق، هو قلب العالم ومفتاح أمنه وإستقراره، لاسيما وإن هزيمة أحزاب إيران، في فرض مرشحها للحكومة والوزارات وإبعاد الخط الاول من قادة الاحزاب والميليشيات، جعل من مهمة الكاظمي مهمة غير مستحيلة وسننتظر، وإنا معه لمنتظرون...      

 

عبد الجبار الجبوري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم