صحيفة المثقف

هل تنجح حكومة الكاظمي بنسبة معقولة؟

عماد عليمنذ سقوط الدكتاتورية وتمر الحكومات المتعاقبة على العراق دون ارادة الاكثرية لو تفحصنا جيدا الشعب العراقي ونظرته واهدافه وارادته ومستوى وعيه الجمعي وما مرر به منذ نشوء دولته، فالشعب لم يختر سلطته مهما كانت ملكية اوجمهورية، رغم الشكليات التي اعتمدتها السلطات العراقية كافة منذ تاسيسها، اي منذ تاسيس الدولة على ايدي اجنبية مغرضة وهادفة ومخططة ليجب ان يكون عليه مستقبل هذه الدولة بعد اتفااقية سايكس- بيكو لحين وصولنا الى القرن الواحد والعشرين.

بعد الانقلابات والقتل والسحل والبيان رقم واحد وانتظار ما ياتي بعد كل تغيير دون معرفة الجوهر الحقيقي لكل سلطة مسيطرة دون اي تغيير جذري ملموس في جوهر الحكم، حتى وصلت الحال الى اعتى مرحلة وما شهده الشعب العراقي من الويل في حياتهم لم يكن له المثيل في اية بقعة اخرى في العالم في عصره. واعتقد البعض ان ما حصل له يمكن ان يكون عبرة لتُتخذ درسا عميقا منها مهما كانت سطلته الجديدة كل بعد اخرى، وان تراجعت وحكمته حتى الملكية. ولكن ما حصل لم يكن في بال احد ان يفعل المحتلون الخقيقيون الكثيرون بمن هم يعتبرونه جارا او صديقا او شقيقا كذلك من جاء بعيدا ليضفي حساباته على حساب هذا الشعب المغدور اصلا.

اليوم وبعد كل ما شهده الشعب العراقي فيما لم يتصور ان يحصل، واخيرا وصل الى انتخاب حكومة مماثلة لما قبلها جوهرا وبتغييرات شكلية دون المساس بالنظام والارضية التي برزت هذه السلطة وانبثقت منها الموجود حاليا في هذه الدائرة المغلقة التي لا يمكن فتحها بسهولة. ولكن السؤال الذي يطرح دائما بعد مجيء كل حكومة، ترى هل ستنجح ولو نسبيا ام مصيرها الفشل كسابقاتها او تكون افشل من قبله ويمكن الوصول الى الحضيض بنسبة اكثر من غيرها.

و للجواب عن هذا لابد من التعمق في اسباب الوصول الى الحالة وماهو دور الشعب وسماته ووعيه ومستواه الثقافي العام الذي يمكن ان يحتسب له سواء موقع قوة او نقطة ضعف له، والحكومة والعقلية التي تحكم ليس الا نابعة من مجموع العقلية العامة للشعب ومنبثق منها ولا يمكن تصور تايان الاعجاز منها. ان تكلمنا عن كل ذلك فيطول الامر، ولكن لابد ان نقول باختصار، ان النظرة الواقعية على المشاكل المستعصية الطويلة الامد التي تفرز منها المشاكل الثانوية وايمان المتنفذ لحلها ،المعلوم ان الاصرار على انهاء الخلافات ليس بسهل الا اذا توفرت الخصائص المتميزة للقائد الذي ينبري بقوة للتوصل الى الحلول الجذرية بعيدا عن تجنب التعقيدات او تاجيلها او الاعتماد على الحلول الترقيعية. النظام والقانون بيد من ينفذه ويمكن ايجاد كافة النوافذ للوصول الى الحلول باي قانون مناسب وما فيه العراق من السند الدستوري يمكن ان يدفعه الى خير العمل، ومن ينادي الى اعادة النظر به ليس الا من يحن الى الماضي او يريد الاستناد على ايديولوجيته وافكاره البالية ليست الا.

الابتعاد عن المثاليات وبعض الشعارات التي اعتمدتها الحكومات السابقة او الافكار التي قضى عليها الزمن ولم تعد مناسبة لهذا العصر، الالتزام بالواقعية في التعامل مع الموجود دينيا، مذهبيا، قوميا، ثقافيا، تاريخيا وجغرافيا بعيدا عن خداع النفس بايديولوجيات وخيالات وافكار بالية ليس لها اية قيمة لو استندت مقارنة مع الموجود على ارض الواقع. اي ان هناك شعوب ومكونات وو اديان ومذاهب وطرق وعقليات وطبقات مختلفة غير منتظمة في بنية العراق، اي ليس هناك ضبط وربط مطلوب كما هو حال شعب متجانس واهدافه معروفة في اطار دولة. وبناءا عليه يجب ان يعتمد اي مهتم الخطوط العريضة لما يفيد ويناسب المرحلة وحدود السلطة التي يمتلكها وامكاينة تطبيق ما يريد وتحقيق الاولويات التي يجب تسلسلها وتناسبها مع الفترة التي يمكن ان ينفذها المتنفذ.

يجب ان نقول بداية، ان الارضية التي جاءت بالكاظمي كاعلى سلطة في الدولة في هذه المرحلة هي نفسها مكما جاءت بما قبلها ولكن بظروف باجواء سياسية داخلية وخارجية مختلفة، بحيث ان الاجماع اشبه بالكلي عليه يعتبر عاملا مساعدا لتحقيق اهدافه وان كان تنفيذ مهامه ليس بالسهولة وانما يمكن ان نتوقع بقدر من النجاح وان كان صعبا. فالاولويات التي يهتم بها يمكن ان تكون قاعدة اما ترسخ العمل المستقبلي او تعبر بها المرحلة دون الانتقال الى مرحلة مغايرة تماما كما يتمناها الجميعلان العقبات تفرض الاهتمام بالاقصر. القضايا الشائكة الاساسية التي تفرض نفسها، هي كيفية تقارب المكونات قوميا كانت ام دينيا ومذهبيا في اطار الدستور والالتزام به دون الالفتات لمن يظن ان الدستور هو سبب المشاكل، ومن ثم تجنب الدخول في معمعة السفطسطات التي تريدها الجهات المتعددة له من اجل تغطية الفساد والانتماءات والوفاء لما يتبعون من الجهات التي تحركهم لمصالح ضيقة الافق. اي الاهتمام سياسيا بما يجري من اجل تخفيف اثار الوضع الاقتصادي الصعب الذي ينتظر العراق بكل تاكيد. ومن اولى المهمات هو تجسيد التفاهمات التي يمكن ان تُبنى بها القاعدة الراسخة للتعايش ومن ثم استئصال المشاكل العصيبة التي تمكنت من الشعب العراقي بكل مكوناته خلال العقود التي تلت انبثاق هذه الدولة، ويمكن ان يتحقق هذا بمراحل متتالية .

 اي مهمة الكاظمي في هذه المرحلة هي اعادة نسبة معقولة من الثقة بين الاطراف ومن ثم وضع حجر الاساس للمراحل القادمة، وفي مقدمة ما يفرض نفسه ومن صالحه ان يلتفت اليه في كل لحظة هو الطبقة المسحوقة الكادحة بعيدا عن مصالح الاحزاب، لانهم يمكن ان يساندوه بعد ان يلمسوا منه الخير وهم من يمكن ان يزيحوا اي حزب كان لو اعتبروه عائقا لمسيرة حياتهم. وهناك امور يومية تنفيذية لابد ان يعتمدها ويدخل في تفاصيل اداء الواجبات التي لا يسع هنا ذكرها بشكل خاص. فاول المهام هو الننظيم والاستناد على الشعب وان جاءت بشكل معلوم الا انه يمكن ان يتجنب اضغوطات بتغيير المسار كليا والاعتماد على الشعب بشكل مباشر وان كان الوزراء من حصص الاحزاب، فهم لهم شخصيتهم وعقليتهم ويمكن ان تيفردوا في تنفيذ مهامهم عن من جاء بهم وهذا يقع على عاتق الكاظمي ان يزرع فيهم هذهالروحية ويلح عليها منذ ان يلتقي بهم في الجلسة الاولى لسطلته الحكومية، ولو نجح بنسبة وحتى قليلة جدا في هذا المضمار فسوف ينبي قاعدة راسخة لبناء مرحلة جديدة للخروج من سطوة الاحزاب قريبا. 

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم