أقلام حرة

صادق السامرائي: التدوين والتطمين!!

هناك مسألة مهمة ربما لم يقترب منها المؤرخون، تتعلق بتدوين التأريخ في الإسلام، والذي بدأ بعد أكثر من قرن من وفاة قائد الدين.

أي بعد إنتهاء الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، وعندما بدأ التدوين واجه المدونون تحديا كبيرا ومرعبا، فما لديهم من روايات وأحداث أن المسلمين تقاتلوا عند فجر الدعوة، وفعلوا ببعضهم ما فعلوه منذ الأيام الأولى لوفاة الرسول الكريم، بل أن الصحابة قتل بعضم بعضا.

وعندما يُراد تدوين الأحداث في دولة بلغت ذروة قوتها وهيمنتها، وقدرتها على بسط نفوذها على الدنيا، حضر التوفيق والإجتهاد اللازم لإظهار الحالة بما يناسب عظمتها.

مع أن بناء الدولتين الأموية والعباسية لا يمثل الدين، وإنما سلوك إمبراطوري كغيره من الحالات السابقة له، وكان صراع بين قوى ومواجهة تحديات، وفي الحالتين أستعمل الدين ذريعة للحكم، فالدين كان وسيلة حكم، وبموجبه ضبطت الدولة وخضعت الناس، وصار شعار السمع والطاعة مقدسا، فأي مخالفة وخروج عن إرادة الدولة يكون كفرا.

وإستخدام الدين لبسط النفوذ بدأ منذ عصر الدولة فوق التراب، وهو قديم جدا، ولا توجد قوة في التأريخ لم تستثمر الدين ليكون وسيلتها للهيمنة على ترابها، فالذي يعارض يوصف بالكفر والزندقة، وبما يستوجب القتل.

ولهذا فأن مسيرة الدول الممثلة للإسلام محكومة بإرادة الفقهاء، الذين يسيطرون على حركة العامة ويوجهون سلوكهم، ولا يزال دورهم فاعلا في الزمن المعاصر.

فهل يا ترى أن المدونين الأوائل للتأريخ سيجرؤون على كتابة الحقيقة، أم أن عليهم لوي عنقها وتطويعها لتتوافق وإرادة القوة والسلطة؟

فمن الواضح أن المدوَّن مطوَّع لتأمين هيبة السلطة وقدسية الشخص الأول في الدولة، ويبدو أن المدونين وجدوا في القدسية قوة رادعة ومؤثرة لصناعة الأمن والإستقرار وتأكيد إرادة الحاكم والسلطان، وتتويجها بالمطلق الذي لا يجوز مساءلته.

ولهذا كان دور الخليفة في الدولة العباسية بعد مقتل المتوكل رمزيا، ويضفى على نظام الحكم  القدسية ووجوب الطاعة التامة، فتحقق إستخدام الخلفاء المرهونين المقدسين المصطفين، لتمرير مآرب العديد من الفئات والجماعات، فما دامت الخطب قائمة بإسم الخليفة، حتى صار الإسلام خليفة يمثل الدين وبدونه تهتز عروش أمة الدين.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم