أقلام حرة

علي حسين: دولة مكافحة التنمية

أصعب ما يحدث لكاتب العمود اليومي، أن يتحدث في موضوع يتعلق بأرزاق الناس وطموحاتهم وأحلامهم ومستقبلهم، والأسوأ أن يحاول ملء هذه الزاوية المتواضعة بأخبار نواب الصفقات ومنظري الفشل والخراب، والأكثر إيلاما أن لا يجد المواطن ما يطمئنه على أن البلاد تسير في طريق التنمية والعمران والمشاريع الاقتصادية، وأن تحاصره أخبار الدولار صباح كل يوم .

ماذا يفعل ياسادة كاتب مثل جنابي لا حول له ولا قوة عندما يجد الخراب يحاصرنا من كل الزوايا؟ وعندما يصر نائب وبالبث المباشر على إيهامنا بأن ما تحقق في العراق خلال السنوات الماضية يفوق ما أنجزته دول كبرى؟ .

هل قرأتم مثلي الخبر الصادر عن جهاز مكافحة الإرهاب والذي يخبرنا فيه أن عدد المتقدمين إلى الجهاز بلغ ثمانية ملايين؟.. قد يقول البعض يارجل لا تبالغ، لكن هذا ما حصل والخبر منشور في جميع مواقع التواصل الاجتماعي . ولهذا اسمحوا لي أن أسأل لماذا يلجأ الشباب الى البحث عن وظائف في الاجهزة الامنية والعسكرية ؟ والجواب معروف عند جميع العراقيين، فنحن البلد الوحيد الذي يصر على مكافحة الصناعة والزراعة وطرد الشركات ومحاصرتها .

الناس تعرف جيداً أن ساستنا الأفاضل أبدلوا ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو الخطابات الزائفة ففي كل يوم يصحو العراقيون على سؤال جديد؛ هل الحديث اليومي عن انتخابات مجالس المحافظات يمكن أن يعوضهم، سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين؟، فبدلاً من أن يكون سعي الساسة إلى أن يكون العراق تاريخاً من التنمية والازدهار، تحول على أيديهم إلى سلسلة طويلة من التجارب الفاشلة في الحكم.

اليوم نحن في محنة، ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. وأصعب المحن هي المتعلقة بحقوق المواطن في أن يعيش آمناً مطمئناً متنعماً بالخدمات في بلد موازنته عشرات المليارات . البرلمان لم يعالج الأزمة، ولم يوجه دعوة للأكفاء. بل السبب كان دوماً تحاشي التخطيط المستقبلي، والوقوع في دوامات الفشل.

في واحدة من تجارب العالم المزدهرة نقرأ عن تجربة فيتنام التي خاضت منذ عقود حربًا شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، لكن اليوم تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وتعد البلد الاول في صناعة الملابس، وانتقلت اليها كبرى الشركات العالمية، حيث سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، لكنها لا تنسى أن تحتفل بذكرى أبطالها الذين صنعوا لها المستقبل.

هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتنافس على ارتفاع نسبة البطالة .

***

علي حسين

في المثقف اليوم